«توهان في المسار الصحيح»... فسحة فنية من قلب التاريخ

المعرض من تنظيم «آرت ديزاين ليبانون»

رسومات ومنسوجات وصور في معرض «توهان في المسار الصحيح»
رسومات ومنسوجات وصور في معرض «توهان في المسار الصحيح»
TT

«توهان في المسار الصحيح»... فسحة فنية من قلب التاريخ

رسومات ومنسوجات وصور في معرض «توهان في المسار الصحيح»
رسومات ومنسوجات وصور في معرض «توهان في المسار الصحيح»

ذكرى غايا فودوليان، الفنانة التشكيلية التي قضت في انفجار بيروت، يحييها مرة جديدة معرض فني بعنوان «توهان في المسار الصحيح». مؤسسة «آرت ديزاين ليبانون» التي أُنشئت إحياءً لذكراها تقف وراء هذا الحدث الفني والثقافي في نسخته الثانية. في المرة الأولى نُظّم معرض فني شارك فيه تسعة فنانين تشكيليين واختار مبنى «طبّال» التراثي، في شارع السراسقة مكاناً له. وهذه السنة اختارت المؤسسة دير القلعة الأثري في منطقة «بيت مري» ليستضيف الحدث.
ويشارك في المعرض الذي يستمر لغاية 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، 37 فناناً ومصمماً وحرفياً، قدموا في معروضاتهم مواضيع متنوعة استوحوها من الطبيعة ومن الاضطرابات السياسية، وكذلك من استفحال الوباء والتقاليد والطقوس، ومظاهر مرور الزمن، وصولاً إلى مشاعر الخسارة والذكريات والأمل.
ربط الفنانون بين أعمالهم المعروضة والموقع الأثري، بعد أن جالوا في باحاته لإيجاد مصدر إلهام مناسب لإبداعاتهم. أسفرت هذه الجولات عن قطع مستوحاة من أجواء دير القلعة؛ ما يخدم هدف المؤسسة (آرت ديزاين ليبانون)، ويتمثل في إعادة إحياء موقع تاريخي قيّم.
«إنّ فكرة غايا الأساسية هي اختيار أماكن تطبعها هوية ما وتتميز بخصوصية لا تشبه غيرها، تقيم فيها معارضها». تشرح آني فارتيفاريان، والدة الفنانة الراحلة، في حديث لـ«الشرق الأوسط». وتتابع «آثار دير القلعة التي نقف فيها، هي مكان ألهمتني به غايا لا شعورياً. كل ما أقوم به هو أني ألحق بهذه الذبذبات التي تصلني منها وأنفذها».
وتشير آني إلى أنّ المعرض يجمع ما بين الفن المعاصر وعلاقته بالتاريخ. ففي المرة الماضية تعاونت المؤسسة مع مهندس معماري لإقامة المعرض في مبنى بيروتي تاريخي. وهذه المرة لجأت إلى اختصاصي آثار لترجمة فكرة جديدة رغبت المؤسسة من خلالها أن يتعانق التاريخ والفن الحديث معاً.
مجموعة من الصحافيين لبّت دعوة مؤسسة «آرت ديزاين ليبانون» للاطلاع على الأعمال المعروضة. وهي توزعت على قسم من المساحة الأثرية لدير القلعة وشملت الحمامات الرومانية ومعصرة الزيت وشوارع وبقايا منازل ومتاجر شهدتها هذه البقعة في الحقبة الرومانية. بعض الفنانين وقفوا على تلة من هنا أو تحت قنطرة قديمة تنتصب هناك، يفسرون معاني قطعهم الفنية. في حين بعضهم الآخر اختار أحجاراً، ومواقع طبيعية ليفتحوا من خلالها نافذة على الفن المعاصر في قلب التاريخ.
وتشير تانيا زافين، إحدى المسؤولات عن المديرية العامة للآثار في وزارة الثقافة، إلى أنّ القلعة تستقبل لأول مرة حدثاً من هذا النوع، وأنّ المديرية رغبت في القيام بهذه المبادرة للإضاءة على هذا الموقع وتعريف اللبنانيين به عن قرب. وتتابع في حديث لـ«الشرق الأوسط» «إنه موقع أثري يمتد تاريخه ما بين الحقبتين الرومانية والبيزنطية. في الفترة الأولى كان هناك معبدان كبيران فيهما بعل مرقد وجونو. ومن ثم شهد مستوطنات وتجمعات من الفترة البيزنطية التي تركت وراءها معصرة الزيتون والحمامات والقلاع والكنائس وغيرها. وتكمن أهمية هذا المعرض في مساعدة الفنان اللبناني وتشجيعه من ناحية، وتعريف زائر المعرض على تاريخنا العريق».
تدعم «آرت ديزاين ليبانون» الإنتاجات الثقافية والفنية في لبنان والمنطقة المجاورة. وهي مساحة ثقافية ومنصة رقمية تأسست منذ انفجار بيروت. ويجري الحدث بالتعاون مع وزارة الثقافة والمديرية العامة للآثار، وبدعم من المركز الفرنسي في لبنان. ويشمل المعرض أعمالاً معاصرة من توقيع فنانين ومصممين مخضرمين ومبتدئين.
ومن الفنانين المشاركين في المعرض إلياس ويوسف أنستاز ولارا بلدي وجمعية «بوكجا» ومجموعة «بساط الريح». كما يتضمن أعمالاً لسامر بو رجيلي، وكلوديا شاهين، وكارين شكرجيان، ونهاد الضاهر، وأوليفر دو جيم، وجيلبير، وندى دبس، وغيرهم.
ناتاشا كرم اختارت شجرة الزيتون كي تتناولها في المعرض بعد أن استوحت مراحل عصر حبوبها من المعصرة الأثرية التي يكتنفها موقع دير القلعة. وتقول لـ«الشرق الأوسط»، «قدمت حبة الزيتون في قالب فني معاصر ضمن فكرة تنبع من هذه الشجرة العريقة. رسمتها مرات وبنيت مجسمات لها من ورق الزيتون مرات أخرى. ترجمت هذه العلاقة الوطيدة الموجودة بينها وبين الإنسان على مر التاريخ».
وفي إحدى زوايا بيت قديم ينتصب عمل فني لمجموعة «بوكجا» الفنية. وهو كناية عن سجادة كبيرة نُسج عليها رموز وشعارات من أيام الإنسان القديم. «إنّنا نرى هنا حلقة الحياة التي تتكرر في استمرار وتتجدد من إنسان إلى آخر». يقول أدريان بيبي، فنان من أصول غربية يشارك في المعرض. ويتابع «نرى فيها عناصر مختلفة تدل على علاقة الإنسان بأرضه، وبالتحديد في القرن الخامس العشر. ويخبرنا كيف كانت الطبيعة تدخل مباشرة في يومياته وتنتقل معه من حقبة إلى أخرى. ولذلك؛ نرى تطريزات مختلفة تدور حول هذا المحور. فنرى الأفعى والفِطر البري والشجر المثمر وعربة يجرها الحمار وغيرها من عناصر حياة الأقدمين». وفي المعرض أيضاً يتحول الصوف إلى قطعة أثرية مفعمة بالعواطف والميثولوجيا والمعاني الرمزية. وتشير في مكان آخر إلى اتكال الرعاة على النجوم لتحديد وجهاتهم.
وتخبرنا كل من رلى سلمون وإيفا سودارغيتي دويهي، كيف استوحتا من الحجر الصخري قطعهما المعروضة. «أول مرة زرنا فيها هذا الموقع لفت نظرنا الحجر الصخري الموجود وألوانه المتدرجة. عملنا نسخة عصرية عن هذه الأحجار من مادة الريزين، صنعت بمادة حديثة»، تشرح رلى سلمون لـ«الشرق الأوسط».
خلال جولتك في المعرض تلفتك عراقة القطع الفنية الموزعة على مساحته التي تمزج ما بين الحداثة والأصالة. فنشاهد مقعداً خشبياً أملس يتعلق بأحد جوانبه حجر المحدلة الخشن. وفي ركن آخر نرى قطعاً زجاجية منمنمة تؤلف الإطار لأيقونات من الحديد تمثل معتقدات الإنسان القديم. ومع محمد كنعان نرى قطعة فنية بعنوان «عين بحر ورقص»، وهي عبارة عن مجسمات للآلهة بعل مرقد وجونو. فحاك حول حياتهما قصة عن كيفية لقائهما الأول ضمن قطع حديد مشغولة بفن.
وفي ركن الحمامات الرومانية يرتفع مجسم من الهندسة الحديثة الخاصة بالإنارة تعود فكرته إلى الفنانة الراحلة غايا. وتشرح ستيفاني، إحدى المسؤولات في مؤسسة «آرت ديزاين ليبانون»، «جميع أشغال غايا التي لم تستطع تنفيذها بسبب رحيلها، نحاول دائماً تسليط الضوء عليها وترجمتها في معارضنا. وهنا قام الفنان الإنجليزي نتانيال راكو بتنفيذ هذه القطعة التي تعود فكرتها للراحلة غايا. فهو كان يعرفها شخصياً واستوحى من أعمالها العناصر الأساسية للقطعة. ويتألف هذا التجهيز الفني من مسطحات وصناديق حديدية متداخلة، إضافة إلى حوض مستوحى من الأشكال الهندسية الطبيعية الموجودة في مغارة جعيتا. وكونه يعمل في فن الضوء جمع هذه العناصر في تجهيز (Drop by drop) يرتكز على التصميم الفني والإضاءة معاً».
عنوان المعرض مأخوذ من صفحة «إنستغرام» للفنانة الراحلة غايا. رحلة بين التاريخين القديم والحديث يوفرها معرض «توهان في المسار الصحيح». فيجمع في الهواء الطلق، وفي أحد أقدم المواقع الأثرية في لبنان فنوناً مختلفة، يسافر مشاهدها إلى عالم الإبهار والإبداع.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.