«المتوالية القصصية» جنساً أدبياً مستقلاً

إدوار الخراط أول قاص عربي أطلق المصطلح على مجموعته «أمواج الليالي»

إرنست همنغواي
إرنست همنغواي
TT

«المتوالية القصصية» جنساً أدبياً مستقلاً

إرنست همنغواي
إرنست همنغواي

يضيء الدكتور ثائر العذاري، أستاذ النقد الحديث في كتابه الجديد «المتواليّة القصصية: الأصول والتجنيس والتمثلات» الصادر عام 2020، واحداً من المصطلحات الإشكالية الحديثة التي أثارت خلافاً كبيراً بين النقاد والباحثين. وقد انعكس ذلك على المشهد النقدي، حيث شهدنا مساجلات خصبة بين الدكتورة نادية هناوي، والدكتور ثائر العذاري خلال السنوات الماضية حول ماهية هذا المصطلح وحدوده وحمولاته وتجلياته. وشخصياً، كنت قد أضأت جوانب من هذا المفهوم النقدي وطبقته على بعض الأعمال القصصية، منها مجموعة «غيمة عطر» وأشرت إلى أن هذه المجموعة تعدّ مثالاً على مفهوم المتوالية السردية أو المتوالية القصصية، وخاصة بعد أن أدرج المؤلف عنواناً فرعياً تصنيفياً مهماً هو «متوالية قصصية» بوصفه عتبة نصية دالة. وبيّنت أن النقد الحديث اعتاد على إطلاق مصطلح المتوالية السردية على الوحدات السردية الصغرى التي تشكل سرداً أوسع، إلا أن التوظيف الجديد يذهب أبعد من ذلك لأنه يحيلنا إلى ظاهرة اشتراك قصص مجموعة قصصية معينة في مشتركات أسلوبية رؤيوية، يجعلها مترابطة إلى حد كبير وتقترب في تضافرها من الرواية الحديثة. وأشرت إلى بعض النماذج العالمية الممثلة لهذا المنحى، وفي مقدمتها مجموعة «أهل دبلن» للروائي الآيرلندي جيمس جويس، و«في زماننا» لإرنست همنغواي، إلا أننا يجب أن نعترف بأن السجال النقدي بين الدكتورة نادية هناوي، والدكتور ثائر العذاري، هو الذي وضع المصطلح تحت ضوء ساطع وأغنى جوانبه المختلفة. ومما أكده العذاري، أن القاص إدوار الخراط هو أول قاص عربي أطلق مصطلح «المتوالية القصصية» على مجموعته «أمواج الليالي» الصادرة عام 1991 كما تحمس الدكتور العذاري لفكرة عدّ المتوالية القصصية جنساً أدبياً مستقلاً، وهو ما أثار حفيظة د. نادية هناوي التي رفضت فكرة التجنيس هذه؛ إذ ترى أن لا جدوى من الخلط بين ما هو تقانة واشتغال مخصوص، وبين ما تجنيس مؤطر بالنظرية، وقد نشرت هنادي حصيلة سجالها في كتابها النقدي الموسوم «في الجدل النقدي» الصادر عام 2021.
ويبدو أن الدكتور ثائر العذاري قرر أن يخوض المواجهة حتى النهاية من خلال المباشرة بكتابة كتابه الجديد هذا. ويعترف الناقد بأنه اصطدم بهذا المصطلح عام 2011 عندما كان أستاذاً زائراً بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية؛ فراح يتقصى أصوله ومصادره وتمثلاته. ولم يقتصر جهد الناقد على الاطلاع المضني على المراجع الأساسية، بل عمد إلى إجراء عملي يحسب له، وذلك من خلال إقامة حوار مباشر حول المصطلح مع أحد أبرز النقاد المهتمين به هو روبرت لوشر، والذي سبق للقارئ العربي أن اطلع على دراسته المهمة حول المتوالية السردية في كتاب عن نظرية الأجناس الأدبية. يأخذنا الناقد العذاري في كتابه هذا في سياحة نقدية واسعة لاستقصاء أصول المصطلح الذي يرى أنها تعود إلى ثمانينات القرن الماضي، من خلال انشغال عدد كبير من النقاد في الولايات المتحدة بهذا المصطلح ودلالاته. وحاول الناقد التمييز بين المجموعة القصصية التقليدية التي تكتب في أوقات متباعدة، وبين المتوالية القصصية التي تشترك أقاصيصها في مقومات كثيرة منها البنية المكانية الموحدة، كما هو الحال في «أهل دبلن» لجميس جويس. كما يذهب الناقد إلى الاعتقاد أن مجموعة نجيب محفوظ «أولاد حارتنا» هي واحدة من أقدم المتواليات في الأدب القصصي العربي الحديث، والتي تدور أحداثها داخل مكان محدد، وقد تبنى المتوالية القصصية، كما يرى الناقد من خلال التركيز على «شيء» واحد مثلما فعل الكاتب الكويتي طالب الرفاعي في متوالية «الكرسي» التي تمحورت حول الكرسي وتنويعاته الوظيفية المتنوعة. وقد تتشكل المتوالية القصصية على زاوية النظر التي يتعامل بها القاص مع التجربة القصصية أو على وحدة الشخصية القصصية، كما هو الحال في مجموعة أحمد المديني «عند بوطاقية» التي تتمحور حول شخصية واحدة هي «بوطاقية». ويخلص الناقد إلى استنتاج مركزي في كتابه هذا يرى فيه، أن المتواليات القصصية ليست مجاميع قصصية تقليدية، بل هي جنس أدبي قائم بذاته، له خصائصه وتقنياته المتعلقة به. وعبر استضاءاته النقدية، توصل الناقد إلى أن الناقد الشكلاني الروسي شكلوفسكي هو من أوائل الذين شخّصوا ظاهرة المتوالية القصصية وعدّوها أصلاً للرواية، من خلال التركيز على دور البنية الإطارية كما هو الحال في «ألف ليلة وليلة». وأكد الباحث، أن معظم النقاد الذين درسوا المتوالية القصصية عدّوا «ألف ليلة وليلة» الأصل التاريخي لها.
ولا يكتفي الناقد باستضاءاته على الأدب العالمي، بل فحص تمثلات مهمة لهذا الضرب السردي في تراثنا العربي من خلال التركيز على نماذج دالة منها «كليلة ودمنة» لابن المقفع و«مقامات الهمداني» و«ألف ليلة وليلة» والتي كان لها أثر بالغ في نشوء جذور القصة والرواية التي مثلتها «حكايات الديكاميرون» لبو كاشيو و«حكايات كانتزبري» لجوسر، وذلك من خلال الاعتماد على فكرة الحكاية الإطارية التي تضم مجموعة من الرواة الذي سيروي كل منهم حكاية.
ويلفت الناقد النظر، وهو يستقصي أصول المصطلح إلى أن أوروبا وأميركا قد شهدتا خلال القرن التاسع عشر ظهور لون من المتواليات الشعرية، قبل أن تظهر المتواليات القصصية.
لكن الباحث يرى أن أول متوالية قصصية في القرن العشرين هي مجموعة «أهالي دبلن» لجيمس جويس التي تدور داخل مدينة واحدة وتكشف عن حياة الناس وطباعهم وأسواقهم وبيوتهم، وكأنها تريد أن تؤشر خصوصية الهوية الآيرلندية التي كانت تعاني من وطأة الاحتلال البريطاني آنذاك.
كما توقف الناقد أمام ظهور مجموعة قصصية مهمة عام 1919 للقاص شيرود اندرسن هي «واينسبرغ - أوهايو» التي عدّت متوالية قصصية كان لها تأثيرها اللاحق في إشاعة هذا الجنس القصصي. ولاحظ الناقد وجود عناصر مشتركة في هذه المجموعة، فضلاً عن وحدة المكان وهي تشابه في طبائع الشخصيات التي دفعت المؤلف إلى وضع عنوان أولي لها هو «كتاب الشخصيات غريبة الاطوار» كونها أيضاً تعاني من الوحدة والانعزال.
أما النموذج الثالث الذي استرعى اهتمام الناقد فكان مجموعة «في زماننا» لإرنست همنغواي الصادرة عام 1924، التي ركزت على بشاعة الحرب العالمية الأولى كثيمة مركزية، كما أن قصصها القصيرة كانت تحكي تجارب شخصية مركزية واحدة هي «نيك آدمز»، وهو شخصية مركزية في الكثير من قصص همنغواي.
لكن الناقد يرى أن المرحلة الحقيقية للاعتراف بالمتوالية القصصية جنساً أدبياً مستقبلاً بدأت مع صدور كتاب الناقد فورست انغرام عام 1971 حول الموضوع، والذي درس حلقة القصة القصيرة في القرن العشرين، موظّفاً مصطلح «حلقة» بدل المتوالية القصصية. ويرى انغرام في كتابه ذاك، أن المتوالية القصصية هي «حزمة من القصص القصيرة المترابطة مع بعضها، بحيث تتعدل التجربة القرائية لأي منها بعد قراءة الأخريات»، كما أضاف إنغرام فقرة جديدة تذهب إلى أن الحلقة القصصية هي «حزمة من القصص القصيرة التي ترتبط إحداها بالأخرى بطريقة توازن بين استقلالية كل قصة منفردة، وبين ضرورات الوحدة الكلية».
ومن المهم هنا، أن الناقد لم يقتصر على التعريف بأداء الناقد إنغرام، بل سجل عليه بعض المآخذ المتعلقة بدور القارئ بين المتواليات القصصية التي اقترحها الناقد، فضلاً عن المقارنة بين أفضلية حلقة القصة القصيرة و«المتوالية القصصية» والتي ينحاز فيها الناقد إلى التسمية الأخيرة؛ لأنها أكثر مقبولية بالنسبة للقارئ العربي الذي سبق له وأن اطلع عليها في توصيف مجموعة إدوار الخراط «أمواج الليالي» الصادرة عام 1991. لكن العذاري في رأيه هذا يستند إلى رأي الناقد روبرت لوشر الذي عبّر عنه في اتصال مباشر عبر الإنترنيت، والذي أكد فيه أن المتوالية القصصية جنس سردي مستقل، منفصل عن الرواية، وعن القصة القصيرة نفسها، لكن حدودها سائلة؛ ما يجعلها تشتبك مع مجموعة من الأشكال المتنوعة. ومن الجانب الآخر، يتفق الباحث مع رأي الناقد رالف لندن في تقسيم المتواليات القصصية إلى أربعة ضروب أساسية، هي المتوالية القصصية العنقودية والمتوالية القصصية المتسلسلة والمتوالية القصصية الحلقية والنوفيلا، ويفرد الباحث صفحات عديدة للتعريف بهذه الضروب وتمثلاتها في الأدبين العالمي والعربي.
ويختتم الباحث كتابه بالحديث عن بنية التماسك في المتوالية القصصية، حيث يذهب إلى أن هذا الجنس الأدبي ينهض على ثنائية، هي التوتر والتعدد الناتجين من كون كل قصة في المتوالية لا بد أن تكون مكتفية بذاتها. وخلص إلى القول، إن كتاب المتواليات القصصية اكتشفوا بمرور الزمن أنها ميدان واسع للإبداع وابتكار أساليب لا يحدها سوى خيال الكاتب لبناء «التماسك». ويحاول الباحث أن يتلمس مظاهر التماسك في عدد من المتواليات القصصية، والتي سبق لي وأن درستها ومنها متوالية «ألف صباح وصباح» للروائي حامد فاضل التي كتبت مقدمتها والتي أشرت فيها إلى انتمائها إلى مفهوم المتوالية السردية، ومجموعة «غيمة عطر» لحميد الربيعي التي درستها بوصفها متوالية سردية.
كتاب الدكتور ثائر العذاري جهد أكاديمي ونقدي متميز ويمثل إضافة مهمة للنقدية الأدبية العربية الحديثة.



أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.