يمنيون ينتقدون تباطؤ غروندبيرغ في إنعاش مساعي السلام المتعثرة

في ظل تصعيد الحوثيين عسكرياً وتهرب الجماعة من استقباله في صنعاء

المبعوث الأممي لليمن هانس غروندبيرغ (تويتر)
المبعوث الأممي لليمن هانس غروندبيرغ (تويتر)
TT
20

يمنيون ينتقدون تباطؤ غروندبيرغ في إنعاش مساعي السلام المتعثرة

المبعوث الأممي لليمن هانس غروندبيرغ (تويتر)
المبعوث الأممي لليمن هانس غروندبيرغ (تويتر)

بعد نحو ثلاثة أشهر من أول إحاطة أدلى بها المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن هانس غروندبيرغ، أمام مجلس الأمن، انتقد سياسيون يمنيون تباطؤ تحركاته لجهة بلورة رؤية أممية محدثة لإنعاش مساعي السلام المتعثرة، خصوصاً في ظل استمرار الميليشيات الحوثية في التصعيد العسكري، وتهرب قادة الجماعة حتى الآن من استقباله في صنعاء.
المبعوث الأممي صاحب الخلفية الجيدة عن ملف الأزمة اليمنية، كان قد وعد بأنه سيبدأ من حيث انتهى أسلافه، لكنه - بحسب منتقديه - بات يسير على خطاهم من حيث الزيارات المكوكية إلى عواصم المنطقة والالتفات إلى اللقاءات الثانوية البعيدة عن جوهر المشكلة المتمثلة في انقلاب الجماعة المدعومة من إيران على الشرعية وسعيها للسيطرة على بقية أنحاء البلاد بالقوة.
- جهود غير مرئية
وفيما يستعد غروندبيرغ خلال الساعات المقبلة في الإدلاء بإحاطة جديدة أمام مجلس الأمن، يصف الباحث والأكاديمي اليمني فارس البيل تحركات المبعوث بأنها «لا تزال خارج الفعل الإجرائي». ويقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «حتى الآن لم يخبرنا كيف يمكنه حل المشكلة اليمنية وما أولوياته، وباستثناء زياراته المهمة لعدن وتعز والساحل، فإن حديثه في أولى إحاطاته عن رؤية شاملة للحل، واستفادته من أخطاء من سبقوه هي إشارات مهمة، تنبئ عن إدراك لطبيعة المهمة وتعقيداتها».
ويرى البيل أن المبعوث الأممي السابق اختزل جهوده في الحديدة، وجعل المشكلة اليمنية كلها الحديدة، ثم لم يخرج بشيء لا للحديدة ولا المشكلة اليمنية، غير أن المبعوث الجديد، وقد كون فكرة شاملة عن حدود المشكلة اليمنية لا تزال جهوده حتى الآن غير مرئية، ولم تنتج تحركات فعلية يمكن أن تقودنا لمعرفة المسارات التي سيعمل عليها.
ولا يخفي الباحث اليمني الدكتور البيل خشيته من أن يصاب غروندبيرغ «برتابة من قبله، فتمر الأوقات وهو يملؤها بأسفار ولقاءات لا تقول جديداً، أو فعاليات لا تبدو أولوية الآن، ولا تحمل معها سوى صور التذكار».
ويعتقد البيل أنه «من المهم ألا يغرق المبعوث الجديد بالتفاصيل التي لا تقود إلى تكوين رؤية شاملة كما وعد، أو ينشغل بملفات هامشية تحطم آمال اليمنيين فيه، وقد رأوا في مجيئه بعض الأمل».
ويجاهر أنه «إلى الآن لا يمكن التنبؤ بإيجابية فاعلة للمبعوث، والشهور تمر دون فعل ملموس، خصوصاً أن الصورة في اليمن لم تعد بحاجة لمزيد من الجهد لتحليلها، إذ يحتل في جانبها الحوثي بتعنته المستمر وإفشاله لكل مساعي السلام، واستمراره في التدمير والحرب، وهو ما يستدعي أدوات جديدة وخطوات وإجراءات مختلفة للتعامل معه والضغط عليه، أما مجرد انتظار حسن نواياه وتصديقها فهذا لن يتأتى وسينتظر اليمنيون عشرات المبعوثين دون أن يصلوا لإقناع الحوثي بالسلام».
ويقترح الدكتور البيل «على المبعوث الدولي أن ينطلق من قوة قرارات منظمة الأمم المتحدة، وأن يسير بخطوات مختلفة يشملها الضغط الواضح من قبل المجتمع الدولي على إيران ومن خلالها الحوثي، وأن يستغل كل تفويضات مجلس الأمن وأدواته، لإرغام الحوثي على السلام والتوقف عن تدمير اليمن وهدم حياة اليمنيين لصالح الاستراتيجية الطائفية الإيرانية».
ويرى أن مشكلة «الحوثي ليست في السلطة والمستقبل السياسي حتى تغريه الأمم المتحدة بتقاسمها والشراكة فيها» ويضيف البيل «الحل هو فك ارتباط الحوثي بمشروع إيران وكف أذاها عن اليمن، وانخراط الحوثي في المشروع الوطني، عند ذلك يمكن الحديث عن تسوية واتفاق وتقاسم، في إطار اليمن، أما والحوثي لا يزال خارج الدائرة اليمنية ولا ينظر إليها سوى قاعدة عسكرية لإيران، فإن كل جهود الأمم المتحدة لا تعدو كونها أوقاتاً إضافية للمأساة اليمنية».
- فعاليات مهدرة للوقت
من جهته ينتقد الكاتب والصحافي اليمني وضاح الجليل تركيز المبعوث الأممي على الأنشطة والفعاليات الهامشية التي يرى أنها مجرد «مضيعة للوقت».
ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «في البداية أوحى المبعوث للمتابعين والمهتمين بالشأن اليمني بأنه سيكون مختلفاً عن سابقيه، في تصريحاته التي سبقت بدء مهمته واستهلالها؛ حيث قدم قراءة وملخصاً منطقياً وواقعياً إلى حد كبير للكثير من معطيات الأزمة اليمنية، ولم يقل إنه سيحقق السلام وسيصنع المعجزات كما فعل سابقوه؛ وأشار إلى أغلب الصعوبات التي ستواجه مهمته، وتحدث عن بعض العراقيل الواضحة، ولم يظهر أي مثالية زائفة، أو يتحدث عن حلول سحرية أو سهلة، وكل هذا جعله يبدو كرجل قادر على تفعيل العديد من الخيارات وإيجاد مسارات مختلفة للتعامل مع الوضع، وإن لم يكن هناك تفاؤل بقدرته على فعل الكثير؛ لأن أصل الأزمة وتعقيداتها لا يمكن أن تقف حلولها بيد مبعوث أممي».
غير أن هذه الصورة التي قرأها الجليل عن غروندبيرغ لم تصمد، حيث يرى «أن أداءه في الأشهر اللاحقة أظهر أنه لا يختلف كثيراً عن سابقيه»، ويعلق بالقول: «ليس مهماً إن كان وجد نفسه مجبراً على تقليدهم؛ أم أنه جاء إلى منصبه وهو مؤمن بذلك النهج؛ أم أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يريدان فعلاً من مبعوثيهم ممارسة هذا الدور العابث».
ويضيف الجليل «اتجه غروندبيرغ إلى تنفيذ والمشاركة في عدد من الأنشطة والفعاليات التي تنفذها عادة منظمات المجتمع المدني، وهو المسار الذي سلكه سابقوه الذين كثفوا جهودهم في هذا الجانب على حساب مهمتهم الأصلية، والتي تقتضي التعامل مع أسباب الأزمة وأطرافها، والبحث عن سبل وطرائق لتقريب وجهات النظر، وجمعهم على طاولة مفاوضات، وأن يكون كل ذلك متفقاً ومتوافقاً مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وحق الشعوب في سيادة دولها على أراضيها».
ويوجه الكاتب والصحافي اليمني وضاح الجليل انتقاده للمبعوثين الأمميين، ويصفهم بأنهم «يبحثون عن مقترحات وحلول للأزمة مع جهات وشخصيات لا تمثل إلا فئة محدودة من المجتمع، وغالباً تميل إلى تبني وجهة النظر الحوثية، وتلغي حق السلطة الشرعية في السيادة واستعادة مؤسسات الدولة، وتتجاوز مقاومة المجتمع ورفضه للميليشيات الحوثية ونفوذها وسطوتها».
ويضيف «يكثف غروندبيرغ لقاءاته مع شخصيات يسميها بـ(نساء ورجال وشباب المجتمع المدني)، للحصول منهم على رؤى وتصورات لحل الأزمة وإنهاء الحرب، ومؤخراً شارك في فعالية لشيوخ القبائل الذين يعلم الجميع أن أغلبهم يسهم في رفد جبهات الحوثي بالمقاتلين طوعاً أو كرهاً، ويحصل مقابل ذلك على المنافع وعلى ثقة الحوثي».
ويعتقد الجليل أن «مثل هذه الفعاليات يتم فيها هدر الوقت والأموال دون تمثيل المجتمع اليمني فعلاً، كما يتم تبني ما يقدم فيها من مقترحات ووضعها على الطاولة لفرضها على السلطة الشرعية والقوى الاجتماعية والسياسية المؤيدة لها بوصفها رؤى ومقترحات شعبية، في خداع ممنهج، وتدليس واضح، حيث المجتمع مغيب تماماً عن هذه الفعاليات، ولم يؤخذ برأيه في حل الأزمة، وهو الذي أعلن موقفه واضحاً من خلال تأييده لمقاومة الانقلاب، وتبنيه المقاومة الشعبية التي واجهت الانقلاب الحوثي منذ أول يوم».


مقالات ذات صلة

اتهامات للحوثيين بارتكاب 13 ألف انتهاك حقوقي في البيضاء خلال عشر سنوات

العالم العربي جانب من المؤتمر الصحافي الذي عقد بمحافظة مأرب عن انتهاكات جماعة الحوثي في البيضاء (سبأ)

اتهامات للحوثيين بارتكاب 13 ألف انتهاك حقوقي في البيضاء خلال عشر سنوات

كشف تقرير حقوقي يمني عن توثيق نحو 13 ألف انتهاك لحقوق الإنسان في محافظة البيضاء (وسط اليمن) ارتكبتها ميليشيا الحوثي خلال السنوات العشر الأخيرة

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ خلال أحدث إحاطاته أمام مجلس الأمن (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة لـ«الشرق الأوسط»: غروندبرغ ملتزم بالوساطة... والتسوية اليمنية

في أعقاب فرض عقوبات على قيادات حوثية، أكد مكتب المبعوث الأممي التزامه بمواصلة جهوده في الوساطة، والدفع نحو تسوية سلمية وشاملة للنزاع في اليمن.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي الحوثيون يحكمون قبضتهم على مناطق شمال اليمن ويسخرون الموارد للتعبئة العسكرية (أ.ب)

عقوبات أميركية على قيادات حوثية

فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة أمس على سبعة من كبار القادة الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن.

علي ربيع (عدن)
المشرق العربي الأمم المتحدة تخطط للوصول إلى 12 مليون يمني بحاجة إلى المساعدة هذا العام (إ.ب.أ)

انعدام الأمن الغذائي يتفاقم في 7 محافظات يمنية

كشفت بيانات أممية عن تفاقم انعدام الأمن الغذائي في 7 من المحافظات اليمنية، أغلبها تحت سيطرة الجماعة الحوثية، وسط مخاوف من تبعات توقف المساعدات الأميركية.

محمد ناصر (تعز)
المشرق العربي الشراكات غير العادلة في أعمال الإغاثة تسبب استدامة الأزمة الإنسانية في اليمن (أ.ف.ب)

انتقادات يمنية لأداء المنظمات الإغاثية الأجنبية واتهامات بهدر الأموال

تهيمن المنظمات الدولية على صنع القرار وأعمال الإغاثة، وتحرم الشركاء المحليين من الاستقلالية والتطور، بينما تمارس منظمات أجنبية غير حكومية الاحتيال في المساعدات.

وضاح الجليل (عدن)

الحوثيون: سنتخذ إجراءات عسكرية ضد إسرائيل بمجرد انتهاء مهلة الأيام الأربعة

عرض لمجسمات صواريخ ومسيّرات حوثية في صنعاء (إ.ب.أ)
عرض لمجسمات صواريخ ومسيّرات حوثية في صنعاء (إ.ب.أ)
TT
20

الحوثيون: سنتخذ إجراءات عسكرية ضد إسرائيل بمجرد انتهاء مهلة الأيام الأربعة

عرض لمجسمات صواريخ ومسيّرات حوثية في صنعاء (إ.ب.أ)
عرض لمجسمات صواريخ ومسيّرات حوثية في صنعاء (إ.ب.أ)

قال الحوثيون في اليمن، اليوم (الاثنين)، إنهم سيتخذون إجراءات عسكرية بمجرد انتهاء مهلة الأيام الأربعة لرفع الحصار عن قطاع غزة، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، الجمعة، إن الحركة ستستأنف عملياتها البحرية ضد إسرائيل إذا لم تُنهِ تعليقها دخول المساعدات إلى غزة خلال 4 أيام، مما يشير إلى تصعيد محتمل.

وشنت الحركة المتمردة المتحالفة مع إيران أكثر من 100 هجوم على حركة الشحن البحرية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، قائلة إن الهجمات تضامن مع الفلسطينيين في حرب إسرائيل على حركة «حماس» الفلسطينية في قطاع غزة، وتراجعت الهجمات في يناير (كانون الثاني) بعد وقف إطلاق النار في القطاع الفلسطيني.

خلال تلك الهجمات، أغرق الحوثيون سفينتين واستولوا على أخرى وقتلوا 4 بحارة على الأقل، مما أدى إلى اضطراب حركة الشحن العالمية لتُضطر الشركات إلى تغيير مسار سفنها لتسلك طريقاً أطول وأعلى تكلفة حول جنوب القارة الأفريقية.

وقال الحوثي، الجمعة: «سنعطي مهلة 4 أيام وهذه مهلة للوسطاء فيما يبذلونه من جهود، إذا استمر العدو الإسرائيلي بعد الأيام الأربعة في منع المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، واستمر في الإغلاق التام للمعابر ومنع دخول الدواء إلى قطاع غزة فإننا سنعود إلى استئناف عملياتنا البحرية ضد العدو الإسرائيلي. كلامنا واضح ونقابل الحصار بالحصار».

وفي الثاني من مارس (آذار)، منعت إسرائيل دخول شاحنات المساعدات إلى غزة مع تصاعد الخلاف حول الهدنة، ودعت «حماس» الوسطاء المصريين والقطريين إلى التدخل.

ورحّبت الحركة الفلسطينية بإعلان الحوثي، الجمعة. وقالت في بيان: «هذا القرار الشجاع الذي يعكس عمق ارتباط الإخوة في أنصار الله والشعب اليمني الشقيق بفلسطين والقدس، يعد امتداداً لمواقف الدعم والإسناد المباركة التي قدموها على مدار خمسة عشر شهراً من حرب الإبادة في قطاع غزة».