تساؤلات عن شكل بيئة العمل الإعلامي بعد «كوفيد ـ 19»

تساؤلات عن شكل بيئة العمل الإعلامي بعد «كوفيد ـ 19»
TT

تساؤلات عن شكل بيئة العمل الإعلامي بعد «كوفيد ـ 19»

تساؤلات عن شكل بيئة العمل الإعلامي بعد «كوفيد ـ 19»

شكل بيئة العمل بعد جائحة فيروس «كوفيد - 19» بات يثير كثيراً من التساؤلات الإعلامية حول طبيعة العمل داخل غرف الأخبار، وسط تباين بين راغبين في الدمج بين النظامين الإلكتروني والحضور الفعلي، وآخرين يرون أنه لا حاجة بعد انتهاء الجائحة للعمل عن بُعد، وبالتالي يجدون ضرورة للمداومة داخل مقرات العمل. وفي هذه الأثناء، تشير دراسة دولية إلى أن 9 في المائة فقط من المؤسسات الإعلامية أبدت رغبتها في العودة إلى المكاتب بعد انقشاع خطر «كوفيد - 19».
صحافيون ومتخصصون يرون أن الإعلام بشكل عام يحتاج إلى نوع من التواصل بين المحررين والمصادر، وهو ما لا يتحقق بشكلٍ كافٍ في العمل من المنزل. ويلفت هؤلاء إلى أن العمل عن بُعد قد لا يستمر بعد الجائحة. ورأى هؤلاء أن الجائحة دعمت توجه التحول الإلكتروني، وساهمت في تطوير آليات العمل عن بُعد، إلا أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، بحجة المحافظة على جودة المنتج الإعلامي الذي يحتاج -حسب رأيهم- إلى قدر من التفاعل والتواصل الإنساني.
وفي دراسة لمعهد «رويترز لدراسة الصحافة»، شملت 132 من كبار قادة صناعة الصحافة والإعلام من 42 دولة، نُشرت في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أظهرت النتيجة أن «نظام العمل المختلط سيصبح قريباً هو الأساس الذي تعتمده غالبية المؤسسات الإعلامية، وهو ما يعني وجود بعض الصحافيين في المكاتب، بينما يعمل بعضهم الآخر عن بُعد. كذلك بينت الدراسة أن 9 في المائة فقط من المؤسسات الإعلامية أبدت رغبتها في العودة إلى العمل من المكاتب بالطريقة ذاتها التي كان عليها الوضع قبل «كوفيد - 19».
وأوضحت الدراسة أيضاً أن نحو 34 في المائة من المؤسسات نفذت تعديلات في طريقة العمل لتتفق مع النظام المختلط، بينما ما زال 57 في المائة منها يبحث عن الطريقة المثلى لتطبيق هذا النظام.
وهنا، تقول سارة ساير، الباحثة في معهد «نيمان لاب» المتخصص في شؤون الإعلام، إن «أغلب الذين شملتهم الدراسة، وهم من 42 دولة، يمثلون غرف أخبار كبيرة ومتوسطة في أوروبا وأميركا».
وأردفت ساير، في تقرير نشرته بشأن دراسة معهد «رويترز»، أن «فكرة العمل عن بُعد غير شائعة في المقام الأول. فعلى سبيل المثال، 35 في المائة من الأميركيين عملوا عن بُعد خلال فترة اشتداد الجائحة، إلا أن هذا الرقم انخفض إلى 13 في المائة في أغسطس (آب) الماضي».
الصحافي حمود الطوقي، رئيس تحرير مجلة «الواحة» في عُمان، قال خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» إن «العمل الإعلامي لا يمكن أن يستمر عن بُعد، فهناك أمور قانونية متعلقة بالمؤسسات الإعلامية تستلزم وجود موظفين فيها. ومن هنا، فإنه بعد انتهاء خطر الجائحة، من المرجح عودة العمل إلى طبيعته، كما كان في السابق».
ومن جانبه، علق محمد سعد عبد الحفيظ، عضو مجلس نقابة الصحافيين المصريين، لـ«الشرق الأوسط» قائلاً إن «فكرة العمل عن بُعد ليست جزءاً من الثقافة العربية، ولا يحب رؤساء التحرير والصحافيون التواصل عبر الإنترنت... ثم هناك مشكلة أيضاً في مدى التزام الصحافيين عند العمل من المنزل».
إلا أن الصحافي يوسف أيوب، رئيس التحرير التنفيذي لموقع «اليوم السابع» في مصر، له رأي آخر، إذ قال لـ«الشرق الأوسط» إن «المشكلة ليست في قلة التزام الصحافيين، ولا في كيفية متابعة عملهم من المنزل، فهناك آليات لذلك يُمكن اتباعها، وقد نفذناها بالفعل في (اليوم السابع)، وجرى تنفيذها في كثير من المؤسسات الإعلامية، بل تكمن المشكلة في أن الإعلام بشكل عام يحتاج إلى نوع من التواصل بين المحررين والمصادر، وهو ما لا يتحقق بشكلٍ كافٍ خلال العمل من المنزل». لذا، يرجح أيوب ألا يستمر العمل عن بُعد بعدما تنقشع سحب الجائحة.
وعلى أي حال، فلا شك في أن الفيروس، وما تسبب به، أسهم بتغيير نمط العمل في جميع المجالات، ومن بينها الصحف، وتحول كثيرون للعمل من المنزل. وهنا، يبين الطوقي أن «الصحافيين طوروا أدواتهم في التعامل مع الجائحة، وأتاح لهم العمل عن بُعد واستخدام التكنولوجيا تنظيم حلقات نقاش عبر تطبيقات مثل (زووم)، تضم أشخاصاً من مختلف أنحاء العالم، كما أمكن توفير كثير من النفقات الخاصة بالسفر والانتقالات والإقامة من أجل إجراء حوارات مع فنانين ومسؤولين وحضور مهرجانات، لأن كل هذا بات ممكناً عبر الإنترنت».
وعودة إلى دراسة معهد «رويترز» التي تحدثت عن خطط التحول الرقمي داخل المؤسسات، فإنها توضح أن «المؤسسات الإعلامية تعمل على وضع خطط للتحول الرقمي، وإعادة تصميم المكاتب، وتطوير البنية التكنولوجية، للتجاوب مع بيئة عمل مرنة مختلطة».
كذلك، تلاحظ الدراسة أن «كثرة من القائمين على صناعة الإعلام يرون أن التحول إلى بيئة عمل هجينة تمزج بين العمل عن بُعد والعمل من المكتب لم يجرِ العمل عليه أو تطويره بشكل كامل بعد، إضافة إلى تخوف بعضهم من أن يؤدي ذلك إلى خسائر في الإبداع والتواصل والثقافة».
نقطة أخرى تثيرها الدراسة، وهي «تحيز التقارب»، حيث «يخشى بعضهم من أن يحصل الصحافيون المداومون في المكاتب على مزايا أكثر لقربهم من المديرين، بينما يصار إلى تجاهل العاملين عن بُعد»، إضافة إلى أن «المديرين يشعرون بعبء إضافي عند العمل عن بُعد، إذ يتحملون مسؤولية التواصل مع الموظفين الذين لا يرونهم وجهاً لوجه وتحفيزهم».
عبد الحفيظ، من جهته، يرفض تنفيذ «النظام الهجين» في العمل الصحافي. ويبرر رفضه بأن «الصحافة مهنة تفاعلية، ويتطلب إنتاج الأفكار وتطويرها تواصلاً إنسانياً، إضافة إلى التفاعل مع المصادر نفسها من أجل تحسين جودة المنتج الصحافي». لذلك، فهو مع «عودة العمل إلى ما كان عليه قبل (كوفيد - 19)».
وحول الوضع في مصر داخل المؤسسات، يشير عبد الحفيظ إلى أنه «لا يوجد نظام معين متبع، فهناك مؤسسات إعلامية عادت إلى العمل بشكل كامل، وأخرى ما زالت تمزج بين العمل عن بُعد والعمل من المكتب».
ومن جانبه، أشار الطوقي إلى أن «تجربة العمل عن بُعد أو من المنازل يُمكن أن تستمر في أوقات الكوارث والأزمات، كما حدث عندما ضرب الإعصار (شاهين) سلطنة عُمان». وأضاف الطوقي أن «معظم المؤسسات الإعلامية في عمان عادت إلى العمل من المكاتب بنسبة تقترب من 80 في المائة، والمتوقع أن تصل إلى 100 في المائة قريباً، مع تطعيم جميع المواطنين باللقاح، والسيطرة على الجائحة».
وفي هذا الاتجاه، قال أيوب إن «الجائحة دعمت فكرة التحول الإلكتروني، وساهمت في تطوير آليات العمل عن بُعد، إلا أن هذا لا يمكن أن يستمر، حفاظاً على جودة المنتج الإعلامي الذي يحتاج إلى قدر من التفاعل والتواصل الإنساني».
وختاماً، ووفق دراسة معهد «رويترز»، يجب على المؤسسات الإعلامية أن توازن بين متطلبات العمل وتوقعات الموظفين بشأن المرونة والاستقلالية، والتعامل مع التحول لبيئة العمل الهجينة، لا سيما أن العمل عن بُعد غالباً ما يكون مطلب الصحافيين الجدد.
وتجدر الإشارة إلى أن الدراسة قد رصدت تجربة مؤسسة «ريتش بي إل سي» البريطانية التي تضم أكثر من 100 صحيفة، وأكثر من 80 موقعاً إلكترونياً، والتي أعلنت في مارس (آذار) الماضي عزمها على إغلاق 75 في المائة من مكاتبها الخارجية، حيث «سيعمل عدد من الصحافيين من المنازل، متصلين بمكتب رئيس، في تطبيق للنظام الهجين».


مقالات ذات صلة

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

وافقت شبكة «إيه بي سي نيوز» على دفع 15 مليون دولار لصالح مكتبة دونالد ترمب الرئاسية، لتسوية دعوى قضائية تتعلق بتصريح غير دقيق من المذيع جورج ستيفانوبولوس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».