تقوم الولايات المتحدة حالياً ببناء تحالف قوي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ليكون بمثابة دفاع متقدم ضد الصين، وإبقاء المنطقة مفتوحة أمام التجارة. يقول الدكتور مقتدر خان، الأستاذ بقسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة ديلاوير، إن الحوار الأمني الرباعي، وهو حوار استراتيجي غير رسمي يضم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، يمثل تحالفاً هائلاً، إذ يضم قوتين نوويتين (أميركا والهند)، و3 من أقوى 5 جيوش في العالم، و3 من أكبر 6 اقتصادات في العالم، وناتجاً محلياً إجمالياً بأكثر من 30 تريليون دولار، أي أكثر من ضعف ناتج الصين. ويرى أنه إذا صمد التحالف فإنه لن يمنع الصين فحسب من السيطرة على منطقة الجوار (جنوب وشرق آسيا)، بل ربما ينجح أيضاً في احتواء بكين وكبح جماحها.
وتدرك الهند والولايات المتحدة المزايا الاستراتيجية والفوائد الاقتصادية للشراكة الوثيقة بين البلدين؛ فبالنسبة للهند، يمكن أن يكون التحالف العسكري مع أميركا طوق نجاة في ظل موقف الصين الإقليمي متزايد القوة، الذي أسفر بالفعل عن مناوشات عسكرية في عامي 2017 و2020. وبالنسبة لأميركا، تكسب واشنطن حليفاً نووياً، وشريكاً تجارياً واقتصادياً صاعداً، وملتزماً بنفس القدر بضمان عدم هيمنة الصين على منطقة المحيطين. وفي حين أن اليابان وأستراليا حليفتان لأميركا منذ عقود، فإن الهند، العضو الرابع في الحوار الرباعي، عضو جديد في نادي الدول التي يمكنها الادعاء بأنها حليفة لواشنطن. وبالنسبة للولايات المتحدة، تظل الهند ورقة رئيسية في المعادلة، لكن هناك علامات استفهام تتعلق بجدوى الاعتماد عليها كحليف في هذا الإطار. ويقول خان، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية، كما اقتبست منه الوكالة الألمانية، إن الهند بدأت في تلقي منظومة الدفاع الجوي الصاروخية الروسية «إس 400»، رغم المخاطرة بتعرضها لعقوبات من حليفتها وشريكها التجاري، الولايات المتحدة. ويشير خان إلى احتمال أن تجد الولايات المتحدة سبيلاً للالتفاف على ذلك من أجل الحفاظ على علاقات طيبة مع الهند. وبالفعل، يضغط عضوا مجلس الشيوخ الأميركي، الجمهوري جون كورنين، والديمقراطي مارك وورنر، على الرئيس جو بايدن، لإيجاد استثناء بدافع الأمن القومي. ومع ذلك، عندما اتبعت تركيا نفس المسار العام الماضي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على حليفتها في حلف شمال الأطلسي (ناتو).
لكن الهند حليف مثير للمشكلات، بحسب خان، فهي حليف لا يمكنه فقط تفكيك التحالف، بل أكثر من ذلك، تقويض سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين. ويشير إلى تكتيكات الهند في شراء منظومة «إس 400»، وهي في حدّ ذاتها إشارة إلى أن الهند مستعدة للإضرار بشراكتها النامية مع الولايات المتحدة. وعلى النقيض من ذلك، يمكن النظر إلى قرار أستراليا، الشريك الآخر في الحوار الرباعي، والتي خاطرت بغضب فرنسا بشرائها غواصات نووية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وعززت هذه الخطوة القدرات العسكرية الأسترالية والروابط التي تربط كانبرا بالولايات المتحدة. ويشير قرار الهند بشراء «إس 400» إلى أنها ليست على نفس قدر أستراليا كحليف للولايات المتحدة، وفقاً لما يقوله خان.
ويرى خان أن الهند مترددة في أن تصبح متصلة بالكامل بأنظمة الدفاع الأميركية، كما أن الديمقراطية في الهند معرضة لخطر مزيد من التراجع، حيث إن القومية الهندوسية تقوض مؤهلات الهند العلمانية والديمقراطية. ويقول إن القوميين الهندوس على طريق الحرب ضد دستور الهند والأقليات من سكانها. ويتساءل؛ كيف يمكن لدولة تحارب نفسها أن تكون حليفاً جيداً في حرب القوى العظمى؟
ووضع القوميون الهندوس، بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، قوانين وسياسات تستهدف المسلمين الهنود، والهدف واضح؛ تهميشهم سياسياً وجعلهم غير مرئيين ثقافياً، وذلك منذ وصول الهندوس إلى مقاليد السلطة للمرة الثانية في عام 2019. وأصبحت حياة المسلمين وممتلكاتهم ووظائفهم في خطر، كما أصبحوا المنبوذين الجدد في الهند. ويبلغ عدد المسلمين الهنود نحو 200 مليون نسمة، ويتطلب قمعهم موارد هائلة من الدولة. ولكن قبل كل شيء، يبعد ذلك الهند أكثر فأكثر عن الديمقراطية. ويقول خان إنه إذا واصلت الديمقراطية الهندية دوامة الهبوط، فإن الحوار الرباعي لن يكون ديمقراطياً، وسوف تكافح الولايات المتحدة لتبرير شراكتها مع الهند.
ويضيف أنه إذا أصرت الولايات المتحدة على طرح «المنافسة» بينها وبين الصين من زاوية الاستبداد مقابل الديمقراطية، فلن يمكنها تجاهل تراجع الديمقراطية في الداخل أو في الدول المتحالفة. وكما يسعى الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إعادة بناء الديمقراطية في الداخل، فلا بد أن يصرّ أيضاً على أن تعود الهند إلى جوهرها الدستوري المتمثل في الديمقراطية العلمانية. ويرى أن «الهند غير الديمقراطية» سوف تقوض الأساس الأخلاقي للاستراتيجية عبر المحيطين الهندي والهادئ. ويقول أيضاً إن أميركا والهند بحاجة إلى إجراء محادثات جادة بشأن احتواء القومية الهندوسية، التي تشكل تهديداً كبيراً لاستدامة الحوار الرباعي واستراتيجية الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. كما لفت إلى أن السياسة الخارجية الأميركية لها تاريخ طويل من النفاق، مشيراً إلى أن واشنطن زعمت على مدار عقود أن تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان عنصران رئيسيان في سياستها الخارجية.
هل الهند ركيزة أم عائق أمام استراتيجية واشنطن في المحيطين الهندي والهادئ؟
هل الهند ركيزة أم عائق أمام استراتيجية واشنطن في المحيطين الهندي والهادئ؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة