عابد فهد مع جيسيكا عازار... التشبُّع بالحب

يعيد الاعتبار لحضوره الدرامي في «شتي يا بيروت»

عابد فهد مع جيسيكا عازار... التشبُّع بالحب
TT

عابد فهد مع جيسيكا عازار... التشبُّع بالحب

عابد فهد مع جيسيكا عازار... التشبُّع بالحب

يطلّ عابد فهد بعد «شتي يا بيروت» حاسباً خطواته. زلت قدمه في السابق ثم استعاد الوقوف الواثق ورد الاعتبار. يتعثر ثم يعوض. وهو اسم كبير يتورط أحياناً بنصوص خجولة. تستضيفه جيسيكا عازار، ورأسه مرفوع بعد مسلسله اللافت المعروض حالياً على «شاهد». يأتيها محملاً بالأصداء الطيبة ومباهج النجاح. نشتاق لعابد فهد في الأدوار التي تليق، لا الأدوار التي تُسلَق. تتزامن المقابلة في برنامج «40» (إم تي في اللبنانية) مع ذكرى زواجه، فيحضر مشبعاً بالحب. هذا الخجل فيه وتلك النظرات الناطقة، تجمل اللقاء مع الفنان والإنسان والسوري المُغرب عن أرضه.
لكل سؤال دقيقتان للإجابة، وأحياناً تمر الثواني بالصمت والشرود. يتروى في الكلام ويختار عباراته. يُحلّي النجاحُ الحوارات، كما يُحلّي الموسم الوفير سلال الحصاد. يعلم الضيف أن مُحاوِرته لن تخضه أو تُتعب رأسه. أقصى علاقتها مع الإحراج تكون بالإلحاح عليه لدندنة أغنية. تقدر الاسم الجالس على كرسي أمامها في استوديو بالأسود والأحمر، لضرورة الإحساس بالخطر. وهو «محتال» في التسلل والتهرب، بلياقة ولباقة والصمت الأبلغ من النطق.
أربعون سؤالاً سجل خلالها مواقف واستعاد ذكريات. استفاقت في باله الصور، منذ البدايات في إذاعة دمشق التي طُرد منها، ثم أول سيناريو وقع بين يديه وهو عاطل عن العمل، فاتخذ قراره الساعة الثانية والنصف ما بعد منتصف الليل بأن يقدم نفسه للناس كممثل. ابن اللاذقية، عاش سنوات في الشام، واليوم يستقر في دبي. يحب الفلافل ويطيبُ طعمها مع ابن بلده بلال شحادات. «هل ترتاح مع كاتب سوري؟»، تسأل جيسيكا عازار وتنال الجواب الصريح: «يشبهني نصه أكثر. يحاكي علاقتي بذاكرتي ومكاني وما أراكمه من تفاصيل».
حزين «شتي يا بيروت»، برغم المرح في الكواليس. المرح عينه ينقله عابد فهد إلى الجلسة مع جيسيكا عازار بالدندنة وتذكر الحكايات القديمة. أطرفها يوم شاء تقليد دريد لحام بشخصية «غوار الطوشي». الطربوش موجود والشروال موجود، فمن أين لابن الأربعة عشر عاماً أن يحضر «القبقاب»؟ إلى الجامع دُر، فتناول «قبقاباً» من أول مُصلٍّ! هذا الجامع الذي ظنه ملجأ الرجاء، إلى أن أدرك لاحقاً أن الكنائس وجهة المسيحيين.
جانب من عابد فهد الإنسان يمنح الحلقة الدفء. عاشق لكرة القدم، والأول في المباريات بين فريق الفنانين. تُنوع عازار أسئلتها، فلا يغلب الملل الجو. يكون حيث يكون ميسي، في فرصه صانعة مجده، ولو عاد الأمر له لشاركه الاحتفال بالكرة الذهبية، بسعادة الاعتراف بنجاح تيم حسن في «الهيبة 5» وقصي خولي في «عشرين عشرين». دوران كان «ليسرقهما»، هو الذي انطلق في رحلته بدور «الحرامي».
يحمل هوية بلده مهما تعددت الأماكن وتنقل بين الأوطان. سيُقال دائماً: «الفنان السوري عابد فهد»، أكان الموطن دبي أم بيروت. ماذا عن تهمة أنه وممثلين سوريين يضربون الدراما السورية؟ «اتهام جيد. في النهاية، نحن سفراء وطننا في كل مكان نكون فيه».
يعطي شركة «الصباح» حقها لدى سؤاله عن العراقة الإنتاجية، مُنصفاً مجهودها الهائل. ويذكر مزايا الراحلَيْن حاتم علي وشوقي الماجري بوفاء. مر الحديث على نقابة الفنانين السوريين، وما لا مفر منه: النجمة اللبنانية والنجم السوري. وعلى سبيل «الحركشة»، تسأله مُحاوِرته عن تطور أداء نادين نجيم منذ عملهما المشترك في «لو» إلى آخر عزها الرمضاني «عشرين عشرين»، فيرد بأمانة: «تطور كبير لنجمة لم أعرفها في شخصيتها الأخيرة. كانت غيرها الشخصية».
جريء في مقاربة الوطن والغربة، والعتب على المصير: «لماذا يُكرم المبدع اللبناني أو السوري في الخارج ولا يدري أي الأقدار تتربص له في أرضه؟». يتساءل عنا جميعاً. ويكمل الاستفهامات المؤلمة: «هل تريدنا أماكننا أم ترفضنا؟ نحب الوطن، فلِمَ يمسح ذاكرتنا؟ نحن شعب مُنهك، يخجل من ضعفه».
يحب في الإمارات اصطحاب العائلة بنزهة إلى الفجيرة، وفي لبنان الصعود إلى هواء فاريا وبردها العذب في الليالي. تتمهل الحلقة عند علاقة ولديه بسوريا، فيجيب بأنهما مثله يحبان اللاذقية حيث الشارع والدكان والقهوة على المفرق: «هنا تربيت». تصعب العودة إلى الأوطان المقتولة، فيجد المرء في الأوطان الآمنة حياة لا تخيف أبناءه وفسحة للبدء من جديد. «ليتها تعود كما سابق، فنعود إليها». ومع ذلك، «في لبنان وسوريا أنام بعمق. النوم العميق أفتقده في مكان آخر».
وروى كيف تعرف إلى زوجته زينة يازجي والحب من النظرة الأولى. احمر خجلاً حين عُرضت صورهما في يوم الزفاف. بعد 19 سنة، يجدد الحب: «شكراً لأن الحياة معكِ فيها تجربة ومغامرة». لا يجيد الأقوال بل يفضل الأفعال، فيود لو يُسعدها مدى العمر.
ويود أيضاً لو أن والدته إلى جانبه، لكن ما حال الحنين إلى الأرض؟ زارته فترة في دبي وعادت. لفحه الشوق إلى فنجان قهوتها الصباحي وإلى سريرها ومنزلها. كل «ألو» من سوريا تخيفه: «خير يا رب». الخوف من مفاجآت الحياة يطارد المرء وإن فر إلى الصين.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».