رئيس «المؤتمر السوداني»: حمدوك انحاز لمعسكر الجيش

دعوات لمسيرة «مليونية» اليوم... والإفراج عن معتقلين سياسيين

TT

رئيس «المؤتمر السوداني»: حمدوك انحاز لمعسكر الجيش

وجه رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر الدقير، انتقادات حادة غاضبة لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك، واتهمه بالتآمر مع الانقلابين لإزاحة قوى الحرية والتغيير من معادلة السلطة، بتوقيعه اتفاقاً سياسياً أضفى شرعية على انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان. وفي غضون ذلك، أطلقت السلطات، أمس، سراح اثنين من قادة السلطة المعتقلين منذ 25 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وقال الدقير، في مؤتمر صحافي بالخرطوم أمس، إن حمدوك قبل أن يكون رئيس وزراء عبر اتفاق أسس على قرارات قائد الجيش الانقلابي «وهو الآن في معسكر الانقلاب». وأضاف: «لقد قبل أن يصعد إلى المنصب على ظهر دبابة، بدلاً عن إرادة الشعب»، ولن تكون له حتى سلطة إطلاق سراح المعتقلين، ولا إلغاء القرارات التي اتخذها قائد الجيش بإعادة كوادر النظام المعزول للخدمة المدنية.
وتساءل الدقير عن الصفة والمسوغ الأخلاقي الذي منحه رئيس الوزراء لنفسه للقبول بتجاوز قوى الحرية والتغيير، الشريك الرئيسي في السلطة وفقاً للوثيقة الدستورية، وقال: «هذا أشبه بمسرحية تم تبادل الأدوار فيها بين الطرفين». وأضاف أن حمدوك خانته تقديراته والحصافة السياسية. فقبل أن يكون رئيس وزراء لسلطة انقلابية، لا يعدو كونه «موظفاً» في السلطة الانتقالية، يشرف عليه مجلس السيادة الانتقالي الذي يرأسه عبد الفتاح البرهان.
وقال رئيس حزب المؤتمر السوداني: «إن بعضهم لا يخفي الشعور بالمرارة والخذلان من موقف رئيس الوزراء، بالمضي في توقيعه الاتفاق السياسي مع الانقلابين، في وقت أحكمت فيه الاحتجاجات الحصار على الانقلاب».
وأشار إلى أن تكوين مجلس السيادة الانتقالي الجديد الذي شكله قائد الجيش منفرداً غير دستوري، بعد أن نقض الوثيقة الدستورية بقوة السلاح. وأكد الدقير أن قوى الحرية والتغيير ليست جزءاً من الصفقة التي أبرمها رئيس الوزراء مع الانقلابين، ومن شاركوا يمثلون أنفسهم، وسيحدث فرز جديد أي جهة أو شخص مع الانقلاب يقف في الجانب الخاطئ، ولن يكون ضمن قوى الحرية والتغيير.
وأضاف أن رئيس الوزراء لم يطلب لقاء قوى الحرية والتغيير، وربما يكون سعيداً بالابتعاد عنها، كما أنه لم يترك فرصة لنا للعمل معه. وقطع بأن قوى الحرية والتغيير لن تتصالح مع الانقلابين، وستعمل على مقاومة الانقلاب والاتفاق السياسي وتشييعه لمثواه الأخير، وستنظم صفوفها للانخراط في الشارع للمشاركة في المظاهرات المليونية اليوم التي تدعو لها القوى المناهضة للانقلاب. وقال إن الانقلاب لن يستمر وسيهزم لأنه لا يمتلك مقومات الانتصار على الإرادة الشعبية.
وأشار الدقير إلى أن الأوضاع الحالية في البلاد تجاوزت أي حديث للعودة إلى ما قبل 25 من أكتوبر (تشرين الأول)، ساعة تنفيذ الانقلاب العسكري من قبل قائد الجيش، وأن الخيارات أمامنا سلطة مدنية كاملة، تعود فيها القوات المسلحة، بصفتها مؤسسة وطنية قومية، لممارسة واجبها المنوط بها في الدفاع عن أرض الوطن. وقال إن قادة الجيش بدأوا في التخطيط للانقلاب العسكري على الفترة الانتقالية عقب الإعلان السياسي الذي بموجبه توحدت قوى إعلان الحرية والتغيير في سبتمبر (أيلول) الماضي.
ووصف الدقير طريقة اعتقاله وقيادات قوى الحرية والتغيير بالمهينة، وقال إن قوات مدججة بالسلاح اقتحمت منزله بالقوة فجر تنفيذ الانقلاب العسكري، واقتادته من داخل غرفة نومه معصوب العينين إلى جهة مجهولة.
وأطلق سراح الدقير الأسبوع الماضي بعد احتجاز دام شهراً في مبنى يتبع للأمن بمنطقة سوبا، جنوب العاصمة الخرطوم.
وفي غضون ذلك، أطلقت السلطات السودانية، أمس، سراح عضو مجلس السيادة الانتقالي المقال محمد الفكي سليمان، ووزير الصناعة إبراهيم الشيخ، ولا تزال الأجهزة الأمنية تعتقل مسؤولين بلجنة تفكيك النظام المعزول، وقيادات سياسية وأعضاء من لجان المقاومة الشعبية. ودعا تجمع المهنيين السودانيين ولجان المقاومة وقوى الحرية والتغيير لمظاهرات مليونية اليوم (الثلاثاء) ستتوجه إلى القصر الجمهوري في وسط الخرطوم، وترفع شعارات «إسقاط الانقلاب العسكري والاتفاق السياسي بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك».
ومن جانبه، أكد رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك عدم وجود «مصلحة شخصية» له من التوقيع على الاتفاق السياسي مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان. ونقل مكتبه عنه قوله، خلال استقباله مجموعة من أعضاء «لجان المقاومة» بالعاصمة والولايات، إن الاتفاق الموقع يوم 21 نوفمبر (تشرين الثاني) جاء من أجل «مصلحة الوطن»، مشيراً إلى أن «له القدرة على فتح الطريق للتحول الديمقراطي».
وجدد رئيس الوزراء السوداني تأكيده أن الحكومة المقبلة ستكون «حكومة كفاءات»، معرباً عن تمنياته بأن يحرص الشباب على المشاركة فيها. كما عد أنه يجب على السودانيين أن «يصبروا على مشكلاتهم» وأن يتمسكوا بالحوار.
ودعا حمدوك إلى «الاستمرار في قضايا البناء القاعدي لوضع لبنات التحول الديمقراطي، والشروع فوراً في انتخابات المحليات لتصبح مختبرات للديمقراطية المحلية».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.