الحرب السورية جمعت بوتين وخامنئي... هل يفرقهما «التطبيع»؟

سوريون في أحد شوارع دمشق يحملون أعلام بلدهم وروسيا وإيران في أبريل 2019 (أ.ب)
سوريون في أحد شوارع دمشق يحملون أعلام بلدهم وروسيا وإيران في أبريل 2019 (أ.ب)
TT

الحرب السورية جمعت بوتين وخامنئي... هل يفرقهما «التطبيع»؟

سوريون في أحد شوارع دمشق يحملون أعلام بلدهم وروسيا وإيران في أبريل 2019 (أ.ب)
سوريون في أحد شوارع دمشق يحملون أعلام بلدهم وروسيا وإيران في أبريل 2019 (أ.ب)

أحد المحركات الرئيسية للمبادرات والغارات والضغوطات في سوريا هو الوجود الإيراني، خصوصاً ما يتعلق بمستقبل التموضع العسكري فيها. هذا الملف حاضر في شكل مباشر أو بالإشارات في الاجتماعات والاتصالات العلنية وغير العلنية التي جرت مع دمشق والرئيس بشار الأسد.
معروف أن هناك «علاقة استراتيجية» بين دمشق وطهران منذ 1979. وبعد 2011، انتقلت إلى مرحلة جديدة، إذ إن تدخل إيران العسكري المباشر وعبر تنظيماتها ساهم في «بقاء النظام»، قبل أن يأتي التدخل العسكري الروسي ليلعب «دور المنقذ ثم المنتصر».
وفي موازاة تدخلها الإنقاذي، عمقت إيران من تموضعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط من البوابة السورية، بهدف «حماية الحديقة الخلفية» للعراق، والربط بين بغداد وبيروت و«حزب الله» عبر دمشق، وتأسيس موطئ قدم تطل منه على إسرائيل، وتصل إلى المياه الدافئة على البحر المتوسط. أميركا واجهت ذلك بأن أقامت عسكرياً شمال شرقي سوريا، وربطت وجودها بقواعدها غرب العراق، وتمركزت استراتيجياً في قاعدة التنف لقطع طريق طهران - بغداد - دمشق - بيروت وخط الإمداد البري.
وعندما ردت إيران بإقامة طريق بري بديل بين طهران ودمشق وبيروت، عبر البوكمال في ريف دير الزور، عزز التحالف الدولي، بقيادة أميركا، من وجوده شرق الفرات ووسع من قواعده. أما إسرائيل، فإنها وضعت «خطوطاً حمراء» و«لاءات» ضد التموضع الإيراني، ووصول صواريخ بعيدة المدى وأسلحة متطورة لـ«حزب الله»، وإنشاء مصانع صواريخ طويلة المدى.
تركيا واجهت النفوذ الإيراني جنوب حدودها الجنوبية بأن تعايشت معها، فدخلت أنقرة وطهران وموسكو في عملية آستانة في عام 2017، بصفتها الأطراف الفاعلة عسكرياً على الأرض بسوريا، لتتقاسم النفوذ والتفاهمات، مقابل كتلة أخرى مثلتها أميركا وحلفاؤها وقواتها وإسرائيل وغاراتها.
أما الدول العربية، فبعضها راهن على روسيا في «ضبط نفوذ إيران» لأنه منافس لها، خصوصاً في مناطق الحكومة التي تشكل ثلثي البلاد، وبعضها الآخر راهن على أميركا في زمن دونالد ترمب ودول غربية وضعت «خروج جميع القوات الأجنبية، عدا الجيش الروسي، والعودة إلى ما قبل 2011» شرطاً مسبقاً لأي تطبيع مع دمشق، أو مساهمة بإعمار سوريا ورفع العقوبات.
الرهانات تغيرت الآن، في ضوء أن الواقع السوري والإقليمي تغير ويتغير؛ إدارة جو بايدن تنظر إلى الدور الإيراني بطريقة مختلفة عن إدارة ترمب، وهي تربطه إلى حد كبير -كما فعلت إدارة باراك أوباما- بمفاوضات الاتفاق النووي، ولا تريد تخريب المفاوضات، وتنتظر الجولة المقبلة منها نهاية هذا الشهر. وعندما تفكر بالرد على «الاختبارات» الإيرانية بقصف قاعدة التنف شرق سوريا أو في العراق أو مياه الخليج، فإنها تنظر له من زاوية مدى تأثيره على ملف المفاوضات.
وعليه، انحصرت ساحة الرهان إلى خيارين: الأول، الانخراط مع الرئيس بشار الأسد، وفك العزلة عن دمشق، على أمل «تخفيف وتذويب» النفوذ الإيراني. والهدف ليس نقل سوريا فوراً من ضفة «حلف المقاومة»، بقيادة إيران، إلى «معسكر الاعتدال»، بل أن تكون دمشق مفتوحة بين المعسكرين، لأن هذا هو الخيار الواقعي بداية، ولأن بعض الدول العربية ذاتها وقعت اتفاقات مع إسرائيل، وتركت الباب مفتوحاً للحوار مع إيران. وبعض الدول العربية بدأت رحلة التطبيع على هذا الأساس، فيما ترى دول أخرى أن الشروط لم تتوفر بعد، وعلى دمشق أن تقوم بـ«خطوات ملموسة»، وتبدأ رحلة ضبط النفوذ الإيراني في سوريا والإقليم ووقف توسعه، بصفتها نقطة انطلاق.
أما الخيار الثاني، فيتمثل في الرهان على قدرة الرئيس فلاديمير بوتين على وضع حد لنفوذ إيران. ويقوم هذا التفكير على أن الحرب جمعت بوتين والمرشد «الإيراني» علي خامنئي في سوريا، لكن السلام السوري والتطبيع سيفرقهما، حيث إن إيران تريد دعم الميليشيات، وخلق نظام تابع وتقسيم سوريا، فيما تريد روسيا تقوية الجيش، والحفاظ على الدولة ووحدة سوريا؛ أي دعم «سوريا الروسية» ضد «سوريا الإيرانية».
أما إسرائيل، فإن رهانها ثلاثي الأبعاد: أولاً، تحصل على الدعم اللوجيستي والاستخباراتي من أميركا، خصوصاً في قاعدة التنف، في غاراتها ضد «مواقع إيران» في سوريا، إضافة إلى قطع طريق طهران - دمشق - بيروت. وثانياً، تأمل في أن تؤدي خطوات التطبيع العربي إلى فتح الباب لدمشق كي ترى فرصاً أخرى، والقبول بالخروج من «ثلاجة العزلة». وثالثاً، تراهن على غاراتها وضرباتها العسكرية في سوريا، وتفاهماتها العسكرية مع روسيا.
رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، عقد تفاهماً عميقاً مع بوتين بـإعطاء «أولوية لأمن إسرائيل»، الأمر الذي وافق عليه ترمب وفريقه، واتفقا على العمل وراء بوصلة «أمن إسرائيل». وبالفعل، فإن صفقات جنوب سوريا والتفاهمات الإقليمية - الدولية و«الخط الساخن» بين قاعدة حميميم وتل أبيب، وتبادل المعلومات والتحكم الروسي بمنظومات الصواريخ الروسية في سوريا كي لا تعرقل عمل الطائرات الإسرائيلية، أعطت تل أبيب «يداً حرة» في «ملاحقة إيران لمنع تموضعها استراتيجياً» في سوريا.
ورئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، نفتالي بينت، حصل خلال لقائه مع بوتين في سوتشي في الـ22 من الشهر الماضي على «حصة نتنياهو» ذاتها وأكثر. فهناك كثير من المؤشرات لذلك في الأسابيع الأخيرة، بينها استئناف العمل بـ«آلية التنسيق العسكري» والخط الساخن بين حميميم وتل أبيب، واستخدام إسرائيل صواريخ أرض - أرض بقصف أطراف دمشق، وكثافة الغارات، سواء من أجواء لبنان أو من فوق قاعدة التنف أو من القسم المحتل في الجولان السوري.
مفاوضات الملف النووي في فيينا محطة مهمة، خصوصاً إذا تضمنت تفاهمات إقليمية، لكن لا بد من ملاحقة مسار الضربات الجوية و«المسيرات» في أجواء سوريا، والزيارات الدبلوماسية إلى دمشق، لتلمس مستقبل الوجود الإيراني في سوريا.



وزير يمني ينفي توقف تصاريح السفن إلى ميناء عدن

سفينة شحن أميركية راسية في ميناء عدن (أرشيفية - رويترز)
سفينة شحن أميركية راسية في ميناء عدن (أرشيفية - رويترز)
TT

وزير يمني ينفي توقف تصاريح السفن إلى ميناء عدن

سفينة شحن أميركية راسية في ميناء عدن (أرشيفية - رويترز)
سفينة شحن أميركية راسية في ميناء عدن (أرشيفية - رويترز)

نفى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني، معمر الإرياني، صحة الأنباء التي تداولتها بعض المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي بشأن وقف منح تصاريح دخول السفن إلى ميناء العاصمة المؤقتة عدن، مؤكداً أن هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة، وأنها تندرج في إطار الإشاعات التي تستهدف إرباك المشهد الاقتصادي والملاحي في البلاد.

وأوضح الإرياني، في تصريح رسمي، أنه وانطلاقاً من المسؤولية الوطنية وحرصاً على طمأنة الرأي العام والقطاعَين التجاري والملاحي، جرى التواصل المباشر مع الجانب السعودي للتحقق مما أُثير، حيث تم تأكيد عدم صحة هذه الادعاءات بشكل قاطع، وأن الإجراءات المعمول بها تسير بصورة طبيعية ودون أي تغيير.

وأضاف أن عدداً من تصاريح دخول السفن إلى ميناء عدن تم إصدارها خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية، بما يدحض كل ما تم تداوله من معلومات مغلوطة.

وشدد الوزير اليمني على أن ميناء عدن يواصل أداء مهامه وفق الأطر القانونية والتنظيمية المعتمدة، وأن حركة الملاحة والتجارة مستمرة بوتيرة طبيعية.

ودعا الإرياني وسائل الإعلام ورواد المنصات الرقمية إلى تحري الدقة واستقاء المعلومات من مصادرها الرسمية، وتجنّب الانجرار خلف الشائعات التي لا تخدم استقرار البلاد ولا تصب في مصلحة المواطنين أو الاقتصاد الوطني.

وفي هذا السياق، ثمّن الوزير عالياً المواقف السعودية، ودورها الداعم لليمن في مختلف الظروف، وحرصها المستمر على تسهيل حركة التجارة والإمدادات، بما يُسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية وتعزيز الاستقرار في المناطق المحررة.

تنسيق حكومي - أممي

بالتوازي مع ذلك، بحث وزير النقل اليمني، الدكتور عبد السلام حُميد، في العاصمة المؤقتة عدن، مع مصطفى البنا المنسق الإقليمي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أوجه الدعم الذي يقدمه المكتب إلى القطاعات والمؤسسات والهيئات التابعة للوزارة، خصوصاً في مجالات التدريب والتأهيل وبناء القدرات وتوفير الوسائل والمعدات الفنية.

وأشاد وزير النقل اليمني بالدعم الذي قدمه البرنامج الأممي، بما في ذلك توفير وسائل الاتصالات والتجهيزات للمركز الإقليمي لتبادل المعلومات البحرية، ووسائل مراقبة التلوث للهيئة العامة للشؤون البحرية، بالإضافة إلى برامج بناء القدرات لمؤسسات المواني والهيئة عبر برنامج مكافحة الجريمة البحرية العالمية في خليج عدن والبحر الأحمر.

ميناء عدن تعرض لأضرار كبيرة جراء الحرب التي أشعلها الحوثيون (الأمم المتحدة)

وقدم الوزير حُميد عرضاً مفصلاً عن احتياجات المواني والمطارات اليمنية، وفي مقدمتها ميناء ومطار عدن، إلى أجهزة كشف المتفجرات، بهدف تنسيق الدعم مع البرنامج الأممي والدول والصناديق المانحة.

وأكد أن توفير أجهزة حديثة ومتطورة لتفتيش الشحنات والمسافرين يُعد أولوية قصوى في ظل التحديات الأمنية الراهنة، لما لذلك من أثر مباشر في تعزيز أمن الملاحة البحرية وسلامة حركة الطيران المدني.

وتحدّث وزير النقل اليمني عن حرص وزارته على تسهيل عمل مكتب الأمم المتحدة وتذليل الصعوبات التي قد تعترض تنفيذ أنشطته، بما ينعكس إيجاباً على كفاءة أداء المواني والمطارات، ويعزز ثقة المجتمع الدولي بقدرة المؤسسات اليمنية على إدارة المنافذ الحيوية وفق المعايير المعتمدة.

ونسب الإعلام الرسمي اليمني إلى المسؤول الأممي أنه أشاد بمستوى التعاون والتنسيق القائم مع وزارة النقل والمؤسسات التابعة لها، مثمناً الجهود المبذولة لإنجاح برامج الدعم الفني والأمني.

وأكد المسؤول أن المكتب الأممي سيواصل تقديم الدعم اللازم إلى المؤسسات البحرية وسلطات إنفاذ القانون في اليمن، إلى جانب التنسيق مع الجهات المانحة لتوفير وسائل الكشف عن المتفجرات والأسلحة، بما يُسهم في تعزيز أمن النقل البحري والجوي ودعم الاستقرار الاقتصادي.


الحوثيون يجندون مئات السجناء في عمران وصعدة مقابل إطلاقهم

سجناء أفرج عنهم الحوثيون في عمران مقابل الالتحاق بصفوفهم (إعلام حوثي)
سجناء أفرج عنهم الحوثيون في عمران مقابل الالتحاق بصفوفهم (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يجندون مئات السجناء في عمران وصعدة مقابل إطلاقهم

سجناء أفرج عنهم الحوثيون في عمران مقابل الالتحاق بصفوفهم (إعلام حوثي)
سجناء أفرج عنهم الحوثيون في عمران مقابل الالتحاق بصفوفهم (إعلام حوثي)

كشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» عن مواصلة الجماعة الحوثية توسيع عمليات التجنيد القسري داخل السجون الخاضعة لسيطرتها، عبر إجبار مئات المحتجزين على الالتحاق بصفوفها والمشاركة في القتال مقابل الإفراج عنهم.

وبحسب المصادر، فقد أُجبر نحو 370 سجيناً على ذمة قضايا مختلفة في محافظتي عمران وصعدة، معقل الجماعة الرئيسي، على الخضوع لدورات تعبوية وعسكرية تمهيداً لإرسالهم إلى الجبهات.

وأفادت المصادر بأن الجماعة أطلقت في الأيام الماضية حملة تجنيد جديدة استهدفت مئات المحتجزين، بينهم سجناء على ذمة قضايا جنائية، في سجون عمران وصعدة. وشملت الحملة وعوداً بالعفو، وتسوية الملفات القضائية، مقابل الموافقة على الانخراط في القتال، في خطوة وُصفت بأنها جزء من سياسة ممنهجة لاستغلال أوضاع السجناء وظروفهم القاسية.

وفي محافظة عمران، تحدثت المصادر عن زيارات ميدانية نفذها قادة حوثيون، يتصدرهم القيادي نائف أبو خرفشة، المعين مشرفاً على أمن المحافظة، وهادي عيضة المعين في منصب رئيس نيابة الاستئناف، إلى السجون في مركز المحافظة ومديريات أخرى. ووفقاً للمصادر، جرى الإفراج عن 288 سجيناً بعد إجبارهم على القبول بالالتحاق بالجبهات القتالية.

قادة حوثيون يزورون أحد السجون الخاضعة لهم في صعدة (إعلام حوثي)

وأكد حقوقيون في عمران لـ«الشرق الأوسط» أن عناصر حوثية مارست ضغوطاً وانتهاكات واسعة بحق المحتجزين، شملت التهديد بالعقوبات، وسوء المعاملة، والحرمان من الزيارة، لإجبارهم على القبول بالذهاب إلى الجبهات، مقابل الإفراج عنهم، وتقديم مساعدات محدودة لذويهم. وعدّ الحقوقيون هذه الممارسات شكلاً صارخاً من أشكال التجنيد القسري المحظور بموجب القوانين الدولية.

ويروي أحد السجناء المفرج عنهم حديثاً في عمران، طلب إخفاء اسمه لدواعٍ أمنية، أن قيادات في الجماعة نفذت زيارات متكررة للسجن الاحتياطي وسط المدينة، وعرضت على المحتجزين أكثر من مرة الإفراج مقابل الالتحاق بدورات قتالية. وقال: «من يرفض يتعرض لعقوبات داخل السجن أو يُحرم من الزيارة». وأضاف أن التهديد المستمر، وسوء المعاملة دفعاه في النهاية إلى القبول بالانضمام للجماعة.

تجنيد في صعدة

فيما تندرج هذه التحركات ضمن مساعي الحوثيين لزيادة أعداد مقاتليهم، أفادت مصادر محلية بأن الجماعة أفرجت في محافظة صعدة عن 80 سجيناً من الإصلاحية المركزية والسجن الاحتياطي، بعد إجبارهم على الموافقة على الالتحاق بصفوفها والخضوع لدورات تعبوية.

وسبق ذلك قيام القيادي المنتحل صفة النائب العام محمد الديلمي، إلى جانب رئيسي محكمة ونيابة الاستئناف في صعدة سليمان الشميري وإبراهيم جاحز، بزيارات إلى السجون، أصدروا خلالها تعليمات بالإفراج عن المحتجزين مقابل انخراطهم في القتال.

قيادات حوثية تفرج عن سجناء مقابل الالتحاق بجبهات القتال (فيسبوك)

وتقول أم أحد المعتقلين في السجن المركزي بصعدة لـ«الشرق الأوسط» إن عناصر حوثية زارت منزلهم وأبلغتهم بأن الإفراج عن ابنها مرهون بموافقة الأسرة على ذهابه للجبهات. وتضيف: «نحن بين نارين، إما أن يموت داخل السجن نتيجة التعذيب والانتهاكات، وإما يُزج به في جبهات القتال».

وتأتي هذه الخطوات في ظل سعي الجماعة إلى تعزيز حضورها العسكري في الجبهات التي تشهد ضغوطاً متواصلة، إلى جانب مشاركتها فيما تسميه «معركة تحرير فلسطين».

تصاعد الشكاوى

ولا تقتصر المساومات الحوثية على سجناء عمران وصعدة، إذ امتدت خلال الفترة الأخيرة إلى محتجزين في محافظات عدة تحت سيطرتها، من بينها صنعاء وريفها وإب وذمار والحديدة وحجة. وكان آخر هذه الحالات الإفراج عن نحو 219 محتجزاً في سجون بمحافظة تعز، تنفيذاً لتوجيهات أصدرها زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي.

جماعة الحوثي جندت مجاميع كبيرة من السجناء خلال الفترات الماضية (فيسبوك)

ويتزامن ذلك مع تصاعد شكاوى عائلات المحتجزين من تكثيف أعمال التطييف والتعبئة القسرية داخل السجون، حيث يحذر حقوقيون يمنيون من أن الإفراج المشروط بالتجنيد يمثل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان، ويحوّل السجناء إلى وقود بشري.

ويشدد الحقوقيون على ضرورة حماية حقوق المعتقلين، ووقف استغلالهم في العمليات القتالية، والدفع نحو حلول سلمية شاملة تضع حداً للنزيف الإنساني المتواصل.


«المحاسبون القانونيون» تحت طائلة الاستهداف الحوثي

جانب من فعالية سابقة نظمتها جمعية المحاسبين اليمنيين في صنعاء (فيسبوك)
جانب من فعالية سابقة نظمتها جمعية المحاسبين اليمنيين في صنعاء (فيسبوك)
TT

«المحاسبون القانونيون» تحت طائلة الاستهداف الحوثي

جانب من فعالية سابقة نظمتها جمعية المحاسبين اليمنيين في صنعاء (فيسبوك)
جانب من فعالية سابقة نظمتها جمعية المحاسبين اليمنيين في صنعاء (فيسبوك)

وسّعت الجماعة الحوثية من دائرة انتهاكاتها الممنهجة لتطال عشرات المحاسبين القانونيين اليمنيين في العاصمة المختطفة صنعاء، عبر حملات تعقّب، وملاحقة، وتهديدات مباشرة بالتصفية، إلى جانب الاعتقال التعسفي، والإخضاع للتطييف الفكري، في خطوة وُصفت بأنها تعسفية، وتمثل تهديداً خطيراً لاستقلال المهنة، وسلامة العاملين فيها، وانعكاساً سلبياً على بيئة العمل القانونية والمحاسبية في البلاد.

ودفعت هذه الممارسات المتصاعدة منتسبي مهنة المحاسبة القانونية في صنعاء إلى عقد سلسلة اجتماعات طارئة، وإصدار بيانات إدانة شددت على ضرورة الوقوف في وجه الجماعة، واتخاذ خطوات تصعيدية للدفاع عن حقوق المحاسبين، وحماية مهنيتهم في عموم مناطق سيطرة الحوثيين.

وأعربت «جمعية المحاسبين القانونيين اليمنيين» (مقرها صنعاء) عن قلقها البالغ إزاء تزايد الانتهاكات، والتهديدات، وأعمال الخطف التي يتعرض لها منتسبوها في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة، معتبرة أن تكرار هذه الممارسات بات يشكل تهديداً واضحاً لاستقلال المهنة، وسلامة أعضائها، ويقوّض أسس العمل المهني القائم على الحياد، والشفافية.

عبر الانتماء السلالي تمكن الحوثيون من الهيمنة على الأجهزة الأمنية (إكس)

وأوضحت الجمعية، في بيان، أن المحاسب القانوني محمود الحدي تلقى أخيراً تهديدات مباشرة وصريحة عبر الهاتف بالتصفية الجسدية، صدرت عن مشرف حوثي بارز يُدعى شرف أحمد الجوفي. وأكدت أن التهديد بالقتل، والإساءة، وتوجيه الشتائم جرت أثناء حضور عدد من أعضاء الهيئة الإدارية للجمعية، في واقعة عدّتها انتهاكاً صارخاً للقانون، والأعراف المهنية.

وأشار البيان إلى أن المحاسب القانوني عزّ الدين الغفاري تعرّض قبل فترة للاحتجاز التعسفي من قبل ما تُسمى إدارة البحث الجنائي الخاضعة للجماعة في صنعاء، وذلك بإيعاز من قاضٍ موالٍ للحوثيين يعمل بمحكمة استئناف العاصمة المختطفة، على خلفية قيامه بمهامه المهنية في مراجعة شفافة لإحدى القضايا، في مؤشر على استخدام أدوات القضاء والأمن لتصفية الحسابات المهنية.

وعبّرت الجمعية عن إدانتها الشديدة لكل أشكال التهديد، والاعتداء، والاختطاف المستمرة التي طالت ولا تزال محاسبين قانونيين في مناطق سيطرة الحوثيين، مطالبة الجهات المعنية والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية بتحمل مسؤولياتها إزاء هذه الانتهاكات، والتحرك لحماية العاملين في هذا القطاع الحيوي.

استمرار التعسف

هاجم مصدر نقابي في جمعية المحاسبين اليمنيين بصنعاء كبار قادة ومشرفي الجماعة، متهماً إياهم باتخاذ مزيد من الإجراءات والممارسات التعسفية المخالفة للقانون ضد العشرات من زملائه في صنعاء، ومدن أخرى، محذّراً من انعكاسات خطيرة على مهنة العمل المحاسبي والقانوني، وعلى الثقة العامة بالبيئة الاقتصادية.

وكشف المصدر، في حديث لـ«الشرق الأوسط» طلب فيه عدم ذكر اسمه، عن تعرّض أكثر من 16 مكتباً ومركزاً للمحاسبة والمراجعة والتدريب القانوني في صنعاء، إلى جانب عشرات المحاسبين الإداريين والقانونيين، خلال الربع الأخير من العام الجاري، لحملات ابتزاز، ومضايقة، وإغلاق قسري، فضلاً عن اختطاف، واعتقال تعسفي، وغير قانوني.

وأضاف أن الجمعية تواصل اتخاذ خطوات تصعيدية متاحة للدفاع عن أعضائها، وحماية كرامتهم، والتمسك بأداء واجبها في خلق بيئة مهنية آمنة تتيح للمحاسب أداء مهامه باستقلالية وحياد كاملين، بعيداً عن أي ضغوط، أو تهديدات، مؤكداً أن الصمت إزاء هذه الانتهاكات سيقود إلى مزيد من التدهور المؤسسي.

جانب من انتشار أمني حوثي في أحد شوارع صنعاء (إكس)

وتضم جمعية المحاسبين اليمنيين نحو ثلاثة آلاف عضو نشط، ولها فروع عدة في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين. كما تواصل عملها بالشراكة مع منظمات دولية متخصصة في دعم العمل المحاسبي والقانوني، عبر تنظيم فعاليات ومؤتمرات تهدف إلى تعزيز معايير المهنة، والحوكمة، والشفافية.

ومنذ اقتحام الحوثيين صنعاء ومدناً أخرى، عمدت الجماعة إلى التضييق على المحاسبين القانونيين، واتخاذ سلسلة إجراءات تعسفية بحق كثير منهم، في مسعى لفرض السيطرة على قطاع يُعد من ركائز النزاهة المالية، والرقابة، وتسخيره –على غرار قطاعات أخرى– لخدمة أجندتها.

كما أخضعت خلال فترات سابقة مئات المحاسبين للتعبئة الفكرية والعسكرية، ضمن ما تسميه «معركة الجهاد المقدس»، في خطوة أثارت مخاوف واسعة من تسييس المهنة، وتقويض أسسها المهنية.