لبنان: ميقاتي يدعو للإقلاع عن التعطيل وفرض الشروط

التقى عون ودعا إلى حل الإشكالات في القضاء من دون تدخل سياسي

الرئيسان عون وميقاتي خلال اجتماعهما أمس (دالاتي ونهرا)
الرئيسان عون وميقاتي خلال اجتماعهما أمس (دالاتي ونهرا)
TT

لبنان: ميقاتي يدعو للإقلاع عن التعطيل وفرض الشروط

الرئيسان عون وميقاتي خلال اجتماعهما أمس (دالاتي ونهرا)
الرئيسان عون وميقاتي خلال اجتماعهما أمس (دالاتي ونهرا)

أعلن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أنه يتريث في الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء «على أمل أن يقتنع الجميع بإبعاده عن كل ما لا شأن له به»، داعيا إلى «الإقلاع عن سياسة التعطيل وفرض الشروط»، ومؤكدا على أن أي إشكالية تحل في القضاء من دون أي تدخّل سياسي، في إشارة إلى اعتراض «حزب الله» وحلفائه في الحكومة على المحقق العدلي في جريمة تفجير بيروت القاضي طارق البيطار، ومقاطعتهم جلسات الحكومة.
وزار ميقاتي امس رئيس الجمهورية ميشال عون، واكتفى بعد اللقاء بالقول: «الحكومة ماشية لكن مجلس الوزراء لا يجتمع»، وأكد في كلمة ألقاها لاحقاً في مقر رئاسة الحكومة أنه سعى ولا يزال للوصول إلى حل، ويدعم «أي خطوة تؤدي إلى تقريب وجهات النظر مراهنا على الحكمة والوعي لدى الجميع لدقة المرحلة وضرورة تكثيف العمل لإنجاز الملفات الأساسية لحل الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية»، مؤكدا: «ما نحن بصدده اليوم يظهر حجم الكارثة التي نحن فيها ووجوب الإقلاع عن سياسة التعطيل وفرض الشروط».
وأوضح: «منذ الثاني عشر من أكتوبر (تشرين الأول) الفائت، توقفت أعمال مجلس الوزراء، نتيجة معضلة دستورية قانونية مرتبطة بملف انفجار مرفأ بيروت، فيما يستمر العمل الحكومي بوتيرة متصاعدة ومكثفة، في سباق مع الوقت، لإنجاز الملفات المطلوبة ماليا واقتصاديا وخدماتيا واجتماعيا. وقد قطعنا في هذا المجال مرحلة متقدمة لا سيما في موضوع التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وحل معضلة الكهرباء، والملفات المرتبطة بواقع الإدارة، وفور معاودة جلسات مجلس الوزراء قريبا بإذن الله، سيتم عرض هذه الملفات وإقرارها».
وقال: «سمعت الكثير من الآراء والانتقادات وحتى المزايدات حول ما يجب فعله وما لا يجب فعله، وآثرت عدم الرد لعدم زيادة الشرخ، علّ المعنيين يقتنعون بأن لا حل إلا من ضمن المؤسسات، وأن لا حل يفرض بالتعطيل أو بقوة الأمر الواقع. من هنا كان قراري بالتريث في الدعوة مجددا إلى جلسة حكومية، على أمل أن يقتنع الجميع بإبعاد مجلس الوزراء عن كل ما لا شأن له به، خصوصا أننا كنا توافقنا على أن القضاء مستقل، وأن أي إشكالية تحل في القضاء ووفق أحكام الدستور، من دون أي تدخّل سياسي». وسأل: «ألم نتعظ جميعا من تجارب مماثلة كان التعطيل سلاحها وتسببت بخسارة كبرى دفع اللبنانيون جميعا أثمانها الباهظة ولا يزالون يدفعون، مع فارق أننا فقدنا إمكانات الصمود والقدرة على الرهان على الوقت، وأصبحنا في خضم أزمة لم يشهد لها لبنان مثيلا من قبل».
وأكد: «ولأننا كنا ولا نزال نراهن على الحس الوطني لكل المكوّنات اللبنانية، نجدد التأكيد اليوم أننا مستمرون في عملنا لإنجاز المهمات المطلوبة حكوميا ووزاريا، ولن نخيّب آمال اللبنانيين الذين ينشدون الخلاص من أزماتهم المتراكمة»، مضيفا: «إذا كان من حق بعض الناس أن تثور في الشارع وتغضب، فليس مسموحا لكل من شارك ويشارك في السلطة بكل مكوناتها، أن يتنصل اليوم من المسؤولية ويرمي بها على من ارتضى حمل كرة النار لإنقاذ الوطن».
وتوجه إلى المعنيين بالقول: «فلنختصر الطريق ونعود للاجتماع معا على طاولة مجلس الوزراء متعاونين مع المجلس النيابي الكريم لإنجاز ما هو مطلوب منا، ونكون على قدر المسؤولية الوطنية والشعبية الملقاة على عاتقنا». وختم بالقول: «معا للإنقاذ شعار نؤمن به قولا وفعلا وننتظر من الجميع ملاقاتنا لترجمته من أجل مصلحة لبنان واللبنانيين».
ويأتي كلام ميقاتي بعد أكثر من شهر ونصف الشهر على تعليق جلسات الحكومة على خلفية الخلاف على التحقيق في انفجار مرفأ بيروت ومطالبة الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) بإقالة المحقق العدلي طارق البيطار وما نتج عن هذا الأمر من اشتباكات مسلحة في منطقة الطيونة أدت إلى سقوط قتلى وجرحى، لتظهر بعدها الأزمة الديبلوماسية نتيجة التصريحات المسيئة التي أدلى بها وزير الإعلام جورج قرداحي بحق دول الخليج العربي ورفضه الاستقالة من الحكومة.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.