دعوات لـ«مليونية تحرير الخرطوم» في ذكرى «ثورة ديسمبر» اليوم

ترفع شعار «لا تفاوض ولا مساومة ولا شرعية» وتتوجه إلى القصر الرئاسي

مظاهرات حاشدة أمام مقر قيادة الجيش في 6 أبريل 2019 أطاحت بحكم البشير (أ.ف.ب)
مظاهرات حاشدة أمام مقر قيادة الجيش في 6 أبريل 2019 أطاحت بحكم البشير (أ.ف.ب)
TT

دعوات لـ«مليونية تحرير الخرطوم» في ذكرى «ثورة ديسمبر» اليوم

مظاهرات حاشدة أمام مقر قيادة الجيش في 6 أبريل 2019 أطاحت بحكم البشير (أ.ف.ب)
مظاهرات حاشدة أمام مقر قيادة الجيش في 6 أبريل 2019 أطاحت بحكم البشير (أ.ف.ب)

يتهيأ السودانيون اليوم (الأحد) للخروج في مظاهرات في العاصمة ومدن البلاد الأخرى تحت شعار «مليونية تحرير الخرطوم من الانقلابيين»، وتذهب كل التوقعات إلى أنها ستكون نقطة تحول كبيرة في الحراك الشعبي الرافض لتدخل الجيش واستيلائه على السلطة بالبلاد في 25 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وأعربت منظمة «إيقاد» الداعمة لعملية السلام، في القرن الأفريقي عن قلقها لتعطل الانتقال للحكم المدني في السودان.
ومنذ يوم أمس، بدأ المئات بالتوافد من الولايات إلى الخرطوم للمشاركة في المواكب المليونية، التي تتزامن مع الذكرى الثالثة لثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 التي أطاحت بنظام «الجبهة الإسلامية» الذي حكم البلاد أكثر من 30 عاماً.
وصاحب الدعوة لمظاهرات اليوم زخم إعلامي مكثف على الأرض ومواقع التواصل الاجتماعي والفعاليات التنشيطية في الأحياء، للحشد والتعبئة، تدعو المواطنين للمشاركة في المظاهرات التي ترفع شعار: «لا تفاوض ولا مساومة ولا شرعية» مع «قادة الانقلاب»، ورفض الاتفاق السياسي الموقع بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك. وقالت تنسيقيات لجان المقاومة بالخرطوم في بيان، إن المواكب ستتوجه إلى القصر الجمهوري للمطالبة بتسليم السلطة للمدنيين. ويتوقع أن تلجأ السلطات لإغلاق الجسور والطرق الرئيسية ونشر قوات نظامية كبيرة لمنع وصول المتظاهرين إلى قلب الخرطوم.
وحض المبعوث الأممي الخاص بالسودان فولكر بيرتس، في تغريدة على «تويتر»، السلطات الأمنية على احترام الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي. وقال: «عشية ذكرى ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، أتوجه بالتهنئة للشعب السوداني لما أظهره من شجاعة وما بذله من تضحيات لتحقيق تطلعاته نحو الديمقراطية».
ودعت «قوى الحرية والتغيير (ألتحالف الحاكم السابق في البلاد) كل قطاعات الشعب للمشاركة في المظاهرات السلمية، وطرحت إعلاناً سياسياً يؤكد ضرورة إجراء إصلاحات سياسية شاملة خلال الفترة الانتقالية تنتهي بإجراء بانتخابات حرة ونزيهة. وكانت «قوى الحرية والتغيير» قد اتهمت السلطات بدس «عناصر تابعة لهم لتخريب ندوة سياسية في مدينة الخرطوم بحري ليلة أول من أمس»، أقامتها، للتنديد بإجراءات الجيش في 25 أكتوبر وأطلقت عليهم الغاز المسيل للدموع وهاجمت الحضور بالأسلحة البيضاء وحطمت الكراسي ومعدات الندوة واعتدت على أجهزة الإعلام.
وقالت «قوى الحرية والتغيير» في بيان: «نحمل الانقلابيين المسؤولية عن تخريب النشاط السلمي». واعتبرت أن «انقلاب البرهان» لا يحمل سوى القمع، واستمرار العنف الممنهج من أجهزة الأمن. ودعت «قوى الحرية والتغيير» المجتمع الإقليمي والدولي إلى أن يدرك قبل فوات الأوان أن الاتفاق السياسي الموقع بين قائد الجيش ورئيس الوزراء، لن يؤدي إلا لإجهاض التحول المدني الديمقراطي. وارتفعت حصيلة ضحايا الاحتجاجات في السودان منذ 25 أكتوبر الماضي إلى 45 قتيلاً ومئات المصابين.
وتتهم «لجنة أطباء السودان المركزية» (هيئة نقابية مهنية) قوات الأمن بإطلاق الرصاص الحي على المشاركين في المظاهرات التي شهدتها مدن البلاد منذ الانقلاب العسكري. وفي 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وقع عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي الحالي، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك اتفاقاً سياسياً تضمن عودة الأخير لمنصبه، وتشكيل حكومة كفاءات، إلا أن قوى سياسية ومدنية عبرت عن رفضها للاتفاق باعتباره «محاولة لشرعنة الانقلاب»، متعهدة بمواصلة الاحتجاجات حتى تحقيق الحكم المدني الكامل.
في غضون ذلك، أعربت منظمة «إيقاد»، التي يرأس دورتها الحالية، رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، عن قلقها والمجتمع الدولي من تعطل الانتقال للحكم المدني في البلاد. وقال السكرتير التنفيذي لـ«إيقاد» وركنه جيبيهو في الخطاب الذي ألقاه في مدينة ممبسا الكينية أول من أمس، إن الأوضاع الحالية تهدد وتقوض التقدم المحرز في إعادة قبول السودان في المجامع الدولي. وأشار إلى أن هذه التطورات تعرض جهود الوساطة، التي يقوم بها رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميادريت، التي توصلت لاتفاق جوبا للسلام لإنهاء الحرب في دارفور. وعبر عن سعادته لإعادة حمدوك لمنصبه، والعودة للحكم المدني، وما تم من إفراج عن القادة السياسيين الذين تم اعتقالهم. ودعا الشعب السوداني وحكومته لمواصلة المشاركة في حوار بناء واتخاذ إجراءات إيجابية تهدف إلى عودة الحكم المدني وتحقيق التطلعات الواردة في الاتفاق السياسي بين العسكريين والمدنيين.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.