الحكومة اليمنية تلزم موظفي الدولة بلقاح «كورونا»... وتحمّل الحوثيين مسؤولية «شلل الأطفال»

TT

الحكومة اليمنية تلزم موظفي الدولة بلقاح «كورونا»... وتحمّل الحوثيين مسؤولية «شلل الأطفال»

أقرت اللجنة اليمنية العليا للطوارئ إلزامية التطعيم ضد فيروس كورونا لجميع موظفي الدولة، ووجهت الوزارات والمؤسسات المركزية والسلطات المحلية بالتعاون مع وزارة الصحة باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ القرار، وحملت ميليشيات الحوثي مسؤولية استمرار تعنتها ورفضها للتطعيم ضد وباء كورونا في مناطق سيطرتها، بما في ذلك للكوادر الصحية والطبية، ما يعرض حياتهم للخطر. كما حملتها مسؤولية ظهور إصابات حالات شلل الأطفال في محافظتي صعدة وحجة الخاضعتين لسيطرتها جراء منعها فرق التطعيم من العمل.
وخلال ترؤسه اجتماعاً كُرس لمناقشة تطورات الوضع الوبائي، وجه رئيس الوزراء الدكتور معين عبد الملك باستمرار الجاهزية العالية للقطاع الصحي تحسباً لأي طارئ، مؤكداً أهمية توسيع عمليات التطعيم للقاح ضد كورونا لجميع شرائح المجتمع، واستكمال تحصين الفئات ذات الأولوية من الكادر الطبي وكبار السن، بالاستفادة من الدعم المقدم من الأشقاء والأصدقاء من اللقاحات، وضرورة تكثيف التوعية المجتمعية.
رئيس الوزراء الذي أشاد بـ«الجهود الاستثنائية» التي يبذلها منتسبو القطاع الصحي في ظل هذه الظروف، وما يقدمونه من أجل خدمة المرضى، أكد ضرورة التعاون المجتمعي مع هذه الجهود، وذلك من خلال الاستجابة والتفاعل مع حملات التلقيح، لافتاً إلى أن اللقاحات والالتزام بالتدابير الصحية والوقائية هي حائط الصد الأول للوقاية من الإصابة بفيروس كورونا.
ووجهت وزارة الصحة العامة والسكان بتكليف فرق ثابته ومتحركة لتنفيذ الحملة، وتكثيف التوعية المجتمعية بأهمية اللقاح. وأكدت ضرورة تشديد إجراءات الفحوصات للعائدين إلى اليمن، والرقابة على فحوصات الـ«بي سي آر» لمكافحة أي تلاعب أو تزوير فيها. وجددت التأكيد على الالتزام بالإجراءات الاحترازية والوقائية، والتطبيق الدقيق للقرارات الصادرة من اللجنة والجهات الصحية.
واطلعت اللجنة على التقرير المقدم من وزير الصحة العامة والسكان، قاسم بحيبح، حول الوضع الوبائي لفيروس كورونا، وانحسار أعداد الإصابات المسجلة بشكل ملحوظ، وخطط الوزارة لاستمرار الجاهزية ورفع قدرات القطاع الصحي للتعامل مع أي طارئ، بما في ذلك سير العمل الجاري في تجهيز مصانع أكسجين بعدد من المحافظات، مشيراً إلى سير عملية اللقاحات ضد كورونا، حيث بلغ عدد الملقحين 600 ألف، وما زالت الوزارة مستمرة في حملات التلقيح من خلال المراكز الصحية المتخصصة وفرق متنقلة.
واستعرض وزير الصحة الدفع المتوالية من اللقاحات المقدمة من الدول الشقيقة والصديقة عبر مبادرة «كوفاكس»، وخطة توزيع هذه اللقاحات، منوهاً باستمرار ميليشيا الحوثي في رفض استقبال اللقاحات، وعرقلة حملات التلقيح في المناطق الخاضعة لسيطرتها، إضافة إلى منع لقاحات شلل الأطفال، وعودة ظهور بؤر لهذا المرض.
ووجهت اللجنة وزارة الصحة العامة والسكان بتكثيف حملات التحصين، وإطلاع الرأي العام المحلي والدولي على عدد الحالات المكتشفة لشلل الأطفال، وأماكن وجودها، والعوائق التي تواجه القطاع الصحي في القيام بمهامه جراء العراقيل التي تضعها ميليشيات الحوثي، بما في ذلك نهب المساعدات الطبية وتسخيرها لخدمة حربها العبثية ضد الشعب اليمني، مطالبة منظمة الصحة العالمية بالتحرك العاجل، بالتنسيق مع وزارة الصحة، لمواجهة هذا الخطر.
وحملت اللجنة كذلك ميليشيا الحوثي مسؤولية استمرار تعنتها ورفضها للتطعيم ضد وباء كورونا في مناطق سيطرتها، بما في ذلك للكوادر الصحية والطبية، ما يعرض حياتهم للخطر، مؤكدة أن هذه السلوكيات والممارسات ليست بجديدة على الميليشيات الحوثية التي تسعى لإعادة اليمن إلى عصور المرض والجهل والخرافة، وتحارب العلم، ولا تهتم بخسارة الأطباء والطواقم الصحية، وحياة الشعب اليمني بأكمله.
وطالبت اللجنة منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة بإطلاع المجتمع الدولي والرأي العام العالمي على ذلك، خاصة أن قرار مجلس الأمن رقم 2565 لعام 2021 شدد، وبصورة واضحة، على جميع الدول والأطراف بتسيير وتسهيل حملات التلقيح ضد كورونا، وكلف المبعوثين الدوليين والمنظمات المعنية بإحاطة المجلس بأي ممارسات تعيق ذلك.
اللجنة العليا للطوارئ حملت أيضاً ميليشيا الحوثي الانقلابية كامل المسؤولية عن معاودة تفشي مرض شلل الأطفال في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وتحديداً في صعدة وحجة، نظراً لمنعها فرق التحصين، بعد أن تخلصت اليمن من هذا المرض عام 2006م. ودعت الأمم المتحدة ومنظماتها المعنية بالإفصاح عن هذه الممارسات التي تنتهجها ميليشيا الحوثي، والضغط عليها للسماح لفرق التحصين والتطعيم للقيام بمهامها، محذرة من معاودة تفشي هذا المرض وتوسعه إلى محافظات جديدة، ما يشكل تحدياً جديداً لليمن ودول الجوار، ويحتم على المجتمع الدولي تحمل مسؤوليته تجاه هذا الخطر الكبير.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.