فاليري بيكريس... مرشحة اليمين الكلاسيكي تهدد طموح ماكرون لولاية ثانية

وسط آمال عريضة عند ورثة الديغولية بـ {استعادة فرنسا}

فاليري بيكريس... مرشحة اليمين الكلاسيكي تهدد طموح ماكرون لولاية ثانية
TT

فاليري بيكريس... مرشحة اليمين الكلاسيكي تهدد طموح ماكرون لولاية ثانية

فاليري بيكريس... مرشحة اليمين الكلاسيكي تهدد طموح ماكرون لولاية ثانية

استطلاعات الرأي التي يصار إلى اللجوء إليها بشكل مكثف في الديمقراطيات الغربية، وخصوصاً في الأزمنة الانتخابية، قطعاً ليست بديلاً عن صناديق الاقتراع، ذلك أن فائدتها تكمن في أنها تعكس حالة الرأي العام الآنية، وإن كانت تعد مؤشراً لانطلاق تيارات وتوجهات جديدة من شأنها قلب القناعات السابقة بما فيها المترسخة.
يصح هذا القول على الانتخابات الرئاسية الفرنسية ومرشحيها الذين اكتملت أعدادهم وما زال خارج السباق، أقله رسمياً، الرئيس إيمانويل ماكرون. لكن، لا شك يخامر مؤيديه ومعارضيه من أنه سيخوض الغمار الرئاسي للفوز بولاية ثانية، خصوصاً أن نتائج استطلاعات الرأي السابقة كانت تؤكد جميعها أن استحقاق الربيع المقبل (في 10 و14 أبريل/نيسان 2022) سيكون نسخة عن انتخابات العام 2017.
لقد كان مقدراً أن الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسية ستفضي إلى تأهل كل من الرئيس إيمانويل ماكرون ومارين لوبن، زعيمة اليمين المتطرف، في حين ستشهد الجولة الثانية الحاسمة فوزا مريحا للأول. بيد أن هذه الصورة تغيّرت خلال الأسابيع والأيام الأخيرة بشكل مقلق للفريق الرئاسي. وثمة عنصران رئيسان أثرا فيها:
العنصر الأول، بروز اسم إريك زيمّور (زمّور)، المصنف في أقصى خانة اليمين المتطرف الشعبوي بسبب طروحاته الراديكالية بخصوص المهاجرين والإسلام والحفاظ على «الهوية الفرنسية».
والعنصر الآخر، نجاح العملية الانتخابية الداخلية لـ«الجمهوريون» التي أفضت إلى فوز فاليري بيكريس، رئيسة إقليم «إيل دو فرانس» (باريس وضواحيها الكبرى التي تعد 12 مليون نسمة) بالترشيح الرسمي للحزب.
وهكذا، بسرعة بالغة، تبيّن أن المتضرر الأول من المرشح الطارئ زيمّور ليس إلا مارين لوبن، خاصة، أن الاثنين يتنافسان على الفوز بأصوات اليمين المتطرف والخائبين من ناخبي اليمين الكلاسيكي الذي يجسده حزب «الجمهوريون»، وريث الحزب الديغولي التاريخي، أو حتى من اليسار المهمش.
ثم أن الأمر اللافت للنظر أنه منذ الانتخابات الإقليمية التي جرت الربيع الماضي، كان اسم كزافيه برتراند، الوزير السابق ورئيس منطقة شمال فرنسا، المرشح الأبرز لحمل مشعل «الجمهوريون». وحجة فريقه، أنه الأقدر على التنافس وكسر معادلة ماكرون - لوبن، لا، بل والفوز على الرئيس الحالي. والحال، أن حسابات برتراند، الذي لم يجد أمامه من خيار سوى قبول الخوض في الانتخابات التمهيدية لـ«الجمهوريون» الذي كان خرج منه وأسس حزباً خاصاً به، جاءت خاطئة. إذ خرج من المنافسة في الدورة الأولى، وتنافس للجولة الثانية، إلى جانب بيكريس، النائب عن منطقة الألب، إريك سيوتي الذي يُعدُّ بطروحاته والسياسات التي دافع عنها، الأكثر يمينية بين المتنافسين الخمسة... حتى أن كثيرين رأوا فيه نسخة «معدّلة» عن أريك زيمّور.
- إيقاظ اليمين الكلاسيكي
اليوم، تنصبّ أنظار الفرنسيين كافة على فاليري بيكريس التي أفضى ترشيحها إلى «إيقاظ» ناخبي اليمين، الأمر الذي يظهر في استطلاعات الراي التي أجريت منذ ترشيحها رسمياً السبت الماضي. ويفيد الاستطلاع الذي أجراه معهد «إيلاب» ونشرت نتائجه الأربعاء، بأن بيكريس يمكن أن تحصل على نسبة 20 في المائة من الأصوات في الدورة الأولى متخطية بذلك مارين لوبن (15 في المائة) وإريك زيمّور (14 في المائة) بحيث تحلّ في المرتبة الثانية وراء ماكرون (25 في المائة). والمفاجأة الثانية أنها يمكن أن تتغلب على ماكرون في الجولة الثانية بحيث تحصل على 52 في المائة من الأصوات مقابل 48 في المائة للرئيس المنتهية ولايته.
أما عن معسكر اليسار بمختلف تلاوينه، فإنه غارق في انقساماته. إذ إن المرشحة الاشتراكية آن هيدالغو، رئيسة بلدية باريس، عاجزة عن تخطي سقف الخمسة في المائة ومرشح الخضر يانيك جادو، أفضل حالاً، لكنه بعيد جداً عن مرشحي المقدمة (7 في المائة). ومن غير انسحاب أحدهما لصالح الآخر، فإن هزيمة ساحقة ماحقة ستلحق، بشكل مؤكد، باليسار المسمى «حكومي»، أي غير اليسار المتشدد الذي يمثله النائب والمرشح السابق (والحالي) جان لوك ميلونشون (8 في المائة).
- خبرة سياسية وحكومية
حقيقة الأمر، أن بروز اسم فاليري بيكريس كان بمثابة مفاجأة لمختلف الأطراف، بما فيها المعسكر الرئاسي. فبيكريس امرأة تتمتع بمؤهلات علمية وبخبرة سياسية وحكومية تؤهلها لأن تحتل أرفع المناصب في الجمهورية الفرنسية. ومنذ الصيف الماضي، لم تتوان بيكريس عن اللعب على وتر كونها امرأة، وعلى «الرسالة» التي يحملها انتخاب أول امرأة رئيسة للجمهورية. ومع أنها غير معروفة بشكل جيد خارج النطاق الفرنسي البحت، فإن سيرتها الذاتية تشهد على تمتّعها بقدرات وإمكانيات علمية ومهنية وسياسية عديدة.
ليست بيكريس «وافدة» على باريس أو على منطقة «إيل دو فرانس». فقد ولدت في العام 1967 في مدينة نويي - سور - سين، ضاحية باريس البورجوازية الراقية الواقعة على مدخل العاصمة الغربي في عائلة كاثوليكية. والدها، دومينيك رو، احتل مناصب جامعية رفيعة، وجدّها لناحية والدتها، لويس بيرتانيا، كان عالماً نفسياً، انخرط في صفوف المقاومة ضد المحتل الألماني. ولاحقا، تولّى معالجة لورانس، ابنة الرئيس الراحل جاك شيراك التي كانت تعاني من مشاكل نفسية. أما زوجها فهو جيروم بيكريس، رئيس أحد فروع شركة ألستوم الفرنسية المتخصصة بقطاع النقل والسكك الحديد ولديهما ثلاثة أبناء.
تتمتع بيكريس بمؤهلات جامعية وعلمية عديدة. وهي، كما الرئيس ماكرون، خريجة «المعهد الوطني للإدارة» (إينا) الذي يوفّر أعلى الكوادر لإدارة شؤون الدولة. وبعد تخرّجها في المعهد المذكور، عملت بيكريس في الإدارة موظفة رفيعة المستوى، ومارست، بالتوازي، التعليم في معهد العلوم السياسية (سيانس بو) المرموق في باريس. وكان دخولها عالم السياسية عام 1988 مستشارة لجاك شيراك الذي تسنم رئاسة فرنسا طيلة ولايتين من العام 1995 وحتى العام 2007).
في العام 2002، انتُخبت فاليري بيكريس للمرة الأولى نائبة في البرلمان عن دائرة الإيفلين (عاصمتها فرساي بجنوب غربي باريس) وأعيد انتخابها في العام 2007، إلا أنها تخلّت عن مقعدها النيابي عند تعيينها وزيرة في أولى حكومات الرئيس نيكولا ساركوزي. وطيلة ولاية ساركوزي، تقلّبت بيكريس في العديد من المناصب الوزارية فشغلت مناصب وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي، ووزيرة المالية، والناطقة باسم حكومة فرنسوا فيون.
غير أنها في العام 2015، انتُخبت رئيسةً لإقليم «إيل دو فرانس» منتزِعة الرئاسة من رئيسه الاشتراكي كلود برتولون، وأعيد انتخابها الربيع الماضي. ومن أجل التفرغ لمنصبها الجديد، عمدت إلى التخلي مجدداً عن مقعدها النيابي. لكنها بسبب ما اعتبرته نزوعاً نحو اليمينية المتشددة تحت رئاسة رولان فوكييز، خرجت بيكريس من حزب «الجمهوريون» وأطلقت في العام 2019 حزبها الخاص المسمى «أحرار».
- تأهبها للانتخابات المقبلة
مع هذا، ولدى اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية وإعلانها ترشحها في 22 يوليو (تموز) من العام الحالي، فإنها حرصت على أن تكون مرشحة الحزب – الأم؛ ولذا عادت إليه في أواسط أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بعدما اتخذ قرار إجراء انتخابات داخلية لتعيين المرشح الرسمي المعتمد.
وهكذا، في أعقاب فوزها الكاسح السبت الماضي، بحصولها على 60 في المائة من أصوات المحازبين، أخذت بيكريس تجسّد آمال «الجمهوريون» في وضع حد لسلسلة الانتكاسات الرئاسية. وبدأت تمهد للعودة بهم إلى الإمساك بإدارة البلاد، بعدما خسروا الانتخابات الرئاسية مرتين: الأولى عام 2012 لصالح الاشتراكي فرنسوا هولند، والأخرى في العام 2017 أمام إيمانويل ماكرون.
خلال المناظرات الأربع التي تواجَه فيها مرشحو «الجمهوريون» الخمسة، بدت فاليري بيكريس الأكثر صلابة وعرضت برنامجاً انتخابياً سياسياً واضحاً وصريحاً. إلا أن الظاهرة الأبرز أنها، تحت ضغط المرشح زيمّور ومنافسها من داخل حزبها إريك سيوتي، اضطرت إلى تبنّي مواقف أكثر تشدداً مما كان يعرف عنها في موضوع الهجرة والتعامل مع اللاجئين والإصرار على إجراءات إضافية لتعزيز العلمانية وإعادة فرض هيبة الدولة في كل أرجاء الجمهورية.
وحقاً، تتبنى بيكريس سياسة اقتصادية ليبرالية متقدمة ومحافظة إلى حد ما في المسائل الاجتماعية ومتشددة في المسائل السيادية. وهي تقترب، فيما تدعو إليه، من البرنامج «الجذري» الذي طرحه فرنسوا فييون، مرشح «الجمهوريون» عام 2017؛ إذ إنها تدعو إلى خفض أعداد الموظفين (200 ألف) ورفع سن التقاعد إلى 65 سنة وإعادة إطلاق الصناعة النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية على حساب خطط التركيز على الطاقة البديلة اللاكربونية.
أيضاً، ينص برنامج بيكريس على تشديد التعامل مع الجنح والجرائم ومضاعفة الأحكام لتلك الحاصلة فيما يسمى «المناطق الحساسة» التي تروج فيها تجارة المخدرات وتصفية الحسابات والانتهاكات من كل نوع. وهي تؤيد بناء سجون إضافية تتسع لما لا يقل عن 20 ألف نزيل وإيجاد مراكز تأديبية مغلقة للقاصرين الذين يرتكبون جنحاً، وتتمسك بفرض أحكام مشددة على كل المعتدين على منتسبي الأجهزة الأمنية.
- الهجرة غير الشرعية
وفي التعاطي مع الهجرات الشرعية، تريد فاليري بيكريس فرض سياسة «الكوتا» لتعيين حاجات الاقتصاد كل عام، وفي المقابل وهي عازمة على الحد من سياسة لمّ الشمل العائلي وخفض المساعدات الاجتماعية التي يستفيد منها طالبو اللجوء بالتوازي مع رفضها للهجرات غير الشرعية. ورغم تمسكها بالاتحاد الأوروبي، فإنها تعتبر أن «القوانين الدستورية الفرنسية يجب أن تكون لها الأولوية على القوانين الأوروبية». وككل الساعين لترشيح «الجمهوريون»، تريد بيكريس خفض المديونية وخفض الضرائب وتشجيع الصناعة وتعزيز القدرة الشرائية للمواطنين والتخلي عن قانون تحديد أسبوع العمل بـ35 ساعة. وبالنسبة للضرائب، فإنها تريد تمكين الأهل من تقديم هبات لأبنائهم وأحفادهم لا تقل عن 100 ألف يورو معفاة من الضرائب كل ستة أعوام. ولتشجيع الأسر وتنشيط السياسة العائلية، تقترح بيكريس زيادة المخصصات الحكومية. وفي المسائل العلمانية، فإنها تريد فرض قَسَم الولاء للقيم الجمهورية على جميع العاملين في الوظائف العامة، كما أنها تعتبر الحجاب بمثابة وسيلة «إخضاع» للفتيات والنساء.
- قفزة في الاستطلاعات
خلال الأيام الستة المنقضية، حققت فاليري بيكريس في استطلاعات الرأي قفزة استثنائية تصل إلى عشر نقاط. والأهم من ذلك كله، أن الاستطلاع الأخير بيّن أنها تستطيع التغلب على الرئيس ماكرون. وفي هذا الإطار، يكمن تخوف المعسكر الرئاسي من ظهور هذه المرشحة أنها تتبنى برنامجاً قريباً من برنامج ماكرون. وبالتالي، قد تكون قادرة على اجتذاب شرائح مجتمعية سبق أن صوّتت قبلاً لماكرون، أو أنها انضمت إلى حزبه «الجمهورية إلى الأمام» أو إلى الأحزاب الرديفة التي تؤيده، مثل حزب الحركة الديمقراطية الوسطي الذي يرأسه المرشح المخضرم فرنسوا بايرو، أو حزب «آفاق» الذي أطلقه أخيراً رئيس حكومته السابق إدوار فيليب.
وهكذا، الواضح اليوم، بالنسبة لخبراء السياسة الفرنسية الداخلية، أن المعركة الرئاسية ستُحسم داخل معسكر اليمين. وما يميز فاليري بيكريس أنها تطرح برنامجاً متشدداً بما يكفي لاجتذاب بعض الذين تستهويهم طروحات زيمّور أو لوبن... ولكنهم يرفضون المغالاة التي تدمغهم. واقتصادياً، فإن برنامجها ليبرالي بما فيه الكفاية لاجتذاب مَن سار وراء ماكرون بفضل ليبراليته. لكن فيس المقابل، بيكريس يمكن أن تعاني من مشكلة التوفيق بين الجناحين المتشدد والمعتدل داخل «الجمهوريون» بحيث لا تعثر على «نقطة التوازن» التي ترضي الجميع... أو على الأقل لا تحدث شروخاً بين حساسياته المختلفة.
بيد أن كل ما سبق لا يعني بتاتاً أن ماكرون خسر سلفاً المعركة الرئاسية. فالرجل يملك في جعبته أوراقاً رابحة، لعل أبرزها أنه سيكون بعد أيام قليلة رئيساً للاتحاد الأوروبي. وهذا الموقع سيمكّنه من إطلاق مبادرات، وأن يكون دائم الحضور على المستويات الوطنية والأوروبية والدولية، ما سيوفّر له رافعة سيستخدمها، بلا شك، لتأكيد الريادة الفرنسية، ولتبيان كونه المسؤول الأوروبي الأكثر بروزاً بعد انسحاب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الأسبوع المنقضي، من المسرح السياسي.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».