عقبات قانونية وخلافات سياسية تهدد الانتخابات الليبية

وسط مخاوف من الانزلاق مجدداً إلى حافة حرب أهلية

عقبات قانونية وخلافات سياسية تهدد الانتخابات الليبية
TT

عقبات قانونية وخلافات سياسية تهدد الانتخابات الليبية

عقبات قانونية وخلافات سياسية تهدد الانتخابات الليبية

يعترض الغموض بمستقبل العملية السياسية في ليبيا، على الرغم من اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقرر أن تُجرى يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. إذ بينما يعلّق الشعب الليبي آماله على صناديق الاقتراع؛ رغبة في أن تخرج البلاد من نفق الفوضى الأمنية والسياسية الذي تعيش فيه منذ أكثر من عشر سنوات، تبدو الصورة على الأرض قليلة الوضوح في ظل انقسامات وخلافات سياسية حول المرشحين، وطعون قانونية التي قد تمنع بعض المرشحين من المنافسة. ويتزامن هذا الحال مع أوضاع أمنية غير مستقرة تنذر بمزيد من الفوضى، وتلقي بظلال مقلقة على العملية السياسية ككل، وتهدد بتأجيل الانتخابات؛ ما يهدّد بزج ليبيا مرة أخرى في مستنقع الحرب الأهلية.
تشير التقارير اليومية الواردة من المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا إلى جاهزية ليبيا للانتخابات من الناحية النظرية؛ إذ اعتمدت المفوضية القائمة الأولية للمرشحين للانتخابات الرئاسية، التي تضمنت 73 مرشحاً، بينما بلغ إجمالي عدد المُرشحين لانتخابات مجلس النواب في كل الدوائر الانتخابية 3173 مُرشحاً ومُرشحة، وفقاً لإحصائية الثلاثاء 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ولقد وزعت المفوضية بطاقات الاقتراع على الناخبين، وباشرت تلقي وفحص الطعون الانتخابية، وسط تأكيدات بأن «البلاد مستعدة لإجراء الانتخابات في موعدها».
لكن على الأرض تبدو الصورة مختلفة وغامضة؛ ما دفع ويرفع كثرة من المراقبين إلى توقع تأجيل الانتخابات، من منطلق أن الأوضاع السياسية والأمنية غير مواتية لإتمام العملية السياسية بالصورة المرجوة. كذلك يرى بعض هؤلاء، أن ليبيا «تسير في حقل ألغام قد ينفجر في أي لحظة»، وبذا تعود البلاد إلى المربع صفر في ظل انقسامات سياسية حادة حول المرشحين للانتخابات الرئاسية، وتوترات أمنية وعراقيل قانونية.
- مخاوف مُبرّرة
وحقاً، يبدو أن لهذه المخاوف ما يبرّرها، وأن ثمة من يؤيدها في مستويات عليا داخل أروقة المؤسسات الدولية؛ ذلك أنه قبل شهر من إجراء الانتخابات المرتقبة استقال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا يان كوبيش، من منصبه بشكل مفاجئ، وقُبلت استقالته ليسري مفعولها رسمياً من 10 ديسمبر الحالي.
وبالتزامن مع الاستقالة، قال كوبيش – وهو سياسي ودبلوماسي سلوفاكي – في إحاطته أمام مجلس الأمن في الرابع والعشرين من نوفمبر الماضي، إن «المناخ السياسي في ليبيا حول الانتخابات لا يزال شديد الاستقطاب»، ومن ثم حذّر من أن «يؤدي تأخير الانتخابات عن موعدها إلى مزيد من الانقسام والصراع داخل ليبيا».
هذه الاستقالة وصفها مراقبون بأنها «مفاجئة»، ونقلت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية عن توماس هيل، الخبير في شؤون شمال أفريقيا بـ«المعهد الأميركي للسلام» قوله، إن «المجتمع الدولي يدفع بكل قوته لإجراء الانتخابات الليبية في موعدها. إلا أن استقالة كوبيش الآن تشير إلى أن الأمور لا تسير كما هو مأمول، وأن هناك مشاكل في الكواليس».
ثم أنه، حسب مراقبين متابعين، فإن الانتخابات التي طال انتظارها تواجه جملة تحديات، أبرزها الخلافات حول قانون الانتخابات نفسه، والنزاعات المتكرّرة بين الفصائل والجماعات المسلحة، والشقاق الكبير بين الشرق والغرب، إضافة إلى انتشار الجنود المرتزقة والسلاح في البلاد.
- عقبات قانونية وطعون انتخابية
واقع الأمر، أن الانتخابات المزمعة في ليبيا تواجه معارضة داخلية من بعض الفئات على أسس قانونية، تشكك في شرعية القوانين الانتخابية الصادرة عن مجلس النواب؛ وهو ما يهدد برفض قبول نتائج الانتخابات بعد إعلانها. ويأتي ذلك وسط خلافات واضحة وطعون ضد بعض المرشحين الأساسيين، على رأسهم رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة، الذي سحب اسمه من قائمة المرشحين الأولية بناءً على طعن من منافسه في منطقة الغرب الليبي فتحي باشاغا؛ بحجة أن رئيس الحكومة لم يقدّم ما يفيد بتوقّفه عن العمل قبل 3 أشهر من تاريخ الانتخابات، كما تنصّ المادة 12 من قانون الانتخابات. إلا أن محكمة الاستئناف في العاصمة الليبية طرابلس أعادت الدبيبة إلى السباق. ومن جهة ثانية، منع مسلحون محكمة سبها – كبرى مدن الجنوب – من الانعقاد أكثر من مرة لنظر الطعن المقدّم من سيف الإسلام القذافي، ضد استبعاده من الترشح. ثم إنه جرى استبعاد خليفة حفتر قائد «الجيش الوطني الليبي» من قائمة المرشحين.
العقبات القانونية التي تواجه العملية الانتخابية ليست جديدة، فهي وفق مراقبين يتابعونها ويُلمّون بخلفياتها ظهرت منذ بداية الإعداد للعملية السياسية في ليبيا. وهنا يقول عبد الهادي ربيع، الباحث المتخصّص في الشأن الليبي، في تصريح أدلى به لـ«الشرق الأوسط»، إن «العملية الانتخابية واجهت منذ بدايتها العديد من العراقيل وتنازع الاختصاصات، خاصة في مسألة القاعدة التشريعية والقانونية للانتخابات. حيث يدّعي كل طرف لا شرعية القاعدة القانونية للانتخابات، ويهدد باستخدام السلاح للانقلاب على الانتخابات حال فوز مرشح من خارج تياره السياسي». ثم يضيف قائلاً «مع أن القوانين الانتخابية المنظمة للعملية الانتخابية كانت الحل الوحيد للوصول إلى الانتخابات في موعدها المحدد، إلا أنها جاءت مليئة بالثغرات القانونية وبأخطاء فادحة في الصياغة؛ ما زاد من حدة الاحتقان والصراعات عوضاً عن حلها. فهي فعلياً فتحت باب الطعون في العملية الانتخابية بكاملها، وهو ما يهدّد بتكرار تجربة انقلاب فجر ليبيا عام 2014 على الانتخابات النيابية، وإعادة النظر في العملية الانتخابية برُمّتها».
وهنا تجدر الإشارة إلى أن قانون الانتخابات يثير خلافات داخل المجتمع الليبي؛ فهو وفق المراقبين «لا يحظى بدعم الجميع»؛ إذ ينصّ على إدارة البلاد وفقاً لنظام رئاسي يعتبر كثيرون أنه يمنح الرئيس سلطة كاملة في حين يبقى البرلمان ضعيفاً.
- شبح الحرب الأهلية
هذا، وبينما قد يوحي زيادة عدد المرشحين في الانتخابات الليبية، وإقبال المواطنين على الحصول على بطاقات الاقتراع، إلى تطلع الشعب الليبي لإجراء الانتخابات، فإن الأوضاع الأمنية السيئة تُعد أحد التهديدات الرئيسة التي تواجه العملية الانتخابية. إذ يخشى كثيرون من تحوّل الخلافات السياسية إلى نزاعات مسلحة. وللعلم، يقول كوبيش نفسه، إنه «مع اقتراب الانتخابات، ثمة مخاوف من أن تتحوّل الانقسامات السياسية والمؤسساتية الراسخة إلى مواجهة تغذيها المواقف المتشددة والخطاب التحريضي».
ومن جانبهم، يعترف السياسيون في ليبيا بأن الظروف الأمنية غير مواتية لإجراء الانتخابات، وإن كانوا في الوقت نفسه يشدّدون على ضرورة إجرائها في موعدها باعتبارها «القنطرة الوحيدة للعبور من حالة الفوضى إلى حالة الاستقرار»، كما قال الدكتور محمد عامر العباني، عضو مجلس النواب الليبي، لـ«الشرق الأوسط». وتابع العباني، أن «ليبيا نجحت من قبل عام 2014 في إجراء انتخابات نيابية في ظروف أمنية أكثر سوءاً»، مشدداً على أنها «الآن مستعدة لإجراء الانتخابات في موعدها».
ولكن في المقابل، المخاوف من سقوط البلاد مرة أخرى في دائرة الحرب الأهلية ليست بعيدة عن توقعات المراقبين للأوضاع على الأرض، وهو ما يؤكده الباحث السابق في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» بين فيشمان، في مقاله المنشور نهاية الشهر الماضي، تحت عنوان «انتخابات ديسمبر في ليبيا تطرح خطر العودة إلى الحرب الأهلية».
فيشمان يرى، أن على «ليبيا التي قطعت شوطاً طويلاً منذ إنهاء حربها الأهلية الثالثة في منتصف عام 2020 ألا تخاطر باستئناف العنف أو تقسيم البلاد من خلال إجراء انتخابات مستعجلة. ونظراً للجو المشحون بالانقسامات وإلى احتمال اندلاع أعمال عنف كبيرة، من الحكمة إرجاء الانتخابات لفترة محددة إلى حين حلّ العديد من القضايا المهمة». وحقاً، دفعت الأوضاع الأمنية «الهشة» في ليبيا وزير الداخلية خالد مازن، إلى التلميح بإمكانية تأجيل الانتخابات، عندما قال، إن «اتساع الانتهاكات الأمنية في الأيام الأخيرة، بات يعرقل عملية تأمين ويهدد سلامة واستمرار العملية الانتخابية في البلاد».
- تأجيل الانتخابات
الراغبون في تأجيل الانتخابات يستندون في مطالبهم إلى «غياب» المرشح التوافقي، مقابل وجود أسماء على قائمة المرشحين قد تؤدي إلى انقسامات حادة داخل ليبيا، منهم سيف الإسلام القذافي، نجل الرئيس معمر القذافي، الذي ثار الشعب ضده في عام 2011. ويعتقد مراقبون، أن «قبول ترشح القذافي قد يدفع البعض لمقاطعة الانتخابات، كما أن رفض ترشحيه قد يدفع مؤيديه إلى حمل السلاح». يضاف إلى ذلك، وجود لاعبين بارزين على الساحة السياسية الليبية بين المرشحين، مثل خليفة حفتر وعبد الحميد الدبيبة، وهو ما يراه البعض «نذير خطر قد يؤدي إلى اندلاع أعمال عنف في البلاد».
وهنا يقول ريتشارد سبنسر، في مقال نشرته صحيفة «التايمز» البريطانية، إن «نوعية المرشحين» واحدة من العوامل المنذرة بالخطر. إذ كتب في نوفمبر الماضي تحت عنوان «الانتخابات الرئاسية الليبية: اختيار بائس لمرشحين يدعمون الفوضى»، قائلاً «مساعي مجموعة يُتهم أفرادها بالفاسدين والمجرمين الباحثين عن السلطة، قد تدفع ليبيا التي مزّقتها الحرب إلى منعطف درامي في مسيرتها نحو تحقيق الاستقرار والسلام».
أيضاً، يرى المطالبون بتأجيل الانتخابات ضرورة الاتفاق على أساسيات العملية السياسية، وتسلسلها، وقواعد الترشح قبل الشروع في تنفيذها... وأن تكون هذه القواعد نابعة من الشعب الليبي نفسه وليست مفروضة عليه من الخارج. وهنا يعلّق عبد الهادي ربيع بأن «المسار السياسي الحالي لم يكن خيار الليبيين، بل كان خيار الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الذي أقرّ ذلك في مخرجات مؤتمر برلين بشأن ليبيا، ولم يكن السياسيين الليبيين ليقبلوا بهذا المسار ما لم يجبرهم عليه المجتمع الدولي». ثم يتابع، أن «هذا المسار يبدو أنه الأنجح ظاهرياً، حيث أمكن توحيد الكثير من المؤسسات، وجرى حل مسألة تنازع الشرعية بشكل كبير، إلا أن إغفال ملفات دقيقة وحساسة كإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية وحل الميليشيات ونزع سلاحها زاد من تأجّج الجمر تحت الرماد؛ إذ يهدد انتشار السلاح في البلاد بنسف أي تقدم سياسي في ليبيا، والعودة إلى مربع الصراعات».
وفعلاً، تعد قضية المرتزقة من أهم التحديات التي تواجه ليبيا، حيث اجتمعت اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) في جنيف بسويسرا يوم 8 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ووضعت خطة عمل لانسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب بشكل متوازن ومرحلي وتدريجي، ونُشرت أول مجموعة من مراقبي وقف إطلاق النار التابعين الأمم المتحدة في 10 أكتوبر الماضي، ومع ذلك «ما زالت هذه القضية مثيرة للقلق داخل ليبيا وخارجها». وفي إحاطته أمام مجلس الأمن، شدد الطاهر السني، مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة، على «ضرورة الاستجابة لمطلب الشعب الليبي السيادي، والمتمثل في إنهاء أي نوع من أنواع الوجود الأجنبي على الأراضي الليبية». وعلى الجانب الآخر، يرفض أنصار الانتخابات تأجيلها، ويؤكدون، أن «مخاطر التأجيل أكبر بكثير من مخاطر الاستمرار في العملية السياسية». وتبعاً للعباني، فإن «الانتخابات عرس يتمناه الليبيون، وتأجيلها ليس بالأمر السهل؛ كون المجتمع الدولي يضغط لإجرائها في موعدها... تنفيذ الاستحقاقات الانتخابية تم بروية وتأنٍ، ودعوات التأجيل لن يكون لها محل على أرض الواقع».
- دعم المجتمع الدولي
الانتخابات المقررة في نهاية الشهر الحالي تأتي نتيجة للتسوية السياسية التي قادتها الأمم المتحدة في فبراير (شباط) الماضي، وتضمنت وقف إطلاق النار، كما وضعت برنامجاً زمنياً للعملية السياسية الضامنة إجراء انتخابات. لكن «الاتفاق لم يتطرق إلى التفاصيل المتعلقة بصلاحيات المرشحين وأهليتهم، وشروط ترشحهم»، وهنا يقول سبنسر، إن «إلغاء الانتخابات، قد يؤدي إلى عودة العنف، بيد أن رفض المرشحين قبول النتيجة، وهو أمر غير مستبعد بالنظر إلى جيوشهم الخاصة ودعم المرتزقة الأجانب المتنافسين، يمكن أن يؤدي إلى سيناريو أسوأ». وهو ما يوافق رأي كوبيش بأن «الإحجام عن إجراء الانتخابات قد يؤدي إلى تدهور خطير للوضع في البلاد، كما يمكن أن يفضي إلى مزيد من الانقسام والصراع».
ربيع من جهته يتوقع أن «يدفع المجتمع الدولي لإجراء العملية الانتخابية في موعدها، لكن أطرافاً عديدة ستنقلب على النتيجة». ولذا؛ يرى أن «الأهم من إجراء الانتخابات في موعدها هو إجبار الجميع على القبول بنتيجتها. ولكن أحداً لا يملك ذلك، خاصة مع بوادر الانقسام والصراعات التي بدت بين أجهزة وزارة الداخلية في العديد من المناطق والصراع مع القوات المسلحة أو الاجتماعية في هذه المناطق». وبالفعل بدأ المجتمع الدولي يحذر من التداعيات الأمنية والسياسية على الانتخابات الليبية. وقال السفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، في تغريدة على «تويتر»، إن واشنطن تشارك الليبيين والمجتمع الدولي مخاوفهم، مطالباً «بالعمل على تهدئة الأوضاع واحترام العملية الانتخابية والقانونية في ليبيا، ورفض السماح للجماعات المسلحة بتهديد الانتخابات».
وبالتزامن مع الكلام الأميركي، بحثت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا مع سفير الاتحاد الأوروبي في ليبيا خوسيه ساباديل، والمبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيتش، سبل دعم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة... وجرى التأكيد على استمرار الدعم الدولي لإجراء الانتخابات في موعدها، وحماية نزاهتها.
أخيراً، يترقب المجتمع الدولي ما ستسفر عنه الأيام المقبلة، بينما يتابع العديد من المحللين المهتمين بالشأن الليبي الأوضاع في صمت. ويعتبر هؤلاء، أنه يستحيل التنبؤ بما ستسفر عنه الأيام المقبلة، وما إذا كانت ليبيا ستنجح في إتمام العملية السياسية والتقدم نحو مستقبل أكثر استقراراً عبر انتخابات يتوافق على نتيجتها الشعب الليبي، أم أن الانقسامات السياسية والتوترات الأمنية ستؤدي إلى تأجيل الانتخابات. كذلك، إزاء ما سيعنيه رفض تقبّل النتائج، وما إذا كان سيخلق حالة من الفوضى الأمنية والاضطراب السياسي.
- الطريق المُتعِبة إلى الانتخابات المتعثرة
> تُعدّ العملية السياسية الحالية التي ستكلل بانتخابات رئاسية وبرلمانية محاولة لإعادة صياغة البنية السياسية والمؤسساتية لليبيا، وإنهاء نزاعاتها المتعددة، والتي تفاقمت خلال السنوات الماضية مع اندلاع الصراع الجهوي بين منطقتي الشرق (برقة) والغرب (طرابلس)، والذي جاءت التسوية السياسية الحالية لوضع حد له، ولرسم المخطط الزمني للعملية السياسية الحالية لا بد أن نعود سنوات للوراء لندرك خلفياتها.
وكما هو معروف، أجج تشكيل حكومة «الوفاق الوطني» في ديسمبر (كانون الأول) 2015 الصراع بين الشرق بقيادة فايز السراج، والغرب بقيادة خليفة حفتر، وبخاصة أن برلمان الشرق لم يعترف بحكومة السراج. وعلى مدار عامي 2017 و2018، تواصلت اجتماعات باريس في العاصمة الفرنسية للوصول إلى تسوية سياسية بين الشرق والغرب، لكنها لم تنجح في وضع حد لهذا الصراع الدموي.
الاختراق المأمول حدث في الخامس من فبراير (شباط) 2021، وتمت الموافقة على تشكيل مجلس رئاسي وحكومة موحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة. وفي الشهر التالي، حصلت حكومة الدبيبة على ثقة البرلمان من أجل قيادة ليبيا في مرحلة انتقالية حتى إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية. وفي يونيو (حزيران) 2021 عقد «مؤتمر برلين 2» للتحضير للانتخابات واستكمال العملية السياسية. وبعد شهر، اجتمع مجلس الأمن لبحث الأزمة الليبية والمساعدة في الوصول إلى حل بشأن القضايا الخلافية التي تعرقل استكمال المسار السياسي. ثم في أكتوبر (تشرين الأول) صادق مجلس النواب الليبي على قانون الانتخابات التشريعية. وخلال 21 من الشهر الفائت استضافت باريس مؤتمراً لتقديم الدعم للانتخابات الليبية، مع العلم أن موعد الانتخابات الرئاسية هو 24 ديسمبر الحالي، والانتخابات التشريعية في يناير (كانون الثاني) المقبل.



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.