ميقاتي أمام خيار صعب لوقف تعطيل جلسات الحكومة

مع تصاعد الانتفاضات الشعبية واستمرار «احتجاز» مجلس الوزراء

من اجتماع الرؤساء عون وبري وميقاتي بمناسبة عيد الاستقلال (دالاتي ونهرا)
من اجتماع الرؤساء عون وبري وميقاتي بمناسبة عيد الاستقلال (دالاتي ونهرا)
TT

ميقاتي أمام خيار صعب لوقف تعطيل جلسات الحكومة

من اجتماع الرؤساء عون وبري وميقاتي بمناسبة عيد الاستقلال (دالاتي ونهرا)
من اجتماع الرؤساء عون وبري وميقاتي بمناسبة عيد الاستقلال (دالاتي ونهرا)

لم يبقَ من سلاح سياسي لدى باريس لإعادة تعويم مبادرتها لإنقاذ لبنان، سوى أن ترفع الصوت في وجه الطبقة السياسية، وهذا ما قصده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في رسالة التهنئة التي بعث بها إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، لمناسبة الذكرى الثامنة والسبعين لاستقلال لبنان، التي أطلق فيها رزمة من التحذيرات لم تحمل أي جديد، وكان سبق أن أطلقها في مناسبات سابقة، إضافة إلى الرسائل النارية التي صدرت عن وزير خارجيته، جان إيف لودريان، وانطوت على تأنيب الذين يعطّلون محاولات إخراج لبنان من دائرة التأزُّم.
فرسالة ماكرون إلى عون هي الأولى، كما يقول مرجع سياسي لـ«الشرق الأوسط»، منذ أن تشكّلت الحكومة الجديدة، برئاسة نجيب ميقاتي، الذي كان تحدّث عن ضمانات دولية لإخراج لبنان من أزماته، سرعان ما اصطدمت بالخلافات السياسية بين «أهل البيت» الذين تتشكّل منهم الحكومة، وأدت إلى تحويلها لحكومة تصريف أعمال على خلفية الانفجار السياسي الذي يحاصرها، بعد مضي شهر على ولادتها بسبب الخلاف حول التحقيق في انفجار مرفأ بيروت.
ويلفت المرجع السياسي الذي فضّل عدم ذكر اسمه إلى أن ماكرون الذي سعى جاهداً لاستنفار المجتمع الدولي لتوفير الدعم لمساعدة لبنان، بدأ يكتشف تراجع المنظومة الحاكمة عن التزامها بخريطة الطريق التي رسمتها المبادرة الفرنسية، والتي تزامنت هذه المرة مع تعطيل جلسات مجلس الوزراء بعد إصرار «الثنائي الشيعي» على ربط مشاركته بتنحية المحقق العدلي القاضي طارق البيطار.
ويؤكد أن التدقيق في مضامين رسالة ماكرون إلى عون يقود إلى تحميل المنظومة الحاكمة مسؤولية العودة بلبنان إلى نقطة الصفر، وكأن الحكومة غير موجودة، محذراً من إقحام لبنان في عزلة دولية جديدة. ويعتبر المرجع نفسه أن المحاذير التي أطلقها ماكرون ليست جديدة، وإنما الجديد فيها يكمن في أنها جاءت بعد تشكيل الحكومة التي يُفترض فيها أن تبادر إلى ترجمة تعهداتها بمباشرة التفاوض مع «صندوق النقد الدولي»، وترجمة كل ما التزمت به إلى خطوات عملية، ويرى أن إغراق البلد في دوامة التجاذبات السياسية وفي تبادل الحملات سيدفع باتجاه تدحرجه نحو الانهيار الشامل.
لكنه لا يعفي باريس من مسؤوليتها حيال إصرارها على رفع السقوف في وجه زعيم تيار «المستقبل»، الرئيس سعد الحريري، الذي اضطر للاعتذار عن تشكيل الحكومة بعد أن «تمرّد» على دعوة باريس للتفاوض مع رئيس «التيار الوطني الحر»، النائب جبران باسيل، لاعتقاده أن التفاوض معه بالنيابة عن رئيس الجمهورية سيقود إلى الفشل، ولم يكن من خيار أمامه سوى الاعتذار.
ويضيف بأن باريس كانت وراء خفض السقوف المرسومة لتشكيل «حكومة مهمة»، عندما تصرّفت لاحقاً بعد اعتذار الحريري على أن لا مجال لتشكيل الحكومة إلا بالتفاوض مع باسيل، وهذا ما أدى إلى تجويف التشكيلة الوزارية من المعايير التي حددها ماكرون؛ بأن تتشكل من وزراء مستقلين وأصحاب اختصاص، ومن غير المنتمين إلى الأحزاب، ويؤكد أن تراجعها في هذا الخصوص يعني كأنها أعادت النظر في خريطة الطريق التي ابتدعها الرئيس الفرنسي. ويقول المرجع نفسه إن قرار باريس بتعويم باسيل كان وراء تقديمه على أنه يعود له القرار في الإفراج عن التشكيلة الوزارية، وذلك بالتعاطي معه على أنه «رئيس الظل» إلى جانب الرئيس ميشال عون، وهذا ما ظهر جلياً في لقاء الرؤساء الثلاثة الذي عُقد في بعبدا على هامش الاحتفال بعيد الاستقلال.
ويُتهم باسيل بدخوله على خط التعطيل لقطع الطريق على ما اتفق عليه الرؤساء الثلاثة، الذي جاء تحت عنوان إعادة النظر في صلاحيات القاضي البيطار وحصرها بالتحقيق مع المتهمين، باستثناء الذين تقتضي ملاحقتهم من قبل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء استناداً للاحتكام إلى النصوص الدستورية في هذا الخصوص، ويقول إنه آن الأوان لتحييد التحقيق في انفجار المرفأ عن تصفية الحسابات السياسية لإبعاد الشبهة عن تطييف التحقيقات من وجهة نظر «الثنائي الشيعي».
ويرى أن مجلس الوزراء سيبقى معطّلاً على الأقل في الأسبوع المقبل إلى حين عودة عون من زيارته لدولة قطر للمشاركة في افتتاح مونديال كأس العرب لكرة القدم، بالتوازي مع احتمال قيام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بزيارة خاطفة لمصر، ويقول إنه لا يستبعد معاودة الرؤساء الثلاثة للتواصل للبحث في الأسباب التي أدت إلى تجميد الاتفاق الذي تم التوصُّل إليه في «اجتماع بعبدا» لمعاودة تفعيل انعقاد جلسات مجلس الوزراء، بعد أن وعد عون بمتابعة تنفيذ الاتفاق.
ويعتقد المرجع السياسي أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وإن كان يلوذ بالصمت ويمتنع حتى إشعار آخر عن تسليط الأضواء على المداولات التي جرت في اجتماع الرؤساء في بعبدا، فإنه لا يزال يراهن على إنقاذ الاتفاق الذي من دونه تبقى جلسات الحكومة معطّلة.
ورغم أنه يخشى أن يستمر تعطيل الجلسات، فإنه يسأل حول الدوافع التي تملي على «حزب الله» عدم التدخّل لدى حليفه، «رئيس الظل»، باسيل، والطلب منه رفع الضغوط التي يمارسها بزرعه العبوات السياسية لتعطيل تنفيذ الاتفاق الذي توصّل إليه الرؤساء الثلاثة.
لذلك فإن ميقاتي، وإن كان سيدفع لتأمين دعوة مجلس الوزراء للانعقاد على الأقل في مطلع الشهر المقبل، فإنه ليس في وارد الاستقالة، لأنه، كما تقول مصادره لـ«الشرق الأوسط»، لم يفقد الأمل من إعادة تعويم حكومته، ولا يرى أن كل الأبواب موصدة في وجه الجهود التي يقوم بها لوقف تصريف الأعمال، خصوصاً أن هناك ضرورة لتفعيل العمل الحكومي مع تراكم الأزمات التي تضع لبنان، في حال عدم توفير الحلول المتواضعة، في مرحلة لا يُحسد عليها.



أوضاع متردية يعيشها الطلبة في معاقل الحوثيين

طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
TT

أوضاع متردية يعيشها الطلبة في معاقل الحوثيين

طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)

قدَّم تقرير أممي حديث عن أوضاع التعليم في مديرية رازح اليمنية التابعة لمحافظة صعدة؛ حيثُ المعقل الرئيسي للحوثيين شمالي اليمن، صورة بائسة حول الوضع الذي يعيش فيه مئات من الطلاب وهم يقاومون من أجل الاستمرار في التعليم، من دون مبانٍ ولا تجهيزات مدرسية، بينما يستخدم الحوثيون كل عائدات الدولة لخدمة قادتهم ومقاتليهم.

ففي أعماق الجبال المرتفعة في المديرية، لا يزال الأطفال في المجتمعات الصغيرة يواجهون التأثير طويل الأمد للصراعات المتكررة في المحافظة، والتي بدأت منتصف عام 2004 بإعلان الحوثيين التمرد على السلطة المركزية؛ إذ استمر حتى عام 2010، ومن بعده فجَّروا الحرب الأخيرة التي لا تزال قائمة حتى الآن.

الطلاب اليمنيون يساعدون أسرهم في المزارع وجلب المياه من بعيد (الأمم المتحدة)

وفي المنطقة التي لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال رحلة برية تستغرق ما يقرب من 7 ساعات من مدينة صعدة (مركز المحافظة)، تظل عمليات تسليم المساعدات والوصول إلى الخدمات الأساسية محدودة، وفقاً لتقرير حديث وزعته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)؛ إذ بينت المنظمة فيه كيف يتحمل الأطفال بشكل خاص وطأة الفرص التعليمية المحدودة، والمرافق المدرسية المدمرة.

مدرسة من دون سقف

وأورد التقرير الأممي مدرسة «الهادي» في رازح باعتبارها «مثالاً صارخاً» لتلك الأوضاع، والتي لا تزال تخدم مئات الطلاب على الرغم من الدمار الذي تعرضت له أثناء المواجهات بين القوات الحكومية والحوثيين، أثناء التمرد على السلطة المركزية؛ حيث تُركت هياكل خرسانية من دون سقف أو جدران.

ويؤكد مدير المدرسة -وفق تقرير «اليونيسيف»- أنها منذ أن أصيبت ظلت على هذه الحال، من ذلك الوقت وحتى الآن. ويقول إنهم كانوا يأملون أن يتم بناء هذه المدرسة من أجل مستقبل أفضل للطلاب، ولكن دون جدوى؛ مشيراً إلى أن بعض الطلاب تركوا الدراسة أو توقفوا عن التعليم تماماً.

مدرسة دُمّرت قبل 15 سنة أثناء تمرد الحوثيين على السلطة المركزية (الأمم المتحدة)

ويجلس الطلاب على أرضيات خرسانية من دون طاولات أو كراسي أو حتى سبورة، ويؤدون الامتحانات على الأرض التي غالباً ما تكون مبللة بالمطر. كما تتدلى الأعمدة المكسورة والأسلاك المكشوفة على الهيكل الهش، مما يثير مخاوف من الانهيار.

وينقل التقرير عن أحد الطلاب في الصف الثامن قوله إنهم معرضون للشمس والبرد والمطر، والأوساخ والحجارة في كل مكان.

ويشرح الطالب كيف أنه عندما تسقط الأمطار الغزيرة يتوقفون عن الدراسة. ويذكر أن والديه يشعران بالقلق عليه حتى يعود إلى المنزل، خشية سقوط أحد الأعمدة في المدرسة.

ويقع هذا التجمع السكاني في منطقة جبلية في حي مركز مديرية رازح أقصى غربي محافظة صعدة، ولديه مصادر محدودة لكسب الرزق؛ حيث تعمل أغلب الأسر القريبة من المدرسة في الزراعة أو الرعي. والأطفال -بمن فيهم الطلاب- يشاركون عائلاتهم العمل، أو يقضون ساعات في جلب المياه من بعيد، بسبب نقص مصادر المياه الآمنة والمستدامة القريبة، وهو ما يشكل عبئاً إضافياً على الطلاب.

تأثير عميق

حسب التقرير الأممي، فإنه على الرغم من التحديات والمخاوف المتعلقة بالسلامة، يأتي نحو 500 طالب إلى المدرسة كل يوم، ويحافظون على رغبتهم القوية في الدراسة، في حين حاول الآباء وأفراد المجتمع تحسين ظروف المدرسة، بإضافة كتل خرسانية في أحد الفصول الدراسية، ومع ذلك، فإن الدمار هائل لدرجة أن هناك حاجة إلى دعم أكثر شمولاً، لتجديد بيئة التعلم وإنشاء مساحة مواتية وآمنة.

واحد من كل 4 أطفال يمنيين في سن التعليم خارج المدرسة (الأمم المتحدة)

ويشير تقرير «يونيسيف»، إلى أن للصراع وانهيار أنظمة التعليم تأثيراً عميقاً على بيئة التعلم للأطفال في اليمن؛ حيث تضررت 2426 مدرسة جزئياً أو كلياً، أو لم تعد تعمل، مع وجود واحد من كل أربعة طلاب في سن التعليم لا يذهبون إلى المدرسة، كما يضطر الذين يستطيعون الذهاب للمدرسة إلى التعامل مع المرافق غير المجهزة والمعلمين المثقلين بالأعباء، والذين غالباً لا يتلقون رواتبهم بشكل منتظم.

وتدعم المنظمة الأممية إعادة تأهيل وبناء 891 مدرسة في مختلف أنحاء اليمن، كما تقدم حوافز لأكثر من 39 ألف معلم لمواصلة تقديم التعليم الجيد، ونبهت إلى أنه من أجل ترميم أو بناء بيئة مدرسية أكثر أماناً للأطفال، هناك حاجة إلى مزيد من الموارد.