بث حديث نصر الله عبر التلفزيون الحكومي اللبناني يثير عاصفة سياسية

وزير الإعلام لـ {الشرق الأوسط} : لن نتهاون

بث حديث نصر الله عبر التلفزيون الحكومي اللبناني يثير عاصفة سياسية
TT

بث حديث نصر الله عبر التلفزيون الحكومي اللبناني يثير عاصفة سياسية

بث حديث نصر الله عبر التلفزيون الحكومي اللبناني يثير عاصفة سياسية

دان رئيس الحكومة اللبناني الأسبق سعد الحريري، أمس، بث «تلفزيون لبنان» الحكومي مقابلة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، الاثنين الماضي، مع قناة «الإخبارية» السورية، التي تخللتها إساءات كلامية واتهامات بحق المملكة العربية السعودية.
ونقل تلفزيون لبنان عبر أثيره، مساء الاثنين الماضي، مقابلة لنصر الله أجراها مع برنامج «دومينو السياسة» الذي يعرض على شاشة «الإخبارية السورية» الرسمية، مما أثار جملة استنكارات لخرق التلفزيون الرسمي سياسة النأي بالنفس التي اتخذتها الحكومة اللبنانية بشأن التعاطي مع الأزمة السورية. وفي هذا السياق، أكد وزير الإعلام اللبناني رمزي جريج، مجددا، اعتماد لبنان سياسة النأي بالنفس عن الصراع الدائر في سوريا، وأنه يفترض علينا ألا نتعامل مع المؤسسات التابعة للنظام السوري، وقناة «الإخبارية» السورية هي مؤسسة تابعة لهذا النظام، من هنا كان من الخطأ نقل البث عنها، كاشفا عن أن «هناك تحقيقات داخلية لن نعالجها عبر وسائل الإعلام، للتأكد مما إن كان هناك تواصل مع القناة السورية أم كان النقل عبر قناة (المنار)».
وقال جريح في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «موضوع بث كلام نصر الله على تلفزيون لبنان الرسمي أساء للمملكة العربية السعودية، ونحن على صداقة عميقة معها، وأوفياء لما قدمت لنا من دعم مادي ومعنوي، وآخرها الهبة التي قدمتها للجيش اللبناني». وأعرب عن «تقديره وأسفه لما حصل في نقل حديث نصر الله وخاصة في الجزء الذي أساء فيه للسعودية»، مؤكدا أنه «رغم حرية الإعلام التي يتميز بها لبنان، فإننا لن نتهاون مع التجاوزات الإعلامية التي تنال من رؤساء دول صديقة؛ لأن هناك قانونا يشكل سقفا للحريات ويمنع من إثارة النعرات». وأكد جريج أن «المملكة العربية السعودية تفهمت موقف لبنان الرسمي مما حصل، وإننا تجاوزنا هذا الظرف، ومن الطبيعي أن تتم المعالجة بالشكل المطلوب».
في المقابل، رفضت مصادر في تلفزيون لبنان الرسمي أن «يكون هناك أي تنسيق بين إدارة التلفزيون والجانب السوري»، مشددة على «الالتزام الكامل بسياسة النأي بالنفس، وعدم خرق قرارات الحكومة اللبنانية وأنها ليست بصدد تشكيل أي توترات داخلية كانت أم خارجية»، شارحة أن «بث كلمة نصر الله كان عبر قناة (المنار) وليس الفضائيات السورية؛ إذ إن هناك تنسيقا مع كل التلفزيونات اللبنانية في نقل وتبادل التوترات الفضائية فيما بيننا».
وأشارت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «هناك تحقيقا من قبل وزارة الإعلام فيما يخص كيفية نقل حديث نصر الله»، معتبرة أن «ما ترفضه الوزارة هو نقل أي بث تظهر فيه إشارة أو شعار التلفزيون السوري». وتتابع: «لا نريد من خلال نقل كلمة نصر الله أن يصنّفنا البعض أننا نتّخذ موقفا من السعودية أو أننا نتبنى كلام نصر الله، بل إننا ملتزمون بنقل حديث سياسيي الصف الأول ورؤساء الأحزاب في لبنان، وهو عمل روتيني أن نتبادل البث مع بقيّة التلفزيونات وليس لدينا أعداء على الصعيد المهني». وختمت بالقول إن «وزارة الإعلام اتخذت الموضوع على عاتقها، وهي تعلم أن نية إدارة التلفزيون الحكومي كانت صافية، وأنها ملتزمة كل الالتزام بسياسة النأي بالنفس من الأحداث السورية».
واعتبر الحريري، في بيان له، أنه تم «إقحام تلفزيون لبنان في حلبة الملاكمة الإعلامية والسياسية، واستدراجه إلى فخ المشاركة في حفلة الشتائم ضد المملكة العربية السعودية وقيادتها، التي خصصتها الإخبارية الرسمية السورية قبل يومين، من خلال المقابلة السيئة الذكر مع الأمين العام لحزب الله». ولفت الحريري إلى أنه تم «استخدام مواقع الدولة اللبنانية ومنابرها للنيل من دولة عربية شقيقة والتطاول على السعودية ورموزها ودورها، أسوة بما تفعله الأبواق المشبوهة وبعض الصحف الصفراء، التي تريد للبنان أن يقع في شرك العداء لأشقائه العرب، كرما لعيون إيران ولسياساتها في المنطقة».
وأكد أن «الصمت في هذا المجال غير جائز وغير مبرر، سواء بدعوى الالتزام بمقتضيات الحوار الذي أردناه ونريده بكل أمانة وإخلاص، أو بدعوى تقديم المصلحة الوطنية على أي مصالح خارجية، خصوصا عندما نجد في المقابل من يمعن في تعريض تلك المصلحة لمخاطر يومية، ومن يعمل ليل نهار على ربط لبنان بكل نزاعات المنطقة، من معارك تكريت والموصل في العراق إلى حروب القلمون والسويداء وحلب واليرموك في سوريا، إلى هجمات الحوثيين في صنعاء وتعز وعدن».
وأضاف الحريري أن «التاريخ كتب وسيكتب بحروفٍ من ذهب ما قدمته المملكة العربية السعودية إلى لبنان، ولن يكون بمقدور الأبواق المسمومة أن تغيّر من هذه الحقيقة أو أن تتمكن من تشويهها، فما فعلته السعودية وما تفعله اليوم، هو فعل إيمان بدورها في حماية الهوية العربية، وفي الدفاع عن حقوق الشعوب العربية بالأمن والاستقرار والتقدم، خلاف من يسعى من الدول، مثل إيران وغير إيران، لتدمير هذا الاستقرار وتحويل العواصم العربية إلى ساحات مفتوحة أمام الفوضى الطائفية والمسلحة».
وشدد الحريري على أن «السعودية تعلم جيدا أن لبنان لن يبيع عروبته للمسيئين إليها، واللبنانيون يعرفون أيضا أن مملكة الخير والحكمة والحزم لن تتخلى عن لبنان مهما تعالت الأصوات المسعورة بالسباب».
وفي الإطار نفسه اعتبر وزير الاتصالات بطرس حرب أن «لبنان يخجل أن يتطاول أحد فيه على السعودية وعلى ملكها، وهي التي لم تبخل يوما على لبنان دعما، لا سياسيا ولا ماليا، ووقفت إلى جانبه في كل الظروف»، داعيا إلى «تكرار الاعتراف بالجميل للبنان ولدورها الرائد في العالم العربي». كما أكدت الأمانة العامة لقوى «14 آذار» أن «حزب الله» لا يمثل إلا نفسه، وهو لا يمثل وجهة نظر اللبنانيين الذين تربطهم بالسعودية أواصر صداقة وأخوة والذين يعترفون لها باحتضانها لهم ولعائلاتهم، وأن آلاف اللبنانيين الذين يعيشون على أرض المملكة، يساهمون، إلى جانب إخوانهم السعوديين، في تطويرها من جهة، وفي مساندة عائلاتهم المقيمة في لبنان من جهة أخرى.
وطلبت الأمانة العامة من الحكومة اللبنانية «إبراز الفصل الواضح بين موقفها وموقف حزب الله رغم مشاركة الأخير فيها، وأن لا تسمح لأحد، مهما علا شأنه السياسي أو الديني، بتعكير علاقات لبنان مع دول عربية شقيقة دعمت وتدعم اقتصاد لبنان واستقلاله وجيشه وقواه الأمنية الرسمية».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.