استراتيجية عربية موحدة لتعزيز الأمن الفكري تضم 26 دولة

ابن رقوش لـ {الشرق الأوسط}: ننتظر صدور التوصيات لعرضها على قادة الدول المشاركة

استراتيجية عربية موحدة لتعزيز الأمن الفكري تضم 26 دولة
TT

استراتيجية عربية موحدة لتعزيز الأمن الفكري تضم 26 دولة

استراتيجية عربية موحدة لتعزيز الأمن الفكري تضم 26 دولة

تنتظر العاصمة السعودية الرياض غدا، الخروج باستراتيجية عربية موحدة لتعزيز الأمن الفكري في 26 دولة عربية وإسلامية منها 15 دولة عربية، إضافة إلى بعض الدول الإسلامية المشاركة في المؤتمر الدولي للوقاية من الإرهاب والتطرف، الذي تنظمه جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية برعاية الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الرئيس الفخري لمجلس وزراء الداخلية العرب، الذي بدأ أمس بحضور عربي ودولي رفيع المستوى.
تأتي تلك التحركات، في الوقت الذي أجمعت فيه العواصم العربية والإسلامية برمتها، ممثلة بقياداتها وعلمائها، على ضرورة تعزيز الأمن الفكري في جميع الدول العربية التي يحيط بها عدد من المشكلات الاجتماعية والفكرية المتطرفة، وتحديد الأهداف التي تحتاج إليها تلك الدول للوقاية من الإرهاب والتطرف، وذلك بعد اتفاق وتنسيق مباشر بين وزراء الداخلية العرب ووزراء العدل وسفراء الدول المعتمدين في الرياض.
بدوره، ناشد الشيخ عبد العزيز آل الشيخ المفتى العام في السعودية، علماء الأمة ضرورة تحذير الناس من الفكر المنحرف الذي يدعو للقتل والعدوان، «خصوصا أننا نعيش في زمان كثرت فيه الفتن والشبهات»، موضحا أن الإسلام جاء ليقيم العدل ويؤمن السبل ويقطع دابر المفسدين، وأنه «يجب على الجميع التعاون والعمل لاستئصال الفكر المنحرف وأن نكون يدا واحدة»، مشيرا إلى أن هذا المؤتمر يعالج أمرا ابتليت به هذه الأمة ممثلا بالإرهاب الذي ترعاه قوى شريرة تسعى لإفسادها وتقسيمها.
وأكد مفتي عام السعودية أن بلاده تعمل على إنقاذ الشعب اليمني الشقيق من ظلم المفسدين و«هو أمر شرعي وعمل مشروع يؤيده كل مسلم»، مبينا أن «الغاية منه قطع دابر المفسدين وحماية حدودنا»، مؤكدا أن «الملايين من أبناء اليمن الشقيق آمنون في بلادنا، وإننا أبعد الناس عن الظلم والعدوان».
من جهته، أفصح لـ«الشرق الأوسط» الدكتور جمعان بن رقوش رئيس جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، عن ترقب المؤتمر لإصدار عدد من التوصيات المتعلقة بمحاربة التطرف الفكري وعرضها على قادة الدول المشاركة، من أجل توحيد الرؤى والسياسات المناسبة للوصول إلى استراتيجية أمنية موحدة، وذلك عبر استضافة نخبة من العلماء والمفكرين لطرح رؤاهم وأفكارهم حيال القضايا الأمنية المعاصرة ودور العلماء في مكافحة الإرهاب والتطرف، وذلك ضمن مساعي الجامعة الحثيثة للوقوف على جوانب هذه الظاهرة كافة ورفد الجهود الوطنية والإقليمية والدولية لمجابهة ومكافحة الأنشطة الإرهابية.
وأوضح ابن رقوش أن جل الأنشطة الإرهابية المعاصرة، جاءت نتيجة لاختلال في الفكر والمعتقد، وعلينا تقويم هذا السلوك، وأن نعيد تصحيح مباعثه، لذلك جمعت الجامعة عددا من علماء الأمة الذين يمتلكون ناصية المنهجية السليمة في التعامل مع القضايا الفكرية والمذاهب المعاصرة، مؤكدا في الوقت ذاته، ضرورة تصحيح المدخلات الفكرية الخاطئة التي جرى حقنها في الناشئة ومواجهتها بالخطاب الديني الذي يستند على أسس شرعية ومنهجية سليمة.
وركزت أعمال الجلسة الأولى للمؤتمر الذي تستضيفه العاصمة الرياض هذه الأيام على دور العلماء في مكافحة التطرف في ظل التحولات المجتمعية والدولية الراهنة.
وسيناقش المؤتمر خلال اليومين المقبلين عددا من الأوراق العلمية التي تتحدث عن دور العلوم الاجتماعية في الوقاية من الإرهاب والتطرف، ودور القيادات الدينية في تحقيق الأمن والسلم العالمي، إضافة إلى دور العلماء في تحصين الشباب من الفكر المنحرف، والإفتاء بين المؤسسات الفقهية والاجتهادات الفردية، مرورا باستعراض آليات جديدة لمواجهة الإرهاب ودور المؤسسات الأكاديمية في استقطاب العلماء لمكافحة الإرهاب، وتعزيز ثقافة الحوار والتعايش، وأثر الغلو والتطرف وخطره على المجتمع الدولي، انتهاء بالأبعاد الاجتماعية والإنسانية والسياسية لدور العلماء في ظل التحولات الراهنة.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.