«حزب الله» يتفهم انتقادات عون «الناعمة»

طالما أنها لا تمس بمواقفه الاستراتيجية ولا تتعرض لسلاحه

TT

«حزب الله» يتفهم انتقادات عون «الناعمة»

لن يدخل «حزب الله» في سجال مباشر مع حليفه رئيس الجمهورية ميشال عون على خلفية الانتقادات «الناعمة» التي وجّهها إليه، أسوة برسائل مماثلة كانت استهدفت الحزب من رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، وبحسب مصدر شيعي فإن هذه الانتقادات لا تشكل خرقاً للخطوط الحمر ذات الصلة بمواقف «حزب الله» الاستراتيجية التي ما زالت تحظى بغطاء سياسي منهما حتى إشعار آخر، برغم أنهما يتعرضان لضغوط دولية تلازمت مع عقوبات أميركية على باسيل، تعامل حيالها الحزب على أنها جاءت نتيجة مواقفه المؤيدة له.
فـ«حزب الله»، كما يقول المصدر الشيعي المواكب لعلاقة الحزب مع عون وباسيل، قرر أن يترك لهما هامشاً سياسياً يتعلق بالأمور الداخلية انطلاقاً من تقديره بأنهما في حاجة إلى التمايز عنه مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، لعلهما يتمكنان من تعويم وضعهما الانتخابي في الشارع المسيحي، ما يتيح لهما الفوز بأكبر كتلة نيابية في وجه منافسهما رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع.
ويلفت المصدر الشيعي لـ«الشرق الأوسط» بأن «حزب الله» لن يتضرّر من اتهام باسيل له، وبصورة غير مباشرة بعدم مشاركته «التيار الوطني» في حملاته لمكافحة الفساد وإصراره على التحالف مع رئيس المجلس النيابي الذي يقف وراء تعطيل انعقاد جلسات مجلس الوزراء. ويقول إن الحزب وإن كان يتأفف من جنوح نواب ينتمون إلى تكتل «لبنان القوي» في هجومهم عليه فإنه ينأى عن الرد عليهم ويحيل الخلاف إلى مسؤول الارتباط والتنسيق في الحزب، وفيق صفا، الذي يتحرك بعيداً عن الأضواء باتجاه عون وباسيل سعياً وراء التهدئة وخفض منسوب التوتر المترتب على حملات هؤلاء النواب.
ويؤكد أن الحزب باقٍ على موقفه في تبادل الخدمات السياسية في مواجهة خصومه، لأن ما يهمه الاحتكام إلى نتائج الانتخابات النيابية لتمكين عون وباسيل من الاحتفاظ بالعدد الأكبر من المقاعد النيابية، ويقول إن الحزب يبدي ارتياحاً إلى وضعه الانتخابي وإن تركيزه في الوقت الحاضر يتمحور حول توفير كل الدعم لحليفيه ليكون في وسعهما دحض كل ما يقال بأن وضعهما في الشارع المسيحي إلى تراجع بسبب التصاقهما بالحزب.
ويرى المصدر نفسه أن الحزب لا ينظر إلى تحالفه مع عون وباسيل بالمفرّق، وإنما بالجملة، وهذا ما يدعوه للارتياح، وإن كان حليفاه يحاولان من حين لآخر أن يوحيا بأنهما أوشكا على إعادة النظر بورقة التفاهم التي أبرمها أمينه العام حسن نصر الله مع مؤسس «التيار الوطني» العماد ميشال عون في فبراير (شباط) 2006.
ويضيف أن باسيل يستحضر الدعوة لإعادة النظر بورقة التفاهم كلما اشتدت عليه الحملات السياسية، لكنه سرعان ما يبادر إلى طي الصفحة فور أن تهدأ هذه الحملات، وإلا هل يُعقل ألا تتمكن اللجنة المشتركة التي شُكّلت من الطرفين لوضع العناوين الرئيسة المؤدية إلى إعادة النظر بالتفاهم القائم بينهما من تحقيق أي تقدم يسمح لها بوضع صيغة جديدة تأخذ بعين الاعتبار التحولات السياسية التي حصلت منذ تاريخ التوقيع على الورقة؟
وينصح المصدر المواكب بعدم الرهان على فسخ التحالف بين «حزب الله» وباسيل، ويقول إن تمايز الأخير عن حليفه بات مطلوباً لمرحلة انتقالية تتيح لباسيل تأمين الاستمرارية السياسية لمؤسس «التيار» مع اقتراب انتهاء ولايته الرئاسية، وتشكّل الانتخابات النيابية أول محطة لاختبار مدى قدرة باسيل على الحفاظ على هذه الاستمرارية.
ويؤكد أن الحزب يتفهّم رغبة باسيل بالتمايز عنه، وإن كان يأخذ عليه تصعيد هجومه على حليفه الاستراتيجي رئيس البرلمان نبيه بري، ما يضطره للتدخّل في غالب الأحيان لدى باسيل لضبط إيقاعه، من دون أن يتمكن من إصلاح ذات البين بينهما لرأب الصدع الناجم عن انعدام الكيمياء السياسية بين حليفيه، برغم أنه حاول مراراً جمعهما في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة.
وفي هذا السياق، يقول مصدر سياسي إن ما يشاع عن احتمال فرط التحالف بين الحزب وباسيل يبقى في حدود المناورة، وإن كان الحزب يلوذ بالصمت لاعتقاده بأن هناك ضرورة لتوفير الحماية السياسية لحليفه لتوظيف تمايزه في الشارع المسيحي لعله يسترد بعض «الحرس القديم» من الذين انشقوا عنه وأسسوا «التيار التاريخي» احتجاجاً على أداء باسيل، برغم أنه يدرك سلفاً استحالة إعادة هؤلاء إلى «بيت الطاعة»، خصوصاً أن الاستقالات شملت أبرز الوجوه السياسية التي شاركت في تأسيس «التيار الوطني».
كما أن باسيل لا يستطيع أن يصرف تمايزه عن الحزب، بحسب المصدر، في الشارع المسيحي، لأن هذا التمايز يبقى تحت سقف عدم مساسه بالخطوط الحمر التي تهدد الخطوط العريضة لاستراتيجية الحزب بدءاً بإمساكه بقرار السلم والحرب وترحيل البحث في الاستراتيجية الدفاعية بذريعة ضرورة ربطها بزوال الأطماع الإسرائيلية بلبنان.
لذلك، فإن تمايز عون ومن خلاله باسيل عن «حزب الله» لن يُقلق الأخير طالما أن عون، كما يقول المصدر، لم يحرّك ساكناً حيال تهديد صفا للمحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، ولم يسأل حليفه عن إدخال المازوت الإيراني إلى لبنان عبر المعابر غير الشرعية، كما أنه تصرّف «بحيادية» حيال الشق اللبناني الذي ورد في البيان الفرنسي - السعودي المشترك في ختام المحادثات التي أجراها ماكرون مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وعليه، فإن الحزب يغطي تمايز عون عنه في بعض الأمور المحلية ويغض النظر عن الحملات التي تستهدفه من بعض نوابه ويتعاطى معها على أنها «فشة خلق». فالتمايز بين عون و«حزب الله» سيبقى قائماً ويأتي، كما يقول المصدر السياسي المعارض، في سياق توزيع الأدوار. وتظهير الخلاف إلى العلن من قبل «التيار الوطني» يلقى كل تفهُّم من الحزب، طالما أن سلاحه في مأمن عن تناوله من قبل حليفه، بخلاف إصرار المجتمع الدولي على أن يبقى السلاح حصراً بيد الدولة.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.