بعد ستة أشهر من تعيين مانشستر يونايتد لأولي غونار سولسكاير على رأس القيادة الفنية للفريق، قرر تشيلسي أيضاً الاستعانة بخدمات أحد أساطيره السابقين، فتعاقد مع المدير الفني الشاب فرانك لامبارد. ورغم الحب الجارف الذي يتمتع به لامبارد من جماهير «البلوز»، فإنه أقيل من منصبه في يناير (كانون الثاني) بسبب تراجع النتائج، ليحل محله المدير الفني الألماني توماس توخيل، الذي حقق نجاحاً سريعاً. والآن، وبعد مرور 10 أشهر فقط على وصول توخيل إلى «ستامفورد بريدج»، أصبح تشيلسي بطلاً لدوري أبطال أوروبا، كما يتصدر جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز.
وبالتالي، فإن السؤال الذي يجب طرحه الآن هو: هل كان من الممكن أن يكون مانشستر يونايتد في وضع مماثل الآن لو تعاقد مع توخيل في وقت سابق من هذا العام؟ الإجابة، على الأغلب لا. من المؤكد أن توخيل قد أنجز مهمة رائعة، لكنه يبني عمله على أسس متينة، فتشيلسي يدار بطريقة جيدة، وأبرم صفقات بشكل مدروس، ولديه أكاديمية ناشئين رائعة تمول الفريق الأول الآن بعدد من اللاعبين الرائعين.
ربما سيُنشئ جون مورتو، الذي تم تعيينه كأول مدير لكرة القدم في مانشستر يونايتد في مارس (آذار)، هيكلاً فعالاً في «أولد ترافورد»، لكن في الوقت الحالي لا يزال مانشستر يونايتد تائهاً ويبحث عن المنقذ الذي يخرجه من أزماته وعثراته. لقد كان انتقال الإدارة الفنية للفريق من ديفيد مويز إلى لويس فان غال إلى مورينيو إلى سولسكاير مثيراً للقلق، ليس فقط لأنه يشير إلى أن النادي لا يعرف المسار الذي يريد أن يتجه إليه، ويكرر حالة الفوضى التي عانى منها في حقبة ما بعد مات بسبي قبل نصف قرن من الزمان، ولكن لأنه كشف أيضاً عن وجهة نظر قديمة للغاية فيما يتعلق بالمواصفات التي يجب أن يتحلى بها المدير الفني الناجح. وهذا هو السبب في أن تعيين رالف رانغنيك، أولاً كمدير فني مؤقت ثم كمستشار بعد ذلك، يبدو مهماً للغاية، حيث تعد هذه الخطوة بمثابة تحول إلى الرؤية الحديثة للعبة.
لقد أصبحت كرة القدم ظاهرة ثقافية شائعة في إنجلترا، في وقت ما في أوائل الستينات من القرن الماضي. لقد كانت الجماهير التي تتابع المباريات قبل ذلك الوقت كبيرة للغاية، لكن ظهور التلفزيون هو الذي نقل كرة القدم إلى مستوى جديد. ومنذ أيام قليلة، قال كاتب رياضة الكريكيت العظيم نيفيل كاردوس إن نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي لعام 1953 – المباراة التي تغلب فيها بلاكبول على بولتون بأربعة أهداف مقابل ثلاثة – كان هو اللحظة التي حلت فيها كرة القدم محل الكريكيت باعتبارها الرياضة الوطنية الأولى في إنجلترا.
لكن ربما كان تأثير تلك المباراة أكبر مما كان يعرفه، حيث كانت هذه أول مباراة كرة قدم في إنجلترا تجتذب عدداً كبيراً للغاية من الجماهير التي تشاهد المباراة عبر شاشات التلفزيون على الهواء مباشرة. وأدى انطلاق برنامج «مباراة اليوم» على قناة «بي بي سي» في عام 1964 إلى تأكيد وتعزيز شعبية كرة القدم، ثم أدى الفوز بكأس العالم بعد ذلك بعامين إلى زيادة شعبية كرة القدم بشكل أكبر.
وخلال تلك الطفرة، تشكلت الكثير من تصوراتنا المسبقة عن كرة القدم، فقد كان هذا هو عصر الأفراد المتميزين والمتفوقين - مات بسبي، وبيل شانكلي، وألف رامزي، ودون ريفي، وتومي دوكيرتي، وبراين كلوف – وقد شكل ذلك نموذج المدير الفني الناجح في عالم كرة القدم. قد يكون هناك إدراك سطحي بأن وظيفة المدير الفني أكثر تعقيداً من ذلك، لكن لا يزال هناك شعور عميق بأن المدير الفني الجديد لا يزال بإمكانه المجيء والإدلاء ببعض التصريحات والكلمات المختارة بعناية أمام وسائل الإعلام وشراء عدد من اللاعبين الجدد وتغيير نتائج ومستوى الفريق في نهاية المطاف.
ومن السهل للغاية تصور أن المدير الفني الجديد سيكون هو المنقذ. إن واقع الأندية الحديثة – شبكات اكتشاف اللاعبين، والتخطيط طويل المدى، وتحليل البيانات الدقيقة بشأن اللاعبين الذين يستهدف النادي التعاقد معهم، وتنمية وتطوير الشباب - بطيء ومعقد، بل وممل في كثير من الأحيان. وبالتالي، أصبحت فكرة القائد الكاريزمي القادر على إحداث ثورة داخل النادي هي الأكثر جاذبية، بالإضافة إلى أنها تحتاج إلى جهد أقل بكثير: نحن نؤمن به حتى النقطة التي تصل فيها الأمور إلى نقطة اللاعودة ويمكن التضحية به، ثم ننتقل للبحث عن مخلص آخر، وهكذا.
ولا يعد الحديث عن «المنقذ» شيئاً جديداً في كرة القدم، والدليل على ذلك أن المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا سبق وأن قال عن برشلونة: «كرويف بنى الأكاديمية، والأمر متروك لنا للحفاظ عليها». لقد صرّح غوارديولا بذلك لأنه كان من الواضح جداً أنه جزء من نسيج النادي، فهو خريج أكاديمية النادي الكتالوني وأحد لاعبيه المميزين، وينطبق الأمر نفسه الآن على تشافي، الذي يبدو مناسباً بشكل طبيعي لتولي القيادة الفنية لبرشلونة.
قد تقتصر خبرات تشافي التدريبية على عامين فقط في قطر، لكن هذا أكثر بكثير من الخبرات التي كانت لدى غوارديولا عندما تولى قيادة النادي الكتالوني في عام 2008، وسجله أفضل من فرانك ريكارد (خروج مخيب للآمال مع منتخب هولندا من الدور نصف النهائي لكأس الأمم الأوروبية عام 2000 في هولندا، وأول هبوط في تاريخ سبارتا روتردام) عندما تم تعيينه مديراً فنياً لبرشلونة في عام 2003، وكلاهما قام بعمل جيد.
ويبقى السؤال الآن: إلى أي مدى يفهم تشافي هذه الفلسفة؟ هل استوعبها لدرجة أنه قادر على تعديلها وتطويرها اعتماداً على الخصوم والتغييرات خلال كل مباراة؟ وهل هو قادر على نقلها للآخرين؟ أم أنه مجرد مدير فني شاب يردد مجموعة من الشعارات ويعرف بعض الأمور عن طريقة كرويف في التدريب، لكنه لا يعرف كيفية تطبيقها على أرض الواقع داخل الملعب؟ من المؤكد أننا لن نعرف الإجابة عن هذه الأسئلة إلا مع مرور الوقت، لأنه لا يمكننا تقييم الأمور بناء على ما قدمه تشافي في الدوري القطري.
وهناك عدد قليل من الأندية الأخرى التي تعتمد على نفس فلسفة برشلونة – أياكس أمستردام الهولندي بكل تأكيد، وربما ليفربول على الساحة المحلية. لكن معظم الأندية ليس لديها سوى إحساس غامض بما يطلق عليه «الحمض النووي للأندية»، وبالتالي يكون من الخطر الشديد التعاقد مع أي مدير فني لمجرد أنه «يعرف النادي جيداً».
وبعد وفاة فاليري فاسيليوفيتش لوبانوفسكي في عام 2002، تعاقد دينامو كييف مع ستة مديرين فنيين على أمل أن يجد فيهم الخليفة المنتظر للوبانوفسكي، قبل أن يكسر هذه الدائرة المفرغة من التدهور في نهاية المطاف ويتعاقد مع يوري سيمين. وقال أحد هؤلاء المديرين الفنيين الستة، وهو جوزيف سزابو، إنه كلما كان يواجه قراراً صعباً كان يسأل نفسه: «ما الذي كان سيفعله فاليري فاسيليوفيتش في هذا الموقف؟»، من المؤكد أن تخمين القرارات التي كان سيتخذها رجل أصبح الآن في عداد الأموات لا يعد طريقة جيدة لإدارة أندية كرة القدم - لا سيما أن عبقرية لوبانوفسكي كانت تتمثل في قدرته على التكيف.
ويمكن قول الشيء نفسه عن السير أليكس فيرغسون، رغم أنه ربما لم يكن بارعاً مثل كرويف في النواحي التكتيكية. لكن ما هي المعرفة السابقة التي كان من المفترض أن ينصت إليها سولسكاير، ذلك البطل العائد إلى ناديه وقت الحاجة؟ لقد تمكن سولسكاير من إنهاء الأجواء المسمومة التي كانت في النادي خلال الأيام الأخيرة لمورينيو، لكنه لم يتمكن من تحقيق أكثر من ذلك. وبينما يفكر مانشستر يونايتد في المدير الفني الدائم التالي، ربما يكون من المفيد أن يضع في الاعتبار حقيقة أن توخيل لم يكن لديه الحمض النووي لتشيلسي وأن المديرين الفنيين الثلاثة الذين قادوا تشيلسي للفوز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز لم يكن لأي منهم أي صلة أو علاقة سابقة بالنادي. وبالتالي، فمن غير الجيد اختيار المدير الفني الجديد لمجرد أن له علاقة سابقة بمانشستر يونايتد.
تولي رانغنيك تدريب يونايتد يعني التحول من فكرة «المنقذ» إلى الرؤية الحديثة
فكرة التعاقد مع مدرب كانت له صلة سابقة بالفريق لا تصلح لإدارة نادٍ... ربما باستثناء برشلونة
تولي رانغنيك تدريب يونايتد يعني التحول من فكرة «المنقذ» إلى الرؤية الحديثة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة