نقيب الصحافيين اللبنانيين لـ«الشرق الأوسط»: يستحيل أن تجد جريدة تربح في لبنان

يرأس تحرير أقدم جريدة بيروتية...صدرت قبل الاستقلال

رئيس تحرير صحيفة «الشرق» اللبنانية عوني الكعكي
رئيس تحرير صحيفة «الشرق» اللبنانية عوني الكعكي
TT

نقيب الصحافيين اللبنانيين لـ«الشرق الأوسط»: يستحيل أن تجد جريدة تربح في لبنان

رئيس تحرير صحيفة «الشرق» اللبنانية عوني الكعكي
رئيس تحرير صحيفة «الشرق» اللبنانية عوني الكعكي

منذ انتخابه نقيبا للصحافة اللبنانية مطلع العام الحالي، ينكب رئيس تحرير صحيفة «الشرق» اللبنانية عوني الكعكي على رسم مشاريع تطوير للنقابة التي ترعى قطاع الصحافة اللبنانية، المُتعَب والمُتعِب في الوقت نفسه. آماله كبيرة، لكن مقدرات النقابة قليلة، وكذلك مقدرات الصحافة الللبنانية التي قول النقيب الجديد أنها تعاني.. لكنها لن تهزم.
ويشدد النقيب الكعكي على أن الصحف الورقية لن تنقرض لصالح الإعلام الإلكتروني، مستشهدا بتجربة أميركية تم التراجع عنها بالتحول من الورقي إلى الإلكتروني، لكنه يعترف بالصعوبات التي تواجهها الصحف، والمنافسة من الراديو ثم التلفزيون، وأخيرا الإعلام الإلكتروني الذي يصفه الكعكي بأنه «شريك ومنافس» وبأنه «شر لا بد منه». وفي ما يأتي نص الحوار:

* ما الذي يعنيه لك شخصيا وصولك إلى مركز النقيب؟
- طموح كل صحافي أن يصل إلى القمة، والقمة بالنسبة للصحافيين، هي حين تصل إلى نقيب صحافي أو عضو في مجلس نقابة الصحافة. صحيح أنها مركز معنوي ولا يترتب عليه أي منفعة مادية، لكن الأمور المعنوية مهمة أيضا. تحترمك الناس وتقدرك وتكون مميزا بين الناس لذلك عندما يصل الإنسان لهذا الطموح لا شك أنه قد حقق جزءا من حلمه. وسأعمل بإذن الله مع الزملاء الذين اخترتهم في اللائحة فنقبل التحدّي لنعيد لنقابة الصحافة وهجها كواحدة من أبرز نقابات المهن الحرة، وخصوصًا أنها وجدت قبل أكثر من مائة سنة.
* لقد أثار وصولك إلى النقابة موجة من الانتقادات، بالإضافة إلى مقاطعة بعض الأطراف في الجسم الصحافي للانتخابات.. ما تعليقكم؟
- الانتقاد هو حق ديمقراطي، ومن أبسط حقوق التعبير عن الرأي التي كفلها الدستور، والتي ندافع عنها كنقابة للصحف اللبنانية. المهم هو أننا مقتنعون بأننا نقوم بما هو الأفضل للجسم الصحافي، قد نصيب أو نخطئ، لكن المهم أننا نعمل من أجل ذلك. أما بالنسبة للمقاطعين، فقد كنت حريصا منذ لحظة إعلان النتائج على القول إن الانتخابات باتت وراءنا، وأننا تجاوزنا كل ما قيل فيها، وأن أيدينا مفتوحة للجميع من أجل التعاون بما فيه مصلحة الصحافة اللبنانية.
* ما الذي تطمح إليه في نقابة الصحافة؟
- الوصول إلى النقابة ليس طموحي بحد ذاته، بل الارتقاء فيها إلى الأفضل، لما فيه مصلحة الصحافة اللبنانية، ولما يعيدها إلى تألقها. البداية قد تكون من الموقع الذي يحتضن النقابة التي تمثل كل الصحف اللبنانية، الأهم أن يكون هناك موقع جيد لنقابة الصحافة، مبنى يضم كل ما يتعلق بالمؤسسات الإعلامية، مركزا لمحطات تلفزيونية ووكالات أنباء عالمية وغيرها من المؤسسات المهمة. إن طموحات الرئيس (الأسبق للحكومة) الشهيد رفيق الحريري كانت في أن يجعل من برج المر (في وسط بيروت)، أكبر مركز إعلامي بالشرق الأوسط، والذي أخذته دبي، ونحن نسعى عبر الأرض التي قدمتها لنا الدولة لتأمين برج إعلامي كبير فيها، ولديّ أمل أن يتحقق هذا الحلم.
* كيف ترى وضع الصحافة اللبنانية؟
- الصحافة اللبنانية عريقة، ولن تموت لأنه طالما أن هناك نظام وحر وهناك أحرار. الصحافة المكتوبة تضعف بكل العالم، على حساب التلفزيونات والإنترنت والصحافة الإلكترونية، لكن لن تنتهي الجريدة أو المجلة المطبوعة، وعلينا أن نسعى دائما إلى أن نملك حريتنا، عبر عدة طرق؛ إذ يجب أن تصبح المؤسسات الإعلامية مجموعة وليست ملكية شخصية، فالمؤسسات الفردية لا تعيش طويلا، وهذا الحل الوحيد. كما في أميركا والسعودية أيضا، فمثلا جريدة «الشرق الأوسط» هي جزء من شركة إعلامية وإعلانية رائدة، وهي شركة مساهمة، أسهمها قيد التداول ويشتريها الناس. شاء من شاء وأبى من أبى، علينا أن نصل إلى عصر المؤسسات الإعلامية، فلم يعد ممكنا العمل الفردي أو العائلي في القطاع الإعلامي.
* هل تعتبر الإعلام الإلكتروني منافسًا أم شريكًا؟
- هو منافس وشريك، شر لا بد منه، لا نستطيع إلغاءه، لذلك علينا أن نكون سويا، لأنه لدينا رسالة واحدة. نحتاج إلى تشريع وعقد عمل بين الصحافة المكتوبة والإلكترونية، أي مصالح مشتركة بين الطرفين، وهذا يحتاج إلى تنظيم طبعا، وكله في النهاية يتبع لقانون الإعلام.
* هل سيكون الإعلام الإلكتروني تحت جسم نقابة الصحافة أو تحت جسم جديد؟
- أعتقد أننا نوسع «بيكار» النقابات، أنا لست ضدها، لكن في النهاية إذا توزعت الأدوار إلى هذا الحد فسوف تضعف، وأعتقد أنها إذا كانت نقابة واحدة و18 عضوا، أعتقد أنهم قادرون على القيام بالمهام في توصيل الرسالة التي يريدون توصيلها.
* هل سيكون الإعلام الإلكتروني جزءا من نقابة الصحافة أو جزءا منفصلا؟
- نحتاج إلى دراسة إمكانية الضم أو عدمه، ولا نستطيع الإجابة بسرعة عن هذا الموضوع لسبب بسيط، وهو أننا نريد أن نعرف كيفية التعاطي مع هذا العالم الجديد. الموضوع خلق جديدا، وهو معقد وليس سهلا أن تزاوج بينه وبين المكتوب، وهذه مسؤوليتنا نحن والدولة، ونحن والدولة في خندق واحد، أحاسبها كما تحاسبني، هناك قانون المطبوعات، وقانون للصحافة في أن تنتقد أي مسؤول أو سياسي ضمن عدم التجريح والكذب، وهذه هي حرية الرأي.
* هل السوق الإعلانية كافية لكي تعيش منها الصحافة اللبنانية؟
- لا نملك زمام الأمور في هذا الشأن، وهذه السوق الإعلانية أكثر شخص عبث به كما فعل الراحل أنطوان شويري، وقام بتركيبات لا نزال نعاني منها. وهناك شركات الإحصاء التي تعطيك معلومات لا أعلم مدى الدقة فيها، خصوصا أن هناك دائما مشكلات معها، والشركات الكبرى تعتمد هذه الإحصاءات لتوزّع الدخل الإعلاني، وهو الذي قام بتركيب تلفزيون مع جريدة مع مجلة، ويعطي أسعارا غريبة، فهذا تخريب وقد علّم الناس على السرقة، وهذا ما نعاني منه اليوم. أحترم عقله، لكن هذا العقل شرير وليس شطارة، لأن الكذب والاحتيال لا يمكن أن يكون شطارة، ولا يوجد دقة لشركات الإحصاءات ويجب علينا كنقابة أن يكون لنا دور في مراقبتها وأن نتدخل.
الصحف تعرضت للكثير، الراديو أخذ من طريقنا بداية، ثم التلفزيون، والإعلانات في السينما، لم يقتصر الوضع على تلفزيون واحد، إذ أصبح هناك مئات التلفزيونات في لبنان والعالم العربي، وجاءت الضربة من الصحافة الإلكترونية، فأنت تنتج جريدة من دون رأسمال، وبأقل عدد ممكن من الموظفين. هذه المهنة تزداد صعوبة كل يوم، لكن الكلمة المكتوبة ستظل باقية.
* هل تنقرض الصحافة المكتوبة لصالح الإعلام الإلكتروني؟
- لا.. في أميركا جربوا وتراجعوا، فالكتابة هي قاعدة الصحافة الإلكترونية.
* كم عدد الامتيازات الصحافية اللبنانية حاليا؟
- القانون اللبناني يمنع إعطاء المزيد من التراخيص لكي لا يغرق السوق. هناك حاليا 59 ترخيصا يوميا (صحيفة) و51 ترخيصا أسبوعيا (مجلة).
* كم يصدر منها؟
- 10% للأسف والسوق أصبحت تحديدا لبنانية. الإعلان لا يكفي لتغطية المصاريف والحل يكمن في إنشاء مؤسسات شركات.
* وكيف تصدر الصحف إذن؟
- الذي نعلن عنه ليس سرّيا، فكثير من رجال السياسة ورجال الأعمال وكثير من الذين يملكون شركات كبيرة أصبح يشتري امتيازات. فمثلا الوزير (السابق) إلياس المر ليست له علاقة بالصحافة، لكنه يمتلك صحيفة تصدر، والرئيس (الأسبق للحكومة) سعد الحريري نفس الشيء.
* الجرائد التي تأخذ مساعدات من شخصيات سياسية، ألا يؤثر هذا الشيء على أدائها ومصداقيتها؟
- أكيد يؤثر إلى حد ما، على الرغم من ذلك هناك هامش كبير للحرية مثل كثير من الصحف التي تعبر عن سياسيين، لكن لمصلحة لبنان، مثلا هناك دول مثل السعودية ومصر والكويت، تساعد ولا تطلب شيئا بالمقابل. هناك دولة واحدة تخرج عن القانون العام وهي تساعد سياسيا وليس مساعدات لمصلحة لبنان والصحافة اللبنانية.
* تقصد إيران؟
- لن أسمّي.
* وكيف تواجهون الاعتماد على السياسيين؟
- أنا أنشأت عدة مجلات ومطابع لأنني أريد أن أخفف من الاعتماد على المساعدات الخارجية. المجلة أخف مصروفا من الجريدة، وليس من الضروري أن تكون جميعها مربحة، لكن الجريدة استنزاف حقيقي، ويستحيل أن تكون هناك جريدة تربح في لبنان، بل في كل العالم، ما عدا السعودية والكويت وأبوظبي، لكن سوق الإعلان فيها لا تكون لفترة طويلة، وهذا وضع غير طبيعي.
* صحيفة «الشرق» تأسست قبل استقلال لبنان.. وما زالت مستمرة بالصدور.. ما سر حفاظها على مستوى متوازن؟
- صحيفة «الشرق» أقدم جريدة بيروتية اليوم، تأسست 1926 قبل «النهار» أيضا، والذي أسسها جدّي عوني الكعكي، و«النهار» أسسها جبران تويني سنة 1932. وأنا والنائب الراحل جبران (حفيد جبران تويني المؤسس) كنا نعزي بعضنا على أننا الجيل الثالث من الصحافة، أما المؤسسات الإعلامية من الجيل الثاني فمنها دار الصياد وآل فريحة.
* كيف بدأت حياتك المهنية؟
- توّجتُ رحلة طويلة في عالم الصحافة، بدأت منذ عام 1970 في «الشرق» التي أسسها المرحوم جدّي عوني الكعكي في عام 1926 الذي عانى كثيرًا من الانتداب الفرنسي، كون «الشرق» انطلقت تدعو للاستقلال التام والناجز. في سنوات عمره الأخيرة عانى والدي مرضًا جدّيًا، وكانت ظروفه صعبة فتأثرت «الشرق» بتلك الظروف وتراجعت بشكل ملحوظ. في السبعينات توفّى الله والدي فتسلمت الجريدة مع شقيقي معين. وكان هاجسي الدائم كيف يمكنني توفير الموارد التجارية لاستمرارية الصدور، على ألاّ تكون تلك الموارد مرتبطة بأي هدف سياسي.
* ما سياسة «الشرق»؟
- «الشرق» معروفة تاريخية، وفي أربعينات القرن العشرين الماضي تولى المرحوم والدي خير الدين الكعكي المسؤولية عن «الشرق» إثر وفاة المرحوم والده. وبدوره عانى الكثير مع الحكم الاستقلالي لأن «الشرق» كانت تناضل في سبيل وطن حر سيد مستقل الحكم فيه يقوم على الشفافية والإنماء المتوازن والانتماء إلى العروبة، ودولة المؤسسات. «الشرق» جريدة وطنية، جدي سجن وأبي أيضا، وأنا كنت دائما مشروع سجين، لكن رفض رفيق الحريري ذلك أنقذني من السجن.
* كيف حصل ذلك؟
- في عهد الرئيس الراحل إلياس الهراوي بسبب رسم كاريكاتيري، لزوجة الرئيس الهراوي يظهرها في محطة وقود وأبناؤه يريدون شراء البنزين، فاعتبر ذلك اعتداء على السيدة منى، وكان المدعي العام منيف عويدات، اتصل بي وسألني لماذا قمت بعمل يزعج فخامة الرئيس، وجاءت مذكرة من الأمن العام لإقفال الجريدة، وتوقيفي. لم يقبل الحريري بذلك، أنا كنت مستعدا للمحاكمة، لكن لا يجوز حبسي قبل المحاكمة، وحصلت مصالحة ولم يتم سجني.
* ما المطبوعات التي تصدر عن «الشرق»؟
- غير «الشرق» كان هناك 6 امتيازات في مجلات فنية لدعم الجريدة، نادين، ونادين الأم والطفل، ونادين مود، وعالم الساعات والوقت، وأوتوموبيل، والدكتور، وتكون مدخولا ثانيا، لأن الجرائد خسارة مادية. عدا عن المطبعتين اللتين أملكهما من أجل الحصول على أرباح تعويضا عن خسائر الجريدة. المجلات منها ما يربح كثيرا والبعض الآخر يربح القليل، وبشكل عام على الأقل لديك شركة كبيرة ومؤسسات.



«هدنة غزة»: لماذا تتضارب عناوين التغطيات الإعلامية؟

من جلسات التفاوض حول وقف الحرب على غزة (آ ف ب)
من جلسات التفاوض حول وقف الحرب على غزة (آ ف ب)
TT

«هدنة غزة»: لماذا تتضارب عناوين التغطيات الإعلامية؟

من جلسات التفاوض حول وقف الحرب على غزة (آ ف ب)
من جلسات التفاوض حول وقف الحرب على غزة (آ ف ب)

طوال الأشهر الماضية، حظي مسار المفاوضات الرامية إلى تحقيق «هدنة» في قطاع غزة، باهتمام وسائل الإعلام العربية والأجنبية. واحتلت الأخبار المتعلقة بالمباحثات مساحات واسعة في التغطيات الإعلامية، وسط تضارب في العناوين والتفسيرات بين «التفاؤل» بقرب الوصول إلى اتفاق حيناً، والحديث عن «فشل» المفاوضات حيناً آخر. وبين هذا وذاك تنشر وسائل الإعلام يومياً تقارير متباينة، إما عن عثرات وعقبات تقف في طريق الهدنة، أو عن جهود تمنح دفعة نحو الحل، الأمر الذي يثير تساؤلات بشأن أسباب هذه التضارب في العناوين، والمعلومات، ومدى تأثيره على مصداقية الإعلام.

وفي حين أرجع خبراء هذا التضارب إلى غياب المعلومات من مصدرها الأصلي والاعتماد على التسريبات، حذّروا من «تأثير النقل عن مصادر مُجهّلة على ثقة الجمهور في وسائل الإعلام».

يوان ماكساكيل (جامعة غلاسغو)

الواقع أنه يعتمد معظم الأخبار المتعلقة بمفاوضات «هدنة غزة»، سواءً عربياً أو غربياً، على «تسريبات» من مصادر «مُجهّلة» تتكلم عن تفاصيل مقترحات التهدئة، إضافة إلى بعض التصريحات الرسمية، إما من الوسطاء (مصر وقطر والولايات المتحدة)، أو من طرفي المفاوضات (إسرائيل وحماس).

ولكن بحسب مراقبين، فإن «أطراف المفاوضات لا تدلي بمعلومات بقدر ما تسرب من تفاصيل تعبّر عن وجهة نظرها، بهدف التأثير على مسار المفاوضات أو تحسين موقفها فيها».

الصحافي والمدرّب الأردني خالد القضاة، نائب رئيس شعبة الاتصال بجامعة الدول العربية لشؤون الحريات الصحافية والسلامة المهنية، عدّ في لقاء مع «الشرق الأوسط» الإعلام «طرفاً» في المفاوضات الدائرة حالياً، وقال: «أطراف التفاوض تستخدم الإعلام سلاحاً في المعركة، لتعزيز وجهة نظرها وخلق رأي عام مناصر لها، فكل طرف يستخدم الإعلام لتحقيق مصالحه».

وأضاف أن «طبيعة المفاوضات التي تجري دائماً في غرف مغلقة تفرض هذه الصيغة، بحيث يعتمد الإعلام على ما يصل إليه من تسريبات أو معلومات من أطراف التفاوض».

وتابع القضاة أن «ما ينشر يسبِّب ارتباكاً للجمهور، الذي بات مضطراً للبحث عن المعلومات من أكثر من مصدر أو وسيلة إعلامية، لتكوين صورة أقرب للواقع في ظل انحيازات إعلامية واضحة».

من جهة ثانية، وفق كتاب نشر عام 2003 وحرّره البروفسور الراحل جون دربي بجامعة نوتردايم الأميركية وروجر ماكغينتي البروفسور حالياً بجامعة درام البريطانية، فإن «إحدى الفرضيات الأكثر شيوعاً في جميع مفاوضات السلام، أنه من الضروري إبقاء وسائل الإعلام خارجاً، حيث يقال إنه كلما زاد مستوى المشاركة الإعلامية، زاد احتمال فشل المباحثات».

وبحسب الكتاب، فإن «هذه الفرضية صحيحة في معظمها، لأن إجراء المفاوضات تحت وهج الأضواء أصعب بكثير من إجرائها خلف الأبواب المغلقة، لكن في الوقت ذاته من المهم لصانعي السياسة النظر للمسألة بشكل أعمق... ثم إن الإعلام يشكل حلقة في أحجية المفاوضات، فعندما يلعب الإعلام دوراً بنّاءً في نقل أنباء المفاوضات التي تجري في مناخ داعم، لا يعود من المحتمل أن يكون له تأثير سلبي على نتائجها».

الإعلام وصانع السياسة بينهما مصالح متبادلة

أيضاً ورد في الكتاب أن «العلاقة بين الإعلام وصانع السياسة تعتمد على مصالح متبادلة، فالأول يريد معلومات لصناعة قصة جاذبة للجمهور يتمتع فيها بأكبر مساحة من النقد والتحليل وحرية العرض، والثاني يريد نقل سياساته لقطاع أكبر من الجمهور، مع السيطرة الكاملة على نوع وحجم وطريقة نقل المعلومات دون نقد». واستخلص أن «هذه العلاقة الجدلية هي التي تحدد دور الإعلام في العملية السياسية».

على الجانب العملي، قال يوان ماكاسكيل، الصحافي البريطاني الاستقصائي ومراسل صحيفة «الغارديان» البريطانية السابق، لـ«الشرق الأوسط»، إن «واحدة من كبرى المشاكل التي تواجه الصحافيين، هي انعدام ثقة الجمهور... وأن إحدى الطرق للبدء في استعادة الثقة هي الالتزام بالشفافية في نقل المعلومات بقدر الإمكان، وهذا يعني تجنب المصادر المجهولة كلما كان ذلك ممكناً».

ماكاسكيل شرح أن «الأخبار التي تنشر وقت المفاوضات تعتمد في معظمها على مصادر مُجهّلة، ما قد ينتج عنه تضارب في المعلومات، وربما يقوض الثقة في الإعلام»، لافتاً إلى أنه خلال عمله صحافياً حاول فقط استخدام اقتباسات من أشخاص تكلم إليهم فعلاً، وعند النقل من وكالة أنباء أو صحيفة أخرى، أو متى من مواقع التواصل الاجتماعي، كان يحرص على نسبة الاقتباسات لمصدرها.

أيضاً ذكر ماكاسكيل أنه «في كل الأحوال ينبغي استخدام المصادر المجهولة بشكل مقتصد جداً... وهذا مع أن استخدامها قد يكون ضرورياً في ظروف استثنائية، لا سيما إن كان الكشف عن هوية المصدر قد يعرض حياته أو وظيفته للخطر».

بالتوازي، كانت دراسة نشرتها جامعة أكسفورد عام 1974، أسهم فيها الباحث و. فيليبس دافيسون، قد أشارت إلى أن «التسريبات يمكن أن تعرقل المفاوضات الدولية، ولكن في الوقت ذاته قد يسهم الإعلام في تحقيق الاتفاق عبر تسليط الضوء على القضايا قيد التفاوض، ما يساعد في ضمان التنسيق بين أطراف التفاوض، ويربط الحكومات بالجماهير، عبر قنوات اتصال تكميلية للدبلوماسية».

مراعاة المعايير المهنية

وفي حوار مع «الشرق الأوسط»، ألقى الدكتور محمود خليل، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، باللائمة على الصحافيين في تضارب المعلومات التي تنشر على لسان مسؤولين رسميين، بيد أنه شدد على «ضرورة أن يراعي الصحافي المعايير المهنية في نقل التصريحات، فلا يتزيد أو يغير فيها، ولا يعالجها بشكل يتضمن نوعا من الانحياز». وتابع أن «الصحافي دوره هنا ناقل للسياسة وليس صانعاً لها. وبالتالي فهو ينقل تفاعلات الأطراف المختلفة في الحدث ويعرض وجهات نظرها جميعاً».

وقياساً على مفاوضات «هدنة غزة»، لفت خليل إلى أنه «في جولات التفاوض المتعددة، كان معظم ما نشرته وسائل الإعلام معتمداً على تسريبات من مصادر مُجهَّلة». وأردف: «لا بد للصحافي أن يلتزم الحذر في التعامل مع التسريبات التي تهدف إلى الترويج لوجهة نظر ما بهدف التأثير على مسار المفاوضات». وعزا انتشار التسريبات إلى نقص المعلومات، وغياب القوانين التي تكفل حرية تداولها.

من ثم، لمواجهة التضارب في المعلومات وتداعياته من تراجع للثقة في وسائل الإعلام، ينصح الدكتور خليل بـ«الالتزام بالمعايير المهنية في نقل المعلومات والتوازن في عرض التحليلات، من دون انحياز لوجهة نظر على حساب أخرى، لأن تلك الانحيازات تؤثر على التغطية، وعلى المصداقية أيضاً». وشدد على «ضرورة إعطاء مساحة أكبر للمعلومات مقارنة بالتحليلات والتفسيرات، لا سيما أن بعض التحليلات قد ينطوي على خداع للجمهور». واستطرد أن «مساحة التحليل في الإعلام العربي أكبر من مساحة المعلومات التي تراجع وجودها لصالح التسريبات في ظل غياب حرية تداول المعلومات».