يمنيون يستبعدون انسلاخ الحوثيين عن المشروع الإيراني

اتهموا الجماعة بأنها عنصرية وذات عقيدة إرهابية ونزعة تسلطية

TT

يمنيون يستبعدون انسلاخ الحوثيين عن المشروع الإيراني

مع تنامي الأحاديث والتحليلات في الأوساط العربية والغربية على حد سواء عن إمكانية أن تقود الضغوط السياسية والعسكرية إلى جانب الإغراءات المختلفة إلى انسلاخ الميليشيات الحوثية عن المشروع الإيراني في المنطقة، يجزم سياسيون ومراقبون يمنيون استحالة تحقق الأمر لجهة أن الجماعة في جوهرها وجدت لتكون شوكة في الخاصرة العربية وامتدادا لمشروع ولاية الفقيه، إلى جانب طبيعة الجماعة الإقصائية القائمة على العنف والعنصرية والتشبع بالعقائد التاريخية الثأرية.
ففي الوقت الذي ترى فيه بعض الدوائر الغربية وجود فروق بين الحوثيين و«حزب الله» من جهة التبعية المطلقة وإمكانية استدراج الجماعة للتعايش مع بقية الفئات اليمنية الغالبة ضمن صيغة حكم معينة، جاء سلوك قادة الميليشيات منذ نشأتها، ليعزز من عدم صوابية مثل هذا الطرح، مع توغل الهيمنة الإيرانية على القرار السياسي والعسكري للميليشيات وصولا إلى تصريحات المعميين الإيرانيين وقادة الحرس الثوري عن هذه الهيمنة التي توجها إرسال القيادي حسن إيرلو إلى صنعاء بصفة سفير غير شرعي للإشراف على حكم المناطق الخاضعة للميليشيات، بموازاة الدور الذي يقوم به عبد الرضا شهلائي في قيادة العمليات العسكرية الإرهابية للجماعة.
استحالة الاستقطاب
يرى الكاتب اليمني محمود الطاهر لـ«الشرق الأوسط» استحالة استقطاب الجماعة الحوثية إلى المحور العربي بعد كل هذه السنوات، ويقول لـ«الشرق الأوسط» «لا أتوقع أنه يمكن استقطاب الحوثي، طالما هو ضمن مشروع إيراني لتنفيذ مخطط فارسي في المنطقة، مع عينه على جميع دول الإقليم وفقًا لمخطط الهلال الشيعي».
ويضيف الطاهر بالقول «ولأن تاريخ الحركة وتمردها ابتداء من عام 2004، وما سبقه من تهيئة سياسية وثقافية لسنوات غير قليلة، نجد أن من يتبّنى مثل هذه الدعوة أو يقدِّمها باعتبارها حلًّا في الداخل اليمني، هم قيادات حوثية تحاول أن تبدو أكثر ذكاءً من تلك التي لا تنفك عن تأكيد ولائها لطهران».
ولايخفي الطاهر أمانيه بخصوص إمكانية تحقق مثل هذا الأمر، غير أنه يرى أن الوقائع كلها تشير إلى استحالته ويقول «الواقع والتصريحات المتكررة والأفعال المتواصلة من قبل الحوثيين، والتي أصبحت تمارسها بشكل علني منذ مقتل قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، ونشر صوره في مناطق سيطرة الجماعة، إضافة إلى نشر المذهب الإثنى عشري في اليمن، والتأكيدات الأخيرة لقادة الجماعة حول أنها لا تمكن أن تكون إلا فيما يسمى محور (المقاومة)، كلها أمور تؤكد استحالة استقطاب الجماعة».
ويتابع بالقول «حاولت السعودية أكثر من مرة، وحاول اليمنيون والوسطاء، حينما كان الحوثيون محاصرين في صنعاء ولم ينجح الأمر، والحديث اليوم عن نجاح هذه المحاولة والحوثي في وضع أكثر قوة، غير واقعية، وفي كل الأحوال لا يمكن فصل الحوثي عن إيران إلا ببتره، وبغير ذلك لا أتوقع أن يتم إعادة اليمن لمحيطها العربي».
ترابط عضوي؟
يعتقد الكاتب اليمني أحمد عباس أن القائلين بإمكانية سلخ الجماعة الحوثية عن المشروع الإيراني، يجهلون ماهيتها، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الجماعة الحوثية تمتلك آيديولوجيا خاصة بها قائمة على خرافات وخزعبلات وفكر يدعي الحق الإلهي بالحكم، وما هذا التماهي مع المشروع الإيراني إلا للاستفادة من قدرات إيران ودعمها لهذه التيارات التي دمرت الدول العربية التي توجد فيها».
يضيف عباس: «هذه الميليشيات ترى نفسها جماعة فوقية هي الأحق بالحكم والتسلط على رقاب اليمنيين، سواء تلقت الدعم من إيران أو من غيرها، والتاريخ في اليمن سجل عبر الألف سنة الماضية المآسي التي تعرض لها اليمنيون من قبل أسلاف الجماعة الذين حكموا لعقود وتسلطوا على رقاب اليمنيين»، مضيفا أن «خطورة الحركة الحوثية نابعة من أفكارها وقناعاتها الدينية، أما إمكانية فصلها عن إيران فهذا من سابع المستحيلات، لأن الترابط بين هذه التيارات وإيران أصبح عضويا ويصعب على أي من الطرفين التخلي عن الآخر». ويعزز فكرته بالقول إن «إيران ترى في هذه الحركة عميلا يمكنها من السيطرة على باب المندب وتهديد السعودية من الجنوب وورقة ضغط تفاوض وتبتز بها المجتمع الدولي، والحوثية تجد في إيران آخر الملاذات في العالم وداعما رئيسيا لها لأن المحيط العربي والداخل اليمني لايمكن أن يقبل بها».
ولا يذهب السياسي والإعلامي اليمني فخري العرشي بعيدا عما تم طرحه، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن الشعب اليمني يدرك أكثر من غيره، بأن ميليشيات الحوثي الانقلابية، تعمل برعاية وموجهات إيرانية، سواءً كانت تلك الموجهات في سياق استمرار المعركة والخوض فيها بشراسة، أو التهدئة حال لزم الأمر، والبحث في سياق تشاورات مطاطة، لا تحمل نوايا سلام ، وإنما ترتيب أوراق.
يتابع العرشي «ندرك جمعياً كيمنيين ومعنا تحالف دعم الشرعية، بأن الحوثي لا يمثل اليمن في قراراته، وقد انسلخ عن محيطه اليمني والعربي منذ تدشينه المشروع الميليشياوي، وادعاء حق المظلومية في حروب صعدة الست، بتفاصيلها ونقض عهوده المعروفة محلياً وإقليمياً، بل وبمعرفة المجتمع الدولى، الذي كان راعياً لهذه الجماعة، وسبباً في إقحامها في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي انقلبت عليه لاحقاً، وأدخلت البلد في أتون حرب حتى الساعة». وزاد أن «مسيرة الحرب شاهدة على كل أساليب العناد والغدر وتجنيد الأطفال نحو حرب تلتهم أجسادهم».



الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)

ازدادت مساحة التدخلات الحوثية في صياغة المناهج الدراسية وحشوها بالمضامين الطائفية التي تُمجِّد قادة الجماعة وزعيمها عبد الملك الحوثي، مع حذف مقررات ودروس وإضافة نصوص وتعاليم خاصة بالجماعة. في حين كشف تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن عن مشاركة عناصر من «حزب الله» في مراجعة المناهج وإدارة المخيمات الصيفية.

في هذا السياق، كشف ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن أعمال تحريف جديدة للمناهج، وإدراج المضامين الطائفية الخاصة بالجماعة ومشروعها، واستهداف رموز وطنية وشعبية بالإلغاء والحذف، ووضع عشرات النصوص التي تمتدح قادة الجماعة ومؤسسيها مكان نصوص أدبية وشعرية لعدد من كبار أدباء وشعراء اليمن.

إلى ذلك، ذكرت مصادر تربوية في العاصمة المختطفة صنعاء أن الجماعة الحوثية أقرّت خلال الأسابيع الأخيرة إضافة مادة جديد للطلاب تحت مسمى «الإرشاد التربوي»، وإدراجها ضمن مقررات التربية الإسلامية للمراحل الدراسية من الصف الرابع من التعليم الأساسي حتى الثانوية العامة، مع إرغام الطلاب على حضور حصصها يوم الاثنين من كل أسبوع.

التعديلات والإضافات الحوثية للمناهج الدراسية تعمل على تقديس شخصية مؤسس الجماعة (إكس)

وتتضمن مادة «الإرشاد التربوي» -وفق المصادر- دروساً طائفية مستمدة من مشروع الجماعة الحوثية، وكتابات مؤسسها حسين الحوثي التي تعرف بـ«الملازم»، إلى جانب خطابات زعيمها الحالي عبد الملك الحوثي.

وبيّنت المصادر أن دروس هذه المادة تعمل على تكريس صورة ذهنية خرافية لمؤسس الجماعة حسين الحوثي وزعيمها الحالي شقيقه عبد الملك، والترويج لحكايات تُضفي عليهما هالة من «القداسة»، وجرى اختيار عدد من الناشطين الحوثيين الدينيين لتقديمها للطلاب.

تدخلات «حزب الله»

واتهم تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن، الصادر أخيراً، الجماعة الحوثية باعتماد تدابير لتقويض الحق في التعليم، تضمنت تغيير المناهج الدراسية، وفرض الفصل بين الجنسين، وتجميد رواتب المعلمين، وفرض ضرائب على إدارة التعليم لتمويل الأغراض العسكرية، مثل صناعة وتجهيز الطائرات المسيّرة، إلى جانب تدمير المدارس أو إلحاق الضرر بها أو احتلالها، واحتجاز المعلمين وخبراء التعليم تعسفياً.

تحفيز حوثي للطلاب على دعم المجهود الحربي (إكس)

وما كشفه التقرير أن مستشارين من «حزب الله» ساعدوا الجماعة في مراجعة المناهج الدراسية في المدارس الحكومية، وإدارة المخيمات الصيفية التي استخدمتها للترويج للكراهية والعنف والتمييز، بشكل يُهدد مستقبل المجتمع اليمني، ويُعرض السلام والأمن الدوليين للخطر.

وسبق لمركز بحثي يمني اتهام التغييرات الحوثية للمناهج ونظام التعليم بشكل عام، بالسعي لإعداد جيل جديد يُربَّى للقتال في حرب طائفية على أساس تصور الجماعة للتفوق الديني، وتصنيف مناهضي نفوذها على أنهم معارضون دينيون وليسوا معارضين سياسيين، وإنتاج هوية إقصائية بطبيعتها، ما يُعزز التشرذم الحالي لعقود تالية.

وطبقاً لدراسة أعدها المركز اليمني للسياسات، أجرى الحوثيون تغييرات كبيرة على المناهج الدراسية في مناطق سيطرتهم، شملت إلغاء دروس تحتفي بـ«ثورة 26 سبتمبر (أيلول)»، التي أطاحت بحكم الإمامة وأطلقت الحقبة الجمهورية في اليمن عام 1962، كما فرضت ترديداً لـ«الصرخة الخمينية» خلال التجمعات المدرسية الصباحية، وتغيير أسماء المدارس أو تحويلها إلى سجون ومنشآت لتدريب الأطفال المجندين.

مواجهة حكومية

في مواجهة ما تتعرض له المناهج التعليمية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من تحريف، تسعى الحكومة اليمنية إلى تبني سياسات لحماية الأجيال وتحصينهم.

اتهامات للحوثيين بإعداد الأطفال ذهنياً للقتال من خلال تحريف المناهج (أ.ف.ب)

ومنذ أيام، أكد مسؤول تربوي يمني عزم الحكومة على مواجهة ما وصفه بـ«الخرافات السلالية الإمامية العنصرية» التي تزرعها الجماعة الحوثية في المناهج، وتعزيز الهوية الوطنية، وتشذيب وتنقية المقررات الدراسية، وتزويدها بما يخدم الفكر المستنير، ويواكب تطلعات الأجيال المقبلة.

وفي خطابه أمام ملتقى تربوي نظمه مكتب التربية والتعليم في محافظة مأرب (شرق صنعاء) بالتعاون مع منظمة تنموية محلية، قال نائب وزير التربية والتعليم اليمني، علي العباب: «إن ميليشيات الحوثي، تعمل منذ احتلالها مؤسسات الدولة على التدمير الممنهج للقطاع التربوي لتجهيل الأجيال، وسلخهم عن هويتهم الوطنية، واستبدال الهوية الطائفية الفارسية بدلاً منها».

ووفقاً لوكالة «سبأ» الحكومية، حثّ العباب قيادات القطاع التربوي، على «مجابهة الفكر العنصري للمشروع الحوثي بالفكر المستنير، وغرس مبادئ وقيم الجمهورية، وتعزيز الوعي الوطني، وتأكيد أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) المجيدتين».

قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

ومنذ أيام توفي الخبير التربوي اليمني محمد خماش، أثناء احتجازه في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة الحوثية، بعد أكثر من 4 أشهر من اختطافه على خلفية عمله وزملاء آخرين له في برنامج ممول من «يونيسيف» لتحديث المناهج التعليمية.

ولحق خماش بزميليه صبري عبد الله الحكيمي وهشام الحكيمي اللذين توفيا في أوقات سابقة، في حين لا يزال بعض زملائهم محتجزين في سجون الجماعة التي تتهمهم بالتعاون مع الغرب لتدمير التعليم.

وكانت الجماعة الحوثية قد أجبرت قبل أكثر من شهرين عدداً من الموظفين المحليين في المنظمات الأممية والدولية المختطفين في سجونها على تسجيل اعترافات، بالتعاون مع الغرب، لاستهداف التعليم وإفراغه من محتواه.