ظهرت ملامح «تحركات شعبية» ضد وجود ميليشيات عراقية وأفغانية تابعة لإيران كانت فرضت سيطرتها الكاملة على مدينة تدمر ومنطقة السخنة وسط البادية السورية شرقي حمص، وتضييق على السكان الأصليين، ووضعهم أمام خيارات «الولاء أو المغادرة».
وتحدث لـ«الشرق الأوسط»، عدد من الأشخاص الواصلين إلى مناطق المعارضة في شمال سوريا كانوا قد غادروا مدينة تدمر في البادية السورية 160 كلم شرقي حمص مؤخراً، عن «حجم الانتهاكات والممارسات المرتكبة بحق من تبقى من أهالي المدينة، على أيدي الميليشيات الإيرانية وميليشيات أخرى مرتبطة بها عراقية وأفغانية، منذ سيطرتها على مدينة تدمر ومنطقة السخنة ومحيطهما، منذ ما يقارب 3 أعوام، من داعش».
وقال أبو عمر (52 عاماً)، أحد أبناء مدينة تدمر، وصل وأسرته التي تضم سبعة أشخاص مؤخراً، إلى مدينة الباب شمال حلب، بعد رحلة شاقة ومكلفة مادياً، إنه «لم تبقَ أمام من تبقى من العوائل التدمرية الأصلية التي ما زالت تعيش في المدينة، ويبلغ تعدادها نحو 400 عائلة، سبل للعيش فيها، إما اعتناق المذهب الشيعي وإما عمل أبنائها مجبرين لدى الميليشيات الإيرانية والأفغانية في بناء المقار العسكرية وحراستها ليلاً، وإما العمل في الحفريات بوسائل بسيطة للبحث عن اللقى الأثرية لصالح الميليشيات، وهذا هو الضمانة الوحيدة التي تؤمن لك استمرار الإقامة والعيش في مدينتنا التي ولدنا وعشنا فيها لسنوات».
ويضيف أنه «منذ عام 2016، عندما سيطر تنظيم داعش على مدينة تدمر وحتى الآن، يعاني أهالي المدينة ومنطقة السخنة والبلدات المحيطة بها شرقي حمص، من شتى أنواع القهر والتشرد والنزوح، فتنظيم داعش، قتل الكثير من أبنائنا على مدار عامين تقريباً، وأعقبت ذلك سيطرة الميليشيات الموالية لإيران مثل لواء (فاطميون) وحركة النجباء العراقية، على كامل المنطقة، لندخل في نفق آخر من المعاناة، التي أيضاً بدورها مارست أشد أنواع التضييق والخناق على المواطنين، بدءاً من تجنيد الشباب الإجباري في صفوفها، والتحكم بموارد العيش والعمل، فضلاً عن توطين أكثر من 80 عائلة عراقية ومثلها إيرانية وأفغانية في أحياء مدينة تدمر ومنطقة السخنة، وإنشاء مقار ومكاتب لها، ونشر نقاط حراسة وحواجز عسكرية، ومطالبة عناصرها المواطنين بدفع إتاوات (يومية وشهرية)، مقابل السماح لهم بالعمل أو المرور، الأمر الذي حوّل الحياة داخل المدينة إلى جحيم، ما دفع عدداً كبيراً من أبنائها إلى النزوح مرة جديدة إلى مناطق الرقة ودير الزور، وعائلات أخرى ميسورة الحال لجأت إلى مناطق المعارضة شمال حلب».
أبو مفيد (59 عاماً)، هو أيضاً وصل مؤخراً وأسرته إلى منطقة الباب الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية شمال حلب، قال: «سيطرت الميليشيات الإيرانية والموالية لها خلال الأشهر الأخيرة الماضية قبيل مغادرتنا لمدينة تدمر على نحو 200 منزل وسط المدينة، وعدد من المدارس، بالإضافة إلى سيطرتها على مساحات من الأراضي في الجهة الشرقية للمدينة، واحتلالها عشرات المزارع المحيطة بمطار تدمر العسكري وعشرات المنازل في منطقة السخنة، سعياً من الميليشيات، لترسيخ نفوذها وضمان سيطرتها على المنطقة، والقيام بعملية تغيير ديموغرافي وتغيير تركيبة السكان الأصلية»، بالإضافة إلى إنشاء مراكز تأهيل وثقافة (فارسية) للنساء والأطفال، تشرف عليها شخصيات عراقية.
وأضاف: «في الفترة الأخيرة بدأت الميليشيات الإيرانية إجبار الشبان على حراسة المقار العسكرية من هجمات تنظيم داعش مقابل السماح لهم بممارسة الأعمال في سبخة الموح في تدمر باستخراج الملح، وبيعه من أجل كسب قوت أسرهم، فضلاً عن التحكم بأسعار السلع الغذائية والدواء واحتكارها تارة، وتارة أخرى يجري رفع أسعارها، من قبل تجار محليين مرتبطين بالميليشيات الإيرانية». ولفت إلى أن تعداد مدينة تدمر قبيل اندلاع الثورة السورية عام 2011 كان نحو 78 ألف نسمة، بينما اليوم لا يتجاوز عدد سكانها الأصليين 8 آلاف شخص، أما مَن تبقى من سكانها مهجر ونازح في مخيم الركبان ومناطق الجزيرة السورية (الرقة ودير الزور) وعائلات في مناطق الشمال السوري ودول الجوار.
من جهته، قال سعيد العريف، وهو ناشط من مدينة تدمر، إن هناك تنافساً خفياً بين إيران وروسيا حول السيطرة على بادية حمص التي تضم منطقة تدمر والسخنة، وصولاً إلى مناطق دير الزور والرقة شمال شرقي سوريا، «حيث تحاول إيران إكساب المنطقة الطابع الشيعي من خلال تجنيد الشباب الفقير في صفوف ميليشياتها، مقابل رواتب شهرية تصل إلى 80 دولاراً أميركياً (شهرياً)، مستغلة بذلك الفقر والعوز اللذين يعاني منهما سكان المنطقة».
ويضيف أن أكثر من 40 شاباً مجندين في صفوف الميليشيات الإيرانية قتلوا، من منطقة تدمر والسخنة خلال العام الجاري، بعدد من الهجمات المباغتة لـتنظيم «داعش»، استهدفت مواقع ومقار عسكرية تابعة للميليشيات الإيرانية في المنطقة.
وحذر العريف من خطورة الوضع الإنساني الذي يعيشه ما تبقى من سكان بادية حمص بما فيها مدينة تدمر من عملية التغيير الديمغرافي، التي يقوم بها «الحرس الثوري» الإيراني، من خلال جلب أسر وعوائل عناصر ميليشيات لواء «فاطميون» الأفغاني و«حركة النجباء العراقية»، وتوطينها في المنطقة، فضلاً عن عمليات إجبار السكان على بيع منازلهم بأسعار زهيدة للمتنفذين في الميليشيات، فضلاً عن حرقها وتخريبها لبساتين البلح والتمر المحيطة بالمدينة.
في سياق منفصل، قُتل وجرح نحو 20 مدنياً بقصف جوي روسي على منطقة بريف إدلب شمال غربي سوريا، ترافق مع قصف مدفعي مكثف من قبل قوات النظام طال مناطق جبل الزاوية جنوب إدلب وريف حماة.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إنه قُتل ثلاثة أشخاص كـحصيلة أولية وإصابة نحو 12 آخرين بينهم نساء وأطفال، جراء غارة جوية نفذتها مقاتلة روسية بثلاثة صواريخ فراغية على منطقة اليعقوبية بريف مدينة جسر الشغور غربي إدلب، وعدد الشهداء مرشح للارتفاع لوجود حالات خطرة بين الإصابات.
وأشار «المرصد»، قبل قليل، إلى قصف جوي نفذته طائرة روسية على منطقة اليعقوبية بريف مدينة جسر الشغور، في ريف إدلب الغربي، تزامناً مع قصف صاروخي بأكثر من 30 قذيفة، نفذته قوات النظام على قرية القاهرة بمنطقة سهل الغاب في ريف حماة، وسط معلومات عن سقوط خسائر بشرية، وقصف مماثل طال قرى الفطيرة والبارة بجبل الزاوية جنوب إدلب.
«تحركات شعبية» ضد ميليشيات إيران وسط سوريا
قتلى بقصف روسي على منطقة إدلب
«تحركات شعبية» ضد ميليشيات إيران وسط سوريا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة