عندما فازت المجر على إنجلترا بستة أهداف مقابل ثلاثة على ملعب ويمبلي عام 1953 وبددت أسطورة تفوق كرة القدم الإنجليزية، كان ضيف الشرف هو جيمي هوغان، لاعب بيرنلي السابق الذي كاد أن يصبح كاهناً لكنه أصبح بدلاً من ذلك المدير الفني الأكثر تأثيراً في تاريخ كرة القدم. وقال غوستاف سيبيس، المدير الفني لمنتخب المجر العظيم: «لقد لعبنا كرة القدم كما علمنا إياها جيمي هوغان. عندما يتم سرد تاريخنا في عالم كرة القدم، يجب أن يُكتب اسمه بأحرف من ذهب».
لكن جزءا مهما للغاية من هذا التاريخ يتمثل في كيفية وصول هوغان إلى المجر في المقام الأول. لقد كانت الشخصية الرئيسية في تلك القصة لرجل إنجليزي آخر هو إدوارد شايرز، وهو بائع آلات كاتبة من بولينغتون بالقرب من ماكليسفيلد، والذي تُقرأ قصته العائلية وكأنها ملحمة تاريخية من القرن العشرين. وبينما كان هوغان يعاني من إصابة في الركبة أثرت كثيرا على مسيرته الكروية، فكر في الانتقال إلى عالم التدريب، لكنه كان يعلم جيدا أنه ليس له مكان في كرة القدم الإنجليزية، لذلك سعى للحصول على فرصة للتدريب في الخارج. وفي عام 1914 عُرض عليه القيام بدور في إعداد النمسا لدورة الألعاب الأولمبية لعام 1916 وكان هوغان قد أمضى شهرين في فيينا عندما اغتيل فرانز فرديناند في سراييفو. وبعد شهر، كانت بريطانيا في حالة حرب مع المجر والنمسا.
وفي وقت مبكر من صباح أحد الأيام، اقتحمت الشرطة شقته في فيينا واعتقلته كأجنبي معاد. سُمح لزوجته بالعودة إلى بيرنلي في مارس (آذار) 1915، لكن هوغان بقي هناك وأصبح يشعر بالملل بشكل متزايد إلى أن سُمح له في أواخر عام 1916 بالسفر إلى بودابست. وهناك، تم تعيينه مديرا فنيا لنادي «إم تي كيه»، وقام بعمل رائع في كرة القدم وساعد المجر على الوصول لنهائيات كأس العالم مرتين.
وخلال العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، كان له تأثير عميق على الطريقة التي تلعب بها المباريات في إيطاليا وألمانيا وهولندا والدول الاسكندنافية وفرنسا ويوغسلافيا وأميركا الجنوبية. ويجب التأكيد على أن كرة القدم الحديثة هي في الأساس مجرية الأصل. لكن الطريقة التي وصل بها هوغان من فيينا إلى بودابست ظلت غير واضحة حتى صادفت مقابلة أجرتها صحيفة «نيمزيتي سبورت» في عام 1933 مع إدوارد شايرز، الذي اتضح أنه فعل الكثير لتهيئة الظروف التي ازدهر فيها هوغان.
كان شايرز يبلغ من العمر 17 عاماً وكان يعمل كاتباً في مصنع للآلات الكاتبة في مدينة مانشستر عندما قرر الرحيل مع والده إلى فيينا، التي انتقل إليها بعد أن تم إخطاره بأن رطوبة الشمال الغربي لإنجلترا كانت سيئة لرئتيه. وكان شقيقه، فرنك، قد انتقل إلى كندا وانضم إلى الجيش عند اندلاع الحرب وقُتل في معركة باشنديل. وذهبت شقيقتا إدوارد معه، وسافرتا عبر باريس، حيث التقى إدوارد بأدا وسرعان ما تزوجها.
وفي فيينا، باع شايرز الآلات الكاتبة وبدأ في استيراد السلع الرياضية، ويعود الفضل إليه على نطاق واسع في إدخال تنس الطاولة إلى المجر النمساوية. كما لعب الكريكيت والتنس وأصبح صديقاً جيداً لهارولد غاندون، الذي فاز في عام 1894 ببطولة النمسا المفتوحة للتنس في براغ (كانت بوهيميا آنذاك جزءاً من الإمبراطورية النمساوية). لقد ازدهرت كرة القدم في المجر النمساوية وكان شايرز في قلبها، حيث حمل شارة قيادة منتخب النمسا في مناسبة واحدة على الأقل.
وفي عام 1904 انتقل إلى بودابست، وقال إن السبب في ذلك يتمثل في أن «شركتي كانت بحاجة إلى شخص ما للقيام بأعمال تجارية في السوق المجرية الصعبة». وهناك انضم إلى نادي «إم تي كيه»، الذي يعد واحدا من أكبر ناديين في البلاد، لكن المخاوف الصحية أثرت بالسلب على مسيرته الكروية، وتحول للعمل كحكم ثم كإداري. وشعر شايرز بالإحباط بعدما فشل نادي «إم تي كيه» في كسر هيمنة فيرينكفاروس على كرة القدم المجرية، لذلك اتخذ إجراءات جذرية في عام 1911 وأقنع جون تايت روبرتسون، ذلك الاسكوتلندي الذي كان لاعبا ومدربا لنادي تشيلسي، بتولي القيادة الفنية لنادي «إم تي كيه».
وبالفعل، بدأ روبرتسون في تطوير طريقة اللعب التي يعتمد عليها «إم تي كيه»، لكنه رحل فجأة في عام 1913 ومع ذلك، فقد كان روبرتسون قد وضع حجر الأساس لطريقة عمل صحيحة داخل النادي. والأهم من ذلك أن هوغان، الذي كان يشعر بالإحباط الشديد تحت الإقامة الجبرية، قد كتب لشايرز يطلب منه المساعدة. ورأى شايرز أن الفرصة سانحة، وأقنع نائب رئيس نادي «إم تي كيه»، بارون ديرسزتاي المتعلم في كامبريدج، بأن يتقدم باستئناف لدى السلطات النمساوية. وفي أواخر عام 1916 وصل هوغان إلى بودابست ليشغل منصب المدير الفني لنادي «إم تي كيه».
ورغم أن النمسا والمجر كانتا في حالة حرب مع بريطانيا، فإن الموقف من الرعايا الأجانب كان مختلفاً تماماً. وتشير رسالة من السفير الأميركي في فيينا إلى نظيره في لندن إلى أنه بحلول مايو (أيار) 1915، تم اعتقال 75 شخصا من بين ما يقدر بألف و286 مواطناً بريطانياً في النمسا، وثلاثة فقط من بين 512 مواطنا بريطانيا في المجر. وفي وقت لاحق، كان شايرز أحد الموقعين على رسالة من الجالية البريطانية إلى السلطات المجرية تشكرهم على كرم الضيافة المستمر لهم خلال الحرب.
وعلى مدار عامين كاملين، كان هوغان يعكف على وضع رؤية شاملة لكرة القدم، وكان يلعب بطريقة خططية متطورة جعلت «إم تي كيه» ربما أفضل ناد في العالم في ذلك الوقت. وبعد الهدنة، واستيلاء الشيوعيين على السلطة وما كان يسمى بالرعب الأحمر آنذاك، فر هوغان وشايرز إلى المملكة المتحدة. وبعد انهيار جمهورية المجر السوفياتية، سرعان ما عاد كل منهما. وعاد هوغان للعمل في مجال التدريب.
وبحلول أواخر العشرينات من القرن الماضي، بدأ شايرز يواجه صعوبات كبيرة في عمله. واستقلت ابنته، إثيل، آخر قطار من بودابست متجها نحو الشرق، وانتهى بها المطاف في طهران، حيث تزوجت من مصرفي بريطاني. وبقيت ابنته الأخرى، فرنسيس، مع ابنة أخت تشرشل ضمن مجموعة صغيرة من المواطنين البريطانيين الذين بقوا في المجر خلال الحرب. ويتحدر منها 15 من أحفاد إدوارد المجريين، بينما يوجد ستة آخرون في المملكة المتحدة. من الواضح أن تاريخ هذه العائلة غير عادي، بسبب روح المغامرة وريادة الأعمال المميزة، ومن خلال لعب دور أساسي في تطوير كرة القدم المجرية، وبالتالي كرة القدم العالمية كما تُلعب اليوم.
إدوارد شايرز... بائع الآلات الكاتبة الذي حوّل المجر إلى قوة عملاقة في كرة القدم
إدوارد شايرز... بائع الآلات الكاتبة الذي حوّل المجر إلى قوة عملاقة في كرة القدم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة