لبناني بعد نجاته من «رحلة مروعة» للهجرة غير الشرعية: «أنا ميت هنا»

سلطت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية للأنباء الضوء على ظاهرة إقبال اللبنانيين على الهجرة غير الشرعية وخوض رحلات محفوفة بالمخاطر بالقارب بهدف الوصول إلى قبرص أو ما وراءها على أمل الوصول إلى أوروبا.
والتقت الوكالة لبنانياً يدعي زياد حلوة (22 عاماً)، قالت إنه نجا من رحلة «مروعة» للهجرة غير الشرعية بعدما تعطل القارب الذي كان على متنه مع العشرات من المهاجرين حيث كانوا يتجهون إلى إيطاليا ولكن بعد ساعات من انطلاقهم من مدينة طرابلس الساحلية سحبتهم إلى الشاطئ البحرية اللبنانية.
وتنقل الوكالة عن حلوة قوله إن المخاطرة كانت تستحق العناء للوصول إلى شواطئ أوروبا من أجل بداية جديدة مع زوجته وأطفاله الثلاثة، بعيداً عن الإذلال اليومي في لبنان.
وأضافت أن انهيار الاقتصاد دمّر زياد حلوة، حيث أدى انهيار الليرة اللبنانية إلى انخفاض قيمة راتبه من العمل في شركة أمنية خاصة من 650 دولاراً شهرياً إلى نحو 50 دولاراً بعد أن فقدت الليرة أكثر من 90% من قيمتها في أقل من عامين، وصلت إلى النقطة التي لم يعد بإمكان الشاب تحمل تكاليف الحليب والحفاضات لأطفاله.

وتابعت أن آمال الشاب تحطمت الشهر الماضي، عندما تعطل القارب الذي كان على متنه مع آخرين بعدما سحبتهم البحرية اللبنانية بعد محاولة مروعة للهروب.
وذكرت الوكالة الأميركية أن لبنان كان لسنوات مضيفاً للاجئين، معظمهم من سوريا، لكنه الآن نقطة انطلاق، حيث حاول مئات اللبنانيين الوصول إلى أوروبا هذا العام على متن قوارب من شواطئ بلادهم، مدفوعة بأزمة اقتصادية مدمرة أوقعت ثلثي السكان في الفقر منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
وتابعت أن لبنان يشهد أزمات متعددة مثل عدم الاستقرار السياسي وجائحة «كورونا»، وانفجار مرفأ بيروت الذي وقع في أغسطس (آب) العام الماضي، مما أدى إلى تفاقم الأزمة المالية.
وقال حلوة إنه ازداد يأساً مع كل يوم، وإنه لشهور كان يطلب من الأقارب والأصدقاء مساعدته مالياً، وفي إحدى الليالي تحدث مع أصدقائه بعدما سمع أن هناك مهربين ينقلون الناس إلى أوروبا وأن بعضهم وصل بالفعل إلى هناك، وقرر هو وصديقه المقرب بلال موسى أن يخوضا التجربة، وقرر حلوة اصطحاب زوجته وأطفاله، بينما خطط موسى للذهاب بمفرده والتقدم بطلب لمّ شمل الأسرة بمجرد استقراره في أوروبا. وقيل لهم إن الرحلة ستكلف 4000 دولار لكل شخص بالغ و2000 دولار للطفل، وباع حلوة شقته وسيارته واقترض بعضاً من الأقارب وأعطاه المهرب خصماً وأخذ 10 آلاف دولار بدلاً من 14 ألف دولار.
وقال صديقه موسى: «أنا ميت هنا، وقد أموت في الطريق لكن إذا وصلت يمكنني أن أعيش حياة كريمة».
طلب منهم المهرب اللقاء في موقع بالقرب من نهر أبو علي في طرابلس قبل وقت قصير من منتصف ليل الجمعة 19 نوفمبر (تشرين الثاني).
وكان يوجد أشخاص سيركبون القارب تم وضعهم في شاحنة مغطاة ونقلهم إلى مدينة القلمون، جنوب طرابلس.
وفي شاطئ مهجور، ركبوا قارباً خشبياً وبدأ المهرب قراءة أسماء الأشخاص الموجودين وكانوا 92 شخصاً من بينهم نحو عشرين لاجئاً سورياً وفلسطينياً.

ولكن سرعان ما حدثت مشكلة بعد إبحارهم واقتربت سفينة تابعة للبحرية اللبنانية من القارب وطلبت منهم عبر مكبرات الصوت العودة إلى الوراء لكن القبطان تجاهل النداءات واستمر في التحرك غرباً. وقامت السفينة البحرية بالتحليق حولهم مما تسبب في حدوث موجات هزت القارب وألقت بالمياه بداخله وأصبح الاهتزاز أكثر عنفاً مع اقتراب السفينة، وملأها بالمزيد من الماء الذي دفعها للأسفل.
وكانت زوجة حلوة وأطفالها جالسين بالقرب من المحرك، وعندما غمر الماء القارب تصاعد دخان كثيف، وذكر حلوة أن ابنه كريم البالغ من العمر 3 أشهر توقف عن التنفس وكاد يختنق، قال: «لقد عاش ومات أمامي»، متذكراً حالة الذعر التي شعروا بها قبل أن يتنفس كريم مرة أخرى. وقالت علا خضر، زوجة حلوة: «بدأتُ بترديد الشهادة».
وفي النهاية، استقر القارب، واستمروا في التحرك غرباً بينما كانت البحرية تطاردهم، وصاح قبطان المركب بأنهم غادروا المياه الإقليمية اللبنانية، وعلى الفور، عادت السفينة البحرية إلى الوراء.
وقال حلوة: «شعرتُ بالسعادة وأنا خارج لبنان، لقد تجاوزت خط الإذلال»، واحتفل بمعانقة زوجته وابنتيه، رنا (3 سنوات) وجنى (سنتان).
ولكن راحتهم كانت قصيرة الأمد فقبل شروق الشمس بوقت قصير، توقف محرك القارب بالكامل، ووسط الظلام والصمت، اتصل الركاب المذعورين بأقاربهم في لبنان ليخبروا الجيش أنهم بحاجة إلى المساعدة، وبعد ساعات، وصلت البحرية اللبنانية وسحبت القارب.
وقال حلوة: «بمجرد توقف القارب، شعرت أن كل شيء يزداد سواداً في الظلام، وشعرت بالدمار، وعندما عدنا كانت الدموع في عيني».

وبعد العودة إلى طرابلس فُصل الرجال عن النساء والأطفال وتم استجوابهم لساعات، وقال حلوة إن المهرب ما زال رهن الاعتقال.
ورغم فقدهما شقتهما وسيارتهما والوظيفة، قال حلوة وزوجته إنهما سيستمران في المحاولة حتى يصلا إلى أوروبا حتى لو كان هذا يعني تعريض حياتهما وحياة أطفالهما للخطر مرة أخرى.
وقالت الزوجة: «سوف أتحمل أي خطر للخروج من هنا، لا يوجد شيء هنا».
وتنقل وكالة الأنباء عن رياض يمق، رئيس بلدية طرابلس التي وصفتها بأنها أفقر مدن لبنان، قوله إن عدة أشخاص غرقوا العام الماضي قبالة ساحل طرابلس في أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا بعدما نفد وقود من قارب كان يقلّ مهاجرين كانوا يتجهون إلى قبرص، وظل عالقاً لمدة ثمانية أيام، توفي خلالها ستة أشخاص على الأقل.
وأنقذت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان (يونيفيل) الباقين وسلمتهم للسلطات اللبنانية بعد أن قدمت لهم الإسعافات الأولية.
وقال يمق: «هذا انتحار، عندما يأخذ شخص ما عائلته عن طريق البحر».
وذكرت ليزا أبو خالد، المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن الرحلات البحرية من لبنان زادت ابتداءً من عام 2020 مقارنةً بالسنوات السابقة، وحسب أرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن أكثر من 1570 شخصاً غادروا أو حاولوا مغادرة لبنان بين يناير (كانون الثاني) ونوفمبر وتوجه معظمهم إلى قبرص وكانت الغالبية من السوريين.
لكن أبو خالد قالت إن عدداً ملحوظاً من اللبنانيين انضم إليهم، وأضافت: «من الواضح أن هذه رحلات يائسة يقوم بها أناس لا يرون أي سبيل للبقاء في لبنان».