وقاية.. من دون لقاح

وسائل متطورة لنقل جينات صناعية بهدف درء الأمراض قد لا تحظى بشعبية

وقاية.. من دون لقاح
TT

وقاية.. من دون لقاح

وقاية.. من دون لقاح

أعلن فريق من العلماء أخيرا ما قد يتبين أنه خطوة هائلة نحو الأمام في مقاومة فيروس نقص المناعة. وقال العلماء في معهد «سكريبس» للأبحاث، إنهم توصلوا إلى عمل جسم مضاد صناعي، يستطيع الإمساك بالفيروس ومنع نشاطه بمجرد دخوله إلى مجرى الدم. كذلك يستطيع الجزيء القضاء على فيروس نقص المناعة لدى قرود مصابة به وحمايتها من إصابتها بأي عدوى في المستقبل.
مع ذلك، لا يعد هذا العلاج لقاحا بالمعنى المتعارف عليه، حيث يعيد العلماء تشكيل أجسام القردة بحيث تتمكن من مقاومة المرض من خلال زرع جينات صناعية داخل عضلاتها. ولا يختبر الباحثون هذه الطريقة الجديدة في مقاومة فيروس نقص المناعة فحسب، بل وأيضا في مقاومة الإيبولا، والملاريا، والإنفلونزا والالتهاب الكبدي الوبائي. وقال مايكل فارزان، المتخصص في علم المناعة في معهد «سكريبس» والمؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة: «لا حدود للأمر».

* نقل الجينات
* ويحدو فارزان وعلماء آخرين الأمل في أن تنجح هذه الطريقة في الوقاية لفترة طويلة من الأمراض التي أخفقت اللقاحات في الوقاية منها. ومن المقرر إجراء أول تجربة على البشر استنادا إلى تلك الاستراتيجية، التي تسمى «الوقاية عن طريق نقل الجينات» called immunoprophylaxis by gene transfer، or IGT، قريبًا، وكذلك من المخطط القيام بعدة تجارب جديدة. وقال الدكتور غاري نابل، كبير العلماء في شركة «سانوفي» التي تعمل في مجال الأدوية وتنتج مجموعة متنوعة من اللقاحات: «قد يمثل هذا ثورة في طريقة الحماية من الأخطار التي تهدد الصحة في المستقبل».
ولم يتضح بعد ما إذا كانت طريقة الوقاية عن طريق نقل الجينات ستنجح أم لا. ويحتاج الباحثون إلى قياس مدى أمان وفاعلية الطريقة بين البشر. وقد يثير احتمال أن يقاوم البشر الأمراض المعدية بعد تعديلهم وراثيا، قلق المرضى. وقال الدكتور ديفيد بالتيمور، الحائز على جائزة نوبل والمتخصص في الفيروسات في «معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا» الذي يختبر الطريقة على عدد من الأمراض: «الواقع هو أننا نتعامل مع موضوع حساس، لذا سيتطلب الأمر بعض التفسير» للجمهور.
تحفز اللقاحات التقليدية جهاز المناعة على تعلم كيفية إنتاج أجسام مضادة من خلال تقديم تلك اللقاحات لمسببات أمراض إما ضعيفة أو ميتة، أو حتى بعض جزيئاتها. وتفرز خلايا الجهاز المناعي مجموعة متنوعة من الأجسام المضادة، بعضها يستطيع مقاومة تلك الأمراض. وفي بعض الحالات، تنجح تلك الأجسام المضادة في عمل دفاعات قوية. ويمكن أن تنجح اللقاحات الواقية من أمراض مثل الجدري، والحصبة، في توفير حماية شبه كاملة، في حين لا تستطيع اللقاحات التقليدية إنتاج أجسام مضادة فعّالة في مقاومة أمراض أخرى. أما فيروس نقص المناعة على سبيل المثال فيتخذ أشكالا متعددة بحيث إذا نجح لقاح واحد في الوقاية من أحدها، فلن ينجح في الوقاية من الآخر.

* جينات صناعية
* وتختلف الوقاية عن طريق نقل الجينات تمامًا عن اللقاحات التقليدية، فهي نوع من أنواع العلاج الوراثي، حيث فصل العلماء الجينات التي تنتج أجساما مضادة قوية لمقاومة أمراض محددة، ثم صنعوا نسخًا صناعية منها. وتم وضع الجينات في فيروسات، وحقنها في نسيج بشري عادة ما يكون نسيجا عضليا. تغزو الفيروسات الخلايا البشرية بما تحمله من حمض نووي، ويتم حقن الحمض النووي للمتلقي بالجين الصناعي. وإذا سارت الأمور على ما يرام، فستوجه الجينات الجديدة الخلايا نحو بدء إنتاج أجسام مضادة قوية.
وجاءت فكرة الوقاية عن طريق نقل الجينات أثناء محاولات مقاومة فيروس نقص المناعة. وتبين أن بعض الأجسام المضادة لفيروس نقص المناعة لدى بعض الناس قوية إلى حد كبير جدا. ويمكن أن تلتصق الأجسام المضادة المثبطة بكثير من سلالات الفيروس وتمنعها من إصابة خلايا جديدة.
خطرت للدكتور فيليب جونسون، المتخصص في الفيروسات بجامعة «بنسلفانيا»، فكرة؛ حيث تساءل لماذا لا يحاول لصق الأجسام المضادة المثبطة لدى الجميع. في ذلك الوقت، كان جونسون وباحثون آخرون يطبقون طريقة علاج بالجينات لأمراض مثل الهيموفيليا، أو نزف الدم الوراثي. واكتشف الباحثون كيفية تحميل الجينات على الفيروسات وإقناعها بغزو الخلايا؛ وخطر على بال جونسون أنه قادر على استخدام هذه الاستراتيجية في تعريف الجين بجسم مضاد قوي داخل خلايا المريض. وبعد أن تبدأ الخلايا في إنتاج أجسام مضادة، يتم حقن المريض بلقاح واق من المرض. ومثلت الفكرة توجها ثوريا جديدا في طريقة العلاج بالجينات. وحتى ذلك الحين، كان الباحثون يركزون على علاج الأمراض الوراثية من خلال تقديم نسخ فاعلة من جينات معيبة.
وعلى صعيد آخر، فإن من شأن الوقاية عن طريق نقل الجينات حماية الأصحاء من الإصابة بالأمراض المعدية.
ولا يعد نجاح هذه الطريقة مضمونًا، فأفضل فيروس حصل عليه جونسون لتوصيل الجينات لم ينجح سوى في غزو الخلايا العضلية، التي لا تفرز أجساما مضادة بطبيعتها.
لكن في عام 2009، أعلن جونسون وزملاؤه نجاح الطريقة. وخلال تجربتهم، سعوا إلى حماية قردة من الإصابة بفيروس نقص المناعة الذي يصيب القردة وهو المقابل لفيروس نقص المناعة لدى الإنسان. واستخدموا فيروسات لحقن جينات قوية داخل عضلات القردة أملا في إنتاج أجسام مضادة لفيروس نقص المناعة لديهم. وقاموا بعد ذلك بحقن القردة بفيروس نقص المناعة، وأفرزت القردة في عضلاتها ما يكفي من الأجسام المضادة لمقاومة مرض نقص المناعة بحسب ما اكتشف العلماء. من دون هذه الطريقة، كان مصير تلك القردة سيكون هو الموت.

* طريقة واعدة
* وأقنعت دراسة جونسون فارزان بأن تلك الطريقة واعدة للغاية، حيث قال: «بدأت أتقبل الفكرة». وبدأ فارزان وزملاؤه تعديل الأجسام المضادة لفيروس نقص المناعة من أجل التوصل إلى أنظمة دفاعية أقوى ضد الفيروس.
من جهة أخرى، في عام 2011، أوضح بالتيمور وزملاؤه أن الأجسام المضادة، التي يتم توصيلها إلى الخلايا مع الفيروسات، قادرة على حماية الفئران من فيروس نقص المناعة الذي تم حقنها به، وأشاروا إلى أن طريقة الوقاية بنقل الجينات قادرة على حماية الناس من فيروس نقص المناعة المنقول عن طريق الإبر الملوثة. مع ذلك، تحدث أكثر الإصابات بفيروس نقص المناعة عن طريق العلاقة الجنسية. لذا حقن بالتيمور وزملاؤه فئرانا إناثا بالفيروس عبر أنسجة الرحم. وذكروا العام الماضي أن تلك الطريقة ساعدت في حماية الفئران من الإصابة بالمرض من خلال العلاقة الجنسية.
وقال بالتيمور: «نحن نخدع جهاز المناعة، بدلا من محاولة تحفيزه. ما نفعله يختلف كليا عن الحقن باللقاح، رغم أن النتيجة النهائية مماثلة».
وأذهلت نتائج بالتيمور غاري كيتنر، عالم الأحياء الدقيقة في كلية الصحة العامة في جامعة «جونز هوبكنز بلومبيرغ»، وتساءل عما إذا كانت طريقة الوقاية بنقل الجينات قادرة على مقاومة مرض خطير آخر راوغ اللقاحات، وهو مرض الملاريا. واكتشف كل من كيتنر، وبالتيمور، وزملاؤهم جسما مضادا قويا ضد الملاريا، واستخدموا فيروسا في توصيل الجين من أجل إدخاله في أجسام الفئران. وذكروا خلال شهر أغسطس (آب) الماضي أنه عندما أصيبت الفئران بعضات ناموس حامل للملاريا، كان 80 في المائة منها محصنا ضد المرض. وقال كيتنر: «هذا لأمر مشجع، وجيد كأول تجربة لطريقة لم تثبت فاعليتها بعد؛ لكن ينبغي أن يتحسن الوضع». ويبحث كيتنر حاليا عن أجسام مضادة أفضل تستطيع توفير حماية أكبر بجرعات أصغر. وتشير تلك التجارب إلى أن الأجسام المضادة، التي يتم إنتاجها باستخدام تلك الطريقة، يمكن أن تساعد في الوقاية من الأمراض التي فشلت اللقاحات في الوقاية منها لعقود. وتشير دراسات أخرى إلى أن تلك الطريقة قد تساعد في الوقاية من الأمراض التي تظهر بشكل مفاجئ في المستقبل.
وبحث دكتور جيمس ويلسون، المتخصص في علم مسببات الأمراض في جامعة «بنسلفانيا»، وزملاؤه في إمكانية علاج التليف الكيسي باستخدام الجينات من خلال زراعة جينات داخل الخلايا التي تبطن الممرات الهوائية في جسم المريض. وخطر بباله أن كثيرا من الفيروسات سريعة الانتشار، مثل فيروسي الإنفلونزا و«سارس»، تهاجم الخلايا نفسها. وفي عام 2013، ذكر ويلسون وزملاؤه أن الفيروسات، التي تحمل جينات الأجسام المضادة إلى خلايا الممرات الهوائية، قادرة على تمكين الفئران، وفصائل النمس، من مقاومة مجموعة متنوعة من سلالات فيروس الإنفلونزا.
ومنذ ذلك الحين، يختبر هو وزملاؤه طريقة الوقاية من خلال نقل الجينات في مقاومة أنواع أخرى من الفيروسات التي تتسبب في الظهور المفاجئ لأمراض مهلكة من بينها الإيبولا. وتعاون ويلسون وزملاؤه مع شركة «ماب بيوفارماسيوتيكال»، التي صنعت جسما مضادا لمقاومة الإيبولا يسمى «زد ماب». وصنع العلماء جينا من أجل الجسم المضاد «زد ماب»، وحقنوه داخل عضلات فأر. ولا تزال التجارب في مراحلها المبكرة، لكن ويلسون يقول: «لدينا بيانات مشجعة». أما بالنسبة إلى جونسون، فكان ازدياد الاهتمام بطريقة الوقاية من خلال الجينات يبعث على الشعور بالرضا، حيث قال: «لقد بدأت الطريقة تلقى رواجا، لكنها بالتأكيد لم تصبح سائدة».
ومن المرجح أن هذا الوضع سيتغير عما قريب؛ ففي فبراير (شباط) الماضي، بدأ جونسون أول اختبار عملي لهذه الطريقة على البشر. وحقن فريقه جينات جسم مضاد لفيروس نقص المناعة داخل عضلات المتطوعين لمعرفة ما إذا كان العلاج آمنا أم لا. ويتوقع الباحثون الانتهاء من جمع النتائج بحلول الربيع. وأوضح جونسون قائلا: «نحن متفائلون ويغمرنا الأمل».
على الجانب الآخر، يتعاون بالتيمور مع المعاهد القومية للصحة لبدء تجربة مشابهة في عمل فيروس معدل جينيًا لمقاومة فيروس نقص المناعة. ويستعد ويلسون لتجربة هذه الطريقة في مقاومة الإنفلونزا في وقت لاحق من العام الحالي.
مع ذلك، لا يوجد ما يؤكد أن نجاح التجارب على الحيوانات يعني نجاحها على البشر. وقال دكتور رونالد كريستال، رئيس قسم الطب الوراثي في كلية الطب بجامعة «كورنيل»: «البشر ليسوا فئرانا كبيرة».
وقد تهاجم أجهزة المناعة لدى البشر الأجسام المضادة الصناعية، أو الفيروسات التي تحملها، وهو ما يقوض قدراتها الوقائية. وقد تفرز الخلايا العضلية أجساما مضادة أكثر من اللازم لعدم تمتعها بقدرة على التنظيم مثل تلك التي تتمتع بها خلايا الجهاز المناعي.
ورغم القلق بشأن هذه الطريقة، فإن نابل يقول إنه لا يزال متفائلا. وأضاف قائلا: «هناك مخاوف تتعلق بالسلامة يجب التعامل معها، لكن هناك طرق منطقية للقيام بذلك». ولا يتوقع المتخصصون في أخلاقيات علم الأحياء عقبات أخلاقية تعرقل تقدم هذه الطريقة لأنها تقوم على العلاج بالجينات الذي ظهر منذ أكثر من 30 عاما. وقال جوناثان كيميلمان، الأستاذ المساعد بجامعة «ماغيل»: «لا تفاجئني تلك الطريقة، فهي ليست ثورية». مع ذلك، يقول بالتيمور إنه يتوقع ألا يثق بعض الناس في استراتيجية للحقن بلقاح قد تتطلب تعديل الحمض النووي الخاص بهم، حتى إن كانت تقيهم من مرض مميت محتمل. وأوضح قائلا: «مع ذلك، أشعر بصفتي عالما أن مسؤوليتنا هي إجراء تجارب على الأشياء التي نشعر أنها ستحدث فارقًا كبيرًا».
* خدمة «نيويورك تايمز»



5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025
TT

5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

2025

كان هذا العام مهماً جداً لقضايا المناخ، حيث تميز ببعض الانتصارات الكبرى.

سياسات المناخ تهدد حقوق الإنسان

وعلى سبيل المثال قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في أبريل (نيسان) الماضي، بأن سياسات المناخ الضعيفة في سويسرا تهدد حقوق الإنسان لمواطنيها، ما مهد الطريق لدعاوى قضائية مماثلة فيما يقرب من 50 دولة أخرى.

وحديثاً، دعمت المحكمة العليا في مونتانا بالولايات المتحدة 16 ناشطاً من نشطاء المناخ الشباب في دعواهم القضائية ضد الدولة لانتهاك حقهم في بيئة نظيفة.

ولكن كانت هناك أيضاً بعض الخسائر الكبيرة، مثل جهود شركة «شل» الناجحة للتملص من قاعدة تلزمها بخفض انبعاثات الكربون بشكل كبير.

قضايا المناخ أمام المحاكم

ماذا سيجلب عام 2025؟ فيما يلي حفنة من القضايا المهمة التي قد تكون على جدول الأعمال:

القضية الأولى قد تشكل قواعد المناخ الدولية. إذ تنظر محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، التي تسمى أحياناً «محكمة العالم»، في قضية المناخ التي قد يكون لها أكبر تأثير محتمل. وفي قلب هذه القضية التاريخية سؤالان رئيسان: ما الواجبات التي تقع على عاتق الدول لمكافحة تغير المناخ؟ وما العواقب القانونية التي يجب أن تترتب على الدول إذا خانت هذه الواجبات بطريقة تضر بالمناخ؟

لن يكون رأي المحكمة بشأن هذه القضايا ملزماً قانوناً، ولكنه قد يشكل قواعد القانون الدولي ويمهد الطريق لمقاضاة كبرى الجهات المساهمة في الانبعاثات لدورها في تفاقم أزمة المناخ.

رفعت القضية دولة فانواتو في المحيط الهادئ، وهي أكبر قضية للمحكمة على الإطلاق. وعلى مدى أسبوعين في نهاية عام 2024، استمعت اللجنة المكونة من 15 عضواً إلى شهادات مما يقرب من 100 دولة والعديد من الخبراء والجماعات المناصرة الذين يجادلون لصالح وضد القواعد الدولية الجديدة لمحاسبة كبرى الجهات المساهمة في الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري العالمي.

الدول الفقيرة تقاضي الغنية

ويدعي عدد من الدول الفقيرة والجزر الصغيرة أن الدول الغنية مسؤولة عن معظم انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، ومع ذلك فإن الدول النامية، التي تنتج انبعاثات منخفضة نسبياً، هي التي تخضع لأشد العواقب تطرفاً، وحتى وجودية. وتقول إن إطار تغير المناخ الحالي -أي اتفاق باريس- يعتمد على التزامات طوعية يصعب فرضها، وأن هناك حاجة إلى قواعد دولية أكثر صرامة وملزمة قانوناً لمعالجة التهديد المتزايد المتمثل في ارتفاع درجات الحرارة.

وزعمت الدول الغنية، بما في ذلك الدول الملوثة الرئيسة مثل الولايات المتحدة والصين وأستراليا، العكس من ذلك، وأصرت على أن القواعد الحالية كافية. ومن المتوقع أن تصدر المحكمة رأيها الاستشاري في عام 2025. وقال الدكتور دلتا ميرنر، العالم الرائد في مركز العلوم لقضايا المناخ في اتحاد العلماء المعنيين: «إنها (المحكمة) لديها القدرة على إعادة تشكيل حوكمة المناخ الدولية من خلال تقديم إرشادات واضحة وموثوقة بشأن التزامات الدول بموجب القانون الحالي».

قضية لولايات أميركية مناهضة للبيئة

القضية الثانية تهدد الاستثمار البيئي والاجتماعي المتوازن والحوكمة. في قضية «ولاية تكساس ضد شركة (بلاك روك)»، أقامت دعوى قضائية على بعض أكبر مديري الأموال في العالم من قبل 11 ولاية يقودها الجمهوريون بتهمة التآمر لخفض إنتاج الفحم العالمي والترويج لـ«أجندة بيئية مسيسة».

تستهدف الدعوى القضائية، التي تم رفعها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، شركات الاستثمار «بلاك روك»، و«ستيت ستريت كوربوريشن»، و«فانغارد غروب»، ويقودها المدعي العام لولاية تكساس كين باكستون، الذي قال إن الشركات «شكلت كارتلاً للتلاعب بسوق الفحم، وتقليل إمدادات الطاقة بشكل مصطنع، ورفع الأسعار»، كل ذلك في محاولة لتعزيز أهداف خفض انبعاثات الكربون.

في الواقع، تستهدف القضية ما يسمى استراتيجيات الاستثمار البيئي والاجتماعي والحوكمة. شاركت المجموعات الاستثمارية الثلاث في مبادرات للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي والوصول إلى الصفر الصافي بحلول عام 2050.

وقد وصف المحافظون مثل هذه الجهود بأنها «رأسمالية متيقّظة» وشنوا حرباً باستخدام قوانين مكافحة الاحتكار، وهو سلاحهم المفضل. وتتولى محكمة الاستئناف بالدائرة الخامسة، التي تضم عدداً كبيراً من القضاة الذين عينهم الرئيس الجديد دونالد ترمب، النظر في القضية، ويُنظر إليها باعتبارها «قوة محافظة للغاية». وقد تؤثر النتيجة على كيفية إدارة الأموال ومستقبل الاستثمار المراعي للمناخ.

قضية ضد مرافق تجهيز الطاقة

القضية الثالثة قد تكلف مزودي الطاقة الكثير من المال. إذ تتولى بلدة كاربورو الصغيرة في ولاية كارولينا الشمالية دعوى قضائية ضد شركة «ديوك إنرجي»، حيث تقاضي الشركة بتهمة إخفاء المخاطر المناخية المرتبطة بحرق الوقود الأحفوري عن صناع السياسات والجمهور. وتقول الدعوى: «لقد أدت حملة الخداع التي شنتها (ديوك) إلى تأخير التحول الحاسم بعيداً عن الوقود الأحفوري وبالتالي تفاقم أزمة المناخ بشكل ملموس».

إن قضية بلدة كاربورو ضد شركة «ديوك إنرجي» مثيرة للاهتمام لأنها تستهدف شركة مرافق بدلاً من شركة نفط، حيث يتزايد الضغط على شركات المرافق لتتولى زمام المبادرة في التحول في مجال الطاقة.

لا تهدف كاربورو إلى الحد من انبعاثات «ديوك» رغم أن هذا سيكون ممتازاً أيضاً، إذ ووفقاً لمؤشر التلوث المسبب للاحتباس الحراري Greenhouse 100 Polluters Index، تحتل «ديوك» المرتبة الثالثة في قائمة أكبر الشركات المسببة للانبعاثات في أميركا.

ويؤدي «تحميل الشركة (المسؤولية) إلى الحصول على تعويض للمساعدة في دفع ثمن الأضرار الناجمة عن تغير المناخ، مثل إصلاحات البنية التحتية وتحسيناتها لجعل المدينة أكثر قابلية للسكن ومرونة في مواجهة الطقس القاسي. لا أحد يعرف كم ستدفع شركة (ديوك)، لكن نحن نعلم أن المدينة قد تحصل على ما يصل إلى 60 مليون دولار كتعويضات في السنوات المقبلة»، كما قالت رئيسة بلدية كاربورو باربرا فوشي. وكانت الدعاوى القضائية التي تستند إلى مطالبات مماثلة تتزايد منذ عام 2017، لكن لم يتم تقديم أي منها للمحاكمة بعد.

مشاريع سكك حديدية تهدد البيئة

القضية الرابعة مهددة للبيئة، إذ قد تسهل الحصول على موافقة لإنشاء بنية تحتية كارثية من الناحية البيئية.

كانت المحكمة العليا تستمع إلى حجج حول ما إذا كان خط السكة الحديد المقترح بطول 88 ميلاً في ولاية يوتا الأميركية يمكن أن يمضي قدماً رغم تأثيراته البيئية المحتملة.

سينقل خط القطار هذا كميات كبيرة من النفط إلى ساحل الخليج، لكن بناءه كان معلقاً منذ أن قالت محكمة الاستئناف في الأساس إن الجهات التنظيمية لم تأخذ في الاعتبار التأثيرات المناخية والبيئية للمشروع في المنبع أو في المصب الناجمة عن زيادة حركة السكك الحديدية -جوانب مثل الانسكابات النفطية المحتملة، وخروج القطارات عن مسارها، وحرائق الغابات.

وبموجب قانون السياسة البيئية الوطنية (NEPA) القائم منذ فترة طويلة، يتعين على الوكالات الفيدرالية إجراء تقييمات بيئية لمشاريع البنية التحتية مثل هذه، ولكن قد تقرر المحكمة العليا أن التأثيرات البيئية المباشرة للمشروع نفسه فقط -في هذه الحالة، جوانب مثل استخدام الأراضي وجودة المياه- يجب أن تؤخذ في الاعتبار للموافقة على المشروع.

تهديد معايير الهواء النقي في كاليفورنيا

القضية الخامسة هي القرار الذي قد يضع معايير الهواء النظيف في كاليفورنيا في مرمى النيران. إذ ستدرس المحكمة العليا ما إذا كانت مجموعات الأعمال (شركات الوقود الأحفوري) يمكنها الطعن في برنامج الإعفاء الذي يسمح لكاليفورنيا بوضع قواعدها الخاصة بشأن انبعاثات المركبات.

وقد سمح الإعفاء، الذي منحته وكالة حماية البيئة، للولاية بوضع قواعد لعوادم السيارات أكثر صرامة من تلك التي فرضتها الحكومة الفيدرالية، ما أدى إلى تحسين جودة الهواء. كما تلتزم نحو اثنتي عشرة ولاية أخرى بمعايير كاليفورنيا، وكذلك تفعل حفنة من شركات تصنيع السيارات الكبرى، ما يجعل الإعفاء أداة قوية في كبح التلوث الضار ودفع شركات السيارات إلى التحول نحو المركبات الكهربائية.

وتزعم مجموعات صناعة الوقود الأحفوري أن القواعد تسببت في ضرر لها، ويجب إلغاء الإعفاء. ولكن في هذه الحالة بالذات ستقرر المحكمة العليا فقط ما إذا كانت هذه المجموعات تتمتع بالوضع القانوني لتحدي الإعفاء. وفي كلتا الحالتين، تعهد الرئيس المنتخب ترمب بالتخلص من هذا الإعفاء.

مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً