بعد 5 أشهر من الانتظار، تبدو العودة لمفاوضات فيينا محفوفة بالمخاطر، وليس ثمة ما يؤشر إلى أن تُفضي جولتها السابعة التي تنطلق في 29 الحالي إلى تحقيق اختراق جديّ يعبّد الطريق للتوصل إلى اتفاق يتيح عودة إيران عن انتهاكاتها المتعددة لاتفاق العام 2015، بالتوازي مع رجوع الولايات المتحدة إلى الالتزام مجدداً بمندرجاته. وما يجري في إطار اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الملتئم حالياً في العاصمة النمساوية لا يحمل على التفاؤل.
ووفق قراءة أوروبية لتطورات الملف النووي الإيراني، فإن فشل مدير الوكالة في الحصول على تنازل، ولو كان رمزياً من جانب طهران حيث أمضى يومين، واجتمع بنائب رئيس الجمهورية ومدير الوكالة الذرية محمد إسلامي، وبوزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان؛ يعني أن الجانب الإيراني ليس مستعداً لتقديم هدايا مجانية، أي من غير مقابل. ورغم أن محادثات غروسي كانت محض تقنية، وتناولت ملفات سبق طرحها «إعادة تشغيل أجهزة الفيديو في موقع كرج لتصنيع مكونات أجهزة الطرد المركزية، تحسين التعاطي مع المفتشين الدوليين، توفير إجابات بشأن وجود آثار نووية من صنع بشري في 4 مواقع»، فإن طهران حرمته من «هدية» كان يستطيع حملها إلى مجلس محافظي الوكالة ليقول إن طهران تتعاون معها.
والحال أن الحسابات الإيرانية، وفق القراءة الأوروبية، تذهب في اتجاه آخر، ومنطلقاتها أن الوكالة «ليست في وضع يمكنها من تقريع إيران أو اتخاذ إجراء ما بحقّها خوفاً من الإطاحة بعودة الاجتماعات وفق السيناريو عينه الذي حصل في فترات سابقة من هذا العام وبضغوط أميركية». والصعوبة الكبرى بالنسبة للوكالة أنها اليوم عاجزة، بحسب اعتراف غروسي نفسه عن توفير صورة شاملة عما وصل إليه البرنامج النووي الإيراني ليكون المفاوضون في فيينا على بينة مما يفاوضون عليه.
ويتوازى هذا الأمر مع استمرار طهران في زيادة مخزونها النووي عالي التخصيب ومواصلة تحسين قدرات أجهزة الطرد المركزية لتصل إلى الجيل السادس «آي آر - 6»، وربما أعلى من ذلك. ورغم أن تصريحات لمسؤولين أميركيين وإسرائيليين تستبعد حصول إيران على السلاح النووي في فترة قريبة، فإن قدراتها التخصيبية النووية «60 في المائة وما فوق بحسب تصريح لرئيس الجمهورية السابق حسن روحاني» أصبحت مصدر قلق كبير من أن إيران تقترب كثيراً من «العتبة النووية».
هذا الواقع دفع أمس، وأول من أمس، الجانبين الأميركي والأوروبي إلى تشديد اللهجة وتوجيه تحذيرات واضحة لإيران. فقد أعلن المندوب الأميركي لدى الوكالة الدولية، أمس، أن استمرار إيران في «دفع التوترات النووية المنهجية» من شأنه منع واشنطن من العودة إلى الاتفاق. وحثّ البيان الذي أصدره المندوب الأميركي، على غرار البيانات السابقة، إيران على العودة إلى التعاون مع الوكالة الدولية بشكل فوري، معرباً في الوقت عينه عن «الأسف» لأن طهران لا تمتثل بالتزاماتها الخاصة بتمكين الوكالة من مراقبة مواقعها النووية. وكان الناطق باسم الخارجية الأميركية نيد برايس قد وصف فشل مهمة غروسي في طهران بـ«العلامة السيئة»، لجهة جدية طهران في العودة إلى المفاوضات والتوصل إلى اختتامها بنجاح. يضاف إلى ذلك كله التهديدات الأميركية التي لم تعد مستترة باللجوء إلى «خيارات أخرى» في حال فشلت مفاوضات فيينا. لم تعد التحذيرات قصراً على الأميركيين. فالدول الأوروبية الثلاث المعنية مباشرة بالملف النووي (فرنسا وبريطانيا وألمانيا)، كانت قد بادرت من جانبها إلى إصدار بيان مطول «16 فقرة» شديد اللهجة اعتبرت فيه أن مواصلة إيران في تعزيز قدراتها النووية «يعرض المجتمع الدولي لأخطار جادة»، وأن ذهاب طهران لتخصيب اليورانيوم إلى مستويات مرتفعة «ليس له أي مبرر مدني» بعكس ما تدعيه إيران.
إضافة إلى ذلك، أشار البيان إلى أن أنشطة البحث والتطوير الإيرانية والاستخدام المكثف لأجهزة الطرد المركزي المتقدمة عززت بشكل دائم قدرات التخصيب الإيرانية. والمعروف أن الأجهزة الحديثة أكثر سرعة وأقدر على إنتاج كميات أكبر من اليورانيوم العالي التخصيب، ما يعني أن طهران اليوم قادرة على كسر التقديرات السابقة للفترة الزمنية التي تحتاجها للحصول على ما يكفي لإنتاج سلاح نووي، في حال قررت الذهاب في هذا الطريق. والخلاصة الأوروبية أن طهران تنسف بشكل لا رجوع عنه قيم منع انتشار الأسلحة النووية الواردة في الاتفاق النووي، وفي اتفاقية منع انتشار الأسلحة المذكورة التي وقعّتها طهران. ورغم التطورات المقلقة، فإن الأوروبيين الثلاثة ومعهم أيضاً الجانب الأميركي يرون أن الفرصة ما زالت قائمة لإعادة إحياء الاتفاق النووي، وإعادة الأطراف المعنية للوفاء مجدداً بالتزاماتها. وجاء في بيان للاتحاد الأوروبي الإعراب عن «القلق العميق» إزاء عدم جدوى زيارة غروسي لطهران، وانتفاء أي تقدم في إعادة فرض الرقابة على منشأة كرج.
واضح اليوم أن السؤال المطروح على الوكالة الدولية، وتحديداً على الطرف الغربي «الأميركي والأوروبي» هو معرفة ما إذا كان عازماً على استخدام الآلية التي ينص عليها اتفاق العام 2015 المسماة بالإنجليزية «سناب باك» أي تشغيل آلية لفض النزاعات التي يمكن أن تعيد الملف النووي إلى مجلس الأمن، ما يعني عودة العقوبات الدولية على طهران. لكن تطوراً كهذا يحمل في طياته كثيراً من المخاطر، لأنه سيقضي بشكل فوري على إمكانية معاودة مفاوضات فيينا، وسيدفع طهران إلى مزيد من التشدد الذي قد يذهب إلى حد الطلب من المفتشين الدوليين الخروج من البلاد، ما سيطلق البرنامج النووي الإيراني من عقاله، ويفتح الباب لتطورات قد تكون عسكرية بالنظر للتهديدات الإسرائيلية والأميركية.
من هنا، فإن الرأي السائد أن الأوروبيين لن يقدموا على هذه الخطوة، وأن ما يهمهم في اللحظة الراهنة إعادة إيران إلى فيينا والتعرف على ما تريده وسلة المطالب التي سيحملها وفدها وإمكانية التوفيق بين الحد الأدنى من المكاسب الذي ستحصل عليه طهران والحد الأقصى الذي تقبل واشنطن التنازل عنه.
تقريع أميركي ـ أوروبي لطهران بسبب إفشال مهمة غروسي
الغربيون أمام مفترق طرق في مجلس محافظي «الطاقة الذرية»
تقريع أميركي ـ أوروبي لطهران بسبب إفشال مهمة غروسي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة