حكومة ميقاتي أمام مهمة مزدوجة: عودة الاجتماعات وضبط الحدود مع سوريا

TT

حكومة ميقاتي أمام مهمة مزدوجة: عودة الاجتماعات وضبط الحدود مع سوريا

يقول مصدر سياسي بارز إن توجّس «حزب الله» من الشق اللبناني الوارد في البيان المشترك السعودي – الفرنسي؛ الذي صدر في ختام المحادثات التي أجراها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، لا يعني سحب مفاعيله من التداول لأنه ركز بشكل أساسي على ضرورة التزام لبنان بالقرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة ولا يمكن للجانب الفرنسي القفز فوقها، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن تطبيق القرار الدولي رقم «1680» المتعلق بترسيم الحدود اللبنانية - السورية لضبطها ووقف عمليات التهريب يبقى أكثر إلحاحاً.
ويلفت المصدر السياسي إلى أن «هذا القرار حضر في الاجتماع الموسّع الذي رعاه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وأعقبه اجتماع آخر برئاسة وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي»، ويقول إن «الهدف من هذين الاجتماعين تمرير رسالة بوجود نية صادقة لدى الحكومة لطمأنة دول الخليج بأنها ماضية في مكافحة تصدير المواد المخدرة الذي كان من الأسباب التي أدت إلى تأزم العلاقات اللبنانية - الخليجية».
ويؤكّد أن هذين الاجتماعين «يجب أن يتوصّلا إلى اتخاذ إجراءات جذرية بدلاً من أن يقتصر الأمر على إبداء حسن النية، خصوصاً أنه سبق لمجلس الدفاع الأعلى برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون أن أبدى الاستعداد لوقف التهريب بعد أن وضعت السلطات السعودية يدها على تهريب الملايين من حبوب الكبتاغون تبين أن مصدرها لبنان، لكن الإجراءات التي اتخذها بقيت حبراً على ورق».
ويكشف المصدر نفسه عن أن الرئيس ميقاتي يؤيد تشكيل لجان مشتركة لمتابعة تنفيذ الإجراءات لضبط الحدود ووقف عمليات التهريب، ويسأل عن مدى استعداد السلطات السورية للتجاوب مع طلب الحكومة اللبنانية بترسيم الحدود بين البلدين؛ بما فيها المتداخلة، خصوصاً أن ترسيمها كان طرحه رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري لدى زيارته دمشق أثناء توليه رئاسة الحكومة.
ويؤكد أنه تقرر بعد توافقه مع الرئيس السوري بشار الأسد على ضرورة الدخول في مفاوضات لترسيم الحدود بين البلدين، لكن دمشق لم تبد التجاوب المطلوب، مع أن الحكومة اللبنانية في حينها أوكلت إلى الوزير جان أوغاسبيان مهمة التفاوض، وقام بالتحضير لبدء المفاوضات بإعداده الخرائط الجوية التي أعدتها قيادة الجيش اللبناني، ويلفت في الوقت نفسه إلى أن مجلس الدفاع الأعلى برئاسة عون كان أوصى بترسيم الحدود التي يبلغ طولها نحو 375 كيلومتراً. لكن توصيته؛ كما يقول المصدر نفسه، لم تر النور، ليس لأن حكومة الرئيس حسان دياب كانت استقالت وتحولت إلى حكومة لتصريف الأعمال، وإنما لأن التهريب من لبنان إلى سوريا يخضع مباشرة لإدارة أمنية وعسكرية تشرف عليها «الفرقة الرابعة» في الجيش السوري.
ويضيف أن «الجانب السوري هو من شرع في رفع منسوب التهريب من لبنان إلى سوريا، مستفيداً من دعم الحكومة اللبنانية المحروقات والأدوية والمستلزمات الطبية... وغيرها من المواد الضرورية الأخرى، والذي أدى إلى تراجع الاحتياط بالعملة الصعبة لـ(مصرف لبنان) من دون أن يستفيد السواد الأعظم من اللبنانيين من هذا الدعم، مما اضطر حكومة ميقاتي إلى وقف الدعم تحت ضغط صندوق النقد الدولي في ضوء تقديره لحجم الإنفاق اللبناني غير المجدي بالإبقاء على الدعم بعد أن تخطى 12 مليار دولار في العامين الأخيرين».
ويرى أن ترسيم الحدود ومراقبتها لمكافحة كل أشكال التهريب «بات في حاجة إلى رفع الغطاء السياسي عن شبكات التهريب، خصوصاً تلك المنظمة وتحظى بدعم من قوى سياسية فاعلة، رغم أن دولاً صديقة للبنان كانت وما زالت تقدّم المساعدات التقنية المطلوبة لتمكين القوى الأمنية من السيطرة على الحدود وضبطها شرط أن تشمل التدابير وقف تهريب السلاح من سوريا إلى لبنان».
ويتوقف المصدر السياسي أمام ما أعلنه سابقاً الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله مع تصاعد وتيرة الحملات المطالبة بوقف التهريب من جهة، وبمبادرة لبنان إلى الطلب من سوريا ترسيم الحدود، ويقول إنه «وإن كان أبدى استعداده لمساعدة الدولة لمكافحة التهريب نافياً مسؤولية حزبه عن المشاركة في عمليات التهريب، فإنه في المقابل استثنى حزبه من تنقل مقاتليه من لبنان إلى سوريا».
ويلفت إلى أن ترسيم الحدود وتشديد المراقبة على المعابر؛ أكانت شرعية أم مفروضة أمراً واقعاً على الحكومة، «بات أحد أبرز المطالب التي ليست محصورة بما ورد في البيان المشترك الفرنسي – السعودي؛ وإنما تحظى بإصرار دولي، رغم أن عون لاذ بالصمت حيال إدخال المازوت الإيراني إلى لبنان».
ويقول إن «مضامين البيان السعودي - الفرنسي المشترك بشقها اللبناني لن تغيب عن الطاولة؛ لأنها ستُدرج في إطار الحفاظ على الاستقرار في المنطقة؛ وتحديداً بالنسبة إلى حصر السلاح بيد الدولة»، ويرى أن باريس «ذهبت بعيداً في موقفها من إيران وحليفها (حزب الله). ويمثل موقف باريس نقلة نوعية قياساً بالحرص الذي كان أبداه ماكرون في مبادرته التي أطلقها لإنقاذ لبنان بتغييب أي بند يفتح الباب أمام اشتباك سياسي مع (حزب الله) ومن ورائه إيران.
وعليه؛ فإن ضبط الحدود مع سوريا يتصدّر الآن جدول أعمال (الحكومة الميقاتية) بالتساوي مع إصرار باريس على وقف تعطيل العمل الحكومي بمعاودة اجتماعات مجلس الوزراء التي تبقى عالقة أمام إصرار (الثنائي الشيعي) على فصل صلاحية المجلس العدلي عن صلاحية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء في ملف انفجار مرفأ بيروت، والمتروكة حالياً للقضاء اللبناني نظراً لاستحالة تأمين النصاب النيابي الذي يفضي إلى تحقيق مثل هذا الفصل».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.