أنصار نجل القذافي يرفضون التلويح البريطاني بـ«الجنائية الدولية»

إيطاليا تعتبر استقرار ليبيا «التحدي الأكثر إلحاحاً»

سيف الإسلام القذافي خلال تقديم أوراق ترشحه للرئاسة الليبية في 14 نوفمبر الماضي (إ.ب.أ)
سيف الإسلام القذافي خلال تقديم أوراق ترشحه للرئاسة الليبية في 14 نوفمبر الماضي (إ.ب.أ)
TT

أنصار نجل القذافي يرفضون التلويح البريطاني بـ«الجنائية الدولية»

سيف الإسلام القذافي خلال تقديم أوراق ترشحه للرئاسة الليبية في 14 نوفمبر الماضي (إ.ب.أ)
سيف الإسلام القذافي خلال تقديم أوراق ترشحه للرئاسة الليبية في 14 نوفمبر الماضي (إ.ب.أ)

دخلت الأوضاع في ليبيا مرحلة من «تكسير العظم» بين بعض جبهات المرشحين المحتملين للرئاسة بالبلاد، في وقت عبر أنصار سيف الإسلام نجل الرئيس الراحل معمر القذافي، عن «غضبهم ورفضهم» من تلويح السفيرة البريطانية لدى ليبيا كارولاين هرندل، بالمحكمة «الجنائية الدولية»، بقولها يجب عليه (سيف القذافي) «الاستعداد لمواجهة التهم الموجهة إليه من قِبل المحكمة».
وقبل عشرين يوماً من إجراء الاستحقاق المُرتقب، بدأت حملات التشكيك والدس للنَّيل من بعض المتنافسين، وسط ترقب لاحتمالية تحرك المفوضية العليا للانتخابات للاستئناف على الطعن الذي تقدم به سيف الإسلام نجل الرئيس الراحل معمر القذافي، وقبلته محكمة سبها، مساء أول من أمس، إذ إنه يحق لها ذلك في غضون ثلاثة أيام من تاريخ قبول الطعن.
وتداولت على نطاق واسع بين الأوساط الليبية رسالة منسوبة إلى يان كوبيش المبعوث الأمم المتحدة لدى البلاد، يوضح فيها للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أسباب استقالته، وقلقه من مشاركة المرشح عبد الحميد الدبيبة (رئيس حكومة الوحدة الوطنية) في الانتخابات؛ لكن البعثة سارعت إلى كشف حقيقة هذه الرسالة التي وصفتها بـ«المزورة».
وقالت البعثة مساء أول من أمس، إن هذه الرسالة «محاولة طفولية يائسة لتضليل الرأي العام»، و«نتمنى على الليبيين اليقظة والانتباه من تدفق الأخبار الملفقة والكاذبة التي تهدف إلى تضليلهم وقد تهدف لعرقلة ممارستهم حقهم الديمقراطي في اختيار ممثليهم عبر صندوق الانتخابات».
ولم تكن هذه الواقعة الوحيدة للنَّيل من مرشحين محتملين، إذ انتشر نبأ تعرض موكب المرشح للرئاسة فتحي باشاغا، للاعتداء المسلح في مسقط رأسه بمدينة مصراتة (غرب البلاد)؛ لكن مقربين منه أكدوا في حينه أن هذا «خبر كاذب يستهدف الوقيعة والفتنة بين الليبيين».
ووسط تداعيات عودة نجل القذافي، إلى السباق الانتخابي، قالت كارولاين هرندل السفيرة البريطانية لدى ليبيا، إن «بلادها لا تدعم أي مرشح للانتخابات الليبية، ولا تتدخل في اختيار من يحكم ليبيا؛ لكنها تدعم العملية الانتخابية ذاتها».
وكانت هرندل، ترد على تساؤلات المتابعين لصفحة السفارة البريطانية على موقع «فيسبوك» مساء الخميس، وتطرقت إلى الموقف من سيف القذافي، وقالت إن بلادها «تدعم بقوة المحكمة الجنائية الدولية في مسألة محاكمة سيف القذافي»، و«يجب عليه أن يكون مستعداً لمواجهة التهم الموجهة إليه من قِبلها».
وأحدثت تصريحات السفيرة البريطانية حالة من الغضب والرفض بين أنصار نجل القذافي، لافتين إلى أن المحكمة الجنائية الدولية لم تقدم أي اتهام ضد (الدكتور) سيف حتى الآن، بجانب أنها توقفت عن المطالبة باستدعائه. وقال مسؤول في حملة سيف: «نرجو من بريطانيا الكف عن التدخل في الشأن الليبي، كفاها ما ارتكبته في تدميرها قبل ذلك». وسبق لمندوب بريطانيا لدى الأمم المتحدة، مطالبة السلطات الليبية خلال جلسة مجلس الأمن في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بالتعاون مع مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لتوقيف وتسليم الأشخاص المطلوبين لدى المحكمة.
وعاشت مدن ليبية عدة وخصوصاً بغرب البلاد أجواء من الفرح، حيث طاف خلالها مواطنون الشوارع ابتهاجاً بتمكين سيف القذافي، من العودة للانتخابات، واعتبر خالد الزائدي محامي سيف، قبول الطعن المقدم منه للمحكمة «انتصاراً للعدالة ولإرادة الشعب الليبي».
ورأى عضو مجلس النواب صالح أفحيمة، أن أحكام القضاء هي «عنوان الحقيقة، وعودة سيف الإسلام للسباق تعيد شيئاً من ثقة الليبيين في مؤسستهم القضائية»، متابعاً: «لاحظنا أنها اهتزت نوعاً ما بعد أن تعمدت بعض الأطراف (تسييس) القضاء وممارسة ضغوطات عليه بهدف التأثير في الأحكام الصادرة؛ فهم بشر وقد لا يطيقون ما تتم ممارسته عليهم من ضغوط».
في غضون ذلك، تمسك خالد المشري رئيس المجلس الأعلى، الذي التقى سفير تركيا لدى ليبيا كنعان يلمز، بطرابلس، بضرورة إجراء الانتخابات على «أسس قانونية ودستورية سليمة»، بهدف الوصول إلى مرحلة الاستقرار التي يطمح لها الشعب الليبي.
وقال المكتب الإعلام للمجلس، أمس، إن المشري وكنعان، بحثا العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها ودعمها، بالإضافة إلى التطورات المتعلقة بالانتخابات والقوانين الانتخابية في ليبيا.
ودفعت أجواء الاستقطاب والتجاذب السياسي التي تعيشها ليبيا راهناً، عبد المنعم الزايدي أمين المنظمة العربية لحقوق الإنسان، إلى التساؤل: «هل الانتخابات الرئاسية في ليبيا تكرس للمسار الديمقراطي»؟ و: «هل يُمكن للديمقراطية وقيمها أن تجد مكانة ودوراً، في مجتمع مرتبط بأغلبيته المُطلقة المؤسسة الدينية والقبلية والمناطقية»؟
واحتلت الأزمة الليبية، جانباً من مؤتمر «حوارات المتوسط»، الذي انعقد بالعاصمة روما، أمس، بحضور الدبيبة، والأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، حيث شددت إيطاليا على دعمها لإجراء الانتخابات الليبية في موعدها، واعتبر وزير خارجيتها لويجي دي مايو، أن «التحدي الأكثر إلحاحاً بالنسبة لبلاده في منطقة البحر الأبيض المتوسط هو تحقيق الاستقرار في ليبيا».
وذكر دي مايو الحضور بمخرجات (مؤتمر باريس الدولي) حول ليبيا، الذي انعقد في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، والتي «دعت الفاعلين الليبيين إلى الالتزام البناء بعملية انتخابية حرة ونزيهة وشاملة وذات مصداقية».
ونوه دي مايو، وفق وكالة «آكي» الإيطالية بأن مؤتمر باريس، الذي تقاسمت رئاسته كل من إيطاليا وليبيا وفرنسا وألمانيا والأمم المتحدة، أكد على «أولوية انسحاب (المرتزقة) والمقاتلين الأجانب من ليبيا، وعلى «ملكية الليبيين لمبادراتهم الوطنية».
كما أكد رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي، في كلمته أمام المؤتمر، على أن بلاده «تدعم بقوة عملية الانتقال السياسي والمصالحة في ليبيا»، وقال إن «عملية بقيادة ليبية وحدها يمكن أن تقود إلى حل كامل ودائم للأزمة في البلاد».
بينما قال وزير الدفاع الإيطالي لورينزو غويريني، نحن «نراقب بعناية تطور الإطار السياسي في ليبيا ونأمل أن تؤدي الانتخابات المقبلة إلى حالة أكثر استقراراً»، منوهاً إلى أن ليبيا «بلد ذو قيمة استراتيجية ونحمل تجاهها مسؤولية مواجهة اختلالات يمكن أن تكون لها عواقب على استقرار منطقة المتوسط وبالتالي على أمننا».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».