«البؤرة الصينية» تعيد الاقتصاد العالمي لدائرة المخاوف

المصانع وإمدادات الغذاء تهدد سلاسل التوريد

بؤرة وبائية في شيجيانغ الصينية تهدد بتعطيل سلاسل التوريد العالمية (رويترز)
بؤرة وبائية في شيجيانغ الصينية تهدد بتعطيل سلاسل التوريد العالمية (رويترز)
TT

«البؤرة الصينية» تعيد الاقتصاد العالمي لدائرة المخاوف

بؤرة وبائية في شيجيانغ الصينية تهدد بتعطيل سلاسل التوريد العالمية (رويترز)
بؤرة وبائية في شيجيانغ الصينية تهدد بتعطيل سلاسل التوريد العالمية (رويترز)

أدت بؤرة وبائية في ولاية شيجيانغ (شرق)، أحد محركات الاقتصاد الصيني، إلى إغلاق مصانع، الأمر الذي يهدد بتعطيل سلاسل التوريد العالمية.
وتقع مقاطعة شيجيانغ الساحلية التي يبلغ عدد سكانها 64.6 مليون نسمة جنوب شنغهاي. وتُعد رابع اقتصاد في البلد إذ تمثل أكثر من 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الصيني، وهي تعتبر مركزا صناعيا وتعتمد على التصدير.
وفرضت السلطات المحلية إغلاق العديد من المواقع الصناعية بعد رصد إصابات جديدة بــ(كوفيد - 19) الأسبوع الماضي. وتسببت هذه البلبلة في انخفاض أسعار النفط العالمية الاثنين وسط مخاوف تعم السوق من تباطؤ ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وأصدرت منطقة شينهاي في مدينة نينغبو الساحلية مرسوماً بوقف العمل في جميع الشركات باستثناء تلك الأساسية للحياة اليومية وسط تدابير لمكافحة تفشي الوباء. وسمحت لمصانع البتروكيماويات بمتابعة عملها شرط أن تخفف من إنتاجها.
وفي مدينة شاوشينغ المجاورة، أمرت منطقة شانغيو جميع الشركات بالإغلاق الخميس. وفي هانغتشو عاصمة الولاية، أعلنت عدة شركات مُدرجة في بورصة شنغهاي تعليق إنتاجها من خلال بيانات أرسلتها إلى البورصة. وأُلغيت مئات الرحلات ذهاباً وإياباً في مطار هانغتشو.
وقال الخبير الاقتصادي تساوبينغ شينغ لوكالة الصحافة الفرنسية: «سيؤثر إغلاق المصانع في شيجيانغ على سلاسل التوريد في عدة قطاعات، لا سيما قطاع المنسوجات والألياف». واعتبر أن مكافحة الموجة الوبائية الجديدة قد تستغرق أربعين يوماً، ما يعني أن حركة الإنتاج لن تُستأنف قبل رأس السنة الصينية أي في الأول من فبراير (شباط) المقبل.
وتمكنت الصين التي ظهر فيها (كوفيد - 19) للمرة الأولى منذ سنتين من كبح تفشي الوباء إلى حد كبير اعتباراً من ربيع 2020 من خلال اعتمادها تدابير احتواء جذرية. إلا أن بؤرا وبائية جديدة تظهر بانتظام. وسجلت شيجيانغ أكثر من 200 إصابة بـ(كوفيد - 19) منذ أسبوع، بعد أن كانت بمنأى عن (كوفيد - 19) منذ مطلع العام... وفي مدينة تيانجين الشمالية القريبة من بكين، سُجلت الاثنين أول إصابة بالمتحورة أوميكرون.
وفي جانب آخر، تبدأ الصين اعتبارا من أول يناير (كانون الثاني) المقبل تطبيق القواعد الجديدة المنظمة لاستيراد المواد الغذائية رغم مطالبة شركائها التجاريين وبينهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تأجيل التطبيق بدعوى أن القواعد الجديدة ستؤدي إلى زيادة اضطراب سلاسل التوريد والإمداد في العالم.
ونقلت وكالة بلومبرغ عن إدارة الجمارك الصينية القول إنه اعتبارا من بداية العام الجديد ستخضع المواد الغذائية الواردة إلى الصين لاشتراطات جديدة تتعلق بالتسجيل والفحص وبطاقة البيانات. وتشمل هذه القواعد التي تم الكشف عنها لأول مرة في أبريل (نيسان) الماضي مجموعة واسعة من السلع بدءا من الزيوت النباتية وحتى أغذية الرضع.
وكان دبلوماسيون من سبع دول بينها أستراليا واليابان وسويسرا وكندا قد دعوا الصين إلى تأجيل تطبيق هذه القواعد لمدة 18 شهرا على الأقل بدعوى عدم وضوح كيفية تطبيقها حتى الآن. وأضافوا أن الفشل في الالتزام بالقواعد الجديدة سيؤدي إلى تأخيرات كبيرة ومكلفة في عمليات التوريد ويهدد باضطراب سلاسل توريد الغذاء العالمية في الوقت الذي يعاني فيه العالم بالفعل من اختناقات في عمليات الشحن بسبب جائحة «كورونا».
وفي شأن منفصل، قدم المفوض بإدارة شركة أشباه الموصلات الصينية المتعثرة تسينجهوا يوني غروب إلى إحدى المحاكم المحلية في الصين مقترحا جديدا لإعادة هيكلة الشركة يتضمن عرضا للديون المختلفة المطلوبة من الشركة وخيارات سدادها وإنفاقها الاستثماري من جانب المستثمرين الاستراتيجيين فيها.
ونقلت بلومبرغ عن مقترح المفوض القول إن إجمالي مطالبات ديون الشركة حتى 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي يصل إلى 144.78 مليار يوان بما في ذلك 128.53 مليار يوان كديون دون ضمانات. ومن المنتظر حصول أصحاب الديون غير المضمونة على أول شريحة من ديونهم بقيمة 1.2 مليار يوان نقدا، مع ثلاثة خيارات لتسوية باقي الديون.
وبحسب أحد المقترحات سيحصل أصحاب هذه الديون على 95 في المائة منها على أساس الحصول على 38 يوانا نقدا من كل 100 يوان من الديون، و38 يوانا في صورة أسهم في عدد من الشركات وتأجيل سداد الـ19 يوانا الأخرى لمدة ثلاث سنوات.
والمقترح الثاني هو حصول الدائنين على 100 في المائة من ديونهم على أساس الحصول على 40 يوانا من كل 100 يوان مستحقة لهم نقدا و15 يوانا في صورة أسهم وتمديد فترة سداد الـ45 يوانا المتبقية إلى 5 سنوات.
أما الاقتراح الثالث فيتضمن حصول الدائنين على 100 في المائة من مستحقاتهم دون مبادلة أسهم على أساس الحصول على 40 يوانا نقدا من كل 100 يوان من الديون والباقي يسدد على 8 سنوات.



الرسوم الجمركية تهدد النمو الاقتصادي... و«المركزي الأوروبي» يحذّر من تداعيات الحرب التجارية

مبنى «البنك المركزي الأوروبي» في فرنكفورت بألمانيا (رويترز)
مبنى «البنك المركزي الأوروبي» في فرنكفورت بألمانيا (رويترز)
TT

الرسوم الجمركية تهدد النمو الاقتصادي... و«المركزي الأوروبي» يحذّر من تداعيات الحرب التجارية

مبنى «البنك المركزي الأوروبي» في فرنكفورت بألمانيا (رويترز)
مبنى «البنك المركزي الأوروبي» في فرنكفورت بألمانيا (رويترز)

أشار صناع السياسة في «البنك المركزي الأوروبي»، يوم الثلاثاء، إلى أن أسعار الفائدة بمنطقة اليورو ستستمر في الانخفاض، مع القضاء على التضخم إلى حد كبير، في حين أن النمو الاقتصادي الضعيف، الذي قد يتفاقم بسبب الرسوم الجمركية الأميركية، قد يصبح القضية الكبيرة التالية التي تواجه المنطقة.

وخفض «المركزي الأوروبي» أسعار الفائدة 3 مرات هذا العام، ويتوقع المستثمرون تخفيضات أخرى في كل اجتماع لـ«لجنة السياسة» حتى يونيو (حزيران) المقبل على الأقل، مع تجنب المنطقة ركوداً آخر، وفق «رويترز».

وفي هذا السياق، قال رئيس «البنك المركزي»، البرتغالي ماريو سينتينو، إن الاقتصاد يواجه ركوداً، محذراً بأن «المخاطر تتراكم نحو الهبوط»، مشيراً إلى أن الرسوم الجمركية التي هدد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بفرضها تشكل تهديداً إضافياً.

وحذر سينتينو أيضاً بأن تأخر «البنك المركزي الأوروبي» في خفض أسعار الفائدة قد يزيد من خطر انخفاض التضخم إلى ما دون المستوى المستهدف.

من جانبه، أوضح نائب رئيس «البنك المركزي الأوروبي»، لويس دي غيندوس، أن النمو أصبح الشغل الشاغل للبنك، مشيراً إلى أن الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى ظهور دورة مدمرة من الحروب التجارية.

وقال دي غيندوس لصحيفة «هلسنغن سانومات» الفنلندية: «القلق بشأن التضخم المرتفع تحول الآن إلى القلق بشأن النمو الاقتصادي».

وأضاف: «عندما نفرض الرسوم الجمركية، فيجب أن نكون مستعدين لرد فعل من الطرف الآخر، وهو ما قد يؤدي إلى بداية حلقة مفرغة».

وأكد دي غيندوس أن «هذا الأمر قد يتحول في نهاية المطاف إلى حرب تجارية، وهو ما سيكون ضاراً للغاية بالاقتصاد العالمي».

وتابع: «هذا سيؤدي إلى ضعف النمو، وارتفاع التضخم، وتأثير على الاستقرار المالي، في وضع يعدّ خسارة لجميع الأطراف».

وكان ترمب قد أعلن هذا الأسبوع أنه سيفرض رسوماً جمركية كبيرة على أكبر 3 شركاء تجاريين للولايات المتحدة: كندا والمكسيك والصين، فور توليه منصب الرئاسة.

وبشأن تأثير الرسوم الجمركية الأميركية على النمو في أوروبا، فقد قال رئيس «البنك المركزي الفرنسي»، خلال مؤتمر للمستثمرين الأفراد في باريس، إن تأثير التضخم في أوروبا قد لا يكون كبيراً.

وقال فرنسوا فيليروي دي غالهاو: «قد يكون تأثير التضخم محدوداً نسبياً في أوروبا، ولكن أسعار الفائدة طويلة الأجل التي تحددها السوق لديها ميل معين لعبور المحيط الأطلسي».

وأضاف: «لا أعتقد أن هذا سيغير كثيراً بالنسبة إلى أسعار الفائدة قصيرة الأجل في أوروبا، ولكن أسعار الفائدة طويلة الأجل قد تشهد تأثيراً انتقالياً».

من جهته، أضاف محافظ «البنك المركزي الفنلندي»، أولي رين، تحذيراً بخصوص النمو، متوقعاً أن يظل النشاط الاقتصادي ضعيفاً مع انتعاش بطيء، وهو ما قد يدفع «البنك المركزي الأوروبي» إلى خفض سعر الفائدة إلى المعدل المحايد الذي لا يعوق النمو الاقتصادي، بحلول أوائل الربيع المقبل.

وعلى الرغم من أن المعدل المحايد ليس رقماً ثابتاً، فإن معظم خبراء الاقتصاد يرون أنه في نطاق بين اثنين و2.5 في المائة، وهو أقل كثيراً من المستوى الحالي لـ«البنك المركزي الأوروبي» البالغ 3.25 في المائة.

ولا يُتوقع أن تتوقف أسعار الفائدة عند المعدل المحايد؛ إذ تتوقع سوق المال أن يهبط سعر الفائدة على الودائع إلى 1.75 في المائة العام المقبل، وهو مستوى من شأنه تحفيز النمو.

وقال رين: «إذا فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية على منتجات دول أخرى، سواء أكانت بنسبة 10 أم 20 في المائة، وردّ الجميع، فإن جميع الأطراف ستخسر».

وأضاف أنه «في هذه الحالة، فإن الولايات المتحدة ستخسر أكثر؛ لأن الدول الأخرى قد توجه صادراتها إلى أسواق أخرى، في حين ستواجه الشركات الأميركية الرسوم الجمركية نفسها في كل مكان».

في المقابل، انخفض، يوم الثلاثاء، مؤشر رئيسي لتوقعات التضخم بمنطقة اليورو على المدى البعيد في السوق إلى أقل من اثنين في المائة لأول مرة منذ يوليو (تموز) 2022، في دلالة على اعتقاد المستثمرين أن النمو المتعثر قد يؤدي إلى تضخم أقل من الهدف المحدد من قبل «البنك المركزي الأوروبي». وأظهرت بيانات «بورصة لندن» أن مبادلة التضخم الآجلة لمدة 5 سنوات تراجعت إلى 1.9994 في المائة، وهو انخفاض حاد نسبياً مقارنة بأكثر من 2.2 في المائة خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وتعكس هذه المبادلة توقعات المستثمرين بشأن التضخم خلال فترة الـ5 سنوات التي تبدأ بعد 5 سنوات من الآن.

لماذا يعدّ ذلك مهماً؟

يعدّ «البنك المركزي الأوروبي» محافظاً على تناغم دقيق مع توقعات التضخم لدى المستثمرين والأسر والشركات. ويعتقد كثير من خبراء الاقتصاد أن هذه التوقعات يمكن أن تتحول إلى نبوءة تحقق ذاتها، حيث يزيد المستهلكون من إنفاقهم الآن لتجنب ارتفاع الأسعار في المستقبل أو العكس. في عام 2014، أشار رئيس «البنك المركزي الأوروبي» السابق، ماريو دراغي، إلى مبادلة التضخم لمدة 5 سنوات، التي كانت آنذاك أقل قليلاً من اثنين في المائة، بوصف الأمر مقلقاً لـ«البنك المركزي». ومنذ عام 2022، كان «المركزي الأوروبي» يواجه خطر الانكماش بوصفه مصدر قلق رئيسياً.

ومن المرجح أن يعزز هذا الانخفاض الأخير من التوقعات بشأن خفض أسعار الفائدة من قبل «المركزي الأوروبي».

وانخفض التضخم في منطقة اليورو من أعلى مستوى قياسي بلغ 10.6 في المائة خلال أكتوبر 2022، إلى 1.7 في المائة خلال سبتمبر من هذا العام، قبل أن يرتفع مجدداً إلى اثنين في المائة خلال أكتوبر الماضي. ومن المتوقع إصدار بيانات نوفمبر (تشرين الثاني) يوم الجمعة المقبل. ووفقاً للمحللين، فقد ساهمت عوامل عدة في تهدئة نمو الأسعار، مثل تطبيع سلاسل التوريد التي تأثرت بجائحة «كوفيد19»، وانخفاض أسعار الطاقة بعد الحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى رفع أسعار الفائدة من قبل «البنك المركزي».

كما أظهرت بيانات مسح يوم الجمعة أن نشاط الأعمال في منطقة اليورو تراجع بشكل حاد في نوفمبر الحالي أكثر مما كان متوقعاً، مما زاد من المخاوف بشأن ضعف النمو بالمنطقة.

في هذا السياق، قال كبير خبراء الاقتصاد في «البنك المركزي الأوروبي»، فيليب لين، يوم الاثنين، إن التضخم قد ينخفض إلى ما دون الهدف في حال استمر النمو الضعيف. وأشار لين، في تصريحات نقلتها صحيفة «ليزيكو» الفرنسية، إلى أنه «ينبغي ألا تظل السياسة النقدية مقيدة لفترة طويلة، وإلا فإن الاقتصاد لن ينمو بالقدر الكافي، وأعتقد أن التضخم سيهبط إلى ما دون الهدف».