في كل سنة يبدأ الأوسكار وصخبه أبكر من السنة السابقة. كان الإعلام السينمائي ومواقع التواصل الاجتماعي تقرع طبول الجائزة السينمائية الأشهر مع مطلع العام الجديد. ثم أخذت الطبول تُقرع في الأشهر الثلاث الأخيرة من كل عام. هذه السنة، وفي العام الماضي أيضاً، انطلقت التوقعات قبل ستة أشهر عندما أخذت مواقع كثيرة بطرح السؤال: «ما هي الأفلام التي ستدخل منافسة الأوسكار في السنة المقبلة؟».
الواضح أنّ البعض يريد أن يكون الأول في تنبؤاته ربما تعزيزاً لذاته أو لموقعه أو لصحيفته، علماً بأنّ لا شيء أكثر من تكهنات بسيطة يمكن الخروج بها في الشهر السادس أو ما يليه من العام. الفكرة الواقعية تتكوّن دوماً في الأسابيع الأخيرة من السنة على شتى أصعدة التنافس. الصورة تزداد وضوحاً بدءاً من هذا الشهر.
- طوابق عليا وسفلى
نحن على بعد شهرين وعشرة أيام من فتح باب التصويت لأوسكار 2022 في السابع والعشرين من شهر يناير (كانون الثاني)، في الأول من فبراير (شباط) يغلق باب التصويت، وفي 27 مارس (آذار) سيقام الحفل الـ94 لهذه الجائزة التي تُشرف عليها «أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية» في هوليوود.
كالعادة، يتمحور كل شيء حول الفيلم. الفيلم هو النقطة المنتصفة للدائرة التي تضم باقي الترشيحات والمنافسات؛ إذ لا يمكن توفير طواقم التمثيل والإخراج والكتابة والتأليف الموسيقي أو التصوير أو أي جهد آخر في أي سباق منفصلاً عن الأفلام التي تمنح كل هذه الأقسام أسباب وجودها.
الأفلام بدورها ذات حركة عمودية؛ بعضها في طوابق سفلى، ومنها ما قد يصعد تدريجياً مع الوقت، ومنها ما بقي في مكانه. تلك الأفلام التي تشغل الطوابق العليا، وهي الأفلام الأكثر احتمالاً لدخول السباق رسمياً، تشهد المصير نفسه: بعضها يبقى فوق وبعضها ينزل إلى الأسفل مثل ركاب مصعد كهربائي ينتقل بين الأدوار.
الأفلام التي تتزاحم حالياً على الصعود إلى الواجهة والبقاء فيها تزيد على عشرة أفلام وآخر من انضم إليها فيلم Tick… Tick.. Boom! للين مانويل ميراندا وLicorice PIzza لبول توماس أندرسن. الأول ميوزيكال ينبري فيه كل من أندرو غارفيلد وفنيسا هودجز وألكسندرا شِب للبطولة، والثاني كوميديا رومانسية تقع أحداثها في السبعينات ويقود بطولتها وجهان جديدان (سكايلر غيزوندو وألانا هايم) لجانب ظهور شون بن وبرادلي كوبر وجون س. رايلي.
من الصعب ترتيب وجود هذين الفيلمين (أو أي آخر)، في قائمة محددة تضع الفيلم الأكثر احتمالاً في المركز الأول والأقل في المركز العاشر أو ما يليه. هذا لأنّ الوقت لا يزال مبكراً للتأكد من اتجاهات واحتمالات الفوز بالترشيحات أساساً، ناهيك باحتمالات الفوز بالأوسكار ذاته. لكن ما يمكن قوله هو إنّ هناك مجموعة من الأفلام تبدو أكثر حضوراً في المشهد اليوم. العشرة الأولى منها هي التالية ومن دون ترتيب معيّن:
1 - Licorice Pizza
■ هو كوميديا لم يعمد المخرج المعروف بول توماس أندرسن (Phantom Thread، There Will Be Blood وThe Master من بين أخرى) لمثيل لها، إذ طالما شهدت أفلامه طروحات اجتماعية حادة وشخصيات أكثر حدّة. هذا لا يعني أنّ الفيلم «أندرسن - لايت» بل لا يقل عمقاً في منواله عن بعض أفلام المخرج السابقة.
2 - King Richard
■ هذا فيلم رياضي الشأن مقتبس عن سيرة ذاتية للاعب تنس مشهور ومعتزل (ول سميث) يريد توجيه ابنته (أونجانو إيليس وسنية سيدني) لممارسة هذه الرياضة. المهمّة ليست سهلة؛ كون الفتاتين الصغيرتين لديهما مشروعات حياة أخرى.
3 - The Tragedy of Macbeth
■ ينهل المخرج جووَل كووَن من مسرحية ويليام شكسبير هذا الفيلم الدرامي الخالص، مانحاً دور ماكبث للممثل الأفرو - أميركي دنزل واشنطن. هذا هو الفيلم الأول لجووَل منفصلاً عن شقيقه إيتان بعد كل هذه السنوات من العمل معاً.
4 - West Side Story
■ الفيلم الجديد للمخرج ستيفن سبيلبرغ هو إعادة للفيلم القديم بالعنوانه ذاته الذي قام روبرت وايز وجيروم روبنز بتحقيقه سنة 1961. الموضوع ذاته: عصابتان من الفتيان؛ واحدة من أثرياء المدينة والأخرى من فقرائها يتصارعان على زعامة الحي.
واحد من أحد الطرفين يقع في حب فتاة من الطرف الآخر. النزاع يحتد. هو فيلم سبيلبرغ الموسيقي الأول، وهو كان رُشّح للأوسكار، عبر أفلامه أو بشخصه، 14 مرّة سابقة، خرج منها بثلاثة «أوسكارات»؛ أحدها مجمل أعمال (1987) والآخران واحد عن «قائمة شيندلر» (1994) والثاني عن «إنقاذ المجنّد رايان» (1999).
5 - Tick… Tick … Boom
■ كما أسلفنا، هو فيلم موسيقي من بطولة أندرو غارفيلد. نضيف هنا أنّه يدور حول مؤلف موسيقى لأعمال مسرحية يراجع حياته في هذا المضمار بمناسبة عيد ميلاده الثلاثين. يبدو لي أنّ المراجعة مبكرة، لكن هذا هو فحوى الفيلم على أي حال.
6 - The Power of the Dog
■ فيلم المخرجة النيوزلندية جين كامبيون الجديد هو أميركي الحكاية حول صاحب المزرعة في الغرب الأميركي (بندكت كمبرباتش) ذي الطبيعة العدائية. بوصول شقيقه وزوجته يقع صدام الشخصيات إلى أن يجد صاحب المزرعة نفسه في الخانة التي عليه أن يعترف فيها بأنّ أسلوب حياته ليس صحيحاً.
7 - Dune
■ التقدير العالي، نقدياً، لهذا الفيلم سيدفع به إلى الترشيحات بلا شك، لكن هل سيدفع به إلى الفوز؟ ينقل الفيلم نصف ملحمة هربرت فرانك المنتمية إلى نوع الخيال العلمي التي تقع أحداثها فوق كثبان تبدو عربية. للفيلم مزاياه لكن ليس من بينها تمثيل تيموثي شالامات.
8 - Belfast
■ يبدو فيلم كينيث براناف مؤكداً بدوره. سيرة ذاتية للمخرج الذي بدأ السينما بأعمال مقتبسة عن مسرحيات شكسبير ثم نوّع أكثر منتقلاً إلى أدب أغاثا كريستي. كما أسلفنا في مقال سابق «بلفاست» يشبه ما قام به ألفونسو كوارون حين قدّم «روما» من ناحية أنّه روى سيرته الذاتية وهو صغير. «روما» فاز بأوسكار أفضل فيلم، فلم لا «بلفاست»؟ هذا هو رهان براناف.
9 - The Lost Daughter
■ هذه الدراما التي تتحدث عن امرأة تفترش رمال الشاطئ وحيدة، عندما تبدأ بملاحظة أفراد عائلة تؤم المكان نفسه. ملاحظاتها تكوّن بداية لتغيير حاسم في شخصيّتها. المرأة هي أوليڤيا كولمن التي رُشحت في العام السابق في سباق أفضل ممثلة مساندة. المخرجة هي ماغي جيلنهال، وبذلك هي ثاني امرأة تتقدّم بفيلمها إلى هذه الترشيحات لجانب جين كامبيون.
10 - House of Gucci
■ أخفق فيلم ريدلي سكوت «المبارزة الأخيرة»، نقدياً وتجارياً، لذا لن يدخل السباق. لكنّ في جيب سكوت فيلماً آخر لافت للاهتمام هو «منزل غوتشي» الذي يدور حول صراعات داخل العائلة التي تملك محلات أزياء وملابس في أوروبا والولايات المتحدة. سلمى حايك أمام لادي غاغا وفي الوسط آل باتشينو وجيريمي آيرونز ويارد لوتو.
المجال لا يزال مفتوحاً أمام مفاجآت وجياد سوداء. البعض يتحدّث عن «سوان سونغ» و«رحلة لجوردان» و«ستيلووتر» حتى لا ننسى «ذا فرنش ديسباتش» و«لاست نايت إن سوهو». وهناك من يذهب به الاعتقاد بعيداً فيضم إلى قائمة الأفلام المرجح دخولها المنافسة أعمالاً تصلح ربما لجوائز أخرى غير أوسكار أفضل فيلم مثل «بلو بايو»، و«عينا تامي فاي»، وفيلم جيمس بوند الأخير «لا وقت للموت».
بصرف النظر عن هذه الاحتمالات، فإنّ الثابت أنّ هوليوود تتغيّر، ومن ساد عمليات التصويت في زمن مضى تغيّر، إما لرحيله أو لدخول أعضاء جدد ينتمون إلى الزمن الحاضر ومزاجاته.