انسجام نادر بين الإنسان والكاتب

انسجام نادر بين الإنسان والكاتب
TT

انسجام نادر بين الإنسان والكاتب

انسجام نادر بين الإنسان والكاتب

نكتة سمجة أطلقها وزير الخارجية الألماني، فرانك - فالتر شتاينماير، بعد لحظات من رحيل غونتر غراس، حين قال: «غراس يعد مواطنا عظيما، وهو ابن مدينة لوبيك، الواقعة شمالي ألمانيا، وإنه أمر محزن أن يتوفى غراس الآن في اليوم الذي يسبق رؤية العالم بأكمله مدينة لوبيك تستضيف اجتماع وزراء مجموعة الدول الصناعية الكبرى السبع المقرر عقده بالمدينة غدا (اليوم) الثلاثاء». ويبدو أن شتاينماير لا يعرف من هو «المواطن الألماني العظيم»، ولم يقرأ له كتابا واحدا، ولا حتى صفحة واحدة، ولم تتناه لآذانه معارك غراس الكثيرة ليس فقط ضد سياسات هذه الدول الصناعية السبع الكبرى، وإنما ضد جوهر الرأسمالية العالمية بالذات. ولو قيض لغراس أن يعيش يوما آخر، لكان في مقدمة المتظاهرين في مدينة لوبيك ضد اجتماع وزراء خارجية الدول السبع. كل معرفته عن الرجل، كما يبدو، وهو هنا لا يختلف عن معظم السياسيين، أنه فاز بجائزة نوبل للآداب، وأن في ذلك فخرا لألمانيا، وأن ذلك يكفي ولا حاجة لمعرفة أو تعلم شيء من فكر الرجل وكتاباته.
لقد آمن غراس دائما بأن الرأسمالية هي التي هشمت الإنسان محولة إياه إلى سلعة في السوق، وهي التي أنتجت أسباب الفقر والعوز والتمييز الطبقي، بل إنها تتغذى على حساب ملايين البشر، خاصة في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا. ولكنه، في الوقت نفسه أيضا، أدان الستالينية في البلدان الاشتراكية السابقة، خصوصا في ألمانيا الديمقراطية آنذاك، داعيا إلى حرية الإنسان وخلاصه من أشكال الاحتكار، والآيديولوجيات المغلقة.
ولكن عظمة غراس لا تكمن في فكره فقط، بل في ذلك الانسجام النادر، الذي يفتقد إليه كثير من الكتاب، بين الحياة الإبداع.. بين الرجل والكاتب. ما دعا إليه غراس الكاتب منذ «طبل الصفيح»، التي صدرت عام 1959 والتي أطلقت شهرته العريضة عام 1995، و«القط والفأر»، و«سنوات الكلاب»، فيما يطلق عليها «ثلاثية داينتسيغ»، أو «غدانسك»، مارسه في حياته بصدق تام وبشجاعة أيضا. ولعل الأمثلة الأسطع على ذلك اعترافه بأنه كان عضوًا في القوات الخاصة النازية وفي الشرطة السرية (أس أس)، وهو سر لم يكشفه أحد، بل كشفه بنفسه في فترة متأخرة من حياته، مجازفا بشهرته الكبيرة التي حققها، خاصة بعد نيله «نوبل». لقد تطوع الرجل، وهو في خريف عمره، بأن يصفي حسابه مع ماضيه، ومع نفسه، حتى لو كانا ينتميان إلى مرحلة الحماقات.
كان غراس يقف غالبا ضد الجميع، فهو، مثلا، لم يتردد في الوقوف ضد الوحدة الألمانية بعدما «ابتلعت بون برلين»، كما في روايته «حقل فسيح». كان يرى أن الرأسمال الألماني الغربي التهم «الحقل الشرقي»، وأنه سرق زرعه وقوته، ولم يخلف لعموم الناس سوى الفقر وخيبة الأمل، كما أن «ألمانيا موحدة» يمكن أن تتحول إلى دولة قومية عدوانية.
ولم يخش غراس أن يتهم إسرائيل بتهديدها السلام العالمي في قصيدة سببت له متاعب كثيرة، وذهب البعض إلى دعوة الأكاديمية الفرنسية إلى سحب جائزة نوبل منه. ولا بد لنا هنا أن نتذكر موقفه أثناء زيارته اليمن حين رفض تسلم وسام منحه إياه علي عبد الله صالح، إلا بعد أن يتعهد الأخير بالسماح بعودة مأمونة للكاتب اليمني الهارب آنذاك وجدي الأهدل.
قد يختلف المرء مع بعض آراء غراس، ولكن الجميع يعترف بأن الرجل لم يكن مصابا، كحال كثير من كتابنا للأسف، بالانقسام المدمر بين الإنسان والكاتب، وهذا سرّ غناه الروحي، الذي انعكس بالضرورة على إبداعه الباقي.



مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟
TT

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

صدر العدد الجديد من مجلة الفيصل وتضمن العديد من الموضوعات والمواد المهمة. وكرست المجلة ملف العدد لموضوع إقصاء المرأة من حقل الفلسفة، وعدم وجود فيلسوفات. شارك في الملف: كل من رسلان عامر: «غياب المرأة الفلسفي بين التاريخ والتأريخ». خديجة زتيلي: «هل بالإمكان الحديث عن مساهمة نسائية في الفلسفة العربية المعاصرة؟» فرانك درويش: «المرأة في محيط الفلسفة». أحمد برقاوي: «ما الذي حال بين المرأة والتفلسف؟» ريتا فرج: «الفيلسوفات وتطور الأبحاث الحديثة من اليونان القديمة إلى التاريخ المعاصر». يمنى طريف الخولي: «النساء حين يتفلسفن». نذير الماجد: «الفلسفة نتاج هيمنة ذكورية أم نشاط إنساني محايد؟» كلير مثاك كومهيل، راشيل وايزمان: «كيف أعادت أربع نساء الفلسفة إلى الحياة؟» (ترجمة: سماح ممدوح حسن).

أما الحوار فكان مع المفكر التونسي فتحي التريكي (حاوره: مرزوق العمري)، وفيه يؤكد على أن الدين لا يعوض الفلسفة، وأن الفلسفة لا تحل محل الدين، وأن المفكرين الدينيين الحقيقيين يرفضون التفلسف لتنشيط نظرياتهم وآرائهم. وكذلك تضمن العدد حواراً مع الروائي العربي إبراهيم عبد المجيد الذي يرى أن الحزن والفقد ليس مصدرهما التقدم في العمر فقط... ولكن أن تنظر حولك فترى وطناً لم يعد وطناً (حاوره: حسين عبد الرحيم).

ونطالع مقالات لكل من المفكر المغربي عبد العزيز بومسهولي «الفلسفة وإعادة التفكير في الممارسات الثقافية»، والكاتب والأكاديمي السعودي عبد الله البريدي «اللغة والقيم العابرة... مقاربة لفك الرموز»، وضمنه يقول إننا مطالبون بتطوير مناهج بحثية لتحليل تورط اللغة بتمرير أفكار معطوبة وقيم عدمية وهويات رديئة. ويذهب الناقد سعيد بنكراد في مقال «الصورة من المحاكاة إلى البناء الجمالي» إلى أن الصورة ليست محاكاة ولا تنقل بحياد أو صدق ما تمثله، لكنها على العكس من ذلك تتصرف في ممكنات موضوعاتها. وترجم ميلود عرنيبة مقال الفرنسي ميشال لوبغي «من أجل محبة الكتب إمبراطورية الغيوم».

ونقرأ مقالاً للأنثروبولوجي الفرنسي فرانك ميرمييه بعنوان «مسار أنثربولوجي فرنسي في اليمن». ومقال «لا تحرر الحرية» (أريانا ماركيتي، ترجمة إسماعيل نسيم). و«فوزية أبو خالد... لم يزل الماء الطين طرياً بين أصابع اللغة» (أحمد بوقري). «أعباء الذاكرة ومسؤولية الكتابة» (هيثم حسين). «العمى العالمي: غزة بين فوضى الحرب واستعادة الإنسانية» (يوسف القدرة). «الطيور على أشكالها تقع: سوسيولوجيا شبكة العلاقات الاجتماعية» (نادية سروجي). «هومي بابا: درس في الشغف» (لطفية الدليمي).

ويطالع القارئ في مختلف أبواب المجلة عدداً من الموضوعات المهمة. وهي كالتالي: قضايا: سقوط التماثيل... إزاحة للفضاء السيميائي وإعادة ترتيب للهياكل والأجساد والأصوات (نزار أغري). ثقافات: «هل يمكن أن تحب الفن وتكره الفنان؟» ميليسا فيبوس (ترجمة خولة سليمان). بورتريه: محمد خضر... المؤلف وسرديات الأسلوب المتأخر (علي حسن الفواز). عمارة: إعادة تشكيل الفضاءات العامة والخاصة في جدة بين التراث والحداثة (بدر الدين مصطفى). حكايتي مع الكتب: الكتب صحبة رائعة وجميلة الهمس (فيصل دراج). فضاءات: «11 رصيف برنلي»... الابنة غير الشرعية لفرنسوا ميتران تواجه أشباح الحياة السرية (ترجمة جمال الجلاصي). تحقيقات: الترفيه قوة ناعمة في بناء المستقبل وتنمية ثقافية مؤثرة في المجتمع السعودي (هدى الدغفق). جوائز: جوائز الترجمة العربية بين المنجز والمأمول (الزواوي بغورة). المسرح: الكاتبة ملحة عبد الله: لا أكتب من أجل جائزة أو أن يصفق لي الجمهور، إنما كي أسجل اسمي في تاريخ الفن (حوار: صبحي موسى).

وفي باب القراءات: نجوان درويش... تجربة فلسطينية جسورة تليق بالشعر الجديد (محمد عبيد الله). جماليات البيت وسردية الخواء... قراءة في روايات علاء الديب (عمر شهريار). «أغنية للعتمة» ماتروشكا الحكايات والأنساب تشطر التاريخ في صعودها نحو الأغنية (سمية عزام). تشكيل: مهدية آل طالب: دور الفن لا يتحقق سوى من خلال الفنان (هدى الدغفق). مسرح: المنظومة المسرحية الألمانية يؤرقها سوء الإدارة والتمييز (عبد السلام إبراهيم)

ونقرأ مراجعات لكتب: «وجه صغير يتكدس في كل ظهيرة» (عماد الدين موسى)، «مروة» (نشوة أحمد)، «خاتم سليمي» (نور السيد)، «غراميات استثنائية فادحة» (معتصم الشاعر)، «أبناء الطين» (حسام الأحمد)، «حساء بمذاق الورد» (جميلة عمايرة).

وفي العدد نطالع نصوص: «مارتن هيدغر يصحو من نومه» (سيف الرحبي)، «مختارات من الشعر الكوري» (محمد خطاب)، «سحر الأزرق» (مشاعل عبد الله)، «معرض وجوه» (طاهر آل سيف)، «سارقة الذكريات» (وجدي الأهدل)، «أوهام الشجر» (منصور الجهني).