غوتيريش يندد بالضغط السياسي على السلطة القضائية في لبنان

ربط اغتيال لقمان سليم بـ«الانتهاكات والتجاوزات الخطيرة» لحقوق الإنسان

TT

غوتيريش يندد بالضغط السياسي على السلطة القضائية في لبنان

حض الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الحكومة اللبنانية على «توضيح» الإطار الذي سيعتمد في الانتخابات التشريعية خلال الربيع المقبل، بما في ذلك الحصص وغيرها من التدابير التي تكفل زيادة تمثيل المرأة. وعبر عن «القلق العميق» من الاستقطاب حول التحقيقات الخاصة بانفجار مرفأ بيروت، مندداً بـ«الضغط السياسي» على السلطة القضائية. وطالب بمواصلة التحقيقات في «الانتهاكات والتجاوزات الخطيرة» لحقوق الإنسان، ومنها ما يتعلق باغتيال المعارض الشيعي لقمان سليم.
وعقد مجلس الأمن جلسة مغلقة أمس (الاثنين)، استمع خلالها الى إحاطتين؛ الأولى من المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جوانا فرونتسكا، والثانية من قائد القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان، اليونيفيل الميجر الجنرال ستيفانو ديل كول في شأن أحدث تقرير للأمين العام للمنظمة الدولية حول تنفيذ موجبات القرار 1701 لعام 2006.
وكان غوتيريش جدد ترحيبه، في تقريره الأخير، بتشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، داعياً إياها إلى «تنفيذ خطة إصلاح ملموسة» تلبي حاجات الشعب اللبناني وتطلعاته، بما في ذلك إجراء الانتخابات التشريعية في موعدها. وحض الحكومة ومجلس النواب على الحرص من أجل إعطاء الأولوية للاستعدادات التقنية والإدارية والتشريعية اللازمة للانتخابات، مشجعاً على «توضيح الإطار الانتخابي الواجب التطبيق وتدابيره المحددة، بما فيها الحصص وغيرها من التدابير الخاصة المؤقتة، الرامية إلى تسريع مسار مشاركة المرأة والشباب والأشخاص ذوي الإعاقة في العملية السياسية». وأمل في أن تتيح الانتخابات المقبلة بذلك فرصة لزيادة تمثيل المرأة في مؤسسات البلد، بما فيها مجلس النواب.
وعبر غوتيريش عن «القلق البالغ» من الأثر الحاد للأزمة على الخدمات الأساسية الضرورية، بما فيها الرعاية الصحية والغذاء والماء والكهرباء في البلاد. وكذلك عبر عن «القلق العميق» فيما يتعلق بـ«استقطاب» الآراء السياسية حول التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، مشيراً إلى «الاشتباكات المميتة» التي شهدتها منطقة الطيّونة في بيروت خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وقال: «لا بد من التنديد بالاستخدام غير المأذون به للأسلحة خارج نطاق سلطة الدولة، وكذلك ممارسة الضغط السياسي على السلطة القضائية»، مطالباً السياسيين اللبنانيين بـ«تمكين المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية في الدولة من أداء مهماتها بكفاية من دون تدخل وفي احترام لسيادة القانون». وإذ أثنى على الجيش اللبناني لمساهمته في استعادة الهدوء، كرر نداءاته من أجل «إجراء تحقيق نزيه وشامل وشفاف في الانفجار المدمر» الذي وقع في مرفأ بيروت. وطالب الحكومة أيضاً بأن تواصل التحقيقات المعلنة سابقاً في «الانتهاكات والتجاوزات الخطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك ما يتعلق بقتل لقمان سليم».
وإذ نبه إلى أن إطلاق الصواريخ من لبنان باتجاه إسرائيل والرد الإسرائيلي يمثلان «انتهاكات خطيرة» للقرار 1701، عبر عن «القلق بوجه خاص من الغارات» الإسرائيلية وما تلاها من استخدام «حزب الله» لقاذفة صواريخ متعددة الفوهات، محذراً من أن هذا التصعيد يشكل «مخاطر كبيرة تهدد وقف الأعمال العدائية». وأكد أن الانتهاكات المستمرة للمجال الجوي اللبناني من الطائرات الإسرائيلية، بما في ذلك، لقصف مواقع داخل سوريا، وكذلك من الطائرات التي تحلق على ارتفاع منخفض والطائرات المسيرة «تبعث على القلق الشديد». وكرر أن امتلاك أسلحة غير مأذون بها خارج نطاق سيطرة الدولة، طبقاً لما يعترف به «حزب الله» وجماعات مسلحة أخرى «يشكل انتهاكاً مستمراً وخطيراً للقرار 1701»، داعياً الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ كل الإجراءات اللازمة حتى لا تكون هناك أي أسلحة في لبنان غير أسلحة الدولة اللبنانية أو سلطة غير سلطتها، بما في ذلك من خلال التنفيذ الكامل للأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف والقرارين 1559 و1701، اللذين يطالبان بنزع سلاح كل الجماعات المسلحة في لبنان. وجدد مطالبة الحكومة اللبنانية بـ«التزام سياستها المتمثلة في النأي بالنفس، بما يتفق مع إعلان بعبدا لعام 2012»، داعياً كل الأطراف اللبنانية والمواطنين اللبنانيين إلى «الكف عن المشاركة في النزاع السوري وغيره من النزاعات في المنطقة». وندد أيضاً بـ«أي تحركات للمقاتلين أو للعتاد الحربي» عبر الحدود اللبنانية - السورية.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.