باكستان تفرج عن مدبر هجمات مومباي.. والهند مستاءة

القضاء أمر بإطلاق سراح المشتبه فيه بكفالة «لعدم كفاية الأدلة»

زكي الرحمن لخوي يرفع قبضة يده أثناء نقله إلى محكمة في إسلام آباد في الأول من يناير الماضي (أ.ب)
زكي الرحمن لخوي يرفع قبضة يده أثناء نقله إلى محكمة في إسلام آباد في الأول من يناير الماضي (أ.ب)
TT

باكستان تفرج عن مدبر هجمات مومباي.. والهند مستاءة

زكي الرحمن لخوي يرفع قبضة يده أثناء نقله إلى محكمة في إسلام آباد في الأول من يناير الماضي (أ.ب)
زكي الرحمن لخوي يرفع قبضة يده أثناء نقله إلى محكمة في إسلام آباد في الأول من يناير الماضي (أ.ب)

أفرجت باكستان عن العقل المدبر المفترض لهجمات مومباي التي أودت بحياة 166 شخصا في عام 2008، مما أثار غضب الهند التي رأت في هذه الخطوة «إهانة لضحايا» الهجمات.
وقالت مصادر متطابقة في إسلام آباد إنه أفرج بكفالة عن زكي الرحمن لخوي (55 عاما) الذي تعتبره الهند العقل المدبر للهجمات التي استهدفت عدة مواقع في مومباي، بينها فندق فخم. وقال مالك ناصر عباس محامي لخوي إنه «تم الإفراج عن لخوي وهو خارج السجن الآن». كذلك، قال مسؤول في إدارة السجون طلب عدم كشف هويته: «تلقينا الوثائق التي تسمح بإطلاق سراحه مساء (أول من أمس) الخميس، وتم الإفراج عنه من سجن اديالا» القريب من إسلام آباد. وقال هذا المسؤول طالبا عدم كشف هويته: «لقد أفرج عنه وهو موجود في مكان آمن لا نستطيع كشفه لأسباب أمنية».
وكان محامي لخوي صرح، أول من أمس، بأن المحكمة العليا في لاهور قررت، بعد ساعات من المداولات «تعليق أمر توقيف لخوي، وسمحت بإطلاق سراحه بعد تسديد كفالتين تبلغ قيمة كل منهما مليون روبية»، أي عشرين ألف دولار في المجموع.
ونقلت وكالة «رويترز» عن محامي لخوي أنه تقرر الإفراج عن موكله بكفالة لعدم كفاية الأدلة.
وأدانت الهند على الفور الإفراج عن لخوي معتبرة أنه «إهانة» للضحايا.
وقالت وزارة الشؤون الخارجية الهندية قبل الإفراج عنه إنها عبرت لباكستان بوضوح عن قلقها بشأن إطلاق سراح لخوي. وذكر متحدث باسم الوزارة: «الحقيقة هي أن عدم تقديم إرهابيين معروفين للمحاكمة يشكل تهديدا أمنيا حقيقيا للهند والعالم. كما أن هذا ينتقص من قيمة الضمانات التي حصلنا عليها مرارا وتكرارا فيما يتعلق بالإرهاب عبر الحدود».
وكان القضاء الباكستاني أمر عدة مرات، الشهر الماضي، بالإفراج عن لخوي في إطار مسلسل قضائي سياسي يؤثر على العلاقات بين إسلام آباد ونيودلهي.
وأدانت الدبلوماسية الهندية قرارات الإفراج عنه، وإن لم تطبق من قبل. وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، سمحت محكمة باكستانية بإطلاق سراحه لكن السلطات المحلية رفضت الإفراج عنه. وبعد ضغوط مارستها الهند، أمر القضاء الباكستاني بإبقائه في السجن ثم الإفراج عنه، ثم توقيفه مجددا. وتتهم الهند تنظيم عسكر طيبة (الجناح العسكري لجماعة الدعوة؛ منظمة الأعمال الخيرية المعروفة بقربها من الاستخبارات الباكستانية)، بارتكاب اعتداءات مومباي. وبعد سبع سنوات، ما زالت هذه الهجمات تؤثر على العلاقات بين البلدين؛ إذ إن الهند تتهم باكستان بالتباطؤ في الإجراءات القضائية، بينما تؤكد إسلام آباد أن نيودلهي لم تسلمها بعد الأدلة اللازمة لمحاكمة المتهمين.
وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حمل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بعنف على أمر بإخلاء سبيل لخوي، معتبرا أنه «صدمة لكل الذي يؤمنون بالإنسانية». وبعد الهجمات المنسقة التي دامت 60 ساعة في مومباي العاصمة الاقتصادية للهند، توترت العلاقات بين الهند وباكستان اللتين تواجهتا في ثلاث حروب منذ استقلالهما في 1947. كما توقفت عملية السلام التي كانت قد بدأت في 2004 بشأن إقليم كشمير الذي يتقاسمه البلدان. وتتهم الهند منذ فترة طويلة باكستان بلعب «دور مزدوج» في مجال الإرهاب، بدعمها سرا جماعات متشددة معادية للهند من عسكر طيبة إلى كشمير.
وكان نائب وزير الخارجية الباكستاني التقى في إسلام آباد نظيره الهندي مطلع مارس (آذار) الماضي، في محادثات كانت الأولى منذ نحو عام على هذا المستوى الرفيع بين القوتين النوويتين. ولم تفصح السلطات الباكستانية ولا الهندية عن فحوى المحادثات، غير أن الخارجية الباكستانية قالت عند الإعلان عنها إنها ستتناول ملف كشمير والتبادل التجاري وإجراءات إعادة بناء الثقة بين البلدين.



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»