منذ ظهور اللقاحات الأولى ضد «كوفيد - 19» وبداية حملات التطعيم، ورغم التوضيحات المتكررة التي صدرت عن الأوساط والمؤسسات العلمية، ساد اعتقاد في أوساط الرأي العام بأن اللقاحات هي الدرع الواقية من فيروس «كورونا» المستجد والإصابة به. لكن الارتفاع المطرد في عدد الإصابات خلال الموجة الوبائية الراهنة بين الملقحين وفي البلدان التي بلغت مستويات عالية من التغطية اللقاحية، أعاد إلى الأذهان الحقائق العلمية بأن اللقاحات، رغم ضرورتها وفاعليتها في التصدي للفيروس، فإنها ليست كافية للسيطرة عليه.
واللقاحات المتداولة اليوم مصممة للحد من خطورة الإصابة بالمرض، لكنها ليست قادرة على منع انتشاره، ما يؤكد الحاجة لما يسميه الاختصاصيون «المناعة المعقمة»، أي تلك القادرة على وقف سريان الفيروس من البداية.
وتفيد بيانات الوكالة الأوروبية للأدوية بأن ثمة عشرات التجارب الجارية حالياً، بعضها سريري، لاختبار تقنية لقاحية أخرى تستهدف نقطة دخول إلى الجسم عبر الأنف والغشاء المخاطي التنفسي. وتشير الدلائل الأولى إلى أن إعطاء اللقاح عن طريق الأنف يولد استجابة مناعية أقوى وأسرع من إعطائه عبر الحقن العضلي.
ويقول خبراء الوكالة الذين يتابعون هذه التجارب إنه نظراً لكون «كوفيد» ناتج عن فيروس تنفسي، فمنعه من الإصابة يقتضي حماية مناعية موضعية عن طريق الغشاء المخاطي الذي ينشط المناعة في الدم. والمعروف أن مادة «إيموغلوبولين» هي المضاد الرئيسي في الغشاء المخاطي، أي أنها خط الدفاع الأول ضد العوامل المعدية، لكن نظراً لعدم توفر هذا المضاد بكميات كافية في الدم، وجب تنشيطه ليمنع دخول الفيروس إلى الخلايا الطلائية عبر البروتين الشوكي.
ويرى خبير العلوم الفيروسية والمستشار لدى الوكالة الأوروبية استيبان دومينغو أن تطوير اللقاحات المتداولة حالياً كان قفزة علمية هائلة في المجال الصحي، لكن النجاح الذي حققته هو أيضاً إحدى نقاط ضعفها لأنها تمنع المرض ولا تمنع الإصابة بالفيروس. ويضيف هذا الخبير في حديث إلى «الشرق الأوسط» أن الدفاعات التي تولدها اللقاحات المستخدمة حالياً تحتاج لأسبوعين أو ثلاثة أسابيع لبلوغ كامل قدرتها المناعية، ما يعطي الوقت الكافي للفيروس كي يتكاثر وينتشر في الجسم، لذا من الضروري اختصار هذه الفترة عن طريق التلقيح من الأنف والغشاء المخاطي التنفسي. ويضيف أن هذا التلقيح يوقظ الاستجابة المناعية بشكل أسرع وأوسع نطاقاً وأقوى من التلقيح عبر الحقن العضلي، ويمنع الفيروس من الدخول إلى الخلايا.
وتجدر الإشارة إلى أن الغشاء المخاطي هو الغطاء الداخلي للقصبات الهوائية التي تمتد من فتحة الأنف إلى الرئتين، ولها جيشها الدفاعي الخاص الذي تشكل المضادات المعقمة قوامه الرئيسي، وهي موجودة في الدم وجميع الإفرازات من اللعاب إلى الدموع. وقد بينت الدراسات التي أجريت حتى الآن أن التلقيح بالحقن العضلي ينشط المضادات الموجودة في الدم والتي تولد استجابة مناعية عامة لكنها لا تولد الاستجابة المعقمة. وهذا ما أظهرته مؤخراً الدراسة التي أجراها ديفيد كورييل الباحث من جامعة سانت لويس الأميركية على الفئران في المختبر.
وفي نهاية الشهر الفائت، أعلنت شركة باهارات بيوتك الهندية إنهاء المرحلة الثانية من التجارب السريرية على اللقاح الذي طوره كورييل واشترته منه مطلع العام الجاري. وقالت الشركة إن التجارب شملت 650 متطوعاً في 10 مستشفيات، وأظهرت سلامة اللقاح وقدرته على توليد المناعة، وأنها في صدد المباشرة بالمرحلة الثالثة على مجموعة أكبر من المتطوعين للتأكد من أن اللقاح يولد المناعة المعقمة المنشودة.
ويذكر أن شركة كوفي - فاك الأميركية التي تجري تجارب مشابهة أبلغت مؤخراً أن نتائج المرحلة الأولى أظهرت قدرة اللقاح على وقف تكاثر الفيروس في الأنف، وقالت إنها ستجري المرحلة الثانية بالتعاون مع معهد سيروم الهندي الذي ينتج غالبية اللقاحات التي توزع في البلدان النامية والفقيرة.
ومن المؤشرات على الفاعلية الواعدة للتلقيح عن طريق الأنف أن الشركات التي طورت وأنتجت اللقاحات الأربعة الأكثر رواجاً في الوقت الحاضر تجري تجارب على هذه التقنية اللقاحية، وفي طليعتها شركة أسترازينيكا التي قال باحثها الرئيسي آدريان هيل إن التلقيح عن طريق الأنف يمكن أن يمنع المرض والإصابات التي لا تحمل أعراضا أو مضاعفات ظاهرة، ما يساعد على الحد من سريان الفيروس.
لكن يبقى السؤال التالي: إذا كانت اللقاحات عن طريق الأنف تتمتع بكل هذه الفضائل، فما الذي يحول حتى الآن دون إنتاجها وتداولها؟
يجيب دومينغو عن هذا السؤال بقوله إنه ليس من السهل تطوير لقاح فاعل بهذه التقنية، ومن بين عشرات اللقاحات الموجودة ضد الإنفلونزا لا يوجد سوى اثنين عن طريق الأنف. والنتائج التي أظهرتها الدراسات والتجارب حتى الآن على اللقاحات التي يجري تطويرها عن طريق الأنف ليست حاسمة بعد من حيث سلامتها وفاعليتها. يضاف إلى ذلك أن لشركات الأدوية حالياً منصاتها لتطوير وإنتاج اللقاحات التي تعطى بالحقن العضلي، وتطوير منصة جديدة لإنتاج لقاح بنفس الفاعلية عن طريق الأنف تترتب عليه تكاليف باهظة.
وكانت الوكالة الأوروبية للأدوية قد نبهت إلى أن الموافقة على مثل هذا اللقاح تقتضي معايير أكثر صرامة لأن اللقاح يدخل عبر الأنف، أي قرب الدماغ، ما يشكل خطراً أكبر على الجهاز العصبي المركزي.
اللقاحات الحالية لا تكفي للسيطرة على الوباء
مصممة للحد من خطورة الإصابة بالمرض
اللقاحات الحالية لا تكفي للسيطرة على الوباء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة