البرلمان اللبناني يسقط صفة «العجلة» عن «التدقيق الجنائي»

TT

البرلمان اللبناني يسقط صفة «العجلة» عن «التدقيق الجنائي»

أقر مجلس النواب اللبناني، أمس، سلسلة قوانين مرتبطة بالتقديمات الاجتماعية، وسط ضبابية تلف تمويل البطاقة التمويلية، وإعلان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أنه سيتفاوض مع البنك الدولي بخصوص قرض «شبكة الأمان الاجتماعي».
كما أسقط صفة «العجلة» عن التدقيق الجنائي في حسابات إدارات الدولة ومؤسساتها.
وغلبت القوانين المتصلة بالمساعدات الاجتماعية على مناقشات البرلمان. وقال رئيس مجلس النواب، نبيه بري، خلال مناقشة اقتراح قانون تنظيم كيفية التصرف في حقوق السحب الخاصة بلبنان من صندوق النقد الدولي: «أكبر مكان للهدر هو في الكهرباء. بإمكان هذا المبلغ أن ينشئ معامل كهرباء توفر على لبنان خلال سنة أو أكثر مبالغ طائلة جداً».
وقال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في هذا السياق: «أسعى للتفاوض مع ممثل البنك الدولي بشأن قرض شبكة الأمان الاجتماعي»، لافتاً إلى أن المساعدات ستدفع بالدولار، مشيراً إلى أن «الوفر المحقق في الهبة سيكون بالحد الأدنى 7 ملايين دولار، وسنعمل ليشمل العدد الأكبر من العائلات».
وتحفظت «كتلة التنمية والتحرير» النيابية؛ التي يرأسها بري، على استخدام منصة «impact» لتسجيل أسماء الراغبين في تلقي المساعدات. وصوتت على اقتراح القانون المتعلق بالبطاقة التمويلية، وقال النائب علي حسن خليل: «نسجل تحفظنا على اعتماد منصة (IMPACT) للمساعدات، وفضيحة إدارية أن يقوم (التفتيش المركزي) باستقبال الهبات وإدارتها وتوزيعها فيما هو في الوقت عينه الجهة الرقابية».
وشارك «الحزب التقدمي الاشتراكي» في التحفظ. وقال أمين سر «كتلة اللقاء الديمقراطي»، النائب هادي أبو الحسن، إن «الجلسة التشريعية ناقشت بندين يتعلقان بتعديل اتفاقيات مع البنك الدولي حول مشروع العائلات الأكثر فقراً ومشروع شبكة الأمان الاجتماعي، وكان موقفنا واضحاً جداً، فالموضوع الذي يشكل أكثر أهمية هو كيفية وضع هذه البرامج حيز التنفيذ؛ لا سيما البطاقة التمويلية».
وأضاف: «صحيح أن الحكومة أطلقت منصة (impact) وبدأت عملية التسجيل والمسح الاجتماعي، وهذا قد يستغرق 4 أشهر إضافية، لكن هذا الأمر كان يجب أن يتم منذ عام».
في المقابل؛ أسقط البرلمان صفة «العجلة» عن التدقيق الجنائي؛ إذ سقط اقتراح قانون معجل مكرر يتعلق بتمديد العمل بقانون رفع السرية المصرفية عن المسؤولين؛ بما يسمح لشركة التدقيق الجنائي «ألفاريز آند مارسال» بجمع البيانات، إلى حين الانتهاء من أعمال التدقيق الجنائي.
لكن رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان قال بعد الجلسة التشريعية إن «(تكتل لبنان القوي) سبق أن قدم اقتراحاً حول التدقيق الجنائي لا تحده فترة زمنية لا سنة ولا أكثر ولا يربط عمل شركة (ألفاريز ومارشال) بأي مهلة، ويسمح بحصول التدقيق في أي وقت تجد فيه المرجعية الدستورية ضرورة لذلك في (مصرف لبنان) أو أي إدارة، لكنه لم يقر للأسف في حينه».
وأضاف: «صوتنا مع تمديد العمل بالتدقيق الجنائي انسجاماً مع مبدئنا، لكننا نعتبر أنه طالما أن شركة (ألفاريز) بدأت بعملها ضمن مهلة السنة التي سبق أن نص عليها القانون، فالمهلة تستمر إلى أن تنهي عملها بشكل كامل».



«موائد الرحمن» في مصر لا تزال صامدة رغم تأثرها بـ«الغلاء»

«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
TT

«موائد الرحمن» في مصر لا تزال صامدة رغم تأثرها بـ«الغلاء»

«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)

لم تغب «موائد الرحمن» عن الشارع المصري في رمضان، رغم تأثرها بارتفاع الأسعار؛ لتقل الوجبات في البعض، وتُقتصد مكونات بعضها، لكنها تظل صامدة ملبية حاجة الآلاف من قاصديها، ممن ينتظرون الشهر الكريم، لتخفيف الأعباء عنهم مع ارتفاع مستويات التضخم.

وتسجل مصر نسبة عالية من التضخم على أساس سنوي، بلغت في يناير (كانون الثاني) الماضي 22.6 في المائة، في وقت يتجاوز الفقراء نسبة الـ30 في المائة، وفق البنك الدولي في مايو (أيار) الماضي.

ورغم المخاوف التي سبقت شهر رمضان هذا العام من أن تؤثر ارتفاعات الأسعار أو جهود الإغاثة الموجهة إلى غزة، على حجم «موائد الرحمن» بشكلها التقليدي، أو في تطوراتها بأشكال أخرى مثل مبادرات «الإطعام المغلف»، فإن الأيام الأولى من الشهر أثبتت العكس، مع انتشار الموائد؛ جوار المساجد حيناً، وداخل سرادقات على جنبات الطرق أحياناً أخرى، أو حتى أمام المحال التجارية.

نائب محافظ القاهرة يتفقد أعمال إقامة مائدة رحمن بحي مصر القديمة (محافظة القاهرة)

لا يتعجب النائب في مجلس النواب (البرلمان)، نادر مصطفى صادق، من استمرار مظاهر التكافل والدعم في مصر رغم الضغوط الاقتصادية التي طالت الجميع، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «النزعة التكافلية تتزايد لدى المصريين وقت الأزمات، فضلاً عن أن الشعب المصري قادر على التكيف مع أصعب الظروف».

وتعاني مصر أزمة اقتصادية ممتدة منذ سنوات مع نقص العملة الصعبة، ما أجبر الحكومة على اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للاقتراض عامي 2016 و2023.

وتتنوع أشكال «موائد الرحمن»، فخلاف التقليدية التي يجلس مرتادوها في حلقات على مائدة، يوجد ما هو أبسط، مثل المائدة التي يقيمها رفاعي رمضان (40 عاماً) القادم من الأقصر (جنوب مصر) لإقامة المائدة، وفيها يجلس مرتادوها القرفصاء على «حصيرة»، يتناولون إفطارهم، وأمامهم مسجد الحسين وسط القاهرة.

يقول رمضان لـ«الشرق الأوسط» إن عائلته اعتادت إقامة هذه المائدة منذ كان طفلاً، ورغم أن الأسعار ترتفع طوال الوقت، وأصبحت «التكلفة مرهقة»، لكنهم أصروا على مواصلة العادة، ولو بالقليل، وتكاتفت الأسرة وأبناء قريته وكل من يرغب في المساعدة لإقامتها.

استطاع رمضان، وهو يعمل معلماً، في أول أيام الشهر من تقديم «لحم وخضروات وأرز»، مشيراً إلى أن الوجبة تختلف وفق الميزانية المتاحة لديهم كل يوم.

«مائدة رحمن» يجري تجهيزها في محافظة قنا (أخبار قفط المنيا - فيسبوك)

وعلى خلاف المرونة التي يبديها رمضان في شكل الوجبة المقدمة، تكيفاً منه مع الأسعار وإمكانياتهم، تتمسك عائلة «الدخاخني» في منطقة الأميرية (تبعد نحو 15 كيلومتراً عن ميدان التحرير) بتقديم نوعية الطعام نفسها، والتي لا بد أن تضم «لحماً أو فراخاً أو كفتة» مشوية، ويعدها طباخون محترفون، حسب محمد الدخاخني (30 عاماً) وهو صاحب شركة استيراد، ويتشارك مع أشقائه في التكفل بالمائدة، التي «أصبحت تتكلف أضعاف ما كانت تتكلفه سابقاً».

يلاحظ رجل الأعمال الشاب أن «أسراً كاملة تقصد مائدتهم مؤخراً» قائلاً: «بدأ هذا الإقبال منذ العام الماضي، وظلت هذه الأسر تقصد المائدة يومياً طوال شهر رمضان».

توقع أن يستمر الأمر على المنوال ذاته هذا العام، حسب مؤشر «الإقبال الكبير» الذي لاحظه في الأيام الأولى من الشهر. و«تمتد مائدتهم الرمضانية لنحو 300 متر، وتسع نحو ألف شخص، بتكلفة تتجاوز الـ100 ألف جنيه في اليوم الواحد» على حد قوله.

ويُشترط لإقامة «مائدة رحمن» في القاهرة «تقديم طلب إلى الحي التابع لموقع المائدة، ليقوم بدراسة الموقع ومدى ملاءمته لإقامة المائدة، على أن يتم البت في الطلب خلال 72 ساعة، ودون أي رسوم» حسب بيان لمحافظ القاهرة الدكتور إبراهيم صابر، في 19 فبراير (شباط) الماضي. ويشيد النائب نادر مصطفى بالتيسيرات الرسمية لإقامة الموائد، مشيراً إلى أنه «لم يرصد أي شكوى عن وجود عراقيل، بل على العكس».

وجبة إفطار مغلفة يجري توزيعها على المحتاجين في أول يوم من رمضان (الشرق الأوسط)

وترى أستاذة علم الاجتماع الدكتورة هالة منصور، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الموائد الرمضانية تعكس خصوصية للمجتمع المصري القائم على «التكافل»، لافتة إلى تطورها لأشكال أخرى سواء في «وجبات إطعام تذهب إلى المحتاج، ويستطيع استخدام الفائض منها مرة أخرى عكس المائدة، أو من خلال شنط رمضان التي تضم مواد تموينية يستطيع إعداد أكثر من وجبة منها خلال الشهر».

ولم تنجُ الأشكال المتطورة من المائدة هي الأخرى من تأثير الأسعار. كانت الأربعينية مي موسى، تعد نحو 50 وجبة إفطار يومياً في رمضان الأعوام الماضية وتوزعها على محتاجين في المناطق القريبة من سكنها في منطقة المرج (شرق العاصمة)، لكن «هذا العام ومع ارتفاع الأسعار لا أستطيع إعداد أكثر من 10 وجبات» وفق قولها.

تعتمد مي التي تعمل في مجال «المونتاج»، على أصدقاء وجيران وأقارب في المساهمة معها بتكلفة الوجبات، مشيرة إلى الصعوبة التي تواجهها في تدبير الوجبات مع «ارتفاع أسعار كل شيء تقريباً» ومع هذا «تمسكنا بالحفاظ على العادة نفسها حتى لو بعدد أقل للوجبات، أو استخدام الفراخ بدل اللحوم».

ويبلغ متوسط سعر الوجبة التي تعدها 80 جنيهاً (الدولار 50.58 جنيه). ويتراوح سعر كيلو اللحم في مصر بين 300 جنيه إلى 470 جنيهاً وفقاً لنوعها، فيما يبلغ متوسط كيلو الفراخ 100 جنيه.

وأشاد النائب في البرلمان نادر مصطفى بأساليب الإطعام المختلفة الموجودة في مصر، وأحدثها «كوبون يستطيع من يملكه أن يستبدل قيمته من محال معينة، ليشتري به ما يشاء».

ومع الإعجاب بالتطوير، ترى أستاذة علم الاجتماع أهمية الموائد التقليدية التي قد تكون الأنسب لعابري السبيل، أو من يقيم وحيداً دون أسرة، خصوصاً فيما تظهره من مظهر اجتماعي، وما تعكسه من أجواء رمضانية خاصة، مستبعدة فكرة «الوصم» بالفقر عند التناول من الموائد، التي تظهر بأشكال عديدة.

وتفرض الموائد نفسها منذ سنوات كمظهر احتفائي إلى جانب مظهرها التكافلي، مع ترسيخ تقليد لإقامة موائد طويلة ممتدة لأهالي مناطق بعينها مثل «مائدة المطرية» الشهيرة، والتي يشارك في الإفطار فيها سياسيون ومسؤولون حكوميون.