شكوك غربية بإمكانية إحراز تقدم في «مفاوضات فيينا» غداً

باريس تنضم إلى برلين: المقترحات الإيرانية «لا تشكل قاعدة منطقية»

رئيس المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني يصل إلى فيينا حيث أطراف الاتفاق النووي في 29 نوفمبر 2021 (رويترز)
رئيس المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني يصل إلى فيينا حيث أطراف الاتفاق النووي في 29 نوفمبر 2021 (رويترز)
TT

شكوك غربية بإمكانية إحراز تقدم في «مفاوضات فيينا» غداً

رئيس المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني يصل إلى فيينا حيث أطراف الاتفاق النووي في 29 نوفمبر 2021 (رويترز)
رئيس المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني يصل إلى فيينا حيث أطراف الاتفاق النووي في 29 نوفمبر 2021 (رويترز)

المفاوضات النووية في فيينا ستستأنف غداً (الخميس)، بعد توقف دام أسبوعاً كاملاً، من أجل إفساح المجال للمفاوضين للعودة إلى عواصمهم. الخبر جاء من طهران أولاً، ثم أكده كبير المفاوضين علي باقري كني من موسكو التي زارها للتشاور مع نظيره سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، حول مسار فيينا والموقف الروسي من الورقتين اللتين قدّمهما الأربعاء الماضي لمجموعة «4+1»، إضافة إلى الوسيط الأوروبي إنريكي مورا.
عدّت طهران أن الورقتين ستكونان أساس المفاوضات في الجولة الثامنة. ولذا، فإن السؤال الرئيسي الذي يفرض نفسه مزدوج؛ فمن جهة، يتناول مضمون الورقتين، حيث واحدة منهما ترسم ما تريده إيران في ملف العقوبات الأميركية وكيفية رفعها، والورقة الثانية تعدد ما ستعمد إليه طهران للعودة عن انتهاكاتها للاتفاق النووي للعام 2015. ومن جهة ثانية، حظوظ الجولة الثامنة في تحقيق اختراق ما، يقرب المجتمعين في العاصمة النمساوية من جسر الهوة التي تفصل بين المواقف والمطالب الإيرانية والغربية، والتوصل لاحقاً إلى إعادة إحياء الاتفاق المذكور، مع بعض التعديلات التي تسدّ نواقصه.
بداية، جاءت ردة الفعل الغربية، الأميركية والأوروبية، على المقترحات الإيرانية آنية وقاطعة. فقد سارع ممثلو الثلاثي فرنسا وبريطانيا وألمانيا إلى إصدار بيان يوم الجمعة الماضي عبروا فيه عن «خيبة أملهم وقلقهم» من المقترحات الإيرانية. فيما أكدت واشنطن، في اليوم نفسه، أنها «تراجع عن كل التسويات» التي توصل إليها المفاوضون في 6 جولات من المفاوضات. وأول من أمس، كررت برلين رفضها لهذه المقترحات التي «لا توفر أساساً لنهاية ناجحة للمفاوضات». وأمس، جاء دور فرنسا لتدلي بدلوها. وجاء الموقف الفرنسي على لسان الناطقة باسم الخارجية، آن كلير لوجندر، في إطار المؤتمر الصحافي الإلكتروني، وفيه عبّرت باريس عن «الخيبة لأن الأسبوع الماضي لم يتح المجال (حقيقة) لمعاودة المفاوضات»، بعد 5 أشهر ونصف شهر من التوقف. وأضافت الخارجية أن «المقترحات التي قدمتها إيران لا تشكل قاعدة منطقية (معقولة) ومتلائمة مع هدف التوصل إلى خلاصة سريعة (للمفاوضات) تحترم مصالح الجميع». ولمزيد من الوضوح، أكدت باريس أن «أياً من البعثات (الموجودة في فيينا) باستثناء إيران لم تقبل معاودة التفاوض على هذه القاعدة»، ما يعني رفضاً جماعياً لطروحات طهران، مشددة على أن الوقت «أخذ ينفد»، وأن مسار البرنامج النووي الإيراني «يثير قلقاً كبيراً»؛ خصوصاً بعدما كشف تقرير للوكالة الدولية للطاقة النووية أن إيران أخذت تعمل على مضاعفة إنتاجها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة، «في إشارة إلى تشغيل مفاعل فوردو»، كما أنها تستمر في إنتاج اليورانيوم بنسبة 60 في المائة.
واضح مما سبق وجود رفض جماعي للمقترحات الإيرانية التي تضرب عرض الحائط مكتسبات المفاوضات السابقة. وفي المقابل، فإن التصريحات الإيرانية الأخيرة تذهب إلى تأكيد التمسك بها. وقال باقري كني، أمس، للتلفزيون الرسمي الإيراني، عقب لقائه ريابكوف، إن مقترحات بلاده «مثمرة وبناءة»، وإنه من شأنها «إحداث تقدم جدي» في المفاوضات. ومن جانبه، أعلن حسين أمير عبد اللهيان وزير الخارجية في حديث لصحيفة «كومرسنت» الروسية، أول من أمس، أن لدى إيران «النية الحسنة، وهي مستعدة لخوض محادثات ناجحة».
والحال أنه نقل عن دبلوماسيين أوروبيين قولهم إنه «ليس من الواضح كيف سيكون ممكناً سد الفجوة، في إطار زمني واقعي على أساس المشروع الإيراني». وللتذكير، ووفق ما تسرب من الورقة الإيرانية الخاصة بالعقوبات، فإن طهران التي أكدت رفض قبول «اتفاق مرحلي» أو العمل بأسلوب «خطوة مقابل خطوة»، تريد رفعاً كاملاً للعقوبات الأميركية كافة، دفعة واحدة، مع تمكينها من فترة اختبار لحقيقة الإجراء الأميركي، قبل أن تبادر إلى العودة إلى تنفيذ التزاماتها النووية. يضاف إلى ذلك أنها تتمسك بالحصول على ضمانة أميركية خطية تنص على امتناع واشنطن عن الخروج مجدداً من الاتفاق، أو على الأقل أن تمتنع عن فرض شروطها على الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق.
إذا كانت الصورة على ما هي عليه، فما الذي يعول عليه الغربيون من الجولة الثامنة إذا كانت المواقف متباعدة إلى هذا الحد، وإذا كان الجميع مقتنعين من صعوبة ردم الهوة الفاصلة بين الطرف الإيراني والطرف الآخر؟
تعدّ مصادر أوروبية أن «الخيط الوحيد» الذي من شأنه أن يحدث خرقاً في الجدار الإيراني ظهر فيما قاله، أول من أمس، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده من أن «نصوصنا قابلة للتفاوض تماماً»، مضيفاً أن طهران «تنتظر أن تتلقى رأي الجانب الآخر حول الوثيقتين»، وأنه «يمكن تبادل المستندات والمسودات الجديدة عند الضرورة». والمعنى العميق لكلام خطيب زاده أن إيران مستعدة للمساومة، وقد برعت في ذلك، وأن رفع السقف يمكن عدّه «تكتيكاً تفاوضياً»، وبالتالي فإنها قابلة لتعديل مواقفها والتراجع عن بعض مطالبها إذا كان التمسك بها يعني الفشل النهائي للمفاوضات وفتح الأبواب أمام الاحتمالات الأخرى الكثيرة.
وثمة قراءة أوروبية - أوروبية أخرى، لا تستبعد أن يكون الطرح الإيراني وسيلة إضافية لإشغال المفاوضين وإعطاء الانطباع أنها متمسكة بالمفاوضات، فيما هدفها الحقيقي إطالة أمدها، ما يمكّن طهران من الاستفادة من الأسابيع والأشهر المقبلة، من أجل الاستمرار في دفع برنامجها النووي إلى الأمام. وهذه القراءة أصبحت رائجة في الجانب الأميركي، وفي تصريحات جاءت على أعلى مستوى، وخصوصاً على لسان وزير الخارجية أنتوني بلينكن، الذي نبّه للمرة الألف أن «نافذة التفاوض ليست مفتوحة إلى الأبد».
وفيما المفاوضات مرشحة على الأرجح للمراوحة مكانها، إن لم يكن التوقف التام، فإذا حصل جديد في المواقف، فقد تتزايد الضغوط على الإدارة الأميركية من الداخل والخارج لإبراز العضلات والتلويح بخيارات أخرى، منها العسكرية، من أجل «تليين» الموقف الإيراني.
وثمة من يرى في الجانب الغربي أن الضغوط الإسرائيلية يمكن أن تصب في هذا الهدف حيث تكاثرت في الأسابيع الأخيرة التهديدات الإسرائيلية العسكرية المباشرة لطهران على لسان أعلى المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين الذين يتعاقبون في واشنطن بوتيرة سريعة. وكان رئيس الوزراء نفتالي بنيت قد ذهب الأسبوع الماضي إلى الطلب من بلينكن «الوقف الفوري» للمفاوضات والنظر في الخيارات الأخرى. لكن واشنطن ما زالت حتى اليوم تغلّب الخيار الدبلوماسي. وبمناسبة حوار مع مجموعة من الصحافيين الأميركيين نهاية الأسبوع الماضي، رفض مسؤول أميركي كبير تحديد مهلة زمنية لـ«الصبر الأميركي» على التسويف الإيراني، ما يعني أن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في تحديد المسار الذي ستسلكه الأزمة النووية الإيرانية.



هل يتمرد نتنياهو على واشنطن ويوسع عملياته في جنوب لبنان؟

نتنياهو في قاعدة «رامات» بحيفا يوم 21 أغسطس 2024 (مكتب الإعلام الحكومي - د.ب.أ)
نتنياهو في قاعدة «رامات» بحيفا يوم 21 أغسطس 2024 (مكتب الإعلام الحكومي - د.ب.أ)
TT

هل يتمرد نتنياهو على واشنطن ويوسع عملياته في جنوب لبنان؟

نتنياهو في قاعدة «رامات» بحيفا يوم 21 أغسطس 2024 (مكتب الإعلام الحكومي - د.ب.أ)
نتنياهو في قاعدة «رامات» بحيفا يوم 21 أغسطس 2024 (مكتب الإعلام الحكومي - د.ب.أ)

تهديد رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بفتح جبهة جنوب لبنان على نطاق واسع، التي يراهن من خلالها على تغيير الواقع الأمني على الأرض، بما يضمن عودة النازحين إلى الشمال الإسرائيلي، يلقى معارضة أممية تتصدرها الولايات المتحدة الأميركية، التي أبلغته بلسان مستشار الرئيس الأميركي، أموس هوكستين، بأنه سيكون مكلفاً للطرفين، أي إسرائيل و«حزب الله»، ويشكل خطراً على مصير الأسرى لدى حركة «حماس»، ويمكن أن يؤدي إلى تمدد الحرب نحو الإقليم، وأن الحل لتأمين عودة النازحين من المستعمرات الشمالية يكمن في ترجيح كفة الخيار الدبلوماسي، لا في إقحام المنطقة في دوامة من العنف تؤدي حكماً إلى زعزعة الاستقرار.

فتهديد نتنياهو بتوسعة الحرب يفتقد إلى ضوء أخضر أميركي - أوروبي، وهو كان أول من قال بأنه يسعى لقيام تحالف دولي يوفّر له الغطاء السياسي الذي يؤيده بلا تحفظ، لتغيير الواقع الأمني على امتداد الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، وهذا لن يتأمن له، بالتالي يُطرح السؤال: هل يتمرّد نتنياهو على واشنطن ويبادر إلى فتح جبهة جديدة؟ إلا إذا أراد، كما تقول مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط»، الضغط وصولاً لفك الارتباط بين جنوب لبنان وغزة، للهروب إلى الأمام من الضغوط التي يتعرض لها من قبل ذوي الأسرى لدى «حماس» والاستعاضة عنها بالتأييد الذي يلقاه حال قرر أن يترجم تهديده بتوسيع العمليات العسكرية جنوباً لضمان عودة النازحين إلى أماكن سكنهم.

مصير غالانت

وتلفت المصادر الدبلوماسية الغربية إلى أن توسيع العمليات العسكرية في جنوب لبنان سيُواجه برد من «حزب الله»، وسيؤدي إلى تفلُّت الوضع على نحو لا يبقيه تحت السيطرة، وتسأل: كيف يمكن لنتنياهو تأمين عودة النازحين، حتى لو قرر توسيع دائرة الأرض المحروقة بتخطيه الحدود الجغرافية لمنطقة جنوب الليطاني من دون التوصل لوقف النار على امتداد الجبهة الشمالية، طالما أن الحزب سيضطر للرد، ولديه من القدرات الصاروخية ما يتيح له استهداف العمق الإسرائيلي؟

وفي هذا السياق، تؤكد مصادر سياسية لبنانية أن الحزب يتعامل مع تهديدات نتنياهو بأنها تأتي في سياق الضغط والتهويل، وإن كان لا يأمن لنياته ويستعد لتوسيع المواجهة المشتعلة في حال أقدم على توسعتها بفتح جبهة الجنوب على مصراعيها، بلا سقوف أو ضوابط تبقيها تحت السيطرة. وتسأل، نقلاً عن المصادر الدبلوماسية الغربية، عما إذا كان نتنياهو سيبادر إلى إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت، أم أنه سيبقي على إقالته ورقة لابتزاز واشنطن التي تنظر إليه على أنه أحد أبرز حلفائها في إسرائيل. فهل يجرؤ على الإطاحة به واستبدال وزير به يتناغم معه بلا شروط؟

كما تسأل المصادر نفسها عما إذا كان نتنياهو يتطلع من خلال تهديداته بتوسيع العمليات جنوباً إلى تقطيع الوقت على طريقته إلى حين تبيان ما ستؤول إليه الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل في ضوء رهانه على فوز الرئيس السابق دونالد ترامب على منافسته كامالا هاريس.

بصمة إيران على الصاروخ «الحوثي»

تضيف المصادر أن القاسم المشترك بين الإدارة الأميركية الحالية والقيادة الإيرانية يكمن في أنهما يسعيان لاحتواء التصعيد في جنوب لبنان، وأن طهران تراهن على دور واشنطن لنزع فتيل التفجير، كونها تلتقي مع «الحزب الديمقراطي» في توفير الظروف السياسية المؤاتية لترجيح كفة هاريس على منافسها ترمب لضمان رفع منسوب التفاوض بينها وبين واشنطن الذي لم ينقطع تحت ضغط التداعيات المترتبة على الحرب الدائرة في غزة وتعثر التوصل لوقف النار في القطاع.

وترى المصادر نفسها، وهي مواكبة للأجواء السائدة داخل «حزب الله» الذي أتم جهوزيته على كافة المستويات للرد على قيام نتنياهو بتوسيع العمليات جنوباً، أن التوقيت الذي اختارته جماعة الحوثي في صنعاء لإطلاق أول صاروخ باليستي، سقط على بعد 7 كيلومترات من تل أبيب لم يكن بريئاً، وأرادت منه تمرير رسالة إلى نتنياهو بأنه عيّنة مما ينتظره حال أقدم على توسعة الحرب جنوباً.

وتؤكد المصادر أن التوقيت يحمل بصمة مزدوجة من إيران و«حزب الله»، وإلا لما تمكنت هذه الجماعة من إطلاقه بدقة من دون أن تستعين بما لديهما من خبرة وتقنية عالية، وتقول إن نتنياهو بإقدامه على توسعة الحرب جنوباً سيفتح الباب أمام عودة تحريك الساحات المنضوية في «محور الممانعة»، تحديداً في العراق واليمن.

هل يفعلها نتنياهو؟

لذلك يبقى السؤال: هل يفعلها نتنياهو؟ وماذا كان ينتظر لتوسيع العمليات العسكرية في الجنوب، وهو الذي أطلق عشرات التهديدات بتوسعتها منذ أن قرر «حزب الله» مساندة «حماس»؟ وهل يضطر للتريث مجدداً إلى ما بعد إلقائه خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العادية التي تعقد قريباً بمشاركة عدد من رؤساء الدول الأعضاء فيها، رغم أنه يدرك منذ الآن أن لا مجال للرهان على كسب تحالف دولي يغطي ويؤيد، بلا تحفّظ، توسيعها جنوباً؟

وعليه، فإن الحزب، وإن كان يتعاطى مع تهديدات نتنياهو من زاوية التهويل والضغط لعله يحقق سياسياً ما عجز عنه عسكرياً، فهو في المقابل، كما تقول مصادره، أعد العدة للرد عليه، ما يضطره لأن يعيد النظر في تصعيده للمواجهة التي تبقى محكومة بمعادلة توازن الرعب.