الأعياد في لبنان تسترجع موائدها البسيطة تماشياً مع الوضع الاقتصادي

ازدهار أطباق تحت عنوان «شغل بيت»

TT

الأعياد في لبنان تسترجع موائدها البسيطة تماشياً مع الوضع الاقتصادي

مائدة العيد التي تشكل واحدة من أهم عناصر الاحتفال بأعياد الميلاد ورأس السنة في لبنان، ستكون أطباقها خجولة هذه السنة نسبة إلى الأعوام الماضية. فالأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد فرضت على اللبنانيين إيقاعاً وأسلوب عيش مختلفين عن السابق. وبعدما كانت سفرة العيد تتزين بأطباق مختلفة من اللحوم والمازات والحلويات، جرى اختصارها اليوم لتتلاءم مع جيب المواطن.
يعاني أصحاب محلات صناعة الطعام وتوزيعها (كايترينغ) من الحالة الاقتصادية المتردية في لبنان، بعضها اضطر إلى الإقفال، وغيرها لا يزال يتكل على الأشخاص المقتدرين مادياً كي يستمروا في عملهم. فيما نسبة أخرى لا تزال تمارس عملها مع فرق واسع في نوعية الأطباق المطلوبة من الزبائن.
ويقول نظام أسعد صاحب محل لتوزيع الطعام إلى البيوت والمكاتب: «تراجعت مهنتنا بشكل كبير وما عدنا نتحمل الاستمرار في العمل بسبب التغيرات المذهلة لسعر صرف الدولار». ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «اتخذنا قرارنا بالإقفال لأن الشريحة الاجتماعية المتوسطة التي كان اتكالنا عليها في البيع ما عادت حاضرة على خريطة مجتمعنا». وحسب نظام، فإن الأثرياء هم وحدهم الذين لا يزالون يعيشون نفس نمط حياتهم السابقة. وبرأيه أن الناس بغالبيتهم سيلجأون هذه السنة إلى أطباق بسيطة من «شغل البيت» للاحتفال بالعيد.
أما عايدة رحباني، والمعروفة في منطقة بعبدات، فكانت عنواناً مشهوراً لتحضير الطعام وتوزيعه على البيوت. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «غيرت مهنتي اليوم في ظل تفشي الجائحة والأزمة الاقتصادية معاً. الناس ما عادت تملك القدرة على إقامة الدعوات ومد الموائد. وبعد تراجع العمل قررت إقفال مطبخي وتحولت إلى (بيبي سيتر) (حاضنة أطفال)». وتتذكر عايدة أيام الأعياد في السنوات الماضية وتقول: «كنا نبدأ في التحضير، وتلقي الطلبات منذ أواخر شهر نوفمبر (تشرين الثاني). وكانت اللوائح تتألف من أطباق فخمة كديك الحبش والخروف المحشي والربيان الزهري مع الأرز. اليوم تغيرت حياة اللبنانيين وأصبحت هذه الأطباق بالنسبة لهم ذكرى، فاستبدلوها بأنواع الكبة والمعجنات لأن الجمعة تحلو بأصحابها في النهاية وليس بنوعية الأكل».
إيلي الذي يعمل موظفاً في محل «كايتيرينغ» يؤكد من ناحيته أن الشغل نار، ويتابع: «اكتملت طلبات أطباق العيد منذ أوائل شهر ديسمبر (كانون الأول). جميعها تعود لأشخاص مقتدرين مادياً لا يزالون يعيشون حياتهم بشكل طبيعي». ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة للطبقة المتوسطة فهي شبه غائبة عن هذه الطلبات إلا في حال كان لديها ابن أو شقيق مهاجر يساعدها مالياً».
أما دانيا سيف، التي تعمل من مطبخها في منطقة ساحل علما، فتؤكد أن نسبة الطلبات ازدادت أيام العيد. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «صحيح أن الأسعار ارتفعت كثيراً، لكن بعض الناس يفضلون أطباقاً (شغل بيت) أحضرها في مطبخي وأسعارها مقبولة». وتخبرنا دانيا أن سعر طبق الديك الرومي يصل إلى 60 دولاراً، فيما كان لا يتجاوز الثلاثين في الماضي. وتكمل: «أول ما نسأل الزبون عن نوعية المكسرات التي يريدها في طبق الكبة أو السمبوسك. فإذا رغب بأن يكون الصنوبر من مكوناتها ترتفع أسعارها تلقائياً».

- العودة إلى موائد القرية البسيطة
عرف أهالي القرية في لبنان بأطباقهم التراثية والعريقة والمصنوعة بمكونات طبيعية. فهم يزرعون ويحصدون من أراضيهم ويفتخرون بأن الخضار واللحوم والفواكه هي صحية، ينتظرون مواسمها من فصل إلى آخر.
اليوم بات اللبنانيون يفضلون العودة إلى هذه الأطباق البسيطة كأقراص الكبة المقلية والفاصولياء واللوبياء بالزيت. طبق التبولة لا يزال يتصدر مائدة العيد، ولكن وبدلاً من الديك الرومي والخروف المحشي استعيض عنهما بلحوم أقل سعراً كالدجاج.
وترى مانويلا يونس وهي جدة لستة أحفاد أن مائدة العيد هذه السنة ستشبه إلى حد بعيد موائد أيام زمان البسيطة التي تتألف من أطباق عادية وبأعداد قليلة. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «في الماضي كانت والدتي تجمعنا حول مائدة تصنع مكوناتها وأطباقها قبل ليلة واحدة من موعد العيد. سأقلدها هذه المرة، وأحضر لأولادي وأحفادي طبق الأرز مع الدجاج. وكذلك السمبوسك والفطاير بالسبانخ ومناقيش الزعتر والكشك الصغيرة الحجم بدل البيتزا. وطبعاً مع طبق كبير من التبولة».
أما منى أبو سمرة في العقد السابع من عمرها فهي أيضاً ستغير من عاداتها القديمة لتحضير مائدة العيد، وستركن إلى حديقتها في بلدة الشوير لتحضر التبولة، وكذلك إلى مزرعتها الصغيرة للدجاج لتحضر الطبق الرئيسي منها. «العيد بالنسبة لنا يرمز إلى العائلة ولم الشمل. وسفرة العيد ستتألف من ديك بلدي مع الأرز، أحضره قبل 48 ساعة في نقوع خاص. وكي أسرع في إنضاجه، لأن لحمه يكون قاسياً عادة، أضيف إلى مرقه ملعقة سكر كبيرة. ويسبق هذا الطبق تناول الحساء الساخن المحضر من مرقه، أزينه برشة بقدونس مفرومة وحبيبات اللوز المحمص». ومن الأطباق التي تتذكرها منى المازات الجبلية وتدرجها هذه السنة على مائدة العيد كاللوبياء والبطاطس المتبلة مع الطحينة. وتحضر أيضاً كميات صغيرة من قطع القلقاس المشوي مع صلصة الثوم والحامض. ولا تنسى تزيين مائدتها بالبطاطس المشوية على الحطب المقرمشة واللذيذة التي يحبها الأطفال. أما حلويات العيد فتتألف من الصفوف والكعك بالدبس. «كل هذه الأطباق سأحضرها في مناسبة العيد لأولادي. وبدل أن أضع الكستناء المسلوقة أو المشوية مع طبق الديك بالأرز، سأستبدلها بحبوب البلوط الحلوة من شجرتنا في الحديقة».
حتى شجرة العيد كانت تزين بطريقة مغايرة، وتتمنى منى لو تعود بها الأيام إلى الوراء وتعيش تلك اللحظات. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «شجرة الميلاد كنا نقطعها من غابة الصنوبر قرب منزلنا. وكانت تزين بثمر الأفندي وبكعك العيد. وكان يرش عليها القطن لتوحي لنا أنها مغطاة بالثلج. وكنا عندما نزور بعضنا يتم دعوتنا لقطف حبة ثمر مع كعكة حلو كـ(ضيافة العيد). وكذلك كنا نحصل من سلة قش تتصدر المنازل على كمشة فواكه مقددة من عنب وتين مجففين وجوز ولوز».
فديك الحبش والخروف المحشي وأطباق ثمار البحر التي شكلت لفترة طويلة، رموزاً لاحتفالات نهاية العام، تغيب هذه السنة، لتحل مكانها أطباق أكثر بساطة. وحده طبق التبولة بقي ثابتاً ومدرجاً على لائحة سفرة العيد، إذ لا تزال كلفة تحضيره مقبولة. كما أنه يعد من الأطباق المطلوبة من أفراد العائلة، ويزين الموائد في مختلف المناسبات.


مقالات ذات صلة

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

مذاقات ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات الشيف البريطاني هيستون بلومنتال (الشرق الأوسط)

9 نصائح من الشيف هيستون بلومنتال لوجبة الكريسماس المثالية

تعد الخضراوات غير المطبوخة بشكل جيد والديك الرومي المحروق من أكثر كوارث عيد الميلاد المحتملة للطهاة في وقت يقومون فيه بتحضير الوجبة الأكثر أهمية في العام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
مذاقات توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات إم غريل متخصص بالمشاوي (الشرق الاوسط)

دليلك إلى أفضل المطاعم الحلال في كاليفورنيا

تتمتع كاليفورنيا بمشهد ثقافي غني ومتنوع، ويتميز مطبخها بكونه خليطاً فريداً من تقاليد عالمية ومكونات محلية طازجة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».