الضغوط السياسية تفقد القضاء اللبناني توازنه

بسبب قوانين تفسح المجال أمام السياسيين للتدخل في تسمية القضاة

حملات تستهدف قاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت (الشرق الأوسط)
حملات تستهدف قاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت (الشرق الأوسط)
TT

الضغوط السياسية تفقد القضاء اللبناني توازنه

حملات تستهدف قاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت (الشرق الأوسط)
حملات تستهدف قاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت (الشرق الأوسط)

لم يسبق للقضاء اللبناني أن عاش حالة الإرباك التي يعيشها اليوم، فالضغوط السياسية والتدخلات الفاضحة في عمله أفقده توازنه، وزعزعت ثقة الناس به كملاذ أخير لحماية حقوقهم، خصوصاً بعد الحملات الأخيرة التي استهدفت المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، وانسحبت لتطال رأس السلطة القضائية، أي رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، وكبار قضاة محاكم الاستئناف والتمييز.
صحيح أن وتيرة التدخلات السياسية ارتفعت بشكل كبير، أبرزها شل حكومة نجيب ميقاتي، وإعلان «حزب الله» وحركة «أمل» وحلفائهما استعادة جلسات مجلس الوزراء، مرهونة بإقالة المحقق في انفجار المرفأ، إلا أن تلك التدخلات ليست وليدة هذه الأزمة، بل متجذرة في سلوك السلطة السياسية. ويعيد رئيس مؤسسة «جوستيسيا» الحقوقية الدكتور بول مرقص الأمر، إلى أن «القوانين اللبنانية تفسح المجال أمام السياسيين للتدخل في تسمية القضاة سواء تعيين بعض القضاء بموجب مراسيم تصدر عن مجلس الوزراء، أو من خلال التشكيلات القضائية». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الخطورة في ذلك، أن هذا التدخل يقيد القضاة في ملاحقة الفاسدين خصوصاً إذا كانوا من السياسيين الذين يفترض ملاحقتهم»، مذكراً أن «التدخل السياسي السافر في التشكيلات القضائية والتعيينات، يخالف نص المادة 20 من الدستور اللبناني التي تمنح المحاكم اللبنانية الاستقلالية والحياد وسلطة الحكم باسم الشعب اللبناني». ولا يجد مرقص سبيلاً للخروج من هذه المعضلة، إلا بـ«تصحيح هذه الممارسة، وتفعيل مبدأ عدم نقل القضاة إلا بطلبهم أو موافقتهم، وتنظيم آلية الترشيح للمناصب العليا، ووضع مؤهلات محددة للتقدم للمنافسة على المناصب القضائية، والتعهد بعدم تبوء مناصب دستورية أو مقاعد وزارية مكافأة على مسايرتهم الطبقة السياسية خلال مسيرتهم القضائية»، داعياً في الوقت نفسه إلى «الإقلاع عن تخصيص رئاسة محاكم لطوائف محددة وبالتالي لمرجعيات سياسية تتلطى وراءها».
القرارات التي أصدرتها قبل أيام الهيئة العامة لمحكمة التمييز (أعلى هيئة قضائية عدلية) برئاسة القاضي سهيل عبود، والتي ردت فيها كل الدعاوى المقدمة ضد البيطار وأعادت الاعتبار لمفهوم العدالة ولو بالحد الأدنى، زادت من حدة المواجهة والحملات الإعلامية التي تطال الجسم القضائي بهدف إخضاعه والتغيير في سلوكه بما يتلاءم مع مصالح قوى سياسية وحزبية، لكن مصدراً قضائياً قال لـ«الشرق الأوسط»، إن هذه الحملات «ليست إلا جولة في حرب طويلة تواجهها العدالة في لبنان، وتنذر بتصاعد وتيرتها مع اقتراب التحقيق بملف المرفأ من نهاياته، وترقب صدور القرار الاتهامي، الذي سيكشف كل الملابسات المحيطة بهذه القضية»، مؤكداً أن «العدالة في لبنان تمر بأصعب وأدق مراحلها». وأضاف المصدر: «القاضي الذي لا يكاد راتبه يكفيه لبضعة أيام، ويعاني من تراجع التقديمات الاستشفائية والتعليمية، يجد نفسه بمواجهة الحملات السياسية والإعلامية التي تشكك في سلوكه وفي مصداقية قراراته»، كاشفاً أن «المراجع القضائية تتفهم صرخة بعض القضاة، خصوصاً الذين تقدموا باستقالاتهم مؤخراً، وتعمل على طمأنتهم إلى أن الأزمة لن تطول، لكن ذلك لا يلغي واقع القلق الاجتماعي والمعيشي وحتى الأمني الذي يعيشه أغلب قضاة لبنان سواء بين أسرهم أو في مكاتبهم».
ورغم أن القوانين اللبنانية مستنبطة بمعظمها من قوانين الدول العريقة في الديمقراطية، لا سيما الفرنسية منها، فإن معضلتها تكمن في سوء التطبيق وعدم الاحتكام لمبدأ فصل السلطات، ويشير الدكتور مرقص إلى أن «أغلب الدول الأوروبية ذات الديمقراطيات القديمة، تلعب السلطة التنفيذية أو التشريعية دوراً مهماً في تعيين القضاة، فتتخذ الحكومة أو الرئيس، قراراً بشأن تعيين القضاة، لكن في هذه البلدان هناك ثقافة قانونية تقضي بعدم إجراء التعيينات بناءً على معايير سياسية، بل وفق معايير موضوعية تقوم على الجدارة والكفاءة، والمنافسة على أساس المؤهلات الخاصة». وشدد مرقص على أهمية «الضمانات المحددة التي تعتمدها هذه الدول والمتعلقة بالوضع القانوني للقضاة، مثل تعيينهم مدى الحياة، وعدم نقل القضاة أو عزلهم من قبل السلطة التنفيذية أو التشريعية، بالإضافة إلى الضمانات الخاصة التي تحميهم من الضغط الخارجي في مجال إقامة العدل، وهذا أكثر أهمية لاستقلال القضاء، الأمر الذي نفتقده في لبنان».
ما بين الهامش الواسع لسيادة القضاء واستقلاله في الدولة الديمقراطية، وصعوبة مقارنته مع الواقع اللبناني، يشدد المصدر القضائي على أن «القضاء في لبنان قادر على حماية نفسه من التدخلات الخارجية، طالما أن غالبية القضاة مستقلون، ولا يتأثرون بالتدخلات الخارجية مهما بلغت حدتها». إلا أنه تخوف بالوقت نفسه من «تنامي حالة الإحباط لدى «حراس العدالة»، وأن تكون استقالة القاضيات الثلاث التي حصلت مؤخراً، مقدمة لاستقالات واسعة إذا تأخرت المعالجات».
ورغم قتامة المشهد، اعتبر وزير العدل الأسبق إبراهيم نجار، أن القضاء اللبناني «بخير رغم المطبات التي يستفيد منها بعض المتضررين من الملاحقات القضائية كما يحصل الآن في ملف انفجار مرفأ بيروت». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «المعضلة الحقيقية تكمن في الضغوط التي تمارسها السلطة السياسية أو بعض الأحزاب على القضاء، وخصوصاً التأثير الكبير لـ«حزب الله» على كل المؤسسات». ولفت إلى أن «القرارات التي صدرت مؤخراً عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز وعن محكمة التمييز الجزائية، أثبتت أن القضاء فيه رجال قادرون على حمايته»، معتبراً أن «المعضلة ليست في القضاء، بل بالوهن الكامن في تركيبة السلطة الإجرائية، واستعمال نفوذها كرافعة لممارسة الضغط بشكل مباشر أو غير مباشر على القضاء».



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».