في وقت يشرع فيه رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، في سلسلة اجتماعات مع قوى سياسية واجتماعية، لبحث تنفيذ الاتفاق السياسي الموقّع بينه وبين قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، وتشكيل الحكومة الجديدة، تجري الاستعدادات في الشارع على قدم وساق لتسيير مواكب حاشدة غداً (الخميس)، تشكل اختباراً حقيقياً لاتفاق «البرهان - حمدوك»، فيما تترقب الأوساط الطريقة التي ستتعامل بها القوات الأمنية مع المحتجين الرافضين للاتفاق السياسي الأخير، الذي يعدّونه امتداداً لإجراءات 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأجرى رئيس الوزراء أمس، لقاءات عديدة مع قوى سياسية عديدة، ولكن لا يُعرف ما إن كان تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير سيكون ضمن تلك الاجتماعات لا سيما بعد المواقف المتشددة التي اتخذها التحالف الذي كان يقود الحكومة قبل استيلاء الجيش على السلطة، في أكتوبر.
ولكن حمدوك أكد في مقابلة مع قناة «العربية»، أمس، أن جميع القوى السياسية بكل أطيافها بما فيها قوى إعلان الحرية والتغيير بشقّيها شاركت في الاتفاق السياسي الأخير مع الجيش، مشيراً إلى أنه «تم على أساس حقن دماء السودانيين والحفاظ على المكتسبات».
ورأى حمدوك أنه «لا بديل عن الحوار في السودان والعمل من أجل الوصول للانتخابات»، مؤكداً أن «الانتخابات ستفتح الطريق لترسيخ الديمقراطية في السودان». وشدد على أنه لا يفكر بكسب الشعبية بل يفكّر «في مصلحة الشعب السوداني».
كما شرح أن «قوى الحرية والتغيير في السودان ستبقى فاعلة»، مضيفاً أن «تجمع المهنيين قاد الثورة في السودان بكل احترافية». ورأى أن «الأولوية الآن هي لإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين... وسيتم ذلك قريباً»، معبّراً عن دعمه لـ«إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين بلا استثناء».
في سياق آخر، أعرب حمدوك عن حرصه على «الالتزام بكل الاتفاقيات المتعلقة بسلام جوبا»، كما قال: «سنركز على إيجاد الحلول للملفات الداخلية في السودان... القضايا في السودان أصبحت معقدة أكثر مما كانت عليه». وعاد وشدد على أن «الاستحقاق الأساسي في المرحلة الانتقالية هو الانتخابات»، مضيفاً: «نسعى لتشكيل حكومة سودانية من كفاءات وطنية مستقلة». وفي الشق الاقتصادي، أوضح رئيس الحكومة أن «تقديم العالم مساعدات للسودان مرتبط بإنجازنا في التحول الديمقراطي».
من جهته أكد عضو مجلس السيادة الفريق الركن ياسر العطا، أن الاتفاق السياسي الذي وقّعه الفريق البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك يمهد لحوار وطني واسع يشمل جميع القوى السياسية بالبلاد للوصول إلى توافق سوداني لإنجاح الفترة الانتقالية. وأشار إلى أن الفترة القادمة ستشهد إشراك شباب ثورة ديسمبر (كانون الأول) في المجلس التشريعي وتمثيل رمزي لكل القوى السياسية.
من جانبه قال نائب مدير جهاز المخابرات العامة الفريق أحمد إبراهيم المفضل، إن الاتفاق السياسي الذي تم بين البرهان وحمدوك طوى صفحة من صفحات التشاكس السياسي في السودان وهو يمر بتحديات داخلية وخارجية كثيرة. وقال المفضل إن الإرادة القوية لدى القيادة السياسية تعمل على المضيّ قدماً لتجاوز الصعاب والتحديات، مشيراً إلى أن جهاز المخابرات العامة سيظل إحدى الشرائح المهمة للدولة من خلال العمل الدؤوب بتزويد القيادة السياسية بالمعلومات الدقيقة والمقترحات التي تعمل على دفع البلاد إلى بر الأمان والاستقرار.
وفي الأثناء، تجري الاستعدادات على قدم وساق بين لجان المقاومة الشعبية لتنظيم موكب مليوني غداً (الخميس)، تعلن فيه رفضها للاتفاق السياسي، وتصعيد المقاومة السلمية لإسقاط الحكومة بشقيها مجلس السيادة ومجلس الوزراء، بعد أن عدّت عودة حمدوك لممارسة مهام منصبه في تلك الطريقة «ردة على الثورة وخيانة لدم الشهداء»، وجددت تأكيد موقفها الممثل في: «لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية».
ومنذ الانقلاب نظمت لجان المقاومة الشعبية وقوى إعلان الحرية والتغيير، مواكب مليونية في أيام 25 و30 أكتوبر الماضي و13 و17 و21 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، شارك فيها مئات الآلاف. وانتهجت قوات الأمن عنفاً مفرطا ضد المحتجين، استخدمت فيه الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع والعصي والهراوات، ما أدى لمقتل 16 محتجاً على الأقل حتى الآن، وإصابة العشرات بإصابات متفاوتة بعضهم أُصيب بإعاقات دائمة بينما لا يزال آخرون يتلقون العلاج في المستشفيات حالات بعضهم حرجة.
ولا يزال عشرات المعتقلين من القادة السياسيين ومئات النشطاء يقبعون في سجون السلطات العسكرية السودانية، رغم مرور أيام على توقيع اتفاق البرهان وحمدوك، الذي نص على إطلاق سراح المعتقلين دون تأخير أو شروط، في الوقت الذي أطلقت فيه السلطات على دفعات أربعة وزراء ثم ألحقت بهم أربعة سياسيين، ثم مستشار رئيس مجلس الوزراء الإعلامي فيصل محمد صالح، آخر المفرج عنهم حتى نهار أمس.
وقال صالح لـ«الشرق الأوسط» إن قوة بثياب مدنية اقتحمت منزله الحكومي، وعصبت عينيه ثم اقتادته لجهة مجهولة، عُرف لاحقاً أنها «أكاديمية الأمن» جنوبي الخرطوم، وهناك أُدخل في حبس انفرادي وعزل تام عن الخارج، حتى لحظة إطلاق سراحه وعودته لمنزله، وأضاف: «لم أكن أعرف ماذا حدث في الخارج، ومن الذي قاد الانقلاب، ومن هم المعتقلون معي، وسمعت فقط الحراس يتحدثون في غرفة رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، فعرفت أنه محبوس معي في ذات المكان».
حمدوك يشرع في ترتيب الأوضاع... والشارع يحضّر لـ«مليونية اختبار»
حمدوك يشرع في ترتيب الأوضاع... والشارع يحضّر لـ«مليونية اختبار»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة