جون بيرنز: الصحافي لا يمكن أن يتقاعد

كتب عن تجربته بعد 40 عاما في «نيويورك تايمز»

جون بيرنز أثناء تغطيته حرب العراق ({نيويورك تايمز})
جون بيرنز أثناء تغطيته حرب العراق ({نيويورك تايمز})
TT

جون بيرنز: الصحافي لا يمكن أن يتقاعد

جون بيرنز أثناء تغطيته حرب العراق ({نيويورك تايمز})
جون بيرنز أثناء تغطيته حرب العراق ({نيويورك تايمز})

في الشهر الماضي، بعد 40 عاما صحافيا في صحيفة «نيويورك تايمز»، تقاعد جون بيرنز. ثم كتب في صحيفته عن هذه التجربة الثرية.
مرتان، حاز على جائزة «بوليتزر» الصحافية المرموقة. وغطى حروبا في مناطق كثيرة. منها: البوسنة، والعراق، وليبيا، ولبنان. وشهد بعض أهم الأحداث في عصرنا. منها: نهاية نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا، ونهاية حكم طالبان في أفغانستان، والحروب ضد الإرهاب (تركها وهي مستمرة).
قال إن الصحافي لا يجب، أو ربما لا يمكن، أن «يتقاعد»، وذلك لأن جمع الأخبار، ونشرها، والتعليق عليها، لا يعرف حدودا، خصوصا في عصر الإنترنت.
ولهذا، سيتحاشى التقاعد التقليدي للأميركيين: «في الصباح، ألعب الغولف بعيدا عن الناس. وفي المساء، أصيب الناس بالملل في المقهى وأنا أحدثهم عن قصص لا تنتهي عما فعلت خلال عمري».
لحسن حظه، عكس الطبيب الذي يتقاعد ولا يستطيع الاستمرار في علاج الناس، وعكس المهندس الذي يتقاعد ولا يستطيع الاستمرار في بناء المباني، وعكس العسكري الذي يتقاعد ولا يستطع الاستمرار في الاشتراك في الحروب، وعكس السياسي الذي يتقاعد ولا يستطع الاستمرار في العمل السياسي، قال بيرنز إنه وقع عقدا مع صحيفته بأن يكتب من وقت لاحق رأيا عما يجري حوله، في أميركا، وفي العالم، «حتى لا أقدر على الكتابة».
قال إن أهم خبر كتبه خلال عمله الصحافي لم يكن عن سبق صحافي في حرب أو سلام، في أميركا أو خارجها. كان أول خبر كتبه في الصفحة الأولى عام 1975. قال: «طلب مني رئيسي آرثر غيلب، محرر الشؤون المحلية الأسطوري (في وقت لاحق، صار رئيس تحرير) بأن أذهب إلى مطار لاغواراديا (في نيويورك) حيث وقعت انفجارات. وفي ذعر أمليت بالتليفون من المطار ما شاهدت، وكان الصحافي الذي كتب ما أمليت هو زميلي بوب مكفادين، الذي كتب خبرا رائعا. وقرر الاثنان أن ينشر الخبر تحت اسمي، وفي الصفحة الأولى. لولاهما، كنت فشلت في مهمة كبيرة وأنا صحافي صغير». وأضاف: «لولاهما، ما واصلت عملي في نجاح بعد نجاح. وما شاهدت الزعيم مانديلا وهو يمشي نحوي، في فرح، خارجا من سجنه في عام 199. وما شاهدت الرئيس العراقي صدام حسين وهو يمشي بعيدا عني، في حزم، نحو حبل المشنقة في عام 2005».
خلال 40 عاما مع صحيفة «نيويورك تايمز»، كتب بيرنز أكثر من 3.300 خبر.
غير عام واحد (عندما غطى حريق المطار)، قضى باقي الأعوام يغطي الأخبار خارج الولايات المتحدة. وغير 5 أعوام كان يعمل فيها تحت رئاسة مديري مكاتب خارجية، ترأس مكاتب خارجية، وفي 10 دول.
ماذا عن «حياد» الصحافي؟ هل يمكن أن يكون الصحافي الإخباري محايدا حيادا حقيقيا؟ ماذا عن الصراع بين العقلانية (كتابة خبر محايد) والعاطفة (الميل نحو هذا أو ذاك)؟
قال بيرنز: «دائما، أظل أحس بأن العاطفة شيء قانوني لأنه شيء طبيعي. خاصة وأنا أشاهد القتل والدمار بينما أغطي الحروب. لكن، يجب ألا يعني ذلك، أبدا، أن تؤثر عاطفتي على أهم شيء في «نيويورك تايمز» وهو: ثقة الذي يقرأها بأنها تقدم له أخبارا موزونة، فيها كل جوانب الخبر، وكل الحقائق، وهو (القارئ) يعرف أن موضوع الخبر معقد وربما غير مفهوم.
وأضاف: «هذا هو معيار الذهب. هذا هو مكان تراجع العاطفة أمام العقلانية. هذا هو ما يحرص عليه المسؤولون داخل غرفة الأخبار في (نيويورك تايمز)».
لهذا، فرق بيرنز بين عاطفته وعقلانيته. لكنه قال: «ليس هذا سهلا. لأن واجب الصحافي لا يجب أن يكون الحياد في مواجهة الغضب، بقدر ما يجب أن يكون العدل».
مثلا: غضب بيرنز في أفغانستان عندما شاهد رجال طالبان، قبل سقوط دولتهم عام 2001، وهم يقتلون امرأة بتهمة الزنا. دفنوا نصفها الأسفل، ورموا نصفها الأعلى بالحجارة حتى ماتت. قال بيرنز إنه لم يكن محايدا في الغضب على ما شاهد. لكن، حتى لا تتغلب «العاطفة» على «الحياد» في كتابة الخبر، قال إنه لجأ إلى «العدل»، بأن كتب وجهة نظر رجال طالبان، وتبريرهم لما فعلوا، «رغم كذب ما قالوا».
وقال بيرنز إن التحدي لا يواجه فقط الصحافي وهو يكتب الخبر وسط عواطف مشتعلة في حروب، واشتباكات، وقتل، ودمار، وشعارات، وهتافات، غاضبة، أو سعيدة، ولكن، أيضا، يواجه رؤساءه في المكتب الرئيسي في نيويورك. وقال: «لحسن الحظ، هؤلاء بعيدين عن نيران العواطف في الحروب. لحسن الحظ، هؤلاء يرتدون ملابسهم في الصباح، ويذهبون إلى مكاتبهم، ويجلسون في هدوء وصمت. وفي عقلانية، يراجعون ما نرسل لهم. وفي عقلانية، ينشرون خبرا عقلانيا وعلميا. لا عاطفيا».
لهذا، فرق بيرنز بين شيئين:
أولا: يعتمد الخبر العقلاني على العلم. على نشر الحقيقة، وتحاشي ما ليس حقيقة (بمقاييس مرئية أو مسموعة). ثانيا: يعتمد الخبر العاطفي على المزاج. على نشر الطيب، وتحاشي الردئ (بمقاييس شخصية).
لكن، ماذا عن ايرنست همنغواي الذي لم يكن محايدا عندما غطى الحرب الأهلية في إسبانيا في أربعينات القرن الماضي، ومال نحو القوات الاشتراكية الشعبية، ضد قوات الجنرال فرانكو اليمينية (جمع بين الصحافي والمعلق، بين العلم والمزاج، ثم صار روائيا، وليس صحافيا)؟
قال بيرنز: «لم يدع همنغواي أه كان صحافيا محايدا. لكن، في عصرنا هذا، أصبح الخبر أكثر عقلانية، وأقل عاطفة. أصبح خبرا علميا، وليس خبرا مزاجيا. وبالتالي، أصبح الخبر خبرا أخلاقيا. لهذا، صار الجيل الجديد من الصحافيين يريد، ليس فقط وظيفة وراتبا. ولكن، أيضا، تغيير العالم نحو الأفضل».
لكن، حذر بيرنز هؤلاء الصحافيين الشباب من أن يتغلب مزاجهم «هذه العقيدة شبه التبشيرية الدينية» على العلم «كتابة خبر علمي عقلاني». حذر بأن مشكلات العالم كثيرة ومعقدة. وقال إن الصحافي يجب أن ينقل الواقع، مهما كان حزينا. خاصة بالنسبة لصحافي أميركي شاب متفائل وطموح، لكنه تعود على مجتمع أميركا الحر، والثري، والمريح.
وكرر بيرنز «هذه العقيدة شبه التبشيرية الدينية» عندما تحدث عن تغطيته لغزو الولايات المتحدة للعراق (عام 2003) واحتلاله لـ7 سنوات (حتى عام 2010).
قال: «في مواجهة حقيقة إن غزو العراق تحول إلى كارثة، صار واجبنا، نحن الذين غطينا ما حدث، أن نحلل ما حدث، بعد أن غطيناه في حياد وعدل. وأنا أحلل الآن، أقول إنه لا يكفي أن أعلن أنني لم أكن أبدا من دعاة غزو العراق. طبعا، لم يؤثر ذلك على الأخبار التي كتبتها. لكني الآن، وقد تقاعدت، أقدر على أن أحلل وأعلق».
قسم بيرنز رأيه إلى قسمين:
في جانب: «شاهدت، وكتبت عن، التجاوزات البشعة من جانب الديكتاتور صدام حسين ضد شعبه. كان حجم أعمال القتل الإجرامية هي الأفظع في العالم الحديث بعد مذابح الخمير الحمر في كمبوديا، وبعد القسوة في كوريا الشمالية تحت حكم عائلة كيم».
في الجانب الآخر: «مثل آخرين، لم أقتنع أبدا بالتبرير الذي قدمه الرئيس السابق جورج دبليو بوش لغزو العراق بأن صدام كان يخبئ أسلحة كيماوية وبيولوجية محرمة. لكني شعرت، مثل معظم زملائي الصحافيين الأميركيين والبريطانيين في بغداد في ذلك الوقت، أن وقف ممارسات صدام حسين البشعة ضد شعبه، فيه أساس أخلاقي سليم، على الأقل».
هنا، استعمل بيرنز، هذا الصحافي الأميركي القدير، مرتين عبارة «مثل آخرين» (غربيين) ليبرر أنه لم يكن وحده. عبر فطاحلة الصحافيين الغربيين عن مزاجهم (لا عقلانيتهم). في ميلهم نحو تأييد غزو العراق. وفرقوا بين شيئين:
أولا: فرقوا بين عذر الرئيس بوش (أسلحة الدمار الشامل)، وبين عذرهم هم (ديكتاتورية صدام حسين). لكنهم أيدوا الغزو.
ثانيا: فرقوا، كما كتب بيرنز، بين «لم أكن من دعاة» الغزو (قبل أن يحدث)، وبين «الغزو الذي حدث» (صار أمرا واقعا).
الآن، بعد كل الذي حدث في العراق، لم يعتذر بيرنز عن تأييده للغزو «الذي حدث».
لكنه قال: «ونحن مشغولون بالتغطية (العقلانية) اليومية، فشلنا في النظر إلى الصورة الكبيرة (تاريخ وتراث وثقافة العراق)».
وبرر هذا الفشل بأن العسكريين والسياسيين الأميركيين تلاعبوا بالمعلومات والحقائق باسم «الوطنية الأميركية».
وهكذا، في نهاية المطاف، تغلبت العاطفة «الوطنية الأميركية» على الحياد، والعقلانية، والعلم، والعدل، إلخ.



إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.