العالم يتحول سريعاً إلى السيارات الكهربائية

«ليوتشو» مدينة صينية تحوز قصب السبق

شحن سيارة كهربائية (أ.ب)
شحن سيارة كهربائية (أ.ب)
TT

العالم يتحول سريعاً إلى السيارات الكهربائية

شحن سيارة كهربائية (أ.ب)
شحن سيارة كهربائية (أ.ب)

يُسهم النقل الطُرُقي بنحو 15 في المائة من مجمل انبعاثات الكربون العالمية الناتجة عن النشاط البشري. وباستثناء التراجع الطارئ الذي حصل السنة الماضية نتيجة انتشار جائحة «كورونا»، من المتوقع أن يستمر الطلب على النقل بالنمو في جميع أنحاء العالم مع زيادة عدد السكان وارتفاع معدلات الدخل.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية، في تقريرها «آفاق تكنولوجيا الطاقة 2020»، أن تزداد معدلات تملُّك السيارات بنسبة 60 في المائة ويتضاعف النقل العالمي للركاب بحلول 2070. وسيؤدي ذلك إلى زيادة كبيرة في انبعاثات الكربون، ما لم تتحسن كفاءة المحركات ويعمُّ استخدام وسائط النقل العاملة على الكهرباء أو الهيدروجين النظيفين.

خطط لخفض الانبعاثات من المركبات

يمكن لبعض قطاعات النقل أن تصبح محايدة كربونياً خلال عقود قليلة باستخدام محركات الكهرباء أو الهيدروجين. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يجري التخلص تدريجياً من الانبعاثات الصادرة عن الدراجات النارية في غضون العقدين المقبلين، ومن الشاحنات الصغيرة بحلول 2060. ورغم أن الانبعاثات الصادرة عن السيارات والحافلات لن يتم القضاء عليها تماماً حتى 2070. فإن مناطق كثيرة في العالم، بما فيها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين واليابان، ستكون قد أوقفت مبيعات المركبات التقليدية بحلول 2040.
وكانت قمة المناخ (كوب 26)، التي اختُتمت مؤخراً في غلاسكو، شهدت قيام مجموعة حكومات ومستثمرين وشركات صانعة للسيارات بالتوافق على ورقة سياسات غير ملزمة للانتقال بنسبة مائة في المائة إلى مبيعات سيارات وشاحنات صغيرة عديمة الانبعاثات بحلول 2040 عالمياً، وبحلول 2035 في «الأسواق الرائدة». كما وافقت 15 دولة، من بينها بريطانيا وكندا ونيوزيلندا وتركيا وهولندا ودول إسكندنافية، في تعهد منفصل، على العمل لتحقيق نسبة 30 في المائة في مبيعات الشاحنات والحافلات الجديدة عديمة الانبعاثات خلال العقد المقبل، وبنسبة 100 في المائة بحلول 2040. كما تعهد الائتلاف الحكومي الجديد في ألمانيا بأن يصل عدد السيارات الكهربائية في البلاد إلى 15 مليوناً بحلول سنة 2030.
ومن الملاحظ أن هاتين المبادرتين افتقدتا عند الإعلان عنهما في غلاسكو بعض أكبر أسواق السيارات في العالم، بما فيها الولايات المتحدة والصين وألمانيا وكوريا الجنوبية واليابان. لكن الحكومة الألمانية الجديدة ما لبثت أن التزمت بأكثر من هذا الهدف في برنامجها للحكم. كما أن «تويوتا» و«فولكس فاغن» لم تضعا توقيعهما على هاتين المبادرتين، بينما وقَّعت عليهما «فورد» و«جنرال موتورز» و«مرسيدس بنز» و«جاغوار» و«فولفو»، إلى جانب شركة «بي واي دي» الصينية.
وتملك أغلب الشركات الصانعة للسيارات خططاً مستقبلية لجعل مبيعاتها أقل اعتماداً على الوقود الأحفوري. فشركة «فولفو» ستتخلى عن المحركات التقليدية تماماً بحلول 2030، فيما ستعمل «هوندا» على تحقيق الهدف ذاته لكن بحلول 2040. وبدورها تخطط «تويوتا» لجعل جميع مبيعاتها من السيارات إلى أوروبا كهربائية أو هجينة بحلول 2030، وستكون مبيعاتها إلى الصين و70 في المائة من مبيعاتها إلى أميركا الشمالية من النوعية ذاتها بحلول 2035. كما تسعى شركة «نيسان» لتكون نصف مبيعاتها تعتمد على محركات كهربائية أو هجينة بحلول 2030.
ومن المتوقع أن تدفع هذه المبادرات على مستوى الحكومات والشركات مبيعات السيارات العديمة الانبعاثات إلى مستويات قياسية خلال السنوات القليلة المقبلة، مقارنة بنسبة مبيعات السيارات الكهربائية حالياً، التي تبلغ نحو 10 في المائة في أوروبا، و2 في المائة فقط في الولايات المتحدة. كما يُنتظر أن تدخل محركات الهيدروجين الأسواق بقوة خلال هذا العقد.

عاصمة السيارات الكهربائية الصينية

تعمل صناعة السيارات الكهربائية على تطوير حلول للمصاعب التي تجعل السيارات التقليدية متفوقة عليها حتى الآن، وأبرزها ما يُعرف بنطاق القيادة الذي توفّره دورة الشحن الواحدة الذي يصل في سيارة «نيسان ليف 2020» إلى 240 كيلومتراً، فيما يبلغ في سيارة «تسلا 3» نحو 600 كيلومتر. وعادة ما ترتبط النطاقات الطويلة بكلف أعلى لزيادة سعة تخزين الكهرباء، ولذلك يغلب استخدام السيارات الكهربائية داخل التجمعات السكنية مع تجنب الرحلات الطويلة والقيادة في الطقس البارد الذي يستهلك طاقة البطارية.
ولكن من المنتظر حصول تقدُّم كبير في تكنولوجيا السيارات الهجينة في المستقبل القريب، بحيث تصبح بطارياتها ذاتية الشحن بالكامل بالاعتماد على محرّك السيارة العامل على الوقود التقليدي، مما يمكّنها من قطع المسافات الطويلة باستخدام الكهرباء بنسبة 80 في المائة والوقود العادي بنسبة 20 في المائة، بلا حاجة للشحن من مصدر خارجي أثناء الرحلة.
ومن التحديات التي تواجه السيارات الكهربائية بالكامل وقت الشحن، الذي يعتمد على سعة البطارية وسرعة الشاحن، وهو يتراوح حالياً ما بين 8 ساعات باستخدام الشاحن القياسي في حالة سيارة «تسلا إس» وساعة واحدة باستخدام الشاحن الفائق. وتتطلب أغلب السيارات ساعتين على الأقل لشحن بطاريتها الفارغة، فيما تزداد المسألة تعقيداً بغياب البنية التحتية للشحن في مواقف السيارات ومراكز التسوق وغيرها.
ولا تزال أسعار السيارات الكهربائية مرتفعة نسبياً. فبعيداً عن سيارات تسلا الباهظة، يبدأ سعر سيارة «نيسان ليف» وسيارة «هيونداي أيونيك» بنحو 30 ألف دولار بنطاق قيادة يقل عن 320 كيلومتراً. ومن الملاحظ أن أسعار السيارات الكهربائية تشهد انخفاضاً بالمقارنة مع نظيراتها التي تعمل على الغاز المضغوط، مثلاً، وهي فوق كل ذلك تحظى بإعفاءات ضريبية وحوافز حكومية تسهم في خفض التكلفة على المستهلك.
وتمثل مدينة «ليوتشو» Liuzhou الصينية قصة نجاح في تجاوز هذه المصاعب وتشجيع سكانها على التحول إلى استخدام السيارات الكهربائية. وكانت مبيعات السيارات في المدينة، التي يبلغ عدد سكانها نحو 3.8 مليون نسمة، سجلت رقماً قياسياً عالمياً حيث بلغت حصة السيارات الكهربائية المبيعة فيها خلال العام الماضي 30 في المائة.
وتمثل المدينة مقراً لتحالف شركات يجمع «جنرال موتورز» الأميركية وسايك وولينغ الصينية، التي تتولى تصنيع سيارات كهربائية صغيرة تبدأ أسعارها من 4500 دولار فقط، وتصل إلى 9 آلاف دولار بمواصفات رفاهية إضافية. وبهذه الأسعار التنافسية، يسيطر التحالف منذ شهر يوليو (تموز) الماضي على سوق السيارات الكهربائية في الصين، التي تعدّ الأضخم في العالم. ويهدف إلى تحقيق مبيعات سنوية تصل إلى 1.2 مليون سيارة كهربائية في العام المقبل، أي ما يعادل تقريباً عدد المركبات الكهربائية التي أنتجتها جميع الشركات الصينية في 2020.
ويعمل هذا التحالف بالشراكة مع سلطات المدينة لتحويلها إلى نموذج للمدن التي تدعم السيارات الكهربائية. وبفضل أكثر من 600 محطة عامة، نفذتها المدينة وتوفر نحو 7400 مقبس شحن، تحمل «ليوتشو» لقب «دائرة الشحن 10 دقائق»، حيث يستطيع سائقو السيارات الكهربائية إيجاد محطة شحن في نطاق 10 دقائق من موقعهم.
وتكاد تكلفة شحن السيارات أن تكون غير ملحوظة، حيث تعادل نحو دولار واحد لكل 60 كيلومتراً. وفوق كل ذلك يستطيع السائق ركن سيارته مجاناً من دون قيود في مواقف السيارات المخصصة للسيارات الكهربائية، أو مجاناً لساعتين فقط في مواقف السيارات العادية. كما تسمح سلطات المدينة لسائقي السيارات الكهربائية بقيادتها في الممرات المخصصة للحافلات، وهو امتياز يوفر الوقت خلال ساعة الذروة أو أثناء الاختناقات المرورية.
وتحظى المدينة بعدد من الفوائد البيئية نتيجة دعمها التحول إلى السيارات الكهربائية. ففي السنة الماضية، جرى تصنيف جودة مياه نهر ليوجيانغ الذي يخترق المدينة في المرتبة الأولى بين أنهار الصين الداخلية. كما تم تصنيف جودة الهواء اليومية في المدينة على أنها ممتازة في 97 في المائة من الوقت خلال 2020، مقارنة بنحو 76 في المائة فقط في العاصمة بكين.
وتخطط «ليوتشو» لتقديم المزيد من الدعم لقطاع السيارات من خلال التشجيع على توطين سلاسل التوريدات، وضمان الابتكار في التقنيات، وتعزيز الصادرات. فيما تسعى صناعة السيارات الكهربائية في المدينة إلى مضاعفة العوائد إلى ما يعادل 80 مليار دولار بحلول 2030.
يمثّل إقناع الناس بالتحول إلى السيارات الكهربائية رهاناً يصعب الفوز به من دون تخفيض الأسعار ووضع قوانين مُلزِمة. وفي المقابل، تُظهر تجربة مدينة «ليوتشو»، التي بدأت تنتقل عدواها سريعاً إلى المناطق المجاورة ومدن صينية أخرى، أن فرص النجاح في خفض الانبعاثات الناتجة عن النقل الطُرُقي تصبح كبيرة من خلال العمل المخطَّط الذي يضمن تقديم تسهيلات محدودة التكلفة في مقابل عوائد ملموسة عبر تقليل استهلاك الوقود وتحسين نوعية الحياة. كما تثبت أن تخفيض أسعار السيارات الكهربائية ممكن مع زيادة كميات الإنتاج وعدم المبالغة في الفخامة والكماليات.



ثلاثة أرباع أراضي العالم باتت «جافة بشكل دائم» خلال العقود الثلاثة الماضية

شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)
شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)
TT

ثلاثة أرباع أراضي العالم باتت «جافة بشكل دائم» خلال العقود الثلاثة الماضية

شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)
شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)

بات ما يزيد قليلاً على 75 في المائة من أراضي العالم «أكثر جفافاً بشكل دائم» على مدى العقود الثلاثة الماضية، وفق تقرير تدعمه الأمم المتحدة صدر، الاثنين، تزامناً مع مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) في السعودية.

وصارت الأراضي الجافة الآن تغطي 40 في المائة من مساحة اليابسة على الأرض، باستثناء القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا)، حسبما خلصت دراسة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، محذرة من أن هذا التحول يمكن أن يؤثر فيما يصل إلى خمسة مليارات شخص بحلول عام 2100، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأظهر التقرير الذي يشير إلى «تهديد وجودي» تفرضه مسارات يتعذّر تغيير اتجاهها، أن الأراضي الجافة، المناطق التي تصعب زراعتها، زادت بمقدار 4.3 مليون كلم مربع بين عامي 1990 و2020، وهي مساحة تعادل ثلث مساحة الهند.

تحذيرات من «القحط»

وجاء التحذير خلال اجتماع مؤتمر «كوب 16» الذي بدأ الأسبوع الماضي في الرياض ويستمر 12 يوماً، بهدف حماية الأراضي واستعادتها والاستجابة إلى الجفاف في ظل تغير المناخ المستمر.

ويحذّر التقرير من أن القحط، وهو نقص مزمن في المياه، يمتد الآن على 40.6 في المائة من كتلة اليابسة على الأرض، باستثناء القارة القطبية الجنوبية، مقابل 37.5 في المائة قبل 30 عاماً.

أشخاص يسيرون عبر جزء من نهر الأمازون تظهر عليه علامات الجفاف في كولومبيا (أ.ب)

كما يحذّر من أن المناطق الأكثر تضرراً تشمل الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط وجنوب أفريقيا وجنوب أستراليا وبعض مناطق آسيا وأميركا اللاتينية.

وقال الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إبراهيم ثياو: «على عكس الجفاف -فترات مؤقتة من انخفاض هطول الأمطار- يمثّل القحط تحولاً دائماً لا هوادة فيه».

وأضاف أن «المناطق المناخية الأكثر جفافاً التي تؤثر الآن في أراضٍ شاسعة في جميع أنحاء العالم لن تعود إلى ما كانت عليه، وهذا التغيير يعيد تعريف الحياة على الأرض».

«أسوأ سيناريو»

وأضاف التقرير أن التغييرات تُعزى إلى حد كبير إلى الاحتباس الحراري العالمي الناجم عن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تغيّر هطول الأمطار وتزيد من نسب التبخر.

وتشمل آثار نقص المياه المزمن تدهور التربة وانهيار النظام البيئي وانعدام الأمن الغذائي والهجرة القسرية، وفقاً للعلماء.

وحسب التقرير، يعيش بالفعل 2.3 مليار شخص في مناطق جافة تتوسع، مع توقعات تشير إلى أن «أسوأ سيناريو» يتمثّل في عيش 5 مليارات شخص في هذه الظروف مع استمرار ارتفاع درجة حرارة الكوكب.

ولمواجهة هذا الاتجاه، حثّ العلماء الأعضاء على «دمج مقاييس القحط في أنظمة مراقبة الجفاف الحالية»، وتحسين إدارة التربة والمياه، و«بناء القدرة على الصمود في المجتمعات الأكثر ضعفاً».