الكتاب الإيرانيون يحدّثون آثار أسلافهم الأدبية

سلسلة أعمال لأشهر الكتاب الكلاسيكيين بلغة بسيطة سلسة

صورة متخيلة لحافظ  وأخرى لجلال الدين الرومي
صورة متخيلة لحافظ وأخرى لجلال الدين الرومي
TT

الكتاب الإيرانيون يحدّثون آثار أسلافهم الأدبية

صورة متخيلة لحافظ  وأخرى لجلال الدين الرومي
صورة متخيلة لحافظ وأخرى لجلال الدين الرومي

حاول الكثير من محبي الثقافة الإيرانية وآدابها على مر العصور إعادة صياغة الآثار الكلاسيكية والنفيسة لهذه البلاد بأسلوب حديث وبذلوا الجهود من أجل بيان معانيها والكشف عنها بلغة بسيطة وواضحة وسلسة.
ومن بين هذه الأعمال مجموعة الآثار التي ألّفها حشمت الله رياضي الحائز على شهادة الدكتوراه في الفلسفة والعرفان والمؤلف والمترجم لـ52 كتابا. وقد كان دافع المؤلف إلی تأليف هذه الكتب أن يقدّم إلی أهل هذا العصر جواهر من العرفان والثقافة الإيرانية وآدابها القديمة، وخصوصا للشباب المتلهفين للانتفاع من هذا التراث النفيس.
ويرى مؤلف هذه الآثار أن الجيل الحاضر لا يمتلك الوقت الكافي لفهم كل تلك المواضيع، كما أنه لا يتمتع بالعلم بها، ومن جهة أخری، فإن كل تلك المواضيع ليست ضرورية له. وقد لوحظ أن معظم الباحثين يشترون تلك النصوص ويحتفظون بها في رفوف مكتباتهم ولا ينتفعون منها كما ينبغي. وبناء على ذلك، رأى المؤلف أن من الواجب عليه تأليف كتب مبسّطة وبلغة عصرية لا تضر بأصول القصص ومغازيها في نفس الوقت الذي يحافظ فيه على الأمانة في نقلها.
وهكذا فقد جمع المؤلف سلسلة كتبه تحت عنوان «قصص ورسائل» جمع فيها آثارا لعمالقة الأدب الإيراني. وهذه الآثار هي: «هفت أورنك» للجامي، «منطق الطير» للعطار، كتابا «كلستان» و«بوستان» لسعدي الشيرازي، مجموعة كتب نظامي الكنجوي، «أسرار نامه» و« مصيبة نامه» للعطار، و«المثنوي المعنوي» لمولانا جلال الدين.
وقد أبدى المؤلف في هذه المجموعة الأدبية تركيزا ودقة من نوع خاص بشأن معنى العرفان والقيم المعنوية الإيرانية والإسلامية. وهو لا يهتم كثيرا بالتفسير والشرح أو النظرة الأدبية البحتة، بل كانت غايته الكبيرة البحث في أعماق القيم المعنوية الإيرانية. الأهمية والجدية.
ويرى المؤلف أن كل إنسان ينمو كالغرسة في أرض الثقافة القومية والوطنية إلا أن البعض ولأسباب معروفة أو غير معروفة يتمتعون بإحساس ودافع ونزعة وإدراك خاص يميزهم عن الآخرين. والخصوصية الأکثر بروزا فيهم عدم تقبل كل التعاليم والعادات والتقاليد القومية واختيار طريق جديد وفكر حديث وسلوك عصري يتناسب مع حكم العقل ويبعث الطمأنينة لديهم. ولذلك فإن النزعة الباطنية والميل إلی القيم المعنوية القائمة على التجربة الروحية والمكاشفات والشهود الباطني لمكانة الإنسان في قلب هذه الحركة الفاعلة. وبناء على ذلك فإن في نصوص الإيرانيين الأدبية بواطن من التجربة المعنوية والمعرفية التي يتوجب إدراكها.
يوظف المؤلف في كتاب «قصص المثنوي ورسائلها» كل سعيه على أساس النظرة السابقة. فقد كتب الكراسات الست للمثنوي على أساس أن المثنوي كله هو بيان للإنسان الكامل ومعرفته، فإن تحدث عن الله والدعاء فإنه يتحدث في الحقيقة عن حقيقة الإنسان وحماسه وشوقه وعشقه. وبناء على ذلك فإن المؤلف وبدلا من أن يأتي بكل أشعار الكراس الأول المعروفة بـ«ني نامه» ويكتب شرحا لكل بيت، فقد جاء بأهم أشطار هذه الأشعار وأشهرها وقام بشرحها. وعلى سبيل المثال فقد ذكر لبيت الأول من شعر المثنوي وهو:
بشنو أز نِي جون حكايت مي كند أز جدايي ها شكايت مي كند
«استمع إلی الناي وهو يروي الحكايات ويشكو ألم الفراق».
وقدم التحليل التالي: «الناي هو ذلك الإنسان الواعي لذاته الذي عرف مكانته في هذا العالم وأدرك أنه كائن مثل الناي أجوف ومحتاج إليه يعلم أن روحه قد انفصلت عن الروح الكلية، أو المقصبة وحبست في قفص الجسم. ولذلك فإنه يتأوه ويبكي بسبب هذا الهجران ولا يطيق البقاء في هذا القفص ویرید أن یتحرر ولكن هذا الناي هو مولانا نفسه الذي ابتلي بالفراق عن وجوده الجامع وشيخه المرشد شمس التبريزي فإذا به يطلق عقيرته بالأنات والنواح».
وقد شرح المؤلف ما تبقى من أشعار المثنوي في قالب الحكايات بشكل مفصل وقام بدراستها. وسعى لأن لا يغفل ولو حكاية واحدة في هذه الكراسات الست وأن يتمكن المتلقي من فهم المثنوي كله.
كما تمكن الإشارة إلی كتاب «قصص نظامي ورسائلها». وقد تناول هذا الكتاب آثار نظامي المعروفة وهي مخزن الأسرار، خسرو وشيرين، ليلى ومجنون، هفت بيكر، إسكندر نامه وإقبال نامه وقام بدراسة هذه الآثار على أساس الأسلوب الذي طرح. وعلى سبيل المثال فقد طرح سبب نظم قصة ليلى ومجنون من خلال نقل الأشعار الأولى لهذا الأثر الأدبي وهو:
إي نام تو بهترين سر آغاز بي نام تو نامه كِي كنم باز
«يا من اسمك خير بداية للكلام، إني لي أن أفتتح كتابي دون ذكر اسمك». ويعد كتاب «قصص سعدي ورسائلها» من الآثار القيمة الأخری، إذ عمد المؤلف إلی شرح کتابي بوستان وكلستان لسعدي. ولا تخفى مكانة سعدي وأهميته. والمؤلف محق في قوله إنه «ليس هنالك من أحد نظم الشعر وتحدث في كل جوانب الشعر والنثر والعرفان والأخلاق والتربية كما فعل سعدي». ولذلك بدأ كتابه بتبيان أبواب كلستان الثمانية وسعى لأن يشرح ويبيّن حكايات سعدي وغيره من الكلاسيكيين العظام.
ومن الصعوبات التي واجهها المؤلف في تأليف هذه المجموعة بحث قصور الألفاظ في عرض الحالات الروحية اللامحدودة لمؤلفي هذه الآثار الكلاسيكية. ويمكننا أن نلاحظ هذه الحالة في كتاب «قصص العطار ورسائلها» الذي جاء في مجلدين ووردت الإشارة فيه إلی منطق الطير، أسرار نامه ومصيبة نامه.
وقد حاول المؤلف في هذا الأثر الإشارة إلی الجوانب الرمزية وخلق الشخصيات والرموز والأسرار العرفانية وسلوك العشق والحب لدى المولوي ضمن التعريف بالمكانة الرفيعة الأدبية والعرفانية لنظامي.
ويشير المؤلف في القسم الأول إلی كتاب منطق الطير ويقول على لسان الطيور: «يتحدث الشيخ العطار في البدء مع عدد من الطيور التي ترمز إلی الأرواح العلوية والمحلّقة والتي هي في الحقيقة صفاته هو نفسه. وهو يقدم أبطال هذا العرض القصصي للسير والسلوك مثل مخرج قدير الأبطال المتعدد والأسماء ولکنهم في الحقيقة شخص واحد وهي حقيقة الإنسان».
ولا يمكن غض النظر عن كتاب «هفت أورنگ» للجامي في تاريخ الأدب الفارسي وعدم اعتباره ضمن تركيبة المعرفة الإيرانية. ويهدف عبد الرحمان الجامي مؤلف كتاب «هفت أورنگ» إلی إبراز مكانة عدد السبعة في المعرفة والسبعة في الجنة.وقد حاول المؤلف في هذا الكتاب الذي حمل العنوان «قصص الجامي ورسائلها»، أن يشرح ويفصل «هفت أورنگ» للمتلقين. وهو يرى أن عبد الرحمان جامي كان مهجوراً وغريباً إلی حد كبير وبناء على ذلك فقد برز تحول الجامي الروحي بين تضاعيف هفت أورنگ. وقد قامت دار نشر «حقيقت» بطباعة هذه الآثار التي ألفها الدكتور حشمت الله رياضي، ووضعتها تحت تصرف المتلقين.
ولد حشمت الله رياضي عام 1936 في مدينة گرمسار. وحاز على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من كلية «الإلهيات» بجامعة طهران، وعمل في التدريس لخمسين عاماً في كل المراحل الدراسية الابتدائية والمتوسطة والعليا (في جامعات إعداد المعلمين، الزهراء، آزاد الإسلامية، پيام نور) في مجال تدريس الأدب والفلسفة والعرفان وعلم النفس.
ومن بين نشاطاته الأخری تأليف أو ترجمة نحو 52 كتاباً تمّ طبعها ونشرها في المجالات المذکورة أعلاه، كما كتب في مجلات مثل: «عرفان إيران»، «ميراث إيران»، آفتاب إيران» «آفتاب أسرار».وقد أسس منذ خمس سنوات «بيت مولانا» بالتعاون مع الدكتور روان فرهادي والدكتور مهدي ميكاني.

* خدمة: {الشرق ألأوسط}
{شرق بارسي}



«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب
TT

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه، وخصوصية الموروث الشعبي لدى المصريين، لكن المؤلف يتوقف بشكل خاص أمام العلاقة بين الشرق والغرب، ويقدم مقاربة جديدة لتلك العلاقة الملتبسة. ويعتمد المؤلف في تلك المقاربة على التقاط مواقف إنسانية بسيطة من الحياة اليومية لمصريين يعيشون بالولايات المتحدة وسط زحام الحياة اليومية، لكنها تنطوي على مواقف عميقة الدلالة من ناحية أثر الغربة روحياً على الأفراد، وكيف يمكن أن تكون الهجرة ذات أسباب قسرية. هكذا يجد القارئ نفسه يتابع وسط أحداث متلاحقة وإيقاع سريع مأساة تاجر الأقمشة الذي وقع أسيراً لأبنائه في الخارج، كما يجد نفسه فجأة في قلب مدينة كليفلاند بين عتاة المجرمين.

اتسمت قصص المجموعة بسلاسة السرد وبساطة اللغة وإتقان الحبكة المحكمة مع حس إنساني طاغٍ في تصوير الشخصيات، والكشف عن خفاياها النفسية، واحتياجاتها الروحانية العميقة، ليكتشف القارئ في النهاية أن حاجات البشر للحنو والتواصل هى نفسها مهما اختلفت الجغرافيا أو الثقافة.

ومن أجواء المجموعة القصصية نقرأ:

«كان الجو في شوارع مدينة لكنجستون بولاية كنتاكي ممطراً بارداً تهب فيه الرياح، قوية أحياناً ولعوباً أحياناً أخرى، فتعبث بفروع الأشجار الضخمة التي تعرت من أوراقها في فصل الخريف. هذه هي طبيعة الجو في هذه البلاد بنهاية الشتاء، تسمع رعد السحب الغاضبة في السماء وترى البرق يشق ظلمة الليل بلا هوادة، حيث ينسحب هذا الفصل متلكئاً ويعيش الناس تقلبات يومية شديدة يعلن عدم رضاه بالرحيل.

يستقبل الناس الربيع بحفاوة بالغة وهو يتسلل معلناً عن نفسه عبر أزهار اللوزيات وانبثاق الأوراق الخضراء الوليدة على فروع الأشجار الخشبية التي كانت بالأمس جافة جرداء، تحتفل بقدومه أفواج من الطيور المهاجرة وهي تقفز بين الأغصان وتملأ كل صباح بألحانها الشجية. وسط هذا المهرجان السنوي بينما كنت عائداً من عملي بالجامعة حيث تكون حركة السيارات بطيئة نسبياً شاهدت هناك على الرصيف المجاور رجلاً مسناً في عمر والدي له ملامح مصرية صميمة ويرتدي حلة من الصوف الأزرق المقلم ويلف رأسه بقبعة مصرية الهوية (كلبوش) وعلى وجهه نظارة سميكة. كان الرجل يسير بخطوات بطيئة وكأنه لا يريد الوصول، واضعاً يديه خلف ظهره مستغرقاً في التفكير العميق دون أن يهتم بمن حوله. من النادر أن ترى واحداً في هذه المدينة يسير على قدميه هكذا في طريق عام بهذه الطريقة وفي هذا الجو البارد. انحرفت بسيارتي إلى اليمين نحوه وعندما اقتربت منه أبطأت السير وناديته:

- السلام عليكم، تفضل معي يا حاج وسأوصلك إلى أي مكان ترغب.

اقترب الرجل مني أكثر ليدقق في ملامحي وانثنى قليلاً وهو ينظر إليّ وقال:

- أريد الذهاب إلى مصر، تقدر توصلني أم أن المشوار طويل؟».