أستراليا توقع اتفاق الغواصات النووية مع الولايات المتحدة وبريطانيا

TT

أستراليا توقع اتفاق الغواصات النووية مع الولايات المتحدة وبريطانيا

وقعت أستراليا رسمياً أمس الاثنين، الاتفاق مع الولايات المتحدة وبريطانيا لتزويدها بثماني غواصات تعمل بالطاقة النووية، في إطار التحالف الجديد الذي أعلنته الدول الثلاث في وقت سابق، وأثار يومها خلافات كبيرة مع فرنسا. ووقع وزير الدفاع الأسترالي، بيتر داتون، الاتفاق في كانبيرا، بحضور دبلوماسيين بريطانيين وأميركيين، يسمح بتبادل «المعلومات حول الدفع النووي البحري» بين البلدان الثلاثة. ويعتبر الاتفاق أول وثيقة تنشر بين الدول الثلاث منذ الإعلان عن تحالفها الجديد، الذي سمي «أوكوس»، للتعامل مع التوترات الاستراتيجية المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين في منطقة المحيطين الهادئ والهندي. ويسمح اتفاق «أوكوس»، لأستراليا بالحصول على ثماني غواصات متطورة تعمل بالطاقة النووية، قادرة على تأدية مهمات بعيدة المدى، وتوفير إمكانية تبادل القدرات الإلكترونية والذكاء الاصطناعي والقدرات الكمية وقدرات غير محددة تحت الماء. وقبيل حفل التوقيع، قال الرئيس الأميركي جو بايدن، في مذكرة، إنه وافق على الاتفاق، لأنه سيحسن «موقف الدفاع المشترك» للدول الثلاث. وقال داتون بعد توقيع الاتفاق بحضور القائم بالأعمال الأميركي مايكل غولدمان والمفوضة البريطانية العليا في أستراليا فيكتوريا تريدل، إنه سيساعد بلاده على استكمال دراسة مدتها 18 شهراً بشأن الاستحواذ على غواصات نووية. ولم يتم تحديد تفاصيل الاتفاق أو بنوده، وما إذا كانت ستختار أستراليا الحصول على غواصات هجومية نووية من الولايات المتحدة أو بريطانيا.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن داتون قوله في بيان: «من خلال إمكانية الوصول إلى المعلومات التي توفرها هذه الاتفاقية، والخبرة في عقود يمتلكها شركاؤنا في المملكة المتحدة والولايات المتحدة في مجال الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، ستكون أستراليا أيضاً قادرة على أن تدير هذه التكنولوجيا بشكل مسؤول وموثوق به». يذكر أن الاتفاق أثار خلافاً كبيراً بين أستراليا وفرنسا، ومع الولايات المتحدة، بعدما ألغت كانبيرا عقداً ضخماً لشراء 12 غواصة فرنسية تعمل بالدفع التقليدي، بقيمة تتجاوز 60 مليار دولار أميركي. واكتشف الفرنسيون أن أستراليا تفاوضت سراً على اتفاقية مع واشنطن ولندن وإلغاء عقد شراء الغواصات التي تعمل بالديزل والكهرباء.
واستدعت فرنسا سفيريها من واشنطن وكانبيرا، متهمة «الحلفاء» بطعنها من الخلف. وسعت واشنطن لحل الخلاف مع باريس، وأعلن الرئيس الأميركي بايدن أن بلاده ارتكبت خطأً في التعامل مع حليفتها التاريخية فرنسا، قائلاً إنه كان من المفترض التنسيق معها بشكل أفضل. ورغم تراجع حدة الخلاف بين باريس وواشنطن، بعد قيام عدد من المسؤولين الأميركيين، بينهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن ونائبة الرئيس كمالا هاريس بإجراء محادثات مكثفة معها، لا يزال الخلاف قائماً بين فرنسا وأستراليا، وتبادل البلدان تصريحات نارية بشأن انسحاب كانبيرا من صفقة الغواصات الفرنسية.
كما أثار التحالف الجديد «أوكوس» بين الدول الثلاث، غضب بكين الذي وصفته بأنه يشكل تهديداً غير مسؤول للاستقرار في المنطقة.
وقبل أيام سخرت أستراليا علناً من تصريحات دبلوماسي صيني كبير حذرها من إبرام الاتفاق، معتبرة أنها «غبية جداً ومضحكة».
وكان القائم بأعمال السفارة الصينية وانغ شينينغ صرح بأن أستراليا ستصبح «صبياً مشاكساً» بشرائها هذه الغواصات التي تتسم بقدرة ذاتية أكبر ورصدها أصعب من الغواصات التقليدية. وقال وانغ أرفع دبلوماسي صيني في أستراليا بعد رحيل السفير في أكتوبر (تشرين الأول) في مقابلة مع صحيفة «ذي غارديان» البريطانية إن الغواصات صممت للسماح بشن هجمات بعيدة المدى، متسائلاً: «من ستهاجم؟ لم تعد متمسكاً بالسلام ومدافعاً عن السلام وأصبحت حامل سيف بطريقة ما».
وتابع أن أستراليا «لا تملك أي قدرة نووية» للتعامل في حالة وقوع حادث مع الغواصات. وسخر وزير الدفاع الأسترالي بيتر داتون من هذه التصريحات التي وصفها بـ«الاستفزازية والهزلية»، معتبراً أنها «غبية إلى درجة تثير الضحك». وأضاف أن «السفير بالنيابة يقرأ على الأرجح بياناً للحزب الشيوعي لكنني أعتقد أن معظم الأستراليين يتفهمون الطبيعة غير المجدية لهذه التعليقات».
وحذر وانغ في مقابلته مع صحيفة «ذي غارديان» السياسيين الأستراليين من أي عمل «يضر بعلاقتهم». تتصاعد الخلافات التجارية خصوصاً بين أستراليا والصين منذ 2018. وقد أدت إلى تجميد العلاقات الدبلوماسية على أعلى مستوى منذ عامين.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».