مفاوضات فيينا تنتهي باتفاق على «مسودة عمل» للجولة المقبلة

واشنطن نقلت لطهران {انزعاجها} من تقدم برنامجها النووي... و{الطاقة الذرية} تنتظر «تفسيراً» لاختفاء ذاكرة كاميرات منشأة كرج

غروسي يحمل كاميرا أمام الصحافيين في فيينا خلال حديثه عن اختفاء ذاكرة كاميرات المراقبة في منشأة كرج الإيرانية (د.ب.أ)
غروسي يحمل كاميرا أمام الصحافيين في فيينا خلال حديثه عن اختفاء ذاكرة كاميرات المراقبة في منشأة كرج الإيرانية (د.ب.أ)
TT

مفاوضات فيينا تنتهي باتفاق على «مسودة عمل» للجولة المقبلة

غروسي يحمل كاميرا أمام الصحافيين في فيينا خلال حديثه عن اختفاء ذاكرة كاميرات المراقبة في منشأة كرج الإيرانية (د.ب.أ)
غروسي يحمل كاميرا أمام الصحافيين في فيينا خلال حديثه عن اختفاء ذاكرة كاميرات المراقبة في منشأة كرج الإيرانية (د.ب.أ)

بإصرار من الطرف الإيراني، اختُتمت الجولة السابعة من المفاوضات النووية في فيينا، من دون أن يحدَّد موعد جديد لاستئنافها، رغم أن الاتحاد الأوروبي، منسق المحادثات، قال إنه يأمل أن تُستأنف «قبل نهاية العام». وأكد مسؤول أوروبي أن الجولة انتهت «بطلب إيراني» وأن الأطراف الأخرى في المفاوضات كانت مستعدة للبقاء لفترة أطول. وكان دبلوماسي أوروبي قد قال لـ«الشرق الأوسط» مطلع الأسبوع، إن المفاوضات ستستمر حتى مطلع الأسبوع المقبل، وستُختتم قبل أيام من عطلة عيد الميلاد بهدف حل أكبر قدر ممكن من الخلافات المتبقة قبل إنهاء الجولة. إلا أن الوفد الإيراني ظل يكرر طوال الأيام التسعة الماضية منذ استئناف الجولة، تمسكه بإنهاء الجولة والعودة إلى طهران للتشاور.
وفي أول تعليق أميركي على انتهاء جولة مفاوضات فيينا، قال جيك سولفيان مستشار الأمن القومي للرئيس جو بايدن، إن مفاوضات العودة للاتفاق النووي «لا تسير على ما يرام»، مضيفاً في ندوة عبر الإنترنت إن الولايات المتحدة نقلت لإيران عبر مفاوضين أوروبيين «انزعاجها» بشأن «تقدم طهران» في برنامجها النووي.
وكان إنريكي مورا، منسق المفاوضات باسم الاتحاد الأوروبي، قال إن المتفاوضين اتفقوا على مسودة عمل جديدة ستُستكمل المناقشات على أساسها. وهذه المسودة هي القديمة التي كان قد تم التوصل إليها مع الوفد الإيراني السابق وأُضيفت إليها تعديلات تقدم بها الوفد الإيراني الجديد برئاسة علي باقري كني. ويبدو أن المحادثات في الجولة السابعة التي انطلقت في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي مع استراحة لـ5 أيام وعادت فيها الوفود للتشاور، ركزت على مناقشة مطالب الحكومة الإيرانية الجديدة. وأكد مورا الأمر بالقول إن «ما قمنا به خلال الأيام الـ19 الماضية هو إدخال عمل الوفد الإيراني الجديد إلى المسودة الموجودة».
وقال دبلوماسيون أوروبيون من الدول الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، في ختام الجولة، إنه «تم تحقيق تقدم تقني في الساعات الـ24 الماضية ولكن هذا فقط يُعيدنا إلى مكان أقرب من حيث توقفنا في 20 يونيو (حزيران) الماضي». وأضافوا أن التوقعات كانت «باستئناف المفاوضات باعتماد نص يونيو كمسودة»، واصفين قرار الوفد الإيراني العودة إلى طهران بأنه «مخيِّب للآمال» وأنهم كانوا «مستعدين للبقاء وإكمال المفاوضات إلى جانب الروس والصينيين والأميركيين». ووصف دبلوماسيو الدول الأوروبية الثلاث استمرار المفاوضات بأنها «طارئة» وعبّروا عن أملهم في أن تقرر إيران استئنافها «بوتيرة أسرع»، مشيرين إلى أن «هناك أسابيع لا أشهُراً قبل أن تصبح فوائد الاتفاق النووية من ناحية الالتزامات النووية من دون قيمة». وحذروا من «أننا نقترب من نهاية الطريق في هذه المفاوضات سريعاً لأن برنامج إيران النووي متقدم الآن أكثر من أي وقت مضى».
وكان مورا قد شدد في حديثه للصحافيين في ختام الجولة، على أن المفاوضات دخلت «مرحلة حساسة تتطلب قرارات سياسية مؤلمة أحياناً وصعبة»، مضيفاً أن الجولة الثامنة «ستكون معقدة» وأن على الوفود «تحديد أولوياتها للمضي قدماً». وقال مورا ما كرره الدبلوماسيون الأوروبيون بعده، إن أمام المتفاوضين «أسابيع وليست أشهُراً» للتوصل لاتفاق، وأضاف: «هناك شعور بالإلحاح، إذا أردنا أن نحقق نجاحاً في هذه المفاوضات ونحيي الاتفاق النووي، يجب أن نقوم بذلك في الوقت المتاح أمامنا، وإلا فببساطة لن نتمكن من إحياء الاتفاق».
وبدا السفير الروسي ميخائيل أوليانوف، رئيس وفد بلاده المفاوض، أكثر تفاؤلاً وقال إنه يأمل أن تكون الجولة الثامنة هي الأخيرة، رغم أنه بدا غير واثق من تاريخها. وقال إن «روسيا ستبذل قصارى جهدها لجعل الجولة الثامنة هي الأخيرة رغم أنها ستكون صعبة للغاية»، مضيفاً أنه «أكثر تفاؤلاً» من غيره لأن يراقب «وحدة الهدف لدى جميع الأطراف وهذا أهم شيء في المفاوضات».
وتحدث أوليانوف عن الخلافات المستمرة حول تحديد العقوبات التي يجب رفعها، مشيراً إلى أن الطرف الإيراني يريد رفع جميع العقوبات التي تقوّض فوائد الاتفاق النووي من ضمنها الحظر على تصدير النفط، ولكن «الطرف الأميركي لديه سياسة عقوبات معقّدة ومقسمة إلى عقوبات على البرنامج النووي وأخرى على الإرهاب وغيرها على حقوق الإنسان وغيرها».
وقال رئيس الوفد الإيراني المفاوض علي باقري كني بعد الاجتماع، حسبما نقلت عنه وسائل إعلام إيرانية، إن «سرعة التوصل لاتفاق تعتمد على إرادة الأطراف الأخرى ومدى قبولهم وجهات النظر الإيرانية المنطقية»، مشيراً إلى أن الجولة الثامنة يمكنها أن تكون الأخيرة وأنه يمكن التوصل لحل في أقرب وقت ممكن.
كان أمين عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي، قد أعلن في وقت سابق أمس، أن حصول الوكالة على مضمون أشرطة الفيديو التي وافقت إيران على أن تركبها داخل منشأة كرج يتوقف على مصير المحادثات السياسية. وكانت إيران قد وافقت أخيراً على طلب الوكالة إعادة تركيب كاميرات المراقبة في المنشأة التي تعرضت لعملية تخريب في مايو (أيار) الماضي والتي يشتبه المجتمع الدولي بأن إيران تستخدمها لتصنيع أجهزة طرد مركزي متطورة من الجيل السادس قادرة على تخصيب اليورانيوم بدرجة نقاوة عالية.
وأعلن غروسي أن إعادة تركيب الكاميرات سيحصل خلال الأيام المقبلة، محذراً إيران من التلاعب بها. وعرض غروسي نموذجاً للكاميرات أمام الصحافيين في مقر الوكالة بفيينا، وقال إن الكاميرا مثبتة داخل علبة مختومة وفي حال حاولت إيران فتحها فإن هذا سيظهر «وسنعرف به».
وكانت إيران قد سلّمت الوكالة كاميرا المراقبة التي كانت داخل منشأة كرج وتعرضت لأضرار من عملية التخريب، من دون أن تسلمها الذاكرة التي كانت بداخلها. وعاد غروسي وقال إن «أمر اختفاء الذاكرة ما زال غامضاً» وإنه ينتظر تفسيراً من الطرف الإيراني. ولا تعرف الوكالة ما النشاطات الحاصلة داخل المنشأة منذ مايو الماضي، ولكن غروسي بدا واثقاً من أن خبراء في الوكالة سيتمكنون من تكوين فكرة عن تلك النشاطات حتى ولو لم يحصلوا على التسجيل الناقص. وقال: «نحن لدينا أساليب لمحاولة إعادة تركيب الحقائق على الأرض مع ما ستقوله لنا إيران. كرج هي منشأة نعرفها جيداً ونعرف كمية الإنتاج في هذه المنشأة، لذلك يمكن للخبراء الذين يتلقون هذه المعلومات أن يتوصلوا إلى الحقائق، سيكون الأمر أكثر صعوبة ولكنه ليس مستحيلاً». ونفى غروسي مرة جديدة الاتهامات الإيرانية بأن الكاميرات استُخدمت لتنفيذ قرصنة على المنشأة، ووصف تلك الاتهامات بأنها لا أساس لها.
وفي طهران، قالت وكالات رسمية إيرانية إن أطراف الاتفاق النووي تمكنت خلال تسعة أيام من المحادثات من «تضييق الخلافات والتقدم في نص مسودة المفاوضات». وذكرت مصادر في طهران أن الوفد الإيراني «قدم ثلاث وثائق لرفع العقوبات والخطوات النووية والجدول الزمني لإجراء الاتفاق، لكن الأطراف الأخرى، خصوصاً دول الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة، رفضت تعديلات ومقترحات إيران وقالت إنه يجب أن تكون مسودة الجولات الست أساس التفاوض، وهو ما رفضته إيران». وقالت مصادر حكومية إيرانية إن «المفاوضات منذ 29 نوفمبر وحتى الآن تمحورت حول إضافة مقترحات وتعديلات إيران إلى الجولات الست بطريقة مُرضية للجانبين».
وكتبت وكالة «إيسنا» الحكومية: «رغم أن مصادر القريبة من المحادثات تتحدث عن تقدم، لكن من المبكر الحديث عن التوصل إلى تفاهم حول مسودة اتفاق أو التفاوض حولها بجدية».
وقبل ذلك بساعات كتبت الوكالة: «على ما يبدو، حققت هذه الجولة من المباحثات نتائج مثمرة في تثبيت والاعتراف بالمطالب الإيرانية، مقارنةً بمفاوضات 29 نوفمبر، وانتهت بتدوين نص».
وخلصت إلى أن مفاوضات الأيام الأخيرة «أوجدت نظرة إيجابية نسبياً لنجاح الجهود الدبلوماسية». وأشارت أيضاً إلى أن إيران ومجموعة «4+1» توصلتا إلى مسودة جديدة تأخذ «وجهات النظر» الإيرانية بعين الاعتبار على أن تكون أساساً لـ«المشاورات» المقبلة. وأضافت: «يجب أن نرى هل تتّبع الدول الأوروبية وأميركا مقاربة بنّاءة بعد العودة من العواصم لكي يتم التوصل إلى اتفاق على المدى القصير؟».



فرنسا لمواجهة «التحدي الاستراتيجي» الإيراني

الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)
TT

فرنسا لمواجهة «التحدي الاستراتيجي» الإيراني

الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)

استكمل وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، اليوم الثلاثاء، «مضبطة الاتهامات» ضد إيران التي طرحها الرئيس إيمانويل ماكرون في كلمته أمام السلك الدبلوماسي، الاثنين، والتي لم تتضمن ملف الرهائن الفرنسيين المحتجزين في إيران منذ عام 2022.

وبذلك، أضاف بارو مدماكاً إضافياً إلى المداميك العديدة التي تؤدي إلى تصعيد التوتر في العلاقات الفرنسية - الإيرانية.

يعكس كلام بارو شكلاً من أشكال الإحباط بسبب فشل باريس في الحصول على الإفراج عن مواطنيها الثلاثة: سيسيل كوهلر ورفيق دربها جاك باريس ومواطن ثالث لم يكشف سوى عن اسمه الأول، أوليفيه، الذين ما زالوا محتجزين في إيران، علماً بأن السلطات الإيرانية قد وافقت سابقاً وفي فترات مختلفة على تحرير عدد من الفرنسيين.

رداً على ذلك، دعا بارو الفرنسيين، الثلاثاء، إلى الامتناع عن التوجه إلى إيران انتظاراً لـ«الإفراج الكامل» عن «رهائن الدولة»، كما تسميهم باريس.

وجاء في تصريحاته حرفياً: «أقول للسلطات الإيرانية: يجب الإفراج عن رهائننا. علاقاتنا الثنائية ومستقبل العقوبات يعتمد على ذلك. أدعو مواطنينا، وحتى يتم الإفراج الكامل عن رهائننا، إلى عدم التوجه إلى إيران».

وأفاد بارو بأنه «منذ انتخاب الرئيس (مسعود) بزشكيان، ورغم الجهود التي بذلناها على أعلى مستوى، فقد تدهورت أوضاعهم».

بارو يُلقي خطاباً بجانب وزير الخارجية البولندي رادوسواف سيكورسكي خلال المؤتمر السنوي للسفراء الفرنسيين الاثنين (رويترز)

وترفض باريس، قطعياً، الاتهامات الموجهة لمواطنيها الثلاثة، ومنها التجسس لصالح قوة أجنبية. ولم يتردد الوزير الفرنسي في اتهام إيران بممارسة التعذيب ضد الثلاثة بقوله: «إن وضع مواطنينا المحتجزين كرهائن في إيران غير مقبول بكل بساطة، فهم محتجزون ظلماً منذ عدة سنوات، في ظروف غير لائقة تندرج بالنسبة للبعض ضمن تعريف التعذيب بموجب القانون الدولي».

دبلوماسية الرهائن

ليس ملف احتجاز الرهائن في إيران جديداً، لا بالنسبة لفرنسا أو للبلدان الأوروبية ولدول أخرى. وآخر ما استجد توقيف الصحافية الإيطالية سيسيليا سالا في طهران يوم 19 ديسمبر (كانون الأول) بحجة «انتهاك القوانين الإيرانية»، الأمر الذي أثار حفيظة الحكومة الإيطالية.

كما أنه ليس سراً أن السلطات الإيرانية تلجأ إلى اعتماد سياسة الرهائن لمقايضتهم بمواطنين إيرانيين مسجونين في البلدان الغربية، والأدلة على ذلك عديدة.

وفي حالة فرنسا، فإن ما يثير استغرابها أن طهران لا تأخذ بعين الاعتبار حرص باريس على استمرار التواصل معها الدبلوماسي على أعلى المستويات. لكن اللافت أن وزير الخارجية ربط، وللمرة الأولى، كما تقول مصادر فرنسية، بين ملف الرهائن، وتواصل العقوبات على إيران. ويبدو أن بارو تعمد الغموض من حيث امتناعه عن تحديد العقوبات التي أشار إليها، وما إذا كانت مرتبطة فقط بمسألة الرهائن أم بالملفات الخلافية العديدة القائمة مع طهران، والتي شكلت لـ«مضبطة الاتهامات» التي فصّلها ماكرون.

أشخاص يشاركون الثلاثاء في وقفة نظمتها نقابة الصحافيين في لاتسيو ورابطة الصحافة الرومانية للمطالبة بالإفراج عن الصحافية الإيطالية سيسيليا سالا المحتجزة في إيران (د.ب.أ)

ماكرون والعودة لـ«سناب باك»

لم تكن المرة الأولى التي ينتقد فيها ماكرون إيران وبرنامجها النووي ودورها الإقليمي، لكن اللافت فيما جاء على لسانه، الاثنين، وصفه إياها بـ«التحدي الاستراتيجي والأمني لفرنسا وللأوروبيين وللمنطقة بكاملها (الشرق الأوسط)، وأبعد من ذلك». وتشمل «مضبطة الاتهامات» برنامج إيران النووي المتسارع الذي يقودنا إلى حافة القطيعة أو «اللاعودة»، في إشارة إلى ارتقائها بتخصيب اليورانيوم، وبالتالي اقترابها من القدرة على امتلاك السلاح النووي.

كذلك، ندد ماكرون ببرنامج إيران للصواريخ الباليستية الذي «يهدد التراب الأوروبي ومصالحنا». وكان لا بد لماكرون أن يشير إلى «انخراط إيران في الحرب الروسية على أوكرانيا»، وهو أمر «مثبت»، وكذلك «توفيرها الدعم للمجموعات الخطيرة» الضالعة في كافة نزاعات وحروب الشرق الأوسط، مدللاً على الميليشيات التي تساندها طهران في غزة ولبنان والعراق واليمن.

وللمرة الأولى، يشير ماكرون لدور إيراني في أفريقيا من خلال «وكلائها»، فضلاً عن اللجوء إلى «ممارسة الإرهاب».

الخلاصة التي توصل إليها ماكرون تقول إن إيران «تشكل خطراً إن لم يتم التعامل معها»، ما يحتّم «القيام بمناقشة شاملة» تضم الملفات الخلافية العديدة: النووي، والباليستي، والأنشطة المزعزعة للاستقرار في المنطقة بما فيها أفريقيا»، والغرض «بناء حلول قابلة للتحقق ولا رجعة فيها».

ثم إن ملفاً بهذه الخطورة يفترض، وفق ماكرون، أن يكون على رأس الملفات الرئيسية المفترض مناقشتها مع الإدارة الأميركية الجديدة من أجل التوصل، بخصوص النووي، إلى «اتفاق أوسع نطاقاً، وهو الخط الذي نسير عليه».

وذكر الرئيس الفرنسي أنه طرح، في عام 2018، على الرئيس ترمب، عوض نقض اتفاق 2018، استكماله ببنود إضافية للتوصل إلى اتفاق أقوى وأوسع. ويريد ماكرون انخراطاً واسعاً لمعالجة الملفات الإيرانية، يشمل بالطبع الولايات المتحدة والأوروبيين، ولكن أيضاً دول المنطقة الرئيسية. أما القنبلة التي فجرها ماكرون والتي يعدّها الورقة الرئيسية الضاغطة على إيران، فعنوانها تفعيل ما يسمى آلية «سناب باك» التي تعني إعادة الملف النووي إلى مجلس الأمن، وما يمكن أن يُفضي إلى إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران.

وقال ماكرون ما حرفيته: «في الأشهر المقبلة، سيتعين علينا أن نطرح على أنفسنا مسألة استخدام آليات إعادة فرض العقوبات من الآن وحتى أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ونحن مستعدون للقيام بذلك، ولكننا بحاجة إلى التزام أوسع نطاقاً من أجل التوصل إلى معاهدة أكثر تشدداً. من وجهة نظري، هذه إحدى القضايا ذات الأولوية في النقاش الاستراتيجي مع الولايات المتحدة والمنطقة بأسرها».

وإشارة ماكرون إلى شهر أكتوبر مردّها لانتهاء الاتفاقية النووية والقرار 2231، رسمياً، في الخريف المقبل.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب في صورة قديمة جمعته في 2020 مع ينس ستولتنبرغ أمين عام حلف شمال الأطلسي وقتها (د.ب.أ)

ترمب والمُعطَى الجديد

ليست المآخذ الغربية على برنامج إيران النووي جديدة ولا حاجة لتكرارها، بيد أن ما يفسر اللهجة «الهجومية» التي يعتمدها الرئيس الفرنسي لا يمكن فصلها، وفق سفير سابق في المنطقة، عن ثلاثة عوامل رئيسية: الأول، عودة ترمب إلى البيت الأبيض وخططه المرتقبة تجاه إيران. والثاني، ضعف النظام الإيراني حالياً بسبب التطورات العسكرية التي تشهدها المنطقة منذ أكتوبر 2023. والثالث فرنسي خالص «ملف الرهائن الفرنسيين في إيران». ولذا، أصبح واضحاً اليوم أن إيران فقدت الكثير من مخالبها التي سعت خلال العقود الماضية إلى تقويتها وفق استراتيجية تطويق إسرائيل وتقوية «الوكلاء»؛ سواء كانوا في غزة أو لبنان أو العراق أو اليمن؛ من أجل حماية النظام.

يضاف إلى ما سبق أن الضربات العسكرية التي وجهتها إسرائيل لإيران، خصوصاً الضربة الجوية الأخيرة، أواخر أكتوبر الماضي، أضعفت قدراتها الدفاعية بسبب القضاء على منظومات الدفاع الجوي التي تمتلكها، ما دفع برئيس الوزراء الإسرائيلي بـ«التباهي» وتأكيد أن سلاح الجو الإسرائيلي يستطيع أن يسرح ويمرح في الأجواء الإيرانية على هواه، ما دفع الدبلوماسي الأميركي السابق المعروف جيمس جيفري إلى القول لقناة «بي بي سي» يوم 22 ديسمبر ( كانون الأول) الماضي، إن ما تعيشه طهران هو «انهيار غير مسبوق لهيمنة إقليمية»، وإن «كافة أحجار الدومينو التي بنتها قد تهاوت»، ما ينعكس حكماً على قدراتها.

بالنظر لما سبق، ثمة قراءة تقول إن «الوقت مناسب للحصول على تنازلات من إيران»، وهو الأمر الذي يفسر قبولها معاودة المفاوضات مع الثلاثي الأوروبي: فرنسا وبريطانيا وألمانيا حول برنامجها النووي في اجتماع ثان سيعقد يوم 13 الحالي استباقاً لتسلم ترمب مسؤولياته رسمياً بعد أسبوعين.

وثمة قناعة لا تتزحزح، قوامها أن ملف إيران اليوم مرهون بما سيقرره ترمب، وليس أي جهة أخرى. من هنا، تتلاطم التكهنات بين من يتوقع ضربة عسكرية إسرائيلية أو أميركية - إسرائيلية للقضاء على برنامج إيران التي اتهمها جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس بايدن، بأنها تعمل على تصنيع القنبلة النووية، ومن يعتقد أن السلطات في طهران، المشغولة أيضاً بخلافة خامنئي البالغ من العمر 85 عاماً، والذي يتحكم بالقرار منذ عام 1989، ستظهر ليونة في التعاطي مع الوضع الإقليمي والدولي الجديد لتجنب الأسوأ.