امتناع عون عن فتح دورة استثنائية لمجلس النواب يعمّق خلافه مع بري

TT

امتناع عون عن فتح دورة استثنائية لمجلس النواب يعمّق خلافه مع بري

يتخوف مصدر سياسي بارز من أن ينسحب تعليق جلسات مجلس الوزراء على المجلس النيابي إذا امتنع رئيس الجمهورية ميشال عون عن التوقيع على مرسوم فتح دورة استثنائية فور انتهاء العقد الثاني للبرلمان في نهاية العام الحالي لأن عدم فتحها سيرفع منسوب الاشتباك السياسي بين الرئيسين عون ونبيه بري ويتيح للمحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار اللجوء مجدداً لإصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الحكومة السابق حسان دياب والوزراء السابقين النواب الحاليين علي حسن خليل ونهاد المشنوق وغازي زعيتر بذريعة أن النواب الثلاثة يفتقدون إلى الحصانة النيابية التي تمنع ملاحقتهم طالما أن البرلمان في حالة انعقاد.
ويلفت المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط» إلى أن عون ليس مُلزماً بالتوقيع على مرسوم فتح دورة استثنائية تستمر حتى بدء العقد الأول للبرلمان في منتصف آذار (مارس) 2022 إلا إذا وقع 65 نائباً (نصف أعضاء المجلس زائد واحد) على عريضة يطلبون فيها فتح دور استثنائية استناداً إلى ما نص عليه الدستور.
ويقول إن الفريق السياسي المحسوب على عون ليس في وارد الموافقة على فتح دورة استثنائية ما لم يقر «الثنائي الشيعي» بإعادة تفعيل العمل الحكومي وعودة جلسات مجلس الوزراء.
ويعتبر أن هذا الفريق يشترط المقايضة بين استئناف جلسات مجلس الوزراء وفتح دورة استثنائية لمجلس النواب، مع أنه يدرك سلفاً أن الوزراء الشيعة المحسوبين على حركة «أمل» و«حزب الله» لن يشاركوا في جلسات مجلس الوزراء ما لم يتم علاج الأسباب التي أدت إلى مقاطعتهم للجلسات الحكومية وأولها ملاحقة دياب والوزراء الثلاثة من قبل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
ويسأل المصدر نفسه إذا كان عون سيستجيب للعريضة النيابية في حال حملت توقيع الأكثرية النيابية المطلوبة أم سيرفض ذلك، ما سيؤدي إلى تصاعد الاشتباك السياسي بين عون ورئيس البرلمان نبيه بري؟ ويقول إن الأخير ينأى بنفسه عن الدخول في مقايضة تطيح بالنصوص الدستورية وتوجد أعرافاً مخالفة لها. ويؤكد أن عون يطلب من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي توجيه دعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء بمن حضر، لكن الأخير لا يتناغم مع طلبه لأن انعقاد المجلس في غياب الوزراء الشيعة سيزيد الخلاف بين رئيسي الجمهورية والبرلمان، وربما سيبادر هؤلاء الوزراء إلى تقديم استقالاتهم من الحكومة، وهذا ما يخشاه ميقاتي لأن حكومته ستكون الضحية الأولى.
ويضيف المصدر السياسي أن رهان ميقاتي على الضمانات الدولية التي تشكّل له الغطاء السياسي للاستمرار على رأس الحكومة لن تُساعد على تأمين معاودة الروح إلى حكومته ما لم تتلازم مع وقف تعطيل العمل الحكومي، ويكشف أن التيار المحسوب على عون يصر على تحييد «حزب الله» من جهة، ورفع التهمة عنه بتعطيل الحكومة، غامزاً من قناة بري بذريعة أنه حشر الحزب ما اضطره للتناغم معه والاصطفاف خلف شروطه ذات السقوف العالية.
ويقول إن هذا الفريق السياسي يصر على تصويب حملاته ضد بري وبشكل رمزي على «حزب الله» الذي اضطر مرغماً للسير معه حرصاً منه على تحييد الساحة الشيعية وقطع الطريق على إغراقها في خلافات داخلية، فيما هو الآن في أمس الحاجة إلى تحصينها لاضطراره إلى مواجهة خصومه المحليين ومن خلالهم القوى الإقليمية والدولية الداعمة لهم بعدما رفع الصوت عالياً ضده وبنبرات سياسية غير مسبوقة.
ويرى المصدر نفسه أن «حزب الله» لن يفرّط بتحالفه مع عون وبري ويحاول أن يتكيّف سياسياً تحت سقف التعايش مع الضدّين، وإن كان يتجنّب الوقوف إلى جانب رئيس المجلس من باب التضامن في وجه الحملات التي تستهدفه من قبل عون ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، وبالتالي فهو يقف الآن في منتصف الطريق بين حلفائه.
ويقول إن ميقاتي يتموضع بدوره بين نارين في ظل تصاعد الخلاف بين عون وبري ويحاول تدوير الزوايا برغم أنه يدرك أن مقاومة التعطيل بالصبر حيناً أو بتفعيل اجتماعات اللجان الوزارية هي لتقطيع الوقت، مع أن الطلاق بين المنظومة الحاكمة والسواد الأعظم من اللبنانيين بلغ ذروته.
ويعتقد أن التناغم بين عون وميقاتي وإجماعهما على حسن العلاقة بينهما يبقى بلا مفاعيل سياسية لتعويم ما اتفق عليه الرؤساء الثلاثة في اجتماعهم في بعبدا لتأمين الفصل بين صلاحية المجلس العدلي وبين المجلس الأعلى في ملاحقة للمتهمين في قضية انفجار المرفأ، ويقول إن تقطيع الوقت لن يخفف من آلام اللبنانيين أو يحد من ارتفاع الأسعار التي يكافحها وزير الاقتصاد أمين سلام بالبيانات والاجتماعات، فيما تستمر إدارات الدولة بالانهيار ولم يبق منها سوى المؤسسات العسكرية والأمنية.
، إضافة إلى عدّاد البنك المركزي الذي يحصي يومياً ارتفاع سعر صرف الدولار وتدهور القدرة الشرائية للعملة الوطنية.
لذلك يصطدم ميقاتي بإصراره على تعبيد الطريق أمام ولادة الخطة الإنقاذية بالأفعال لا بالأقوال، بحائط مسدود يمكن أن يأخذ البلد إلى انفجار سياسي واجتماعي لا يمكن تطويقه بالمواقف الإعلامية برغم أن المثل القائل إن العين بصيرة واليد قصيرة ينطبق على ميقاتي الذي هو الآن في موقع لا يُحسد عليه ويزيد من إطباق الحصار على حكومته.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.