الأزمة اللبنانية تنعكس عنفاً ضد النساء... والأغلبية صامتة

TT

الأزمة اللبنانية تنعكس عنفاً ضد النساء... والأغلبية صامتة

تسمع سارة التي تسكن في العاصمة بيروت بشكل شبه يومي صوت «الجار حديث الهمجية»، على حد تعبيرها، يوبخ زوجته ويعنفها لفظياً تارة ويضرب أولاده تارة أخرى.
ألفاظ الجار النابية بحق أسرته وصراخه يهزان جدران المبنى المؤلف من 9 طبقات، على حد وصف سارة، «لماذا لا يوجد ماء ساخن للاستحمام... لماذا لم يجهز الغداء... اغرب عن وجهي»... أسباب سخيفة جدا تدفعه إلى الانفجار كقنبلة موقوتة قبل أن نسمع تحطيم الزجاج أو صراخ الأولاد، كما تقول لـ«الشرق الأوسط».
وتضيف «لسنا متأكدين، نحن الجيران، مما إذا كان يضرب زوجته، لكن الألفاظ المؤذية التي ينطق بها لها وقع أسوأ من الضرب!». وتؤكد أن الرجل لم يكن بهذه العصبية قبل عام 2019 أي قبل الأزمة الاقتصادية «نادراً ما كنا نسمع صوته»، بحسبها.
وتخبر أنه أصبح أكثر حدة مع ازدياد الأزمات الواحدة تلو الأخرى، «حتى أنه هذا العام نقل أولاده من المدرسة الخاصة إلى المدرسة الرسمية القريبة من البيت»، وفقاً لسارة التي لاحظت أن الزي المدرسي للأولاد قد تغير ولم يعد باص المدرسة يقلهم كل صباح.
ولم يبلغ أحد من الجيران القوى الأمنية أو الجهات المختصة، ووفقاً لسارة «كل عائلة لديها ما يكفي من الهموم».
وبحسب إحصاءات قوى الأمن الداخلي فيما يخص عدد اتصالات شكاوى العنف الأسري الواردة إلى الخط الساخن، فإن عدد شكاوى العنف الأسري لغاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 هي 1184، منها 677 شكوى من أصل 1184 للتبليغ عن تعنيف زوجي، في وقت بلغت نسبة إبلاغات العنف الأسري التي قامت بها النساء المعنفات أنفسهن 57 في المائة، مقابل 40 في المائة قام بها أفراد الأسرة و/أو الجيران.
وفي بيت آخر في منطقة حي السلم (ضاحية بيروت)، تسكن ربة المنزل أم علي مع أولادها الخمسة وزوج «عصبي»، كما تصفه لـ«الشرق الأوسط»، وتقول: «لا يضربني بمعنى الضرب هو لا يقصد الأذية بل يقوم بذلك كردة فعل ثم يعتذر عندما يعود لوعيه... هذه طبيعة الرجال يحتاجون إلى التنفيس».
ووفقاً لأم علي الأربعينية، «ازدادت عصبية الرجل مع تفاقم الأزمات اليومية حيث أصبح راتبه لا يكفي للأساسيات، ولا حتى الطعام والشراب»، وتضيف «مر علينا الصيف كنار جهنم بين أزمة المحروقات وارتفاع الأسعار وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة... المرأة تنفس عن غضبها بالكلام والدعاء والصراخ أما الرجل فلا يلجأ إلى هذه الطريق بل يضرب أو يشتم أو يكسر»، وتزيد «من الطبيعي أن يغضب وينفس عن غضبه في هذه الظروف!».
وبحسب دراسة إحصائية وطنية قامت بها منظمة «أبعاد»، اعتبرت امرأة من أصل اثنتين في لبنان أن حماية النساء يجب أن تكون أولوية خلال الأزمة الحالية التي يمر بها البلد.
ويشرح الخبير في علم الاجتماع الدكتور نزار حيدر لـ«الشرق الأوسط» أن «ارتفاع معدلات العنف اللفظي والجسدي ضد النساء والسيدات بدأ بالارتفاع مع الحجر في فترة (كورونا) وازداد بشكل لافت مع تفاقم الوضع الاقتصادي في لبنان».
ويوضح حيدر أن «الأزمة الاقتصادية أثبتت تأثيرها على كل جوانب حياة الشعب اللبناني، ومنها ارتفاع سعر صرف الدولار وفقدان الليرة اللبنانية قيمتها، وخسارة الكثير من اللبنانيين عملهم، والأزمات الحياتية من ارتفاع سعر الدواء والمازوت والغاز والبنزين... كلها أزمات وضعت الفرد في عجز عن تأمين متطلبات الحياة، وأمام غياب البديل أصبح يلجأ إلى التصادم مع أهل بيته، أي زوجته وأولاده، ما يؤدي إلى العنف اللفظي وأحياناً الجسدي».
وإذ يرجح أن ترتفع معدلات العنف أكثر كلما اشتدت الأزمة الاقتصادية، يحذر من أن «هذا الارتفاع قد يؤدي في نهاية المطاف إلى الانتحار سواء كان للمعنِّف أم المعنَّف»، كما يسلط الضوء على ضرورة عدم إغفال عامل الضغط النفسي الذي تسببت به الأزمة على الشعب اللبناني ككل.
وبحسب دراسة «أبعاد»، فإن 96 في المائة من الفتيات الشابات والنساء المقيمات في لبنان واللواتي تعرضن للعنف المنزلي خلال عام 2021 لم يبلغن عن هذا العنف أبداً. وفي هذا الإطار يؤكد حيدر على ضرورة أن ترفع المرأة المعنفة الصوت، ويقول: «من المرفوض أن تتحمل المرأة أي نوع من أنواع التعنيف، لا يجب أن تسكت على ذلك أبداً بل على العكس يجب أن تبلغ الجهات التي تستطيع حمايتها».
وفي حين أكدت اثنتان من أصل خمس نساء شملتهن الدراسة أنهن لا يبلغن بسبب الخوف من ردة فعل الجاني، يقول حيدر إن «النساء يتخوفن من أن تصل ردة فعل المعنف إلى حد القتل، وهذا ما يحصل مع الأسف في مجتمعاتنا وشهدنا على الكثير من الحالات المماثلة، حيث يتحجج الرجل بقتل زوجته بسبب جريمة الشرف».
ويتحدث حيدر أيضاً عن «خوف المرأة من المجتمع في حال باحت بتعرضها للعنف»، ويلفت إلى أن «المرأة دائماً تخاف من أن تخسر أولادها لذلك تسكت في معظم الأحيان عن كل أشكال العنف أو التقصير أو الإهانة. كما أن هناك سيدات يعتبرن أن هذه هي طبيعة الرجل وأنه ولد معنفاً وله الحق بضرب زوجته».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.