«إسكندرية 1921»... وصف بصري لـ«عروس المتوسط» قبل 100 عام

«الإسكندرية مثل مخبأ، ولكنه مخبأ وجد به الحب وأشياء أخرى»... إحدى المقولات التي تصف «عروس المتوسط» للأديب والمؤرخ البريطاني «إ. م. فورستر»، الذي نشر كتابه «الإسكندرية: تاريخ ودليل» عام 1922م، وهو المرجع الذي أوحى بفكرة معرض «إسكندرية 1921: المدينة والناس»، الذي يتجول داخل هذا «المخبأ» محاولاً اكتشافه برسم بورتريه للمدينة الكوزموبوليتانية قبل قرن من الزمان، مستعيداً تاريخها وكيف كانت ملامحها، وكيف كانت شوارعها وأهم معالمها، ومن أبرز الشخصيات التي لعبت دوراً بها قبل 100 عام.
يأتي المعرض ضمن فعاليات النسخة الثانية عشرة لـ«أيام التراث السكندري» بالتعاون مع مركز الدراسات السكندرية، ويستضيفه مركز «بساريا» للفنون بالإسكندرية، وينظمه الباحثان محمد عادل دسوقي ومحمود سعيد، ويستمر حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) الجاري.
استعان فريق عمل المعرض بالوصف الأدبي الذي وضعه «فورستر» في كتابه للإسكندرية، وقاموا بمقارنة الوصف المكتوب بمواد أرشيفية مختلفة وخرائط متعددة من الفترة الزمنية نفسها، من خلال أرشيف مركز الدراسات السكندرية والمركز الفرنسي للآثار، ومشروع ذاكرة مصر المعاصرة بمكتبة الإسكندرية، وكتب مختلفة عربية وإنجليزية وفرنسية، ليصبح لديهم وصفاً بصرياً موازياً للوصف المكتوب.
يقول الدكتور محمد عادل دسوقي، أستاذ مساعد الهندسة المعمارية بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا بالإسكندرية: «جاء كتاب (الإسكندرية: تاريخ ودليل) في قسمين؛ الأول هو (التاريخ) الذي تناول أبرز المحطات التاريخية التي مرت بها الإسكندرية عبر العصور، منذ تأسيسها وحتى الحرب العالمية الأولى، والثاني (الدليل)، فقد وضع فيه وصفاً للمدينة في وقته في شكل مسارات مُقترَحة، وتبعاً لذلك خصصنا قسماً عن مسارات المدينة كما وصفها فورستر، ففي منتصف قاعة العرض وضعنا خريطة لهذه المسارات، تتيح للزائر دراسة خرائط المدينة في مطلع القرن العشرين».
ونجح فورستر إلى حد كبير في وصف أحياء المدينة وشوارعها وأبنيتها، إلا أن اهتمامه انصب بشكل كبير على المواقع التاريخية القديمة، حيث كان غارقا في التاريخ القديم، وفي المقابل جاء حضور المجتمع السكندري المحلي ضعيفاً للغاية في وصفه، ولم يشعر بالمجتمع كغيره من المستشرقين، رغم أن المدينة في ذلك الوقت شهدت أحداثاً مهمة، ناتجة عن تفاعل عناصر مجتمعية متنوعة، وسط تصاعد أصداء ثورة 1919 في المدينة، وفي مصر بشكل عام آنذاك، لذا كان على فريق العمل أن يعمل على استكمال الصورة الشاملة للمدينة بالبحث في التاريخ الاجتماعي للمدينة في هذا العام، بحسب دسوقي.
«إذا عدنا إلى عام 1921 نجد أنه شهد أحداثاً سياسية واجتماعية لا تزال عالقة في أذهان المصريين إلى اليوم، مثل إلقاء القبض على عصابة الأختين ريا وسكينة ومعاونيهما، ومحاكمتهم وإعدامهم»، وفق المهندس المعماري والفنان محمود سعيد، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «حاولنا في الجزء الاجتماعي أن نعرض صوراً تعكس حياة السكندريين في مطلع القرن العشرين، مثل جلساء المقاهي، والخبازين في الأفران، وغير ذلك من ملامح الأسواق والشوارع».
وحاول منظمو المعرض تذكير الجمهور بأهم الشخصيات التي لعبت دوراً في تاريخ الإسكندرية في عشرينات القرن الماضي، مثل فنان الشعب سيد درويش الذي لمع نجمه في هذا الوقت، والزعيم سعد زغلول، حيث كان حراكه الثوري لا يزال مستمراً، والأمير عمر طوسون، الذي اشتهر بوطنيته وحبه لمصر واعتنى بتاريخها القديم والحديث، بحسب سعيد الذي لفت إلى أنه رسم عدداً من البورتريهات لبعض الأشخاص كنوع من التوثيق لها بشكل مختلف.
تنوعت المواد الأرشيفية البصرية المستخدمة في المعرض، وعلى رأسها «كروت البوستال»، أو البطاقات البريدية، وهي عبارة عن بطاقات صغيرة مدون عليها رسالة أو تهنئة يتم إرسالها عبر البريد، وفي الغالب كانت تحمل صوراً لمعالم سياحية.
وبحسب سعيد؛ فإن هذه البطاقات حفظت الذاكرة العمرانية البصرية للإسكندرية بشكل قد لا ينافسه أي وسيلة أخرى، حيث حملت معالم المدينة ومبانيها الرئيسية، مثل «بورصة مينا البصل» و«المتحف اليوناني الروماني»، والمساجد والكنائس المهمة، بل حمل بعضها صوراً لمبانٍ أخرى خدمية ومواقع أقل شهرة مثل بعض المدارس والمستشفيات، ولم تتوقف أيضاً عند هذا الحد، بل نجد بعضها يصور مراكز الشرطة، مثل «كراكول العطارين»، وقسم شرطة «باب شرقي»، وسجن «الحَضَرة» في أحد أشكاله الأولى.
يعود دسوقي للحديث؛ قائلاً: «هذه البطاقات تلفت إلى ما لحق بعالم المدينة من تغيرات، بما يقودنا للعديد من الاستنتاجات حول كيف ولماذا ومتى حدثت هذه التغيرات، حيث اختفت بعض المباني تماماً، وأُعيد بناء بعضها مجدداً، كما تغيرت ملامح بعضها الآخر بإضافات معمارية متفاوتة في التصميم والتنفيذ».
ويشير إلى أن أكثر هذه المعالم تتمثل في المباني الدينية، مثل مسجد أبو العباس الشهير، فالمسجد الحالي غير المسجد الأصلي الذي بُني أيام الدولة العثمانية، وكان يضم مقام العالم الصوفي أبو العباس المرسي، ينطبق الأمر ذاته على الكنيسة القبطية، والمعبد اليهودي، ومن المعالم التي اختفت هناك قبة مدفن العائلة الخديوية، التي تميزت بالجمال المعماري.