المؤلفات الدينية تتراجع.. وإقبال شديد على الروايات والأدب الساخر

«معرض القاهرة الدولي للكتاب» يختتم «دورته الاستثنائية» الخامسة والأربعين

المؤلفات الدينية تتراجع.. وإقبال شديد على الروايات والأدب الساخر
TT

المؤلفات الدينية تتراجع.. وإقبال شديد على الروايات والأدب الساخر

المؤلفات الدينية تتراجع.. وإقبال شديد على الروايات والأدب الساخر

أنهى «معرض القاهرة الدولي للكتاب» دورة استثنائية في سجل دوراته. واستطاع المعرض خلال نحو أسبوعين أن يجتذب قطاعا كبيرا من الجمهور، توافدوا عليه رغم الظروف الأمنية المضطربة في البلاد. وأعلن الدكتور أحمد مجاهد، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب المنظمة للمعرض، أن الهيئة كانت طبعت ربع مليون تذكرة لجمهور المعرض، إلا أن هذه التذاكر نفدت قبل ثلاثة أيام من انتهاء المعرض نظرا للإقبال الشديد. وأضاف أنه قرر دخول الجمهور مجانا لحين طباعة تذاكر أخرى.
وذكر تقرير لهيئة الكتاب أن هذه الدورة الخامسة والأربعين، التي حلت فيها دولة الكويت ضيف شرف، شهدت أنشطة وفعاليات ثقافية وفنية بلغت 249 فعالية، جرى تنفيذ 239 منها، أي نسبة 96 في المائة وبمشاركة 759 متحدثا، بينهم كتاب وأدباء وشعراء وفنانون وسياسيون.
ولاحظت «الشرق الأوسط» في جولة لها بالمعرض تفاوتات كبيرة في عملية البيع بين دور النشر، فهناك كتب مهمة لم تجد من يشتريها، نظرا لارتفاع أسعارها، وموضوعاتها المتخصصة التي تعني فئة معينة من القراء. وهناك كتب تتمتع برواج شديد، وتندرج في سياق الثقافة العامة للقراء. كما أن أسعارها معقولة، تناسب الشريحة الأكبر من الجمهور.
عمر مجدي، (34 سنة)، القائم على مكتبة دار «نهضة مصر» بالمعرض، يقول معلقا على هذا التفاوت: «الأمر يرجع إلى حالة الكساد التي تشهدها الكتب الدينية التي لم تلق رواجا في أوساط رواد المعرض، على عكس السنوات السابقة، في كان الإقبال كثيفا جدا على الكتب الساخرة والروايات والكتب التي تتناول تاريخ جماعة الإخوان المسلمين المحظورة».
أقيم المعرض في الفترة من 22 يناير (كانون الثاني) حتى 6 فبراير (شباط) الحالي تحت شعار «الثقافة والهوية»، بمشاركة 24 دولة، منها 17 دولة عربية و7 دول أجنبية. وبلغ عدد الناشرين 755 ناشرا، منهم 27 ناشرا أجنبيا، و210 ناشرين عرب، و518 ناشرا مصريا.
وكان لافتا في دور العرض وجود أعداد كبيرة من الأطفال والنساء والشباب، معظمهم يمثل لهم المعرض نزهة ترويحية، حيث ضم برنامج المعرض عروضا مسرحية وسينمائية، وورشا للرسم وفنون الشارع، مما شكل عامل جذب وإغراء للكثير من الجمهور.
وفي نظرة أخرى على حركة البيع وأهم العناوين الجدية، يقول الشاب محمد جمال، مسؤول بإحدى المكتبات الخاصة: «هناك إقبال كثيف جدا هذا العام على الروايات، خاصة التي تحولت إلى مشاريع أفلام سينمائية، أو حصلت على جوائز أدبية شهيرة مثل (الفيل الأزرق) لأحمد مراد، و(تراب الماس) التي تجري معالجتها سينمائيا أيضا و(فيرتيغو) التي ترجمت لعدة لغات، ورواية (عزازيل) ليوسف زيدان».
ويضيف جمال: «الإقبال ملحوظ أيضا على الكتب الساخرة من الواقع السياسي والاجتماعي الحالي، وهو ما يفسر حالة اشتياق المصريين إلى البسمة من جديد، وعلى رأس هذه الكتب كتاب (انتحار حمار) لحسن مفتي، و(واحد حصانة وصلحه) لمحمد زكي و(زمن الغم الجميل) لعمر طاهر».
ويبدو أن المزاج العام لدى المصريين يتجه إلى البحث عن كل ما هو بعيد عن دائرة السياسة وهمومها ومشاكلها التي أرهقتهم على مدى ثلاث سنوات منذ ثورة الـ25 من يناير (كانون الثاني) 2011. كما أن إحجام الكثير عن الكتب الدينية له بعد نفسي واجتماعي كبير، كما تقول الدكتورة إيمان سرور أستاذ الطب النفسي وعلم الاجتماع، حيت ترى أن «إحجام القراء عن الكتب الدينية شيء طبيعي في الظروف الحالية، خاصة بعد الفتاوى التكفيرية وكثرة اللغط والكلام حول الدين، أيا كانت هوية المتحدث، كما أن الناس متدينة بطبعها، وتكره المزايدة والتعسف، ولا يريدون أن يفقدوا الثقة بأنفسهم وبأحلامهم في غد أفضل وحياة عادلة».
يضيف سرور: «أما اتجاه المصريين للكتب الساخرة، فهو غير جديد أو مستحدث، فالشعب المصري بطبعه يحب الضحك والتخفيف من وطأة الظروف وتحويلها إلى نكتة مضحكة».
ورغم تنوع عناوين الكتب في المعرض، انشغل قطاع كبير من الجمهور بالبحث عن الكتب التي تروي تاريخ جماعة الإخوان المسلمين «المحظورة» منذ نشأتها وحتى الآن، خاصة مؤسسها حسن البنا، وكيف تطورت هذه الجماعة، وكذلك البعد العنيف في مسيرتها كما ترويه الكتب. وهو ما يؤكده وائل محسن، مسؤول بإحدى دور النشر بقوله: «هناك إقبال كثيف على الكتب التي ترصد تاريخ الجماعة المحظورة وحكم الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، مثل: كتاب (لماذا سقط الإخوان) لخالد منتصر، و(سقوط الصمت) لعمار علي حسن، و(الإسلام السياسي من عام الجماعة إلى الحكم) للكاتب محمد الدمرداش، هذا بجانب إصدارات قديمة مثل (حسن البنا الذي لا يعرفه أحد) للكاتب حلمي النمنم، و(سر المعبد) لثروت الخرباوي وهو قيادي منشق عن (الإخوان)».



«فتنة الأطياف»... عن أفلام ومهرجانات ومجانين السينما

«فتنة الأطياف»... عن أفلام ومهرجانات ومجانين السينما
TT

«فتنة الأطياف»... عن أفلام ومهرجانات ومجانين السينما

«فتنة الأطياف»... عن أفلام ومهرجانات ومجانين السينما

عن «دار صفصافة» بالقاهرة (2025)، صدر حديثاً كتاب «فتنة الأطياف... أفلام ومهرجانات» للكاتب والروائي المصري سعد القرش، الذي جاء في تقديمه: وضعت البشرية ملامح الفنون: العمارة، والموسيقى، والرسم، والنحت، والشعر، والرقص. وبدلاً من الاستقرار والاطمئنان، هبّت عاصفة السينما، عصا موسى، فنّاً «يلقف» ثمار الفنون السابقة، ويضيف إليها. ويحتفظ الفن السابع لنفسه باسم يستعصي على الترجمة إلى اللغات. ظلَّت السينما «سينما»، كلمة واحدة دخلت اللغات كلها تقريباً، واستقرّت باعتبارها «سينما».

فتحت السينما لي، منذ الصبا، أبواباً على عوالم بلا ضفاف، وأضافت إلى عمري أعماراً، وأطلعتني على بعض السرّ، ورأيتُ اسمي ونسبي في شجرة عائلة يزيد أفرادها كلما صُنع فيلم يستحق المشاهدة، وظلت تثري روحي... متاهة تنافس «ألف ليلة وليلة» خيالاً ومتعة، منذ شاهدت عام 1980 فيلم «امرأة بلا قيد». كان يلائم أشواقي وفضولي لمعرفة هذا السحر. ثم قرأت رواية «الطريق» لنجيب محفوظ، وشاهدت معالجَتَيْن سينمائيتين واقعيتين دون المستوى الفلسفي للرواية. نجيب محفوظ هزم كلاً من حسام الدين مصطفى مخرج «الطريق»، وأشرف فهمي مخرج «وصمة عار». وبعد أن قرأت شابّاً رواية «ساعي البريد يدق الباب مرتين» نزّهتُ نجيب محفوظ عن اقتباس روح رواية جيمس كين. لكن صديقي الفلسطيني أحمد عمر شاهين، مترجم الرواية، عزّز الشك.

الفتى، الذي استجاب لنداهة السينما، رأى العالم بعيون المخرجين، واكتشف أن كل إبداع يؤدي إلى السينما، وأن لكل مبدع في السينما نصيباً أيّاً كان الفن الذي يجيده. وانجذب إلى أرباب الخيال. سوف يقابل يحيى حقي ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وأدونيس وسعدي يوسف ومحمود درويش والطيب صالح والهادي آدم، وكمال الشيخ وصلاح أبوسيف ويوسف شاهين، ويحضر لقاء حاشداً لمارتن سكورسيزي في مكتبة الإسكندرية. سيكتشف شيئاً غريباً: كيف فاته أن تجمعه صورة مع أي منهم؟ باستثناء نجيب محفوظ؛ فالأضواء تربكه، وهو مصاب بفوبيا الميكروفون، ويحسد جسورين يُفنون أعمارهم في إدمان الكاميرا.

الفتى الذي سحرته الأفلام أقرّ بهذا الأَسْر المختار، ولا يودّ الشفاء. وإذا اضطرّ إلى المشاهدة عبر شاشة أليفة، لا شاشة السينما، استعد بما يليق بجهد صناع هذه الأفلام؛ فلا يمتهنها، وإنما يجهز ما يشبه الخلوة، ويبدأ المشاهدة عادة بعد منتصف الليل، ولا يهمه متى ينتهي. حدث أن شاهد، أيام أشرطة الفيديو، فيلم «جسور ماديسون»، ولم يشبع من طيف ميريل ستريب؛ فأدار فيلماً يشاهده للمرة الأولى، عنوانه «الوقوع في الحب». اختار الفيلم الثاني على شرف السيدة ميريل، وكافأه الفيلم بوجود روبرت دي نيرو. وكانت الشمس قد أشرقت، ولا يستطيع النوم بعد جرعة مكثّفة، فبدأ يوماً جديداً بكامل نشاطه. في كل ليلة خلوة، أو صحبة، مع فيلم.

الفتى، الذي تسلل إلى السينما، وحيداً في صيف 1980. لم يخرج. غادر عتمة القاعة إلى شمس العيد، ومن الرصيف المقابل تأمّل واجهة دار العرض، وجموع الداخلين إلى الحفلة التالية، وتمنى الرجوع، وإعادة المشاهدة، لكن الفلوس لا تكفي. لم يعد هو نفسه قبل المغامرة، وقد استقر الطيف في لاوعيه، واستجاب إلى «الندّاهة».

خرجتُ من العتمة إلى نور العيد، وقد انتزعت حقي في التجربة. لم أفكر أن هذا السحر سيكون بساطاً يحملني، وأنتقل وراءه، إلى بلاد بعيدة، من الهند إلى هولندا.

في السينما، أجد نفسي، ويتأكد لي أنها هي أجمل «حقيقة» اهتدى إليها الإنسان في نهاية القرن التاسع عشر، ولا أتخيل القرن العشرين وما بعده من دون السينما، أروع خيال خلقه الإنسان وصدقناه. بين المشاهد وصناع الفيلم عقد غير مكتوب. ما نشاهده محض خيال، سحر أسهم في صنعه كاتب ومخرج وممثلون ومونتير ومهندس ديكور وموسيقي، وإتقان الخيال حتى درجة التلقائية يجعله أكثر واقعية وصدقاً وجمالاً من أي حقيقة يعبر عنها. الفيلم يوحي أنه حقيقة، هو «الحقيقة».