ملامح من التنكيل الحوثي المذهبي وتهجير الأقليات

TT

ملامح من التنكيل الحوثي المذهبي وتهجير الأقليات

منذ ما قبل انقلابها على الحكومة اليمنية الشرعية، انتهجت ميليشيات الحوثي سياسة معادية للمذاهب والديانات الأخرى في اليمن، بدأتها بطرد كل أبناء الطائفة اليهودية في محافظة صعدة بعد سنة ونصف السنة على إعلان تمردها على السلطة المركزية، منتصف عام 2004.
وامتدت إلى التيار السلفي، حيث استهدفت مركزهم التعليمي، في منطقة دماج، حتى طردتهم في رحلة تهجير قسرية لم يعرفها اليمن على الأقل منذ الإطاحة بنظام حكم الأئمة، ووصولاً إلى طرد بقية أتباع الديانة اليهودية وأتباع الديانة البهائية والديانة المسيحية، لتبدأ بعد ذلك مرحلة التغيير المذهبي من خلال المناهج الدراسية والمساجد ووسائل الإعلام العامة.
ومع انتهاء عام 2020، كانت ميليشيات الحوثي قد استكملت طرد كل أتباع الديانة اليهودية من اليمن، وهي الديانة التي وُجدت في البلاد منذ آلاف السنين، وأرغمت آخر الأسر على المغادرة، ومقايضتها بالإفراج عن ابنها المعتقل منذ سبعة أعوام، ومع ذلك، وبعد مرور عام كامل، لا تزال ترفض إطلاق سراح ليبي مرحبي، الذي يعاني من إعاقة نتيجة إصابته بجلطة دماغية، ورغم صدور حكم قضائي من المحكمة التي تديرها الميليشيات ببراءته، كما تأكد ترحيل مجموعة من اليمنيين من أتباع الديانة المسيحية، بمن فيهم القس مشير الخليدي، بعد اعتقال دام عدة أشهر، وقبله تم تهجير رموز الديانة البهائية، التي وجدت في اليمن منذ أربعينيات القرن الماضي.
ووفق تقرير حديث لـ«مركز اكابس الدولي للدراسات»، فإن ميليشيات الحوثي «تطبق منذ عام 2015 تدريجياً سياسات مرتبطة بقمع الممارسات الدينية لبعض الطوائف الإسلامية. وزادت التقارير عن مثل هذه الحوادث بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول) الماضيين، حيث تقمع الميليشيات السكان بطريقتين مختلفتين؛ الأولى عن طريق فرض أعراف دينية عامة، بما في ذلك الضرائب والاحتفالات والأعراس والمراكز السلفية وصلاة التراويح. والثانية عن طريق الجبايات المالية بغرض زيادة الإيرادات من خلال جباية الزكاة، وفرض الضرائب على الاحتفالات الدينية وتشجيع الناس على الانضمام إلى القتال من خلال الخطب والرسائل الدينية الأخرى، وبالتالي زيادة عدد المقاتلين والتأكيد على أن «المؤمنين الحقيقيين» هم أولئك الذين ينتمون إلى مذهب الميليشيات، ما يعني أن غير المنتسبين لمذهبهم هم من «الكفار».
ويرصد التقرير «محاولات متعمَّدة لخلق الانقسام بين الناس من مختلف الطوائف الإسلامية»، حيث إن الحوادث المتعلقة بالممارسات الدينية التي تم الإبلاغ عنها، منذ منتصف العام الحالي، مرتبطة بالحوادث السابقة المتعلقة بتحصيل الضرائب، ومنع الموسيقى، وإغلاق المساجد السنية، واستبدال الأئمة السنّة الذين لم يعملوا وفق سياسات الحوثيين، وإجراء تغييرات على المناهج الدراسية، خاصة فيما يتعلق بالتاريخ والدراسات الإسلامية والاجتماعية، لتعزيز المبادئ الأساسية للفكر الطائفي للميليشيات.
بالإضافة إلى ذلك، يتم فرض ضرائب الاحتفال الديني، بين شهري يوليو وسبتمبر، حيث يجري فرض ضرائب إضافية على أصحاب المتاجر خلال المناسبات الدينية، مثل «عيد الغدير» و«المولد النبوي» و«يوم الصرخة» و«أسبوع الشهيد» و«ذكرى ميلاد فاطمة»، وتُحصّل هذه الضرائب من قبل المشرفين الحوثيين، ومَن يرفض الدفع يتعرض لإغلاق محاله أو الاحتجاز أو العنف، الذي يؤدي إلى فقدان مصدر رزقه. وتستخدم الضرائب المحصلة لتغطية تلك الاحتفالات وتوفير رأس المال للمجهود الحربي.
وصعدت الميليشيات منذ العام الماضي من سياساتها المذهبية الإقصائية، حيث تم إغلاق المساجد التابعة لطوائف إسلامية غير الطائفة الحوثية، مثل السلفيين، أو الجماعات السنية الأخرى، أو إعادة توظيف هذه المساجد لصالح توجهاتها، ومنذ يونيو (حزيران)، تم إغلاق نحو 16 مركزاً سلفياً وهدم واحد منها، كما تم اختطاف إمامين اثنين، واحتجازهما في إب لعدم اتباع توجيهات الميليشيات، ورفع شعارها المعروف باسم «الصرخة»، وهو «شعار الثورة الإيرانية» على نظام حكم الشاه، وخلص الباحثون إلى أن القمع الديني الذي تمارسه ميليشيات الحوثي يؤثر على الطوائف الإسلامية والأطفال والنساء والموسيقيين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، خاصة أنها ربما المرة الأولى في تاريخ الجمهورية التي يتم فيها تهجير كل أتباع الديانات الأخرى والتضييق على المذاهب الإسلامية وفرض نموذج مذهبي بالقوة في المناهج الدراسية، وفي المساجد ووسائل الإعلام وتحويله إلى سلوك يومي حتى في الشارع.
وفي مسعى لفرض هذا التوجه، عمدت الميليشيات إلى استبدال المعلمين في المدارس، وغيرت المناهج، وحولتها إلى منشورات تمجد الأفكار والرؤى المذهبية التي تقدس سلالة الحوثيين، والترويج لقياداتها، وتبرز هذه الكتب مواضيع تسفّه التاريخ اليمني ورموزه ومثقفيه، وتمجد نظام حكم الأئمة والحق الإلهي بحكم الناس، والحث على الكراهية، وتكفير كل طائفة لا تؤمن برؤى وتوجهات الميليشيات، ويقول عاملون في قطاع التعليم في صنعاء إن الميليشيات يرسلون بين كل فترة وأخرى مفتشين إلى المدارس للتأكد من مدى التزامها بتدريس تلك المواضيع، في ظل مقاومة ورفض واسعين من قبل الطلاب والمعلمين.
وقال سكان في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» إن الحوثيين غيروا أئمة مساجد رفضوا الخضوع لتوجهات الميليشيات، كما غيروا الآيات القرانية في المناهج الدراسية، التي تحث على التسامح والتعايش، واستبدلوا بها كل ما له صلة بالحث على القتال، وألزموا المعلمين بحضور دورات مذهبية، وفصلوا الإناث عن الذكور في القاعات الدراسية في الجامعات.


مقالات ذات صلة

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

العالم العربي  فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

بينما تفرج الجماعة الحوثية عن عدد من المختطفين في سجونها، تختطف مئات آخرين بتهمة التخابر وتبث اعترافات مزعومة لخلية تجسسية.

وضاح الجليل (عدن)
خاص الرئيس اليمني رشاد العليمي خلال استقبال سابق للسفيرة عبدة شريف (سبأ)

خاص سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

تكشف السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، عن تحضيرات لعقد «مؤتمر دولي في نيويورك مطلع العام الحالي لحشد الدعم سياسياً واقتصادياً للحكومة اليمنية ومؤسساتها».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

أظهرت بيانات حديثة، وزَّعتها الأمم المتحدة، تراجعَ مستوى دخل الأسر في اليمن خلال الشهر الأخير مقارنة بسابقه، لكنه كان أكثر شدة في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

ضاعفت الجماعة الحوثية من استهدافها الأكاديميين اليمنيين، وإخضاعهم لأنشطتها التعبوية، في حين تكشف تقارير عن انتهاكات خطيرة طالتهم وأجبرتهم على طلب الهجرة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم