السردين... {منجم} للمعادن وعلاج للقلب

طبق اقتصادي تهدده التغيرات البيئية

السردين من أرخص أنواع السمك
السردين من أرخص أنواع السمك
TT

السردين... {منجم} للمعادن وعلاج للقلب

السردين من أرخص أنواع السمك
السردين من أرخص أنواع السمك

ضع حبات من سمك السردين، المشوي أو المقلي، قد تغنيك عن متاعب مستقبلية قد تتعرض لها بسبب ضغط الدم أو اضطرابات دقات القلب، لكن المؤكد أن شرائح المقرمشة المُتبلة، ستمنح طبقاً لذيذا شهياً بأقل تكاليف.
ويقول الأطباء إن هذه السمكة الغنية بالمعادن والبروتينات تعتبر مخزنا لـ(أوميغا 3) فـإن الطهاة أيضاً يتغزلون بها ويرون أن ببطونها الفضية وجلدها الناعم يأتي اللحم الوردي، وعلى الرغم من صغر حجمها، فإن لحم السردين كثيف ودهني، فضلاً عن سعره غير المكلف مما أهله ليكون طبقاً شعبياً.
ويتخوف مختصون من تأثيرات بيئية مستقبلية على إنتاج السردين، إذ أشارت دراسة حديثة نشرها معهد الأبحاث الفرنسي لاستغلال البحر، مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى تقلص حجم سمك السردين من 15 إلى 11 سنتيمترا، وربطت الدراسة بين هذه التغيرات والبيئة البحرية التي تتعرض لبعض الخلل بسبب تغيرات في دوران الغلاف الجوي والمحيطات، وزيادة عامة في درجة الحرارة بمقدار 0.5 درجة مئوية خلال 30 عاماً في المتوسط، ونوهت الدراسة إلى أن احتمالية تغيرات مرتقبة لا يمكن معها بقاء هذه السمكة الشهية بحجمها نفسه أو كميتها.
ويتحدث أحمد الدواش، الطاهي المتخصص في الأطباق البحرية، عن فوائد سمك السردين وقيمته الغذائية ووصفاته المتنوعة، ويقول لـ«الشرق الأوسط» «تعود شعبية سمك السردين إلى مذاقه الطيب، وتوافره في معظم البلدان تقريبًا، مع توافر أكثر في شرق أوروبا، ومناطق من أفريقيا».
ويرى أن قيمة السردين تكمن في محتواه من الفيتامينات والمعادن والبروتين، ولكن ما يجعله ضمن قائمة «السوبر فوود» هو (أوميغا 3) الموصى به لمرضى ضغط الدم واضطرابات القلب، كما أنه يحمي الجسم من الجلطات الدماغية.
ويعدد الطاهي اللبناني ومالك أحد أشهر مطاعم الأسماك فوق جبل لبنان، فوائد سمكة السردين، ويقول «فيتامين ب 12»، أحد العناصر المرتبطة بحماية ضربات القلب والأوعية الدموية، وهو متوفر بفورة داخل لحم السردين الشهي. كذلك "فيتامين د» الذي يعزز صحة العظام ويمد الجسم بالطاقة، كنز آخر كامن بين فصوص لحم السردين. ويشير الدواش إلى سبب وجيه يجعل السردين ضمن قائمة الأطعمة الفائقة القيمة، وهو محدودية نسبة الزئبق داخل السمك مقارنة بأنواع أخرى مثل التونة والماكريل والسلمون.
ورغم القيمة الغذائية للسردين، وفوائده الجمّة فإن رائحته مزعجة نسبياً، لذا يميل البعض إلى تناوله معلبا لضمان مروره بمراحل التنظيف والتعليب اللازمة، لكن ثمة وصفات شعبية عديدة لتحضير هذه السمكة الفضية. ويقول الدواش: «السردين أحد أكثر المأكولات البحرية استدامة، لكن بلبنان تتوفر أكثر بذرة السردين، أو هكذا نطلق عليها، وهي سمك سردين صغير كثير لكنه طيب المذاق، لا يتطلب تحضيره مجهود، فقط تتبيلة خاصة ويقلى في الزيت ليعطيك أطيب طبق سمك هش ومقرمش، حتى إنه يؤكل من الرأس إلى الذيل دون نزع القفص الداخلي، قد يعتبره البعض نوعا من المقبلات الشهية على طاولة المأكولات البحرية».
ويردف: «هو طبق مطلوب بكثافة في مطاعم المأكولات البحرية، ثمة زبائن يأتون خصيصًا لتناول السردين المقرمش أو الفتة، وذلك لأن مذاق السردين يذهب بك إلى أعماق البحار ويردك في ثانية واحدة إلى طاولتك بمجرد تناول قضمة من هذه السمكة الفضية الطيبة».
ويمكنك تجربة شرائح فيليه السردين بالزيت والثوم، وتتبيله بالملح والفلفل الأبيض، ثم يطهى في فرن ساخن لمدة 30 ثانية حتى يتماسك لحمه الوردي، ويقدم مع البصل ورشة الشبت وشرائح الليمون.
ثمة وصفات عديدة لطهي «أمير الأسماك الزيتية»، كما يُطلق عليه الطهاة، لكن أكثرها عصرية هي وصفة الشيف الدواش الذي يقدم سمك السردين الصغير مع فتة الحليب، ويكشف أسرار هذا الطبق ويقول «البعض ربما يرى في مزج الحليب والسمك غرابة أو على أقل تقدير اتجاها غير مألوف، لكني أرى في هذا المزيج كثيرا من المنطق والتآلف، لأن الحليب عنصر بارد ومهدئ للمعدة، على عكس السمك، الذي نعتبره عنصرا ساخنا له مذاق عميق، من ثم، ماذا يمنع الاستمتاع بمزجهما؟».
وعن فتة الحليب وسمك السردين يقول الطاهي اللبناني: «في صحن عميق، توضع كمية من الخبز المحمص، مع الباذنجان المقلي، وفصوص الثوم وشرائح الليمون، ثم الحليب مع اللبنة بكمية متساوية، وأخيرا، يضاف سمك السردين المقلي ومقرمش على سطح الفتة».
وسمك السردين لا يفيض به البحر طوال العام، بينما موسمه يبدأ في نهاية الشتاء وحتى الربيع. يقول «الدواش» «أعشق أكل السردين في الربيع على وجه الخصوص، في ذلك الوقت من العام يمكن طهي السردين الطازج بعدة طرق، مقليا، أو مطهيا بالفرن مع حبات الطماطم والكراث، أما في غير موسمه، فيمكن تناوله معلبًا أو حتى مجهزًا على طريقة التمليح».
وينصح أيضا الطاهي «عند شراء السردين الطازج من بائعي الأسماك في الأسواق، ابحث عن شرائح سمك السردين ذات اللمعان، فهذا دليل على جودتها».



المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
TT

المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)

تلتصق بالأرض كجذور شجرة منتصبة تصارع العواصف بصلابة بانتظار الربيع. زينب الهواري تمثل نموذجاً للمرأة العربية المتمكنّة. فهي تطهو وتزرع وتحصد المواسم، كما تربّي طفلتها الوحيدة المقيمة معها في إحدى البلدات النائية في شمال لبنان. غادرت زينب بلدها مصر وتوجّهت إلى لبنان، ملتحقة بجذور زوجها الذي رحل وتركها وحيدة مع ابنتها جومانا. تركت كل شيء خلفها بدءاً من عملها في وزارة الثقافة هناك، وصولاً إلى عائلتها التي تحب. «كنت أرغب في بداية جديدة لحياتي. لم أفكّر سوى بابنتي وكيف أستطيع إعالتها وحيدة. أرض لبنان جذبتني وصارت مصدر رزقي. هنا كافحت وجاهدت، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي رحت أنشر ما أقوم به. توسّع جمهوري ليطول الشرق والغرب. اليوم تنتظرني آلاف النساء كي يتعلمّن مني وصفة طعام لذيذة. وكذلك يكتسبن من منشوراتي الإلكترونية كيفية تحضير المونة من موسم لآخر».

"ماما الطبّاخة" تزرع وتسعد بحصاد موسم الخرشوف (ماما طباّخة)

تروي زينب لـ«الشرق الأوسط» قصة حياتها المليئة بمواقف صعبة. «كانت ابنة أختي التي رحلت في زمن (كورونا) هي ملهمتي. قبلها كنت أجهل كيف أتدبّر أمري. فتحت لي حساباً إلكترونياً، ونصحتني بأن أزود المشاهدين بوصفات طعام. وانطلقت في مشواري الجديد. لعلّ جارتي أولغا هي التي لعبت الدور الأكبر في تقدمي وتطوري. علّمتني طبخات لبنانية أصيلة. كما عرّفتني على أنواع المونة اللبنانية اللذيذة. كل ما أقوم به أصنعه من مكونات طبيعية بعيداً عن أي مواد كيمائية. أزرع وأحصد وأطهو على الحطب. أعيش بسلام في قرية نائية مع ابنتي. هنا اكتشفت معنى الحياة الهانئة والحقيقية».

تحب تحضير الطعام كي تسعد الناس حولها (ماما طباّخة)

قصتها مع الطبخ بدأت منذ كانت في الـ13 من عمرها. «كانت والدتي تعمل فأقوم بمهام المطبخ كاملة. صحيح أنني درست الفنون الجميلة، ولكن موهبة الطهي أسرتني. في لبنان بدأت من الصفر عملت في مطعم وتابعت دورات مع شيف عالمي. اكتسبت الخبرة وتعلّمت أصول المطبخ الإيطالي والصيني. ولكنني عشقت المطبخ اللبناني وتخصصت به».

تصف حياتها بالبسيطة وبأنها تعيش ع «البركة» كما يقولون في القرى اللبنانية. وعن منشوراتها تقول: «أحضّر الطبق مباشرة أمام مشاهديّ. وكذلك أي نوع مونة يرغبون في تعلّم كيفية تحضيرها. أمضي وقتي بين الأرض والحصاد والطبخ. أجد سعادتي هنا وبقربي ابنتي التي صارت اليوم تفضّل الاعتناء بالدجاج وقطف المحصول على أن تنتقل إلى بيروت. إنها ذكية وتحقق النجاح في دراستها. أتمنى أن تصل إلى كل ما تحلم به عندما تكبر. فكل ما أقوم به هو من أجل عينيها».

مع ابنتها جومانا التي تساعدها في تحضير منشوراتها الإلكترونية (ماما طباّخة)

وعن سرّ أطباقها اللذيذة ووصفاتها التي وصلت الشرق والغرب تقول: «أحب عملي، والنجاح هو نتيجة هذا الحبّ. لطالما كنت أبحث عما يسرّ من هم حولي. ومع الطبق اللذيذ والشهي كنت أدخل الفرح لمن يحيط بي. اليوم كبرت دائرة معارفي من الجمهور الإلكتروني، وتوسّعت حلقة الفرح التي أنثرها. وأسعد عندما يرسلون إلي نجاحهم في وصفة قلّدونني فيها. برأيي أن لكل ربّة منزل أسلوبها وطريقتها في تحضير الطعام. وأنصح النساء بأن تحضّرن الطعام لعائلتهن بحبّ. وتكتشفن مدى نجاحهن وما يتميّزن به».

لقبها «ماما الطبّاخة» لم يأتِ عن عبث. وتخبر «الشرق الأوسط» قصّتها: «كانت جومانا لا تزال طفلة صغيرة عندما كان أطفال الحي يدعونها لتناول الطعام معهم. ترفض الأمر وتقول لهم: سأنتظر مجيء والدتي فماما طباخة وأحب أن آكل من يديها. وهكذا صار لقب (ماما الطباخة) يرافقني كاسم محبب لقلبي».

ببساطة تخبرك زينب كيف تزرع وتحصد الباذنجان لتحوّله إلى مكدوس بالجوز وزيت الزيتون. وكذلك صارت لديها خبرة في التعرّف إلى الزعتر اللذيذ الذي لا تدخله مواد مصطنعة. حتى صلصة البيتزا تحضّرها بإتقان، أمام كاميرا جهازها المحمول، وتعطي متابعيها النصائح اللازمة حول كيفية التفريق بين زيت زيتون مغشوش وعكسه.

تحلم زينب بافتتاح مطعم خاص بها ولكنها تستدرك: «لا أملك المبلغ المالي المطلوب، إمكانياتي المادية بالكاد تكفيني لأعيل ابنتي وأنفّذ منشوراتي الإلكترونية. فشراء المكونات وزرع المحصول وحصاده والاعتناء بالأرض عمليات مكلفة مادياً. والأهم هو تفرّغي الكامل لعملي ولابنتي. فأنا لا أحب المشاركة في صبحيات النساء وتضييع الوقت. وعندما أخلد إلى النوم حلم واحد يراودني هو سعادة ابنتي».

مؤخراً صارت «ماما الطبّاخة» كما تعرّف عن نفسها على صفحة «تيك توك»، تصدّر المونة اللبنانية إلى الخارج: «زبائني يتوزعون على مختلف بقاع الأرض. بينهم من هو موجود في الإمارات العربية والسعودية ومصر، وغيرهم يقيمون في أستراليا وأوروبا وأميركا وبلجيكا وأوكرانيا. أتأثر إلى حدّ البكاء عندما ألمس هذا النجاح الذي حققته وحدي. واليوم صرت عنواناً يقصده كل من يرغب في الحصول على منتجاتي. وأحياناً سيدة واحدة تأخذ على عاتقها حمل كل طلبات جاراتها في بلاد الاغتراب. إنه أمر يعزيني ويحفزّني على القيام بالأفضل».

لا تنقل أو تنسخ زينب الهواري وصفات طعام من موقع إلكتروني أو من سيدة التقتها بالصدفة. «أتكّل على نفسي وأستمر في المحاولات إلى أن أنجح بالطبق الذي أحضّره. لا أتفلسف في وصفاتي، فهي بسيطة وسريعة التحضير. أدرك أن مهنتي صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء. ولكنني استطعت أن أتحدّى نفسي وأقوم بكل شيء بحب وشغف».