دمشق لإلغاء الدعم الحكومي عمّن يستطيع دفع «ثمن وجبة» في المطعم

صورة أرشيفية لمحل بيع لحوم في دمشق يرفع صورة الرئيس بشار الأسد (رويترز)
صورة أرشيفية لمحل بيع لحوم في دمشق يرفع صورة الرئيس بشار الأسد (رويترز)
TT

دمشق لإلغاء الدعم الحكومي عمّن يستطيع دفع «ثمن وجبة» في المطعم

صورة أرشيفية لمحل بيع لحوم في دمشق يرفع صورة الرئيس بشار الأسد (رويترز)
صورة أرشيفية لمحل بيع لحوم في دمشق يرفع صورة الرئيس بشار الأسد (رويترز)

رغم نفي وزير التجارة الداخلية، عمرو سالم، اتخاذه قراراً بمن سيستبعد من الدعم الحكومي في المواد التموينية، وتأكيده على أن القرار لا يزال قيد الدراسة، فإن كتاباً صادراً عن وزارته موجهاً إلى المحافظات أظهر أن العمل على إصدار قرار رفع الدعم يسير بسرعة.
وقد طلبت الوزارة من المحافظات تزويد اللجنة الاقتصادية بأسماء أصحاب المقاهي والكافتيريات غير المصنفة سياحياً، وأصحاب المكاتب الهندسية والقانونية والمحاماة، من غير العاملين في الدولة ويمارسون المهنة منذ أكثر من 10 سنوات، بالإضافة لأصحاب المكاتب العقارية، والصيّاغ، وأصحاب ومستثمري الكازيات والأفران الخاصة... وغيرهم. وذلك بهدف وضع لوائح للمستبعدين من الدعم الحكومي للخبز وبعض المواد التموينية والمحروقات.
وأكد الوزير في تصريحات للإعلام المحلي «وجود دراسة لبيع الخبز والوقود للشرائح المستبعدة من الدعم بسعر التكلفة». وقال إن «الوزارة ملتزمة بإيصال الخبز المدعوم لكل المواطنين المستحقين للدعم». وأن الأحق بالدعم وزيادة المواد المدعومة؛ بحسب ما كتب وزير التجارة عمرو سالم على حسابه في «فيسبوك»، هو «الموظف أو العاطل عن العمل أو من دخله ضعيف»، مع التوضيح أن الوزارة لم تحدد الشرائح المستبعدة من الدعم بعد.
إلا إنه؛ وحسب الوزير، «في كل الأحوال، القادر على تسديد مبلغ 50 أو 75 ألف ليرة لوجبة طعام واحدة في مطعم، لا يستحقّ الدعم، ولا يجوز دعمه». ويعادل ثمن وجبة الطعام كما حددها الوزير ما بين 15 و20 دولاراً أميركياً، لافتاً إلى أن «هناك أكثر من 5 تريليونات ليرة من الموازنة مخصّصة للدعم. وهذه لا يجوز أن تذهب إلى المقتدرين»، علماً بأن إعداد وجبة طعام في المنزل لأربعة أشخاص تتضمن نوعاً من اللحوم الحمراء أو البيضاء تتجاوز تكلفتها 20 دولاراً أميركياً، وهي تكلفة باهظة قياساً بمعدل الدخل عموما الذي يتراوح بين 70 و150 دولاراً.
وأثارت تصريحات الوزير سالم كثيراً من اللغط؛ فانتشرت على صفحات التواصل الاجتماعي كتابات تسخر من تصريحات الوزير في بلد لا يمكن فيه تحديد الدخل الحقيقي؛ للموظف في القطاع العام، الذي يعتمد على الرشى إذ إن راتبه المعلن لا يغطي نفقات أسبوع أو بضعة أيام، ناهيك بأن الغالبية العظمى تعمل في القطاع الخاص أو المهن الحرة إلى جانب العمل الوظيفي.
وتضمنت القوائم التي نشرتها الصفحات المحلية في مواقع التواصل الاجتماعي، معتمدة على صورة مسربة من كتاب للوزير (لم يتسن لنا التأكد منه)، أنه يتحدث عن الشرائح المتوقع استبعادها من الدعم؛ مثل من يملك سيارة موديل عام 2008 وما بعد، والمغتربين الذين مضى على مغادرتهم أكثر من عام، ومالكي أكثر من منزل في المحافظة نفسها، وفئات من الأطباء والمهندسين والمحامين والمحاسبين القانونيين والتجار. وهي قائمة سخر منها الطبيب السوري وكاتب السيناريو، سعيد جاويش، فكتب مضيفاً على القائمة: «من اشترى عام 1998 فما فوق، صباط (حذاء رجالي) بشواطات وضبان بما يتجاوز مائتين وخمسين ليرة سورية لا غير، ومن اشترى بعد عام 2008 لأولاده (مجمع كامل) من علكة سهام».
هذا؛ وتجري هذه النقاشات والتسريبات في بلد تشير الأرقام الأممية حول الأوضاع فيه إلى أن نحو 12.4 مليون سوري في الداخل؛ أي نسبة 60 في المائة من السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ولا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم التالية.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم